أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - ما هي -الدولة-.. عربياً؟















المزيد.....

ما هي -الدولة-.. عربياً؟


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2811 - 2009 / 10 / 26 - 13:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس من مفهوم سياسي، أو اجتماعي، يكتنفه الغموض، والعتمة المعرفية، وتتعايش فيه، وتتصارع، الأوهام والحقائق، ويَظْهَر فيه، ويتأكَّد، نزاع وصراع المصالح بين البشر، كمفهوم "الدولة".. و"الدولة" في عالمنا العربي على وجه الخصوص.

المثقَّفون عندنا، والساسة والإعلاميون، يتحدَّثون (معظمهم، أو كثيرٌ منهم) عن "الدولة" وكأنَّها "المجتمع"، أو "الشعب"، أو "الأمَّة"، أو "البلد"؛ وبعضهم مِمَّن له مصلحة في أن يعبِّر عن وجهة نظر سياسية معارِضة معارَضة "بنَّاءة مسؤولة (أي على هوى "المسؤول")"، أو مِمَّن يريد أن يقي نفسه شرور شيطان رجيم كامِنٍ في لسانه أو قلمه، يُميِّز دائماً (تمييزاً برغماتياً صرفاً) في ما يقول، ويَكْتُب، "الحكومة" من "الدولة"، فـ "الحكومة" أقرب إلى "الأرض" منها إلى "السماء"، ويجوز، بالتالي، صبَّ جام غضب اللسان والقلم عليها؛ أمَّا "الدولة" فأقرب إلى "السماء" منها إلى "الأرض"، ويجب، بالتالي، تنزيهها عن "الطعن".

هذا، والحقُّ يُقال، إنَّما هو الوهم الخالص، أو الوهم بعينه، ولا ينشره، ويغرسه في العقول والحواس والمشاعر، إلاَّ كل من له مصلحة حقيقية، واقعية، أرضية، في أن تظل العامَّة من الناس تَنْظُر إلى "الدولة"، وتفهمها، على أنَّها "الكائن الأسمى"، الذي يعلو ولا يُعْلى عليه، المنزَّه عن كل نزاع أو صراع بين أبناء المجتمع الواحد، أو "الأُسْرة الواحدة"، والذي إنْ انحاز فإنَّما ينحاز إلى كل ما يبقيه "الحَكَم النزيه العادل"، الذي إليه يرجع المتخاصمون!

تلك هي "الصورة" التي يراد لها أن تكون "العين"، أي عيوننا، التي من خلالها ننظر إلى "الأصل الواقعي"، أي "الدولة"، والتي، أي تلك "الصورة"، هي "الغشاوة" جعلوها على أبصارنا.

كلاَّ، "الدولة"، و"الدولة" في عالمنا العربي على وجه الخصوص، ليست كذلك؛ لم تكن قط كذلك، ولن تكون أبداً، فهي فئة (ضئيلة) من "المواطنين غير العاديين"، المنظَّمين تنظيماً جيِّداً، وعلى شكل "هرم"، بينهم وبين "المجتمع"، أو "الشعب"، أو "العامة من الناس"، أو "المواطنين العاديين"، هوَّة، عُمْقها يَعْدِل عرض السماوات والأرض؛ وينبغي لهذه الفئة أن تتلفَّع بـ "المصلحة العامة"، وأن تُظْهَر نفسها على أنَّها "مِنَّا وإلينا"، و"الممثِّل العام" للمجتمع بأسره، وخادمه الذي يتلذَّذ بخدمته. ولقد عرفت "الدولة" عندنا كيف تحيي "الإمارة الإقطاعية"، في عصر أوروبا الظلامية، وهي رميم!

