أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد الدين رائف - اليساريون ونعمة التنظير على الطابق الثاني















المزيد.....

اليساريون ونعمة التنظير على الطابق الثاني


عماد الدين رائف

الحوار المتمدن-العدد: 2744 - 2009 / 8 / 20 - 09:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكلف كثيرون من اليساريين الشرق أوسطين المداومين على ارتقاء المنابر والشاشات بين الحين والحين أنفسهم عناء بناء أدواتهم الفكرية الملائمة للمكان والزمان، بل اكتفوا بالتنظير وإعادة التنظير باستعمال قوانين الديالكتيك التي تم إنتاجها في زمان ومكان آخرين، وفي ظل ظروف أخرى، قد لا تشبه من قريب أو بعيد الظروف التي تعيشها الشعوب العربية الشرق أوسطية. إنها أسئلة بسيطة لا مفر من الإجابة عنها، لكن هيهات، هل نجد من المنظرين اليوم من يتنازل ويتنزل ويعود إلى إعادة إنتاج أدواته الفكرية بناء على المنطق الحركي قبل أن يتصدى للإجابة عن الأسئلة الكثيرة التي تكتظ بها أذهان الشباب؟ ومن الملاحظ أن شباب اليوم قد لا ينتظر كثيراً إجابات قد تخرج مجتزأة وغير قابلة للحياة من أفواه المنظرين، لأن الشباب بكل بساطة يحتاج أن تتكلم إليه بلغته الحية المتطورة في كل لحظة، وبطريقته المتزايدة السرعة، لا بأدوات فكرية رثة يخرجها المنظرون من صندوق ستينات وسبعينات القرن الماضي.. أدوات لا يمكنها إعادة إنتاج النظرية لتليق بأجيال جديدة.

عم نتحدث؟

تماشياً مع التقسيم السكوليائي، يقع المنطق الحركي في قاعدة الهرم فيشكل الركيزة الأساس لإنتاج أي قانون يمكن أن يصمد للحظة ثم يتطور مع المتغيرات، لإعادة إنتاج النظرية أو أي مقولة أو أي مفهوم، أو لإعادة إنتاج منظومة فكرية أخلاقية أو جمالية.. وهذا الهرم ذو الطبقات الأربع يبدأ من القاعدة مع المنطق الحركي – الديالكتيكي، ثم قوانين الديالكتيك، ثم المفاهيم، لتحتل رأس الهرم الأخلاق. ومن نافلة القول أن الهرم ذو وجوه أربعة، فاليساريون في المجتمع اليساري هم غيرهم في المجتمع اللايساري، كحالة المجتمعات العربية، أما غير اليساريين في المجتمع اليساري هم بطبيعة الحال لا يشبهونهم في المجتمع اللايساري. وهكذا نجد أنفسنا اليوم معنيين بحالة اليساريين في المجتمع اللايساري تحديداً، هذا المجتمع الذي لن يكون يسارياً في المدى المنظور، وربما في المدى غير المنظور كذلك، مهما كثرت الخطابات والمقالات والتحليلات، لأن كل هذه التحليلات - الإنتاجات، للأسف الشديد تتموضع على الطابق الثاني، أي على طابق قوانين الديالكتيك، ولم تبتني على أدوات فكرية من القاعدة، أي من المنطق الحركي، أي من المنبع الذي عليها أن تستمد منه الأدوات الفكرية الملائمة للزمان والمكان والحركة. وليس علينا البحث كثيراً للوقوف على أمثلة حية لذلك، فكل ما علينا فعله هو قراءة أي خطاب أو موقف للمتحدثين اليساريين، تراهم ينطلقون من قوانين التناقض والنفي ونفي النفي كمسلمات، آكسيومات غير قابلة للنقاش، دوغمات معلقة يتناولوها كلما دعت الحاجة ويرمونها في وجه القارئ أو المستمع، حتى لتخال أنهم أنفسهم لا يفقهون معناها عندما تحتك بمشاكل آنية.. فتبدو على ألسنتهم عقيمة وغير قابلة للتفاعل مع أي طارئ، ثم يستنقذون أنفسهم ببعض الأقوال لماركس وإنجلس وتروتسكي ولينين وماو... ولا ينسون أن يزودوا المستمع برقم الصفحة في الأعمال الكاملة!

منظرون فقهاء!

