أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نازك الملائكة - صلاة الأشباح














المزيد.....

صلاة الأشباح


نازك الملائكة

الحوار المتمدن-العدد: 2757 - 2009 / 9 / 2 - 22:33
المحور: الادب والفن
    



تململت الساعةُ الباردهْ

على البرج, في الظلمة الخامدهْ

ومدّتْ يدا من نُحاسْ

يدًا كالأساطير بوذا يحرّكُها في احتراسْ

يدَ الرَّجل المنتصبْ

على ساعة البرج, في صمته السرمديّ

يحدّقُ في وجْمة المكتئبْ

وتقذفُ عيناهُ سيلَ الظلامِ الدَّجِيّ

على القلعة الراقدهْ

على الميّتين الذينَ عيونُهُمُ لا تموت

تظَلّ تحدَّقُ, ينطقُ فيها السكوتْ

وقالتْ يد الرَّجُلِ المنتصِب:

"صلاةٌ, صلاهْ!"

**

ودبّتْ حياهْ

هناكَ على البُرْج, في الحَرَس المُتْعَبينْ

فساروا يجرّونَ فوق الثَّرَى في أناهْ

ظلالَهُمُ الحانيات التي عَقَفَتْها السنينْ

ظلالَهُمُ في الظلام العميقِ الحزينْ

وعادتْ يدُ الرجل المنتصِبْ

تُشير: "صلاةٌ, صلاهْ!"

فيمتزجُ الصوتُ بالضجّة الداويهْ,

صدى موكبِ الحَرَسِ المقتربْ

يدُقّ على كلّ بابٍ ويصرخُ بالنائمينْ

فيبرُزُ من كلّ بابٍ شَبَحْ

هزيلٌ شَحِبْ,

يَجُرّ رَمَادَ السنينْ,

يكاد الدُّجى ينتحبْ

على وَجْهِهِ الجُمْجُمِيّ الحزينْ

**

وسار هنالكَ موكبُهُمْ في سُكونْ

يدبّونَ في الطُّرقاتِ الغريبةِ, لا يُدْركونْ

لماذا يسيرونَ? ماذا عسى أن يكونْ?

تلوَّتْ حوالَيْهمُ ظُلُماتُ الدروبْ

أفاعيَ زاحفةً ونُيُوبْ

وساروا يجرّون أسرارَهُمْ في شُحُوب

وتهمسُ أصواتهم بنشيدٍ رهيبْ,

نشيدِ الذينَ عيونُهُمُ لا تموتْ,

نشيد لذاك الإلهِ العجيبْ

وأغنيةٌ ليد الرَّجُلِ المنتصبْ

على البرج كالعنكبوتْ

يدٌ من نحاسْ

يحرّكها في احتراسْ

فترسل صيحَتها في الدياجي

"صلاةٌ, صلاهْ"

**

وفي آخر الموكب الشَّبَحيّ المُخيفْ

رأى حارس شَبَحَيْن

يسيرانِ لا يُدْركان متى كان ذاك وأيْن?

تحُزّ الرّياح ذراعيهما في الظلام الكثيفْ

وما زال في الشَّبَحينِ بقايا حياهْ

ولكنّ عينيهما في انطفاءْ

ولفظُ "صلاة صلاهْ"

يضِجّ بسَمْعَيْهما في ظلام المساءْ

**

"ألستَ ترى"

"خُذْهما!"

ثم ساد السكون العميق

ولم يَبْقَ من شَبَح في الطريق

**

وفي المعْبَد البرْهميّ الكبير

وحيثُ الغموضُ المُثيرْ

وحيثُ غرابةُ بوذا تلُفّ المكانْ

يُصلّي الذينَ عيونُهُم لا تموتْ

ويَرْقُبُهم ذلكَ العنكبوتْ

على البرج مستغْرَقًا في سكوتْ,

فيرتفعُ الصوت ضخْمًا, عميق الصدى, كالزمان

ويرتجفُ الشَّبَحانْ

**

"من القلعةِ الرطبةِ الباردهْ"

"ومن ظُلُمات البيوت"

"من الشُرَف الماردهْ"

"من البرجِ, حيثُ يدُ العنبكوتْ"

"تُشيرُ لنا في سكوتْ"

"من الطرقات التي َتعْلِك الظُلْمَةَ الصامتهْ"

"أتيناكَ نسحَب أسرارَنا الباهتهْ"

"أتيناكَ, نحن عبيدَ الزمانْ"

"وأسرَاه نحن الذينَ عيونُهُم لا تموتْ"

"أتينا نَجُرّ الهوانْ"

"ونسألُكَ الصفْحَ عن هذه الأعين المُذْنبهْ"

"ترسّبَ في عُمْق أعماقها كلُّ حزْنِ السنينْ"

"وصوتُ ضمائرِنا المُتعَبَهْ"

"أجشٌّ رهيبُ الرّنينْ"

"أتيناكَ يا من يذُرّ السُّهادْ"

"على أعينِ المُذْنبينْ"

"على أعينِ الهاربينْ"

"إلى أمسِهِم ليلوذوا هناك بتلّ رمَادْ"

"من الغَدِ ذي الأعين الخُضرِ. يا من نراهْ"

"صباحَ مساءَ يسوقُ الزمانْ"

"يحدّق, عيناه لا تغفوان"

"وكفَّاه مَطْويّتانْ"

"على ألفِ سرٍّ. أتينا نُمرِّغ هذي الجباهْ"

"على أرض معبدِهِ في خُشُوعْ"

"نُناديهِ, دونَ دموعْ,"

"ونصرخ: آهْ!"

"تعِبْنا فدعْنا ننامْ"

"فلا نسْمع الصوتَ يَهْتف فينا: "صلاهْ!"

"إذا دقَّتِ الساعة الثانيهْ,"

"ولا يطرق الحَرَس الكالحونْ"

"على كل باب بأيديهم الباليه"

"وقد أكلتْها القُرونْ"

"ولم تُبْق منها سوى كومة من عظامْ"

"تعبنا... فدعنا ننامْ.."

"ننامُ, وننسى يد الرجل العنكبوتْ"

"على ساحة البرج. تنثُرُ فوق البيوتْ"

"تعاويذَ لعنتها الحاقدهْ"

"حنانك بوذا, على الأعينِ الساهدهْ"

"ودعها أخيرًا تموتْ"

**

وفي المعبد البرهمي الكبيرْ

تحرّكَ بوذا المثيرْ

ومدّ ذراعيه للشبحَيْنْ

يُبارك رأسيْهما المُتْعَبيْنْ

ويصرخُ بالحَرَس الأشقياءْ

وبالرَّجُلِ المنتصبْ

على البرْج في كبرياءْ,

"أعيدوهما!"

ثم لفَّ السكونُ المكانْ

ولم يبقَ إلا المساءْ,

وبوذا, ووجه الزمانْ




#نازك_الملائكة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرافات
- مرثية إمرأة
- ماذا يقول النهر؟
- خمس أغان للألم
- شجرة القمر
- النهر العاشق


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نازك الملائكة - صلاة الأشباح