أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - الذهاب إلى بئر الرغبات















المزيد.....

الذهاب إلى بئر الرغبات


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2763 - 2009 / 9 / 8 - 21:12
المحور: الادب والفن
    


"قراءة في قصص الكاتبة منى الشيمي

اللافت في كتابات القاصة والروائية الصعيدية الشابة منى الشيمي, هو انشغالها باكتشاف الأنثى الساكنة فيها, من خلال البحث الواعي عن الآخر, الذي تريده, في مواجهة الرجل الذي ساقتها أقدارها وضرورات الحياة لمجاورته في رحلة الحياة.. لذلك نراها تدخل مغامرة الكتابة متحررة بقدر المستطاع من رقابة الآخرين, وصولا إلى إكتشاف ذاتها أولا, والوقوف على تضاريسها الداخلية المخبوءة, متسلحة بالمعرفة, هاضمة لروح الجماعة من حولها, باستيعاب العادات والتقاليد والمواريث الاجتماعية والتراثية, وإدراك سطوة البيئة التي تشكل الفاعل الأقوى في تشكيل الوعي الجمعي في البيئات المحافظة, وما ينتج فيها من أفعال وردود أفعال, يساعدها على ذلك امتلاكها لغة تمكنها من القبض على روح الكلام, فهي حكاءة تستدعي التفاصيل وتلضمها في عناقيد سردية مشوقة, تأخذ المتلقي إلى لهاث يوازي لهاثها للوصول إلى محطات الحكاية الأخيرة, ولعل ذلك ما يوهم البعض أنها تقدم تجاربها الذاتية, لكن الأمر أبعد من ذلك, فالكاتبة غالبا ما تنجح في سحب المتلقي إلى مساراتها ونيل مصادقه على تطرحه من رؤى وأفكار.. وهذه أولى عتبات التواصل القائم على الثقة المصحوبة بالانبهار بين المبدع والمتلقي..
في مجموعتها القصصية الثانية " من خرم إبرة " تدور جميع القصص حول علاقة الرجل بالمرأة, وتكون هي الراوي الأنا العليم أو الشاهد أو الضمني, ما يشي بأنها صاحبة رؤية خاصة في علاقاتها به, تقوم على استكناه رغباتها وشهواتها على مراياها الداخلية, قبل الولوج إلى عوالمه واختبار مدركاته..
في قصة " من خرم إبرة" تدخل اختبارها الأول, من خلال كاتبة مبتدئة, ترسل روايتها الأولى لكاتب مشهور لمعرفة رأيه, يتعلل بعدم وصولها ويعدها أن يحصل على الرواية من الناشر ليعطيها رأيا بعد أسبوع, يأخذها الوعد إلى أحلام مسبقة, تستحضره من خلال مؤلفاته, وتقيم معه حوارا حول قدرته على رصده مراتب الحب, اللهفة / التوق / الوخز / القلق / الوجع، ومشاعر أخرى..
بعد أسبوع تتصل, بعد أن اطلعت على رواياته ومقالاته وأحاديثه, وتسللت إلى أفكاره, يعتذر بانشغاله ويعدها أنه سيتصل بعد أسبوع, وتواصل رحلة الإبحار في مياهه والتعري على شواطئه.. يستبد بها الشوق لسماع صوته, فيأتيها الرد حاسما:
- سأتصل بكِ غدا أو بعد غدٍ
هل اتصل؟
وهل ما زالت تدور حول مركز الوهم.. وهل سيطول الانتظار؟ أم تراها تعود من حيث ابتدأت إلى أصل العلاقة؟

