أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آية آبول - محمد الإنسان - الجزء الأول















المزيد.....

محمد الإنسان - الجزء الأول


آية آبول

الحوار المتمدن-العدد: 2726 - 2009 / 8 / 2 - 09:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قبل اعلان محمد بن عبد الله نبوته، كانت مكة تتمتع باستقرار اقتصادي مقارنة بما حولها من مدن وقبائل وكان ذلك نتيجة لوجود الكعبة التي كانت قبلة للعرب جميعا. وتمتع مكة بهذه الأجواء المقدسة التي كان لها اثرا إيجابيا على استقرارها الإقتصادي والسياسي اثار حفيظة بعض الحاقدين ومنهم ابرهة الأشرم والذي بنى كغيره كعبته الخاصة واراد ان يصرف الحجاج عن كعبة مكة إلى كعبته الجديدة. وما ان برك فيل ابرهة على ابواب مدينة مكة حتى تحطمت احلامه وظلت الكعبة قبلة دينية للعرب جميعا على اختلاف مللهم.

واستمتع اهل قريش برخاء اقتصادي وهدوء اجتماعي نتيجة تحصيلهم دخلا من زوار بيت الله من عبدة اللات (اهل ثقيف بالطائف) والعزى (بني كنانة بالنخلة) ومناة (أهل الأوس والخزرج بالمدينة) وهن الغرانيق الثلاثة اللاتي اعتبرهم العرب بنات الله رب الكعبة، ذلك إلى جانب يهود ونصارى الجزيرة الذين لم يجدوا حرجا من الحج لبيت الله مثلهم مثل غيرهم من اهل الجزيرة. وهكذا كان اهل مكة اكثر مدنية واكثر تحضرا من أهل المدن المجاورة لأن استقرارهم الإقتصادي لم يدفعهم إلى غزو غيرهم من القبائل لجلب المأكل والمشرب لقومهم، ولهذا كانت ايضا خبرتهم بدهاء القتال وخداع الحروب يكاد يكون معدوما. في هذه الأجواء نشأ محمد يتيما تارة في بيت امه ثم تارة في بيت جده واخيرا في بيت عمه والذي تكفل به واحسن تربيته فأشتهر بين قريش بالأمانة والصدق وكرم الأخلاق.

محمد لم يكن إنسانا مرفها بل حياته القاسية وسعت سعة عقله واستيعابه، هذا إلى جانب تنقلاته التجارية مع عمه بين الشام واليمن حيث جالس إناس مختلفين منهم الأحبار والرهبان، ثم انتقاله للعمل مع سيدة قريش الأرستقراطية خديجة بنت خويلد. خديجة، تلك السيدة الأرملة الثرية الأرستقراطية، آمنته على تجارتها حتى رغبت فيه لنفسها يوم سمعت من عبدها ميسرة عن دلائل نبوة محمد إلى جانب كونها من اهل الجزيرة التي طالما تحدثوا فيها عن ظهور نبي للعرب، فطلبته للزواج وتقدم لخطبتها وتمت الزيجة وانجبت له كل اولاده ما عدا إبراهيم: القاسم، زينب، رقية، ام كلثوم، وفاطمة. وعاش محمد مع خديجة والتي كانت تكبره في السن بأكثر من 15 سنة عيشة رغدة وكان محمد الإنسان يهتم بالفقراء فيطعم المسكين ويراعي شئون اليتيم لأنه نفسه كان يتيما، ثم تكفل بتربية صبيين وهما زيد بن حارثة والذي احب محمد جدا مثل ابيه ورفض العودة إلي اهله وفضل البقاء مع محمد في بيته، والثاني هو علي بن أبي طالب والذي تكفل به محمد رأفة بحال عمه والذي اصبح فقيرا لا يقوى على جلب قوت اولاده.