خلال ثلاثة عقود مرت بطيئة على شعوبنا المقهورة لم يقدم منظرونا اليساريون فيها شيئا نافعاً يذكر، لم يقدموا لشعوبهم أفكاراً قابلة للتطبيق. يتذرعون بألف حجة وحجة، لكنهم أمام هذه الحقيقة الواضحة سواء.. يبدون أعجز من أن ينتشلوا أنفسهم من الحفرة. في المشرق العربي، على سبيل المثال، شهدت الجماهير تجربة العراق وبلاد الشام المنتجتين، وعملياً لقد سلم الجيل الأول من اليسار الوديعة جيلاً ثانياً في الخمسينات، ثم سلم الجيل الثاني جيلاً ثالثاً في السبعينات فتابع المسير، أما الجيل الثالث فلم يسلمً أحداً بل سقط في الحفرة.. والحفرة لا تنتج حلاً ولا فكراً بل يمكن لمن تبقى من الجيل الثالث على قيد الحياة أن يلوك الأفكار نفسها، ويتغنى بالأمجاد، أو شبه الأمجاد نفسها، ولكنه لن يتمكن من الارتقاء من الحفرة قيد أنملة، ناهيك أن أنه يسمم أفكار الشباب بأمجاد لم تعد قالبة للتداول في عالم اليوم، على أقل تقدير... أما الشباب اليوم، والذي يفترض به أن يشكل جيلاً خامساً في ظل عدم وجود جيل رابع ببساطة، فهو تائه. تائه بين مصطلحات عفا عنها الزمن، تحتاج إلى تبسيط بات شبه مستحيل، تائه كون من يتصدى للإجابة عن أسئلته يعيش في الماضي ويحبس نفسه في بعض الذكريات، وبعض لحظات المجد، تائه لأن قلة قليلة غير مسموعة الصوت تتكلم بلغته من المتصدين للإجابة.. أما المنظرون فهم مشغولون بين حين وآخر بتوقيع كتاب هنا أو محاضرة هناك، وإن أتيت بالكتاب أو بنص المحاضرة وأسقطها على الواقع اليومي فتتساقط ولا يبقى منها إلا حروف الجرّ. تماماً كفقهاء المذاهب يقبعون في كهوفهم ويدعون أن المعرفة كاملة نزلت من السماء في زمان غابر ما، وما عليهم اليوم إلى أن يمدوا جسوراً معرفية من زمانهم إلى زمان النص وأن يستخرجوا الحكم الظاهري لمشكلة تحدث أمامهم باستعمالهم لأدوات فكرية أنتجت قبل ألف عام.. هل الأمر كذلك؟ هل ننتظر من المنظر اليساري العربي اليوم أن يقارب الواقع من خلال عودته إلى "كتاب مقدس" كتبه ماركس أو لينين أو سواهما، ليستخرج لنا حكماً ظاهرياً بأدوات فكرية أنتجها أجدادنا؟ هل لاحظتم مدى غبطة هؤلاء المنظرين بعد يومين أو ثلاثة من انفجار الأزمة المالية العالمية وكيف جادت عبقرياتهم بما لم تجد به عبقرية طالبان عشية إعلان إمارتها! فإن تلخصت المسألة بأن ماركس كان معه حق! فما هو الذي معكم أنتم كمنظرين فقهاء، مسحتم الغبار والأتربة عن كتاب "رأس المال" لتربطوا بين ما يحدث أمامكم وبين تفاصيل النظرية الماركسية؟ ثم تراهم همدوا بقدرة قادر، ولم يقدموا فكرة واحدة قادرة على الصمود حية لتتفاعل مع عاملي الزمن والحركة.

مكاسب وامتيازات

لن يستطيع الجيل الثالث من اليساريين العرب، ومنظروه، أن يقدم حلولاً لمشاكل تعترضنا اليوم.. كثيرون منهم يتعمدون البقاء حيث هم، فلا ينوون التقدم إلى الأمام ولو لخطوة واحدة كي لا يفقدوا المكاسب التي حصلوا عليها، والامتيازات التي غدت توقفهم في الصف الأول في هذه المنظمة أو تلك مانعين الشباب من التقدم، فهم يقفون في طريقه، ويشعر الشباب فعلاً بالإحباط من ممارسات كثيرين يتبوءون المناصب في أحزاب ومنظمات، وينادون بالديمقراطية بين حين وآخر، وهم لم يمارسوا ولن يمارسوا من هذه الديمقراطية شيئاً كونها ستمس بمكاسبهم وامتيازاتهم، وهم بالتالي يخنقون الشباب، ويمحون قدرته على التقدم والتغيير، وأحياناً حتى التعبير. لكن هل يمكن أن نقدم للشباب وصفة تقول أن عليه استعمال جوامد قوانين المادية الديالكتيكية، أي مواد تستخرج كما هي من مؤلفات القرن ما قبل الماضي، كي يحلل بها واقعه اليومي ويخرج بحلول لمشاكله؟ أم هل نقدم له تفسير هذه المؤلفات، وتفاسير تفسيرها، وتفاسير تفاسير... يعود آخرها إلى جيلين أو ثلاثة إلى الوراء، وننتظر ما الذي سيفعله بها، تماماً كما يفعل مستنبطو الفتاوى من بطون كتبهم العتيقة؟.