البحث عن لغة أخرى
هل يحتاج الجسد لجسد آخر يشعر بوجوده؟ لعل السؤال في صيغته البكر هو هل للجسد لغة وشفرات لا ينطق بها اللسان؟ وروائح تستدعي جسداً آخر احتياجا لدفء ما..؟
في قصة عند حافة الدفء نرى الراوية تراقب جارتها التي استغلت غياب زوجها وأولادها واستقبلت في الليلة الفائتة رجلا أنيقاُ, عبر إلى شقتها من شق الهواء, وها هي في الصباح تنزع الأوراق الجافة عن نبات الأصيص, ليبقى النبات نضرا متجدداً, كما جسدها الريان الذي يعلن عن حضوره ورغباته, فيما هي/ الراوية تعاشر رجلا يمارس الهروب, ويدعي النوم تحت الأغطية التي صنع منها خيمته أو كهفه, فيما الوقت يهزأ بها, ويطبع هالتين سوداويتين أسفل عينيها, تحرقها دموعها.. "أمسكت بالإناء الذي سقيت به أصص الزرع في النافذة, ورميت به صورتي في المرآة، فتشظت وأحدثت صوتا عاليا، وتكسر وجهي معها إلى مئات القطع.."
تقف في شقتها يفصلها عن حجرة نوم جارتها جدار يستند عليه سرير الجارة.. تذهب مع خيالها, ترى جارتها في الجهة الأخرى.. " .. تتوسد ذراعه، تشكو له حال وحدتها، وتنعم بدفء حضوره، ربما انسدل شعرها فاسترعى انتباهه، وقضى وقتا, ويده تمشط لها شعرها، تشتعل, فتمسد له شعر صدره...خرجت إلى الشرفة.. "
تعود إلى حجرتها, زوجها يصرخ في رقيق حلمه, ويغطس في الشخير.. يأخذها الحلم, يأتيها الرجل الأنيق " دق بابي دقا خفيفا، فتحت فرأيته، يرتدي بزة كمونية، باذخة الأناقة، يضع عطرا أعرفه، يستخدمه زوجي عادة، لم أقل شيئا، وجدته يسحبني إلى صدره، يدخل ويركل الباب وراءه فيغلق، يرسم من فرحي صورا يعلقها على جدراني العارية، وأغزل من دفئه عباءة تدفئني.." تستيقظ على جفاف الوقت, جارتها ما زالت تنزع الأوراق الجافة عن نبات الأصيص, تلملم هي نثار زجاج المرآة تجرح أصبعها وينفر الدم, وتصرخ بزوجها, محتجة لأن جارتها استقبلت زائرا غريبا, وهذا ما لا يجب السكوت عليه..
هل هو صراخ الرفض مغلفا بالأخلاق؟ أم هو صراخ الرغبات غير المعلنة ضد الجفاف في علاقة غير سوية؟ أم هو الصراخ في وجه العلاقة الزوجية التي تتحول إلى عادة تفقد وهج الإشباع المتجدد وتفع في ذهول الصمت ما يحيل الحلم إلى بحث عن جسد يجيد لغة حاجة الجسد ويستبطن رغباته؟؟
ربما راودت هذه الأسئلة كاتبتنا في قصة على إيقاع البندول, نراها امرأة ريفية تجلس على عتبة دارها بعد خروج زوجها للسهر, توقد نارا تستجلب الدفء, وتسترق النظر إلى جارها البقال, وهو يقلب جمرات نار أرجيلته.. "تلتقي نظراتهما في لحظة خاطفة مشحونة بكل ما حاولت إخفاءه.. تقول عيناها كلاما لا تريد أن تقوله, وتقول عيناه ما لا يريد سماعه.." وعندما يغلق دكانه تخزها إبر لما اقترفته من خيالات في غياب زوجها الذي أحبته منذ سحبها من سيالة الماء, ودثرها بجلبابه, فشمت رائحة فحولته, التي ما زالت تشمها كلما هم بها.. ولا تدري ما الذي يجذبها نحو الرجل الآخر, الذي كان قاب قوسين من الزواج من الفتاة التي أحبها. لكنها تعيش التمزق بين شهوة البقاء تحت سطوة نظراته والرغبة في الفرار..حتى كانت ليلة الاحتفاء بعودة اخ العروس تمهيدا للعرس, وغياب زوجها لإحضار التموين تطلب منه أن يمد خرطوم الماء لملء الزير فيفعل..تسبقه إلى حجرتها.. "احتواها بين ذراعيه. كأنهما كانا في انتظار طيلة السنوات السابقة. أغمضت عينيها. رأت نجوما ملونة وبقعاً مضيئة تلمع في عتمة الإغماض، ورأى نفسه كحـصان بري يـسابق الريح. يقف عند النبع. يشرب، ويشرب" حتى تدفق الماء خارج الزير هب وطلب منها ان تذهب إلى بيت خطيبته لترى كم هي عروسه جميلة, ولكنها تفضل انتظار زوجها الذي يشعر بالسعادة إذا وجدها مستيقظة بانتظاره لتعد له العشاء والماء الساخن..
أي حالة تدخلها المرأة, وعلى أي إيقاع تمارس رغباتها, وهل ما فعلته خيانة لزوج محب بالمعنى القيمي, أم استجابة لرغبات جسد غير معلنة لم يجرب ارتواء من ماء مغاير.. قصة محمولة على أكثر من تأويل, تحيل القارئ إلى منطقة محايدة بين التبرير والإدانة, وهنا تكمن براعة الكاتبة وجرأتها في التعاطي مع المحرم

