نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2748 - 2009 / 8 / 24 - 07:08
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من آخر أخبار، أو أفلام المعارضة السورية، ولا فرق، هو تقديم ما يسمى بمجموعة من الناشطين بعريضة إلى وزارة الخارجية الأمريكية مطالبة إياها بالضغط على سوريا، فيما يقال عن "وضع سيء" لحقوق الإنسان فيها. ولن نناقش العريضة، ولا ما جاء فيها، لأن مصيرها، كما مضامينها معروفة مسبقاً، لكن سذاجة الفعل والتحرك بحد ذاته، كما ظرافته، هي ما تشد الانتباه، إليه أكثر من أي شيء آخر.
فالغريب، أولاً، أن تقوم هذه المجموعة، وفي هذا الوقت بالذات بتقديم هذه العريضة، في زمن غير مسبوق من التودد الأمريكي نحو سوريا ومحاولات التقرب منها، برغم ضغوط حلفاء أمريكا المحليين في المنطقة لفرملة هذا التودد والمساومة عليه بشتى الأثمان. لكن الأغرب، فعلاً، أن تقوم هذه المجموعة بتقديم طلب بشأن حقوق الإنسان، تحديداً، وممن من أمريكا، ما غيرها، المنغمسة حتى شحمة أذنيها، بسلسلة من التجاوزات التاريخية الفظيعة التي تكللها الفضائح، من رأسها لأخمص قدميها بشأن ملف انتهاكات لحقوق الإنسان. ألا يشكل هذا، رمزياً، انتقاصاً من هذه الحقوق والإساءة إليها فيما لو تبنتها دولة مثل الولايات المتحدة المتورطة في أبي غريب، وغوانتانامو، والسجون الطائرة، والمستأجرة، في أربع أطراف الأرض، وغيرها مما لم يظهر حتى الآن؟ لكن الأغرب من هذا وذاك افتقار الإدارة الأمريكية للشجاعة والاحترام، للاعتذار عن تلبية هذا الطلب، كونها ببساطة ليست صاحبة الاختصاص فيه، ولا تملك أياً من المؤهلات والشروط الاعتبارية المطلوبة للبت فيه. وربما كانت ميانمار، وجمهورية أفريقية الوسطى، والكونغو الديمقراطية تمتلك على معايير لاحترام لحقوق الإنسان أكثر من إدارات العم سام، مع تذكير هذه العريضة وأصحابها، أن الدماء ما زالت ساخنة وطازجة جراء قيام طائرات الثنائي أوباما- كلينتون منذ فترة بسيطة، بالانقضاض على مئات القرويين والبسطاء في أفغانستان وباكستان والقضاء على حياتهم، فأنى لها أن تستشعر بإنسانية الحقوق، وفاقد الشيء لا يعطيه؟
ويبدو أن هذه المجموعة، لا تقرأ أبجديات الواقع، وإن قرأته فهي لا تعرف كيف تحلله وتفككه، على نحو صحيح، ومطلوب. وربما لم تدر حتى اللحظة بأن أمريكا قد نفضت يدها من مشروع دمقرطة الشرق الأوسط الذي أتى به طيب الذكر بوش، كذريعة للتدخل في شؤون المنطقة، كيفياً، ومزاجياً، وانتقائياً، لتحقيق مآرب الحلم الصهيوني الكبير. لاسيما بعد التجربة المريرة والقاسية، التي جرّت من رائها أذيال الخيبة والندم والخذلان في العراق. وأن لأي تدخل، اليوم كما الأمس، أو حتى مجرد تصريح، أثمانه، وعواقبه الإقليمية الفادحة، كما حساباته السياسية، والمصلحية المعقدة والمتشابكة والمترابطة بشبكة متوالية من المنافع والتداعيات، والمدروسة بدقة فائقة، بحيث لا يجرأ أي كان الاقتراب أو التلاعب بها على الإطلاق، ويفضل الجميع، وفي هذه المرحلة، على الأقل، تركها وشأنها، وعدم المساس بها.
وثانية، وليست ثالثة الأثافي، فقد مضت موضة الاستقواء بماما أمريكا، فقد تعلـّم الأمريكيون الدرس جيداً، وبعد أن ظهر أن وطنيي "العراق" الجدد، وملاليه، لم يكونوا أكثر رحمة وشفقة عليه من نظام صدام حسين. ومن كان مناضلاً بالأمس، أصبح اليوم مصدر شؤم، ورمزاً استبدادياً، ونهبوياً وإفسادياً من جديد. وكم بكى كثير من الروس الذين صفقوا لبوريس يليتسن، الذي بز الشيوعيين، وتحول، بدوره، إلى رمز من رموز المجون والفساد والاستهتار والنهب السلطوي المباح.