كلا الطرفين، أي الحاكم والمحكوم، في عالمنا العربي، يحتاج إلى "الوهم" عَيْناً يرى بها "الدولة"؛ لأنَّه يحتاج قَبْلاً إلى أن يخدع نفسه، وإلى أن يخفي عن نفسه حقيقة وجوده، وحقيقة علاقته بالآخر، والمحتوى الحقيقي للصراع الذي يخوض، أو الذي ينبغي له خوضه؛ ولا شكَّ في أنَّ المحكوم لن يبدأ صراعه الحقيقي ما بقي على احترامه الخرافي للدولة العربية، التي هي الواحد وقد تعدَّد، في الشكل ليس إلاَّ؛ وما بقي على احترامه الخرافي للماضي، بنُظِمه ومفاهيمه وشعاراته.. وأزيائه، فبعضٌ من مأساتنا يكمن في كوننا أمَّة كلَّما تحدَّانا المستقبل أن نصبح له أبناء، ولمعركته جنوداً، رجَعْنا القهقرى.. ولكن، إلى أين؟ إلى عصر أصبح أثراً بعد عين. رجَعْنا إلى ذلك الذي لن يرجع إلينا أبداً، معلِّلين أنفسنا بوهم أن لا قوَّة يمكننا امتلاكها إلاَّ تلك المُسْتَمَدة من الماضي وأمواته!

وعندما تتولَّى "الدولة" بنفسها مهمَّة هَزْم الأوهام المستبدَّة بنا، مُظْهِرةً لنا حقيقتها التي لا تشوبها خرافة، يقوى فينا الشعور بالعجز، فيستبدُّ بنا الاعتقاد بالمعجزات، ويتلاشى إحساسنا بالواقع، فنغادِر ميدان الصراع الحقيقي إلى ميدانه الخيالي، مُكْثِرين من الدعاء والصلاة، فنحن مؤمنون لم يبقَ في نفوسهم من الإيمان إلاَّ أضعفه. وهكذا نستمر في لعبة خداع الذات!

على أنَّ كل هذا الذي اخترعوه لـ "الدولة"، عندنا، من صفات وخواص (سماوية وملائكية) وأسماء حُسْنى، لم يَحُلْ بينهم وبين جَعْل ما يسمَّى "المِلْكيَّة العامة"، أي التي يملكها الشعب بأسره، بحسب "فرضية دستورية، تَرِكة (أو إرْثاً) شخصية، يَرِثُها الابن من أبيه، فنحن فَهِمْنا مبدأ "التداول السلمي (والديمقراطي) للسلطة" على أنَّه انتقالٌ للسلطة (الحقيقية والفعلية لا الشكلية والوهمية) من الأب إلى الابن إلى الحفيد..

وهذا "المنقول" بـ "شرعية الدم"، من الأب إلى الابن إلى الحفيد..، إنَّما هو "السلطة المُغْتَصَبَة"، أي التي اغْتُصِبَت اغتصاباً من صاحب الحقِّ فيها، وهو الشعب أو الأمَّة، والتي بعد اغتصابها جاءوا بها إلى "الكنيسة" لإلباس الاغتصاب لبوس الطهر والعفَّة!

من قبل، كان "المُغْتَصِبون" يُحْكِمون قبضتهم على الجيش والقوى والأجهزة الأمنية، أي على "وسيلتهم" إلى السلطة، وإلى الاحتفاظ بها، والتي، إنْ لم يتوفَّروا على حفظها وصونها، قد تغدو وسيلة غيرهم إلى طردهم من هذا الفردوس، فَهْمْ بـ "القوَّة" جاءوا، وبـ "القوَّة" بقوا، وبـ "القوَّة" يذهبون، فهل من قانون أقوى وأعْدَل من هذا القانون؟!

أمَّا اليوم، حيث حلَّت "الروح التجارية" على "رجالات الدولة"، و"أهل الحُكْم" من أكبرهم حتى أصغرهم، فتراهم يتبادلون الغزو مع "التجارة"، يغزونها وتغزوهم، فالفَرْد منهم، وعلى ضآلته، يجتمع فيه التاجر، ورجل الأعمال، والشرطي، ورجل الأمن، والكاهن، وراعي البقر، والسياسي الذي ينتمي إلى ذلك الصنف من "الساسة" الذين يسوسون الأمور بغير عقل، فيُنْفَذ أمرهم، فيقال "ساسة"!