جفاف الوقت.. جفاف الحياة
كيف تعيش المرأة عذاباتها إذا مات الوقت؟ وكيف يكون الجفاف بين القلب والبدن؟ ذلك ما يعوي في صحراء امرأة تأخذها الأسباب إلى دنيا رجل ليس لها أو إلى رجل هي له كما يريد..
في قصة ممر ضيق, دخلت حياتهما مرحلة التجاهل, وسارت إلى جفاف بين غريبين, تدور مع أيامها مع روتين العادة.. يناديها دائما يا هانم, تتمنى لو تسمع اسمها, تتشرنق بحزنها, على مائدة الطعام تتابع معلقته حتى تصل إلى صدره, تخشى لو تابعتها أكثر أن تلتقي نظراتهما..
هل ما زال بنظر أليها؟
تهرب إلى الحلم لتلقي برجل أسطوري تمارس معه شهيقها وزفيرها كما ترغب ويرغب.. تصحو على سؤال يقرعها:
- ما الذي يربطني بك يا رجل..
ويظل السؤال معلقا على مشجب العذاب, وسحابة الملل لا تمطر إلا ضجراً.. تبحث عن رجلها في بطون الكتب.. تحاول تذكر أين وجدته, عثرت في صندوق الانترنت..تبثه أشواقه,ا ويشاركها في تفاصيلها الصغيرة التي لم تخطر يوما على بال زوجها.. تصبح معه امرأة عامرة راغبة, تجيب على أسئلته قبل أن يطرحها, هي من يبتكر السؤال, ومن يحدد الجواب, وينداح معها فيضاً..
تعود إلى حياتها مع زوج يترك ابتسامته في حلقات السمر, وينسى لسانه عند الأصدقاء, تنتظر منه كلمة تعيدها إليه, فلا تجد غير الصمت, والصمت فقط قد نما في غفلة منهما كشجرة لبلاب نمت على الجدران واكتفيا بجمال منظرها رغم صدها الهواء..
تحدثها صديقتها عن قصة زوجة شابة فقدت زوجها وواظبت على زيارة قبره, تلتقي بضابط مكلف بدفن جثث جنود ماتوا في الحرب, فيكتشف فقدان جثة في الطريق, تتعاطف معه الأرملة الشابة, وتقترح عليه اخذ جثة زوجها, ودفنها بدلا من الجثة المفقودة, ولكنه يخبرها أن الجثة المفقودة مبتورة الساق, فتقترح علية بتر ساق جثة زوجها ودفنها.. يفعل الضابط ويفترقان..
هل يقدر الضابط تضحية الزوجة الشابة؟ وهل ثمة تشابه بينها وبين راوية القصة؟
لا جواب غير الصمت اللزج الذي يفصلها عن زوجها, ولا مناص غير الهروب إلى رجل ينتظرها في العلبة السحرية..
يسألها رجل العلبة إذا ما كانت تحب زوجها.. تتجاهل السؤال, وتتحول إلى قارورة تختزن كلماته وتعتقها..
هل هو الهروب أم الهزيمة؟ أم هو السؤال غير المعلن؟
- ما الذي يربطني بك يا رجل؟
سؤال بحجم الفجيعة, يصرخ فيها " كيف يمكن اجتياز ممر ضيق بين رجل يعاشرها ويقترف الصمت, ورجل تستحضره تبتكر معه الحلم /الوهم افتراضا؟"