ما العمل؟

لا يوجد حلول سحرية، وربما يكون كل من يدعي أنه يمتلك إجابات واضحة لأسئلة الشباب المتراكمة واهماً في أفضل تعبير، والمهمة التي تنتظر الجيل الذي لم يستلم من جيل قبله سوى الخيبات مهمة شاقة، تبدأ ببناء الأدوات الفكرية المناسبة للمرحلة التي يعيشها، وهذه الأدوات لا يمكنه بحال من الأحوال استيرادها، أو وراثتها قسراً.. إن بناء الأدوات الفكرية يعني بناء أساس متين يمكن من خلاله الوصول إلى القواعد الناظمة لعملية التفكير وفق المنطق الحركي، وبالتالي بناء قوانين الديالكتيك من جديد تمهيداً لبناء النظرية، وهذا ما لا يمكن أن يستسيغه أحد من المنظرين الفقهاء الذين تعودوا استهلاك الأفكار وإعادة استهلاكها. لن يسمح الجيل المورّث للخيبات لجيل يأتي بعده أن يشق طريقاً له خارج التجارب الفاشلة، وهذا طبيعي، إنما يريد للشباب أن يمروا من خلال نفس القناة التي تم تأسيسها على أفكار باتت صدئة، بينما ينعم هؤلاء المنظرون الفقهاء بنعمة التنظير على الطابق الثاني مستعملين كافة المصطلحات التي عفا عنها الزمن، تلك التي تحتاج إلى شروحات وتفاسير ليس لها وجود فعلي على أرض الواقع.

إذن، كفانا مصطلحات جامدة، كفانا لجوءاً إلى عدة ستينات وسبعينات القرن الماضي، ولننطلق في دعوة مفتوحة للتفكير.. فلندرس واقعنا جيداً، إن أي انطلاقة في التفكير تحتاج إلى دراسة متأنية وعلمية للواقع الذي نعيشه، ولا يمكننا أن ندير ظهرنا لواقعنا عندما نفكر ونحاول تنظيم تفكيرنا لاستخراج الأدوات الفكرية الملائمة من المنطق الصوري السكوني ثم من خلال تحريكه، وهدمه، للوقوف على ما يصلح منه للبقاء في هذه المرحلة، ثم لبناء المنطق الحركي، ثم لبناء القواعد المؤسسة لنظرتنا نحو الآخر، الكون، المفاهيم بشكلها العام. المقترح اليوم منهجية جديدة بعيدة عن التلقين المباشر الذي دأبت عليه الأجيال السابقة، تبدأ بحوارات كثيرة غير منظمة لتلتقي أو لا تلتقي في حوار واحد. هذه الحركة لا تعتمد على ما ورثه الشباب من الأجيال السابقة، سواء في مراحل سميت بالذهبية، أو مراحل الفشل المتعامى عنه، إنها تعتمد على لغة شباب اليوم وحركيته، فإن كان ينبغي القيام بشيء ما فإنما على شباب اليوم القيام به، وإلا كذلك سننتظر جيلاً آخر.. وآخر.




#عماد_الدين_رائف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الحزب الشيوعي اللبناني وأبي حبيب.. نقدان ذاتيان انتخابيا ...
- -الجنسية- إحدى أكبر معارك الحركة النسائية اللبنانية
- حول الانتخابات اللبنانية وقضايا المرأة
- لبنان: ما قبل أزمتي الغذاء والاقتصاد العالميتين.. وما بعدهما
- متى ننصف المرأة.. ولو على الورق؟!
- حول أهمية التكييف الوظيفي في دمج الأشخاص المعوقين اقتصادياً. ...
- نساء لبنانيات يروين قصص تعرضهن للعنف والتعذيب
- التمييز القانوني ضد المرأة في لبنان
- بين المجتمع المدني العربي وقمة الكويت القادمة
- ستون عاماً على انتهاكات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- تشي غيفارا يحتفل في بيروت بألوان عربية
- في يوم الغذاء العالمي: دعوة الى الاستيقاظ دعماً للجياع حول ا ...
- زيادة أجور هزيلة تقدم كإنجاز حكومي
- في الرهان على المجتمع المدني اللبناني
- حراك المجتمع المدني اللبناني .. نحو -وطن لجميع ابنائه-
- المجتمع المدني اللبناني يناقش البيان الوزاري
- أي قانون انتخاب يريده المهمّشون في لبنان
- رسالة المجتمع المدني اللبناني إلى السياسيين
- حول -النداء العالمي لمكافحة الفقر-.. عربياً
- حملة لا للحرب في لبنان... بين السياق والنتائج


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد الدين رائف - اليساريون ونعمة التنظير على الطابق الثاني