|
الثورات شبه مستحيلة في الرأسماليات الحكومية الشرقية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 2755 - 2009 / 8 / 31 - 19:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين يقول المرجع الديني الكبير (حسين منتظري) إن النظام سوف يسقط في إيران، نشك في ذلك. وليس هذا يتعلق بإيران فحسب بل بكل الدول الشرقية ذات الأنظمة الرأسمالية الحكومية. إن الثورة لها شروط موضوعية، وأهمها أن تصل أغلبية الطبقات الشعبية إلى عدم القدرة على العيش في ظل نظام معين، أي ألا تقدر على الحياة العادية وذلك لأسبابٍ خارجةٍ عن إرادةِ الحكومات والطبقات نفسها، كارتفاعٍ رهيبٍ لأسعار المواد الغذائية لا يجعل الناس قادرة على العيش وبحيث أن تنزل الجماهير للشوارع ولا تعود السلطات قادرة على ضبط الأوضاع. أو كاقتحام غزاة للدولة وانهيار النظام الاجتماعي وطرائق العيش المعتادة. مثل هذه الأسباب تقود إلى الأزمة العامة، التي تخلق عدم قدرة للطبقات التحتية على تقبل العيش والنظام السائد، مثلما أن الطبقات العليا لا تستطيع أن تسيطرَ على النظام السائد، وهي شروط موضوعية لا تنتجها مؤامرة أو مظاهرات جزئية أو رغبات وأحلام لدى النخب السياسية. حين يتأسس النظامُ الرأسمالي الحكومي الشرقي يضم أغلبية موارد العيش والإنتاج في سيطرته، وذلك قد تشكل حتى تحت بصر وسمع الدول الغربية التي كانت مسيطرة على دول شرقية عديدة ومؤيدة للاقتصاد الحر. كذلك هناك المؤسسات السياسية والعسكرية التي هي بطبيعتها جزءٌ من النظام، وقد تكون سابقة حتى على مؤسسات القطاع العام الحكومية، وحين تظهر مؤسساتُ القطاع العام تضيفُ حشداً جديداً للمؤسسات الأمنية خاصة، وقد عرفت إيران إضافة إلى ذلك مؤسسات عسكرية أهلية عديدة، إضافة إلى حشود المؤسسات الدينية المؤيدة للنظام. وهذه كلها وراءها ملايين عديدة من العاملين، وإذا أضفنا عائلاتهم فإن أكثر من نصف المجتمع يعيش تحت إنتاج الدولة. من هنا نرى أن الحركات الاجتماعية في الشرق بعد تأسيس الأنظمة الرأسمالية الحكومية تتحول من ثورات إلى اضطرابات وقلاقل أهلية وعرقية ودينية، وتعجز عن الوصول إلى نموذج الثورة. إن اضطرابات الصين الشعبية خلال العقود الأخيرة مثلاً جرت عبر حشود من الجماهير غير الواضحة الانتماء، وغير المتجذرة في الإنتاج، وسرعان ما اختفت، وظهرت بعد ذلك من خلال قلاقل مناطقية دينية لا تمثل أزمة عامة أو شبه عامة مؤثرة في النظام السياسي. ولم يتمكن الجزائريون في نضالهم من أجل الديمقراطية في زمن حكم الاستقلال العسكري الشمولي أن يقوموا إلا بانتفاضة حارقة مثل حركة الاحتجاجات المصرية ضد الغلاء. تحدث الحركات الاحتجاجية الواسعة التي يشترك فيها العامة بشكل مدمر خاصة وتؤدي إلى نتائج كارثية، بسبب طبيعة أنظمة الرأسمالية الحكومية الشرقية التي توسع كثيراً الأجهزة العسكرية، وتغيّب أي وسيلة للتنفيس والتعبير، فتتراكم على الناس أعباء المعيشة بصورة مطردة فظيعة فيحدث الانفجار الوقتي السريع لكنه لا يصل إلى نموذج ثورة. ويسهم في تخفيف ذلك أيضاً نمو رأسمالية