وفي قصة لمَّا ابتلعت جمرة, نتابع لهفة استقبال الوليد الأول, مع تداعيات الزوجة التي زرعت نبتة في الحديقة كما كان بفعل أبوها كلما حملت أمها, وأسمت النبت "حياة", وعندما حضر زوجها أخبرته أنها حامل, فهتف بما عاشه وأجل النطق به طويلا:
- أحبك.
زوجها يصب حول بطنها قالبا من جص ويعلقه, ليخبر القادم انه كان يعيش في كهفه السحري, هو نفسه الذي أخذها إلى المعبد على هدي تعويذة فرعونية, وطلب منها النزول في البركة, لأن الماء المقدس يخصب المرأة العاقر, فتستجيب متعللة بفرحة الزوج بالآتي بعد طول انتظار..
في الشهر الرابع يخبرها الطبيب أن الجنين ذكر, فلا يترك زوجها لعبة ألا واقتناها له..
لكن ثمة شيء يرهص داخلها أن هناك شيئا ما يتعلق بالحمل, فتصطحبها أمها إلى شيخ يقيم في منطقة بعيدة, تخترق حجب البخور, ويخبرها الشيخ أن حاجتها عند الطبيب وليس عنده.. وبعد إجراء فحوصات لم تخبر زوجها عنها, تعرف أن وليدها سيأتي مشوها..
ما الجديد في هذه القصة التي يتكرر حدوثها لأن عن النساء اللواتي يتأخرن عن الحمل أو يتناولن عقاقير طبية لفترات طويلة معرضات لوضع أطفالا منغوليين أو مشوهين..؟
هل تطلق المؤلفة سؤالا أبعد من ذلك؟ وهو التناقض بين العلم والوعي يخلق خللا بسبب استبداد الخرافة حتى لدى المتعلمين ممثلة بالزوج, والأم, والصديقة التي تخفي أولادها عن عين العاقر خوفا من الحسد.. هذا الوعي لا ينتج علاقة سوية والطفل القادم إنما هو إسقاط على حال الذي يربط حبه لزوجته التي يحبها بحضور المولود, وكأن العلاقة اختزلت في الإنجاب واختزل المرأة كوعاء لتفريخ الأولاد الذين سيحملون اسمه..
في قصة فستاني الأزرق, تحلم المرأة التي اقتربت من سن الأربعين, أن العمر عاد بها عشرين سنة..يوم رفض الأب حبيبها الذي تقدم لخطبتها, وقد جبنت عن الزواج به بعيدا عن ظل الأسرة.. واعتصمت بصمتها ورفضها ولكنها في النهاية وافقت منكسرة, وتزوجت لتعيش حياة حيادية من زوج يقوم على واجباتها,وأنجب أولادا تقوم على واجباتهم, وتمارس أمومتها بكل جوارحها.. هو الزمن يدور والذكرى البعيدة لم تفارقها يوم قررت أن تلتقي به في الحديقة, ولكنها سرعان ما تعود مودعة الماضي, وتعود لتهيئة فستانها الأزرق الذي كانت ترتديه عندما تقابله, تعيد تفصيله ليناسب مقاس جسد ابنتها الشابة التي تستقبل الحياة بفرح.. تهتف الابنة:
- هل هو جميل عليَّ كما كان جميلا عليكِ؟
من الذي وأد أحلام بطلة القصة؟ وهل يكفي الانتماء للبيت والأولاد وممارسة الشعور المحايد اتجاه الزوج المكتفي بعلاقة تقليدية لممارسة الحياة واستجلاب السعادة!!