من الواضح ان محمد كإنسان مرهف واسع العقل والإدراك كان مستاءا من الوضع العام في مكة حيث يدوس الغني على الفقير ويستعبد القوي الضعيف وتغلب العصبية والقبلية على العدل والحق ويطلق الناس العنان لغضبهم بدلا من كظم الغيظ والعفو عن الناس، ولأنه كان قليل الحيلة لا يقوي على تغيير واقعة ولن يسمع صوته إن تكلم فأنه كان يعزل نفسه مرارا وتكرارا في غار حراء للتأمل في شئون الحياة بعيدا عن جهل وغرور قومه قريش. حتى كان ذلك اليوم - وهو في إحدى تأملاته - الذي سمع فيه صوتا في رأسه يناديه ويطلب منه أن يقرأ، أن يقرأ بأسم ربه الذي خلق، الذي خلق الإنسان من علق! هنا بهت محمد وخاف ان يكون قد مسه الشر فهرع إلى زوجته والتي مؤكد كانت في إنتظار هذا اليوم الذي تنزل فيه النبوءة على زوجها، فهدأت من روعه واصطحبته إلى ابن عمها الراهب ورقة بن نوفل ليؤكد له انه نبي الله وانه سيحمل على عاتقه حملا حمله من جاء من قبله من الأنبياء.

وبدأ محمد يدعو سرا من حوله بمساندة زوجته فيطلب منهم أن "تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد"، فأسلم اول من اسلم من بعد زوجته بنت خويلد: علي بن ابي طالب، وزيد بن حارثة ، وصديقه التيمي عبد الله بن ابي قحافة وكنيته أبي بكر. وصلى محمد عند الكعبة امام قريش ومن خلفه ابن عمه علي وزوجته خديجة فبهت القوم وتساءلوا عن هذا الرجل الذي يسجد على الأرض في صورة لم يعهدوها، فلم يعتاد اهل مكة والعرب السجود ابدا واعتبروا السجود نوع من انواع الخضوع والخنوع لا يقوم به إلا العبيد والضعفاء، فكان هذا اول طريق التصحيح الذي بدأه محمد إذا اراد ان يكسر هذا الغرور الجاهلي بداخلهم عن طريق السجود لما هو اعظم منهم ليتقوا الله في خلقه. ورويدا رويدا بدأت صلاة محمد الساجدة تجذب ضعفاء ونساء مكة إليه فألتفوا حوله وانضموا إلى دعوته الوليدة، حتى ان العرب بقيادة ابو لهب كانوا يسخرون منه ومن ثلة الضعفاء والعبيد الملتفة حوله. كان ابو لهب يضايقه ويؤذيه حتى بكى يوما محمد فوصل ذلك عمه حمزة الذي تهابه قريش والذي كان رافضا لدعوة ابن اخيه ، فذهب إلى ابي لهب وضربه على رأسه حتى شجت وقال له انه اسلم وعليه ان يعرف ان من يتعرض لأبن اخيه فأنه يتعرض لحمزة بن عبد المطلب نفسه.

وبدأ محمد في الجهر بدعوته بعد ان جاءه وحيا على قلبه يدعوه إلى ذلك فأشتد اذى قريش على ضعفاء المسلمين عندما بدأت القبائل التي تعبد الغرانيق في اعلان استياءها وخوفها على اصنامها داخل الكعبة وهو الأمر الذي قد يضر ضررا عظيما بإقتصاد مكة واستقرارها الإجتماعي. وضيق القريشيون الخناق على عمه ابو طالب فطلب ابو طالب من ابن اخيه ان يخف الضغط عن قريش لأنهم يكرهون دعوته والتي "تبدد احلامهم" الإجتماعية والإقتصادية، ولكنه لما رأي التأثر في عين محمد وشدة تعلقه بدعوته الجديدة اكد له انه لن يخذله ابدا ولن يعطيه ظهره طالما كان حيا. وزاد اذى القريشيين لمن اتبع محمد فعز على محمد الإنسان ان يرى فيهم ذلك فأمرهم بالهجرة إلى الحبشة المسيحية لأن المسيحيين اقرب إليهم من عبدة الأصنام قساة القلوب في قريش، وكان من ضمن من هاجر الشاب الأرستقراطي عثمان بن عفان زوج رقية بنت محمد بن عبد الله. واشتد حصار قريش على كل من حمى ودافع عن محمد حتى وإن كان غير مسلم فقاطعوا التعامل والبيع والشراء مع بني هاشم وبني عبد المطلب حتى عز على البعض قطع صلة الرحم بهذا الشكل فتم إلغاء صحيفة المقاطعة الإقتصادية التي دعى إليها ابو لهب.