وثالثة الأثافي، ثمة أسئلة كثيرة ذات إجابات مفتوحة، وعديدة ومتناهية؟ وثمة أسئلة كثيرة قد تبقى طويلاً من غير جواب؟ وثمة أسئلة، كما أجوبتها تبقى ملتبسة على الدوام. ومن أهم الأسئلة والإشكالات المؤرقة التي تواجه العمل السياسي، اليوم، هو معيار، ودرجة الوطنية الحقيقية الموجودة لدى هذا "المعارض"، أو ذاك "المناضل"، ولا بأس إن قلنا أيضاً "المناضلة"، طالما أن الأمور قد أصبحت سداحاً مداحاً ووكالة من غير بواب، يدخل إليها من هب ودب ويدلفون إليها من كل مكان. بمعنى آخر، من هو الوطني الحقيقي، ومن هو المناضل الحقيقي؟ وكيف لنا أن نعرف، ونتأكد أن هذا هو وطني مجرد من أية حسابات خاصة، أو أقنعة، ومآرب، يتلطى خلفها، قبل أن يحقق "هدفه" الوطني الكبير؟ وكيف لنا أن نتلمس ونتيقن فعلاً أن معدلات "الوطنية" في دم هذا "الوطني" أو "الوطنجية"، عالية جداً، جداً، وزائدة عن الحد بما لدى الآخرين، وبما لا يقاس؟ وهل كل من عارض هذا النظام أو ذاك دخل في حيز المقدس، لمجرد أنه دخل السجن أيضاً؟ ومن الذي يملك صلاحية تقرير وطنية هذا أو ذاك؟ وبناء على أي اعتبار؟
وبالطبع، إن تضارب مصالح الأشخاص، والأفراد، والجهات والأحزاب، وتعارض أمزجتها، واختلاف انتماءاتها، وتناقض ميولها وتوجهاتها، لا يعني تفرد أي من الطرفين بأي نوع من الفرادة والتميز واحتلال المكانات السامية، أو الاستحواذ على صفات التقديس، والنزاهة والطهر والتأليه. كما لا يعني إتقان بعض المهارات الخطابية، والكتابية، والإنشائية، أو مراكمة بعض المعارف النظرية المجردة، وتدوين الفذلكات اللفظية، وإطلاق الطلاسم الفكرية، وترديد كليشيهات بعينها بمناسبة أو من دون مناسبة، واللعب بمفردات الفساد والاستبداد، أن منسوب "الوطنية"، قد ارتفع لدى هذا الشخص عن غيره، وبات تأليهه، وعبادته، والتسبيح بحمده، عالطالعة والنازلة واجباً شرعياً وطنياً، وضرباً من جواز سفر نحو وطنية مطلقة لا يأتيها الباطل من أمامها وورائها. فلقد خسر البعض، مثلاً، شيئاً من مكاسبهم، ومغانمهم، وامتيازاتهم التاريخية والأبدية، فأصبحوا بقدرة قادر وطنجيين منافحين عن حقوق الشعوب. كما لم يتح للبعض فرصة النفاذ لمراكز تسلط وسيطرة وتحكم، فأصبحوا بالتالي وطنجيين كبار. واختلف البعض عقائدياً، وإيديولوجياً، ورؤيوياً مع البعض فأصبحوا أيضاً وطنجيين لا يشق لهم غبار. وتتملك البعض نزعات عصابية، عصبوية، فئوية، شخصانية ومريضة في أغلب الأوقات، فصاروا "وطنجيين"، بقدرة قادر، كبار يوزعون شهادات الوطنية على هذا وذاك. وغادر كثيرون أوطانهم، محملين بأحلام الثروة، والجاه، والنفوذ والبحبوحة والدولارات، ولم يكن مقدراً لأحد أن يسمع عنهم بعد أن طوتهم تجارب الفشل والخذلان وسوء التقدير وقلة المواهب والإبداعات لولا ثورة الاتصالات وانفتاح الآفاق، وسهولة تدفق وإيصال الخبر والمعلومات، لكنهم فجأة قفزوا إلى الواجهات وصاروا وطنيين خمس نجوم، ومن نوع خاص، وبعد أن شبعوا رقصاً في كل الساحات.
تظهر التطورات يوماً، بعد آخر، وبكل أسف، صبيانية، وارتجالية كيدية غير مدروسة في مواقف البعض ممن يفترض به امتلاك الوعي الكافي والإدراك العميق للأشياء. ويبدو أن الغاية من أي حركة ونشاط للبعض، لم تعد سوى لفت الأنظار التي شاحت عنهم وتركتهم إلى غير مكان، أو لمجرد التمتع بمازوشية غريبة جراء التعنيف واللوم والتموضع في خانات الريبة والاتهام. والأنكى من هذا وذاك، هو هذا الإصرار المتعمد، على اجترار وإعادة إنتاج نفس أنماط الفشل التي لم تثبت جدارتها في أي زمان ومكان.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