.. والأسطورة مخزن الرؤيا
هل تضيق الحياة على البوح بالمخبوء بين الحنايا, أم هو التباس الواقع المعاش بالحلم, ما يجعل الأمر أكثر غموضا في عالم ذكوري يأخذ الحياة ألى مفترقات غريبة عن نواصي الرغبات, ما يجعل الكاتبة تبحث في ثنايا الأسطورة عن, في محاولة دؤوب للعثور على أصل العلاقة والتعامل معها بمسمياتها..؟
في قصة من علمك الأسماء كلها, نعيش في عالم كفكاوي مع المرأة المكلفة بإعداد الطعام لرجل ضخم الجثة وأتباعه, تقدم تقريرا للحارس المكلف بمراقبتها "يتضمن عدد شخرات الذكر المكلفة بخدمته، عدد حركاته، والكلمات التي تفوه بها أثناء يقظته ونومه", فهي حارسة وعليها حارس.. تعد طعاما لا تتذوقه, لا تعرف إذا ما كان جيدا أم لا, ولا تدرك معنى أن تكون أنثى..
تسير على طرق مزروعة بأشواك ينثرها الحارس في مكان محاط بنيران تجعل الهواء لافحا, ويعاقب كل من يضبط متلبسا بالتفكير أو الإدراك إلى مكان أسوأ..
حتى كان يوما اخبرها حارسها, أن بها جمالا عجيبا ما أشاع لديها السعادة, وذكرها بأحاسيس مرت بها من قبل..وتتطور العلاقة بينها, وتستعيد إدراكها بكونها امرأة, وتمارس وعيها برغباتها وأشواقها وحاجتها لرجل تتماهى به, وتتكامل معه فتكتشف معاني اللهفة والغيرة والانتظار والرجفة ومراتب العذاب الجسدي والروحي والعاطفي, وتواجه الآخرين بكل ثقة وقوة, مصدرها الإدراك الذي يحاول الذكور سلبه منها, حتى تبقى تابعا محدد الوظيفة سلفا.. ولكنها وبعد أن تعيد محاكمة أحاسيسها, وتضع الأمور في نصابها تعلن عن حبه لها متحملة تبعات انحيازه إلى وعيها, فيصطحبها إلى البحيرة, وتفسح له طيقا بين ساقيها, فيصب جام شهوته فيها.. وتتأوه..
وعندما يكتشف الذكر المكلفة بخدمته أمرها, يقذفها بكتلة زفت حارقة فتشتمه, وتصرخ به
- "يا غبي"
يندهش من عودتها إلى الوعي بكينونتها, ويهمهم مهزوما:
- من علمك الأسماء كلها ؟
فهل يعلم الغبي أن ليس هناك خيال بدون حقيقة وليس هناك دوافع وشهوات بدون من ينتظرها ليستقيم حالة, وأن معاني الأسماء مع الفطرة الأولى موجودة.. وفي قصص كهفية محاولة لإعادة الأسطورة الأولى, وإطلاق العلاقة الأزلية بين الرجل
والمرأة تعود إلى كهف المخبوء منذ بدايات الوعي بالحاجة, تقتفي دبيب الرغبات للوقوف على جذر العلاقة وكيف تنبت الرغبات على ضفافها بين شقي رحى السؤال..
في قصة وازداد دلالها, تمارس هي الذهول عند جفاف العلاقة, تبحث عن متطلبات وجودها مع رجل تستبد به شهوة التملك.. فترفض أن يواقعها في البركة قبل أن يصطاد غزالا صغيرا يؤطر جلسة الماء.
ماذا يفعل والغزلان هجرت المكان بعد الجفاف..؟
يعود إلى الكهف, ويأكل كل ما تبقى من غلال, ولا يترك لها شيئا ويختفي..فتتهم بغيابه, ويأمر الزعيم بذبحها, ولا يأمر بأكل لحمها, حتى لا يكون ذلك تصريحا بأكل اللحم الآدمي..
يتفاعل الأمر بين الرجال والنساء.. بعض النساء يغفرن لها قتلها لزوجها, وبعض الرجال لا يغفرون, وتساءل البعض"
" هل يستطيع أي منهم أكل امرأة ضاجعها, واستنبت منها خلفاء له يشبهونه " ؟
هذا سؤال الحقيقة, عن وجود مسوغات قيام علاقة متواصلة ومتجددة بينهما
أما في قصة لوعة, تدخل هي موال الوجد وتعلن عن حاجتها لمن تحبه, هي تريد ما هو أبعد من مائه, وتدفئة جسده لجسدها, وانبثاق تأوهاتها تحت رحى رغباته..
ماذا تريد أذن؟!
تريده بكامل حضوره لها, ووعيه بها, ليفتح نوافذ مكانا آخر في عقله وقلبه, يزيد أتون الشهوات اشتعالا بها
وفي قصة ثقب المخرز.. خيط متين, يلتقيا مرة في الماء, ومرات في العراء..يتزوجا ولا تحمل منه, يحاصرها الوسواس, وتخاف من رائحة نساء أخريات..
إذن, هو الولد ما يربطه بها..
حملت, وانتقلت من كوخ أبيها إلى كهف زوجها, بطنها رغيف زاد احمرارا.. وصارت تنادي أم زوجها "يا أمي" تأكيدا للانتماء.. وعندما عاد من غيبته سألها:
- ذكر هو أم أنثى؟
كانت على يقن أنه ذكر حتى قبل أن تلده, فهي قد وضعت في ماء بولها حبات قمح, وحبات شعير, نبتت حبات القمح, ولم تنبت حبات الشعير, سألته:
- ماذا لو كانت انثى؟
أجابها بخيلاء انه سيظل يضاجعها حتى تأتي بولد يؤكد زعامته للقبيلة.
هل هذا هدف العلاقة الأول؟
أهو الإنجاب لإشباع غريزة التملك عند الرجل؟؟
في قصة النصب, يقام النصب في مكان مهجور, وتتناقل القبيلة قصة نصب الجميلة ابنة الحسب والنسب, وفي رواية أخرى الفقيرة ابنة صانع الأدوات, وقيل أن النصب أقامه رجل لترهيب زوجته التي يحبها, وقيل أن فتاة طاردها شاب غني دو سطوة, فصدته واختفت لتقابل شابا وسيما, فهشم الشاب رأس الوسيم بحجر وضعه في قمة النصب..
تختلف الروايات ولكن تأويلها لا يخرج عن أن المرأة لا تسكن إلى رجل إلا بالحب
فهل هذا بيان منى الشيمي أيضا؟؟