ثم توفي كلا من وزيرة محمد وزوجته وحبيبته خديجة بنت خويلد وحاميه وعمه ابو طالب فأشتدت وطأه قريش عليه وازداد شرهم بعد ان اصبح وحيدا بلا ظهر يسانده. ومحمد لم يتزوج قط من امرأة اخرى في حياة خديجة اكراما واحتراما لها فكانت هي كل الدنيا بالنسبة له فكما قال عنها: ما ابدلني الله خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء". وبعد موتها وموت عمه لم يجد محمد سبيلا إلا ان يبحث عن قبيلة تحميه فبات يعرض نفسه على كل قبيلة تارة ولكن طلبه قوبل بالرفض من عبدة اللات والعزى فقد كان صعب على العرب تقبل تعاليم محمد التي تدعوهم إلى السجود ونبذ العصبية والمساواة بين الناس امام الخالق واعطاء اليتيم حقه.

ومن ضمن من كان يعرض النبي نفسه عليهم كانوا قوم من الخزرج، وكانوا جيران لليهود في يثرب فعلموا شيئا عن الكتاب وكلام اتباع الكتاب فأثر فيهم قرآن محمد الذي قرأه عليهم. ورغبوا في ان يكون لهم نبي مثلما لجيرانهم اليهود نبي يفخرون ويتفاخرون به ويتعالون بعلمهم على الأعراب الأميين. فعادوا إلى قومهم في المدينة وحدثوهم عن محمد هذا العربي الذي يتكلم بكلام اليهود ويدعي انه نبي العرب وانها فرصتهم ليتخذوه نبيا وزعيما لهم يفض خلافتهم مع الأوس ويوحدهم تحت راية واحدة ودين واحد. فذهب إليه اثنى عشر رجلا من الأوس والخزرج وبايعوه (العقبة الأولى) على: "ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل اولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين ايدينا وارجلنا، ولا نعصيه في معروف". ثم بايعه الأنصار في العقبة الثانية في حضور عمه العباس بن عبد المطلب وكان لا يزال على دين اباءه ولكنه حضر المبايعه ليتأكد ان ابن اخيه في يد امينه ستقوم بحمايته من بطش قريش وحلفاءها، فبايع النبي الأنصار على ألا يخلف بهم ابدا حتى وانه نصرته قريش وبايعوه هم وعادوا إلى ديارهم واعلنوا اسلامهم.

وبدأت رحلة الهجرة إلى أرض "النخيل" وبقي محمد وصاحبه ابو بكر ليكونا آخر من يخرج من مكة من المسلمين وليطمئن ان كل اتباعه خرجوا في أمان وسلام إلى ارض المناصرة والمساندة يثرب. وقبل خروج النبي محمد من مكة اجتمعت قريش في دار الندوة (مجلس الشورى) ليبحثوا في امره بعد أن اشتد خطره عليهم حيث أصبح له شيعة خارج اسوار مكة (يقصدون الأنصار)؛ فقرروا ان يقتلوه بيد رجل من كل قبيلة حتى يتفرق دمه بين القبائل فيفشل اعمامه في طلب الثأر، ولكن يمكر الناس ويمكر الله خير من يفشل المكر الخبيث، ففشلت قريش في تثبيت محمد وفشلوا في قتله وخرج سالما مع صاحبه متجها إلى يثرب ليبدأ رحلة جديدة تماما وحال مختلف تماما عن حاله في مكه.

يتبع






#آية_آبول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد الإنسان - الجزء الثاني
- محمد الإنسان – الجزء الثالث


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آية آبول - محمد الإنسان - الجزء الأول