كل ما هو "عام" من الممتلكات، ويسيل له لعاب "مُسْتَثْمِر كبير"، من العرب أو من العجم، يجب أن يُعْمَل على جعله مستوفياً "الشروط المُقْنِعَة (ولو بالظاهر)" لبيعه، أي لـ "خصخصته"، فليس من تجارة يتَّجِر بها "المُمثِّل العام" أفضل من خصخصة "العام" من الممتلكات، فإنَّ في خصخصته "حقٌ معلوم" لهذا "السائل والمحروم"!

التجَّار وأرباب العمل تزوَّجوا، سِرَّاً، "الدولة"، أي "المُمثِّل العام"، إذ تزوَّجوا الحكومة والبرلمان والإعلام..؛ ثمَّ تزوَّج "رجالات الدولة" التجارة و"البزنيس"، فشَقَّ على "المواطن العادي" تمييز "رجل الأعمال" من "رجل الدولة"، و"رجل الدولة" من "رجل الأعمال"، وغدت "السياسة العامة (أو العليا)" جزءاً لا يتجزأ من "عالم التجارة والأعمال"، حتى أنَّ قضايا سياسية وعامة كبرى ما عاد ممكناً وزنها إلاَّ بميزان تجاري، يخصُّ شخصاً أو فئة ضيِّقة.

ومع استشراء العولمة تَعَوْلَمَت "دولنا"، فانفصلت "الدولة" مع "مجتمعها الضيِّق" انفصالاً تامَّاً تقريباً عن "المجتمع" و"الرعية"، وشرعت تضرب جذورها عميقاً (بعدما انتزعتها من "تراب الوطن") في "التراب الأجنبي"، وكأنَّ "شرعية التمثيل السياسي" قد تَعَوْلَمَت هي أيضاً.

كان لدينا دُوُلاً تشبهنا ولو قليلاً، فإذا بـ "العولمة" اللعينة تجعلها كـ "حصان طروادة"، منه يَنْفُذ إلى داخلنا كل نفوذ خارجي وأجنبي ضار بنا؛ وسرعان ما تحوَّلت "الدولة" عندنا من "سفارة" لنا عند غيرنا إلى "سفارة" لغيرنا عندنا!

كانت "الراعي"، فإذا بهذا "الراعي"، الذي سَيَّرَتْهُ رياح العولمة بما تشتهي مصالح سادتها، يَجْمَع "الخراف" من "المرعى" ليتولَّى "الجزَّار الأجنبي" ذبحها، إمَّا بسكِّين السياسة، وإمَّا بسكِّين الاقتصاد؛ ولقد شدَّنا الشوق والحنين إلى عهد كُنَّا نُذْبَح فيه بسكِّين "الجزَّار الوطني" فحسب!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوستروم.. لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيَّاً!
- في الجدل الانتخابي العراقي!
- نحو حل -الدولتين الفلسطينيتين- للنزاع بين الفلسطينيين!
- الفأس والرأس.. اللقمة والرأي!
- غولدستون -المسار- هو الأهم من غولدستون -التقرير-!
- -الاحتكام إلى الشعب-.. فلسطينياً!
- الاعتراف ب -يهودية- إسرائيل هو تهويدٌ للعقل!
- القيادات الفلسطينية.. رؤوسٌ تبحث عن عقول!
- -نوبل-.. ونُبْلُ أوباما!
- -أردي- جاءت تأكيداً لا نفياً لنظرية داروين!
- محادثات واشنطن..أهي تجربة تفاوضية جديدة؟
- الدكتور زغلول النجار إذ هبط بالعِلْم إلى الدرك الأسفل من الش ...
- الحلُّ في حلِّ -مشكلة الحدود- أوَّلاً!
- -التعصُّب- إلغاء للعقل!
- نتنياهو يطلب تشدُّداً فلسطينياً وعربياً!
- أُطْلبوا -عِلْم التفاوض- ولو في إيران!
- إنَّها -مفاجأة- أوباما الأولى!
- شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!
- -الصنمية الاقتصادية- لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية!
- أيلول 2009 يتربَّص بالفلسطينيين شرَّاً!


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - ما هي -الدولة-.. عربياً؟