أما قيل
فإن القاصة والروائية الشابة منى الشيمي, تملك أدوات السرد, وتقبض على الحكاية بيسر وسلاسة, وتفتح بوابات الاشتباك على مصراعيها.. تدخل عالم المرأة بإرادة المقتحم, وتناقش موضوع الجنس بعيدا عن الإثارة وبجرأة الباحث عن بواعث السلوك ومفجر الأفعال, يساعدها على ذلك ثقافة غنية, واستيعاب ذكي للموروث, ومعايشة عميقة للواقع, وتفنيد للموروث الجمعي الذي ترسب في وجدان الإنسان المصري.. ما يفتح التوقع الايجابي والمفاجئ لما ستطرحه في أعمالها القادمة, فالبدايات واثقة تشير إلى طاقة إبداعية واعدة..



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مارثون مفارقات القهر - - قراءة في المجموعة القصصية - إحراج - ...
- على جناح القبرة
- مقهى الذاكرة - نص مشترك
- حكاية الليلة الثانية بعد الألف..- نص مشترك مع هناء القاضي
- تجليات الرغبة في مدار الوردة
- كله تمام يا فندم, وغياب الحقائق
- البراءة في عالم متوحش
- مكابدات الواقع في زمن بعث المراثي
- القمر لا يدخل مدار الهامش
- في جغرافيا ما فوق السحاب
- البحر - قصة قصيرة
- يسرا الخطيب.. وعطش البحر
- شرفة الانتظار
- شظايا آمال الشاذلي وسؤال النوع الأدبي
- مقهى الذاكرة
- مرايا لا تعكس الصور
- حكاية الليلة الثانية بعد الألف..
- فوق الحياة بقليل
- فلتشربوا الأنخاب
- نداء..نداء..


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - الذهاب إلى بئر الرغبات