خاصة وكلما كانت واسعة، خففت على النظام العام من نشوء الأزمة العامة البنيوية، لكون الجمهور لديه بدائل معيشية غير سيطرة النظام. والأنظمة الشرقية تدرك ذلك وتوسع من الرأسمالية الخاصة وتجعلها وسيلتها لتوزيع هوامش الثروة وإعادة الإنتاج الاجتماعي، وخلق وسائط اقتصادية للفوائض تخفف من ضخامة العمالة الفقيرة المعدمة. وهذه إضافة إلى استقرار حياة موظفي وعمال القطاعات العامة تشكل ضمانة لاستقرار نظام رأسمالية الدولة هذا. لكن إذا انهارت أسعار المواد الثمينة التي يعتمد عليها النظام كانهيار أسعار النفط إلى الحضيض وانهارت الحياة المعيشية للجمهور فهذا يؤدي إلى الأزمة العامة، لأن استمرار موازين الصرف على القطاعات الحكومية الطفيلية أمر لا يقدر الناس على تحمله. من هنا نرى أن الأزمة الإيرانية تدخل دهاليز الصراعات الفوقية، والمماحكات السياسية، والمحاكمات الفظة، على أعتبار أن الطبقة الحاكمة قد أمنت السيطرة على أغلبية الشعب، والثورات لا تحدث في الهواء. والثورات تقود لتغيير سياسي جوهري وتاريخي أما الصراعات السياسية المحدودة، والانفجارات العنصرية والدينية بل حتى الصراعات السياسية المهمة للنخب الحزبية، لا تقود إلى ذلك. إن شروط الثورات في كل التاريخ هي نفسها ولكن في الرأسماليات الحكومية الشرقية تغدو ذات صعوبة كبيرة، وانظر كيف تبدل نظام شرقي عتيد الظلم كجنوب افريقيا، لماذا؟ لأن الحكومة السابقة لا تملك وسائل العيش.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأديان السماوية والتطور
-
تصفية التركة الثقيلة
-
حركية الفئات الوسطى وثبات العمال
-
الوعي الديني والليبرالية
-
الفلسطينيون والمقاربة مع الصهيونية
-
منظر السائد
-
سراب التغيير
-
الزعيم الديني وغياب الوطنية
-
في استراتيجية الانتخابات
-
بين فنزويلا وإيران
-
تناقض الرأسمالية الحكومية والديمقراطية
-
ضرورة هزيمة التطرف الإسرائيلي
-
ثقافة العطالة العقلية: العام
-
الواقع الاجتماعي وتجارب الأوطان
-
صعوبات الديمقراطية في الشرق
-
توصيف غير دقيق
-
انتفاضة شعب وليست مؤامرة خارجية
-
الجنون السياسي
-
بدء انتصارات الرأسمالية الخاصة في الشرق
-
أنماط الرأسماليات الحكومية الشرقية
المزيد.....
-
قانون الإيجارات المعدل في مصر: تهديد صامت للسلم الاجتماعي وم
...
-
محاولة جديدة لكسر الحصار.. سفينة مساعدات تبحر من صقيلية نحو
...
-
العيد الوطني الفرنسي: استعراض عسكري تحت عنوان -المصداقية الع
...
-
الهند: جمعيتان للطيارين ترفضان نتائج التحقيق في تحطم طائرة -
...
-
كيف يبدو مخيم نور شمس بعد 6 أشهر من التوغل الإسرائيلي؟
-
6 أسئلة بشأن اشتباكات السويداء في سوريا
-
أميركا قد ترحل مهاجرين إلى -بلدان ثالثة- بعد 6 ساعات من إخطا
...
-
صفقة دفاعية ضخمة.. فيديو يعرض خوذة ميتا التي أثارت البنتاغون
...
-
أصوات من غزة.. حرمان الأطفال من عامين دراسيين بسبب الحرب
-
اشتباكات السويداء.. وزير الداخلية السوري يكشف -السبب والحل-
...
المزيد.....
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|