أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الكاظم العبودي - ذكرى ابي الطيب عبد الرحيم محمود















المزيد.....

ذكرى ابي الطيب عبد الرحيم محمود


عبد الكاظم العبودي

الحوار المتمدن-العدد: 2689 - 2009 / 6 / 26 - 03:34
المحور: الادب والفن
    



وخطى ابي المتنبي أحمد بن الحسين الجُعفي

في ذكرى الشاعر الفلسطيني الفارس الشهيد عبد الرحيم محمود

أ.د. عبد الكاظم العبودي

من منا لم يستمع الى الصوت الشجي صاحب اللحن الخالد محمد عبد الوهاب في رائعته عن فلسطين (أخي جاوز الظالمون المدى/ فحق الجهاد وحق الفدا ). للشاعر المصري علي محمود طه وقد سمعتها الاجيال بصوت محمد عبد الوهاب، ورددها الزمن. وكثير من يخلط بين قصيدة علي محمود طه هذه ومسيرة وحياة الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود صاحب قصيدة [سأحمل روحي على راحتي/ وألقي بها في مهاوى الردى ] التي لا تخلو من مخاطر ومفارقات ارتبطت بحياة عبد الرحيم محمود والمتنبي نفسه من مفارقات مشتركة.
كنى عبد الرحيم محمود نفسه ابا الطيب أيضا بعد أن رزق بولد بكر سماه الطيب. وهو كالمتنبي كان يرى في الشاعر، لا كناظم للكلمات ؛ بل فارس قادر على القول والفعل معا. عبد الرحيم محمود اشتهر بأبلغ بيتين يرددهما شاعر عربي تواق للشهادة ، نظمها قبل 11 عاما من استشهاده، وهو يؤبن رثاء القائد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، الذي استشهد في الثورة الفلسطينية الاولى في 26/3/1937 . حقق عبد الرحيم محمود حلم شهادته هو أيضا عام 1948. كان مصرعه بشظية من قنبلة يهودية في غمار معركة في قرية الشجرة قرب الناصرة. لم تكن الناصرة قد وقعت بيد العدو بعد فدفن جثمانه فيها :
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تُســـــــر الصديق
وإما ممات يُغيظ العــــــدى
عبد الرحيم محمود كالمتنبي أدرك كل منهما ان الشعر صنو حياته: كلاهما ملئ بالكبرياء والشجاعة والإقدام . كلاهما عاش متمردا ومهاجرا ومنفيا وهاجرا وعائدا الى مسقط رأسه ليستشهد. في نصوص عبد الرحيم لا نجد نبوة المتنبي، كون الأخير شبه نفسه بالمسيح وبالنبي صالح، وإنما نجد كثير من المشتركات رغم فارق العقود من السنين بينهما. المتنبي وعبد الرحيم محمود أدركا : (كون الشعر من جوهر النبوة الحق، والنبوة من جوهر الشعر الحق، والى كون الشعر دوما قرين النبوة... والامر واضح في إتهام الانبياء أيضا بأنهم شعراء في التاريخ الديني واعتبار الشعراء أنبياء في التصور الرومانسي للشعر). المتنبي ولد في كوفة العراق على شاطئ الفرات ، ودفن بعد أن دار نصف ممالك العرب والفرس قتيلا عند النعمانية على شاطئ دجلة. وعبد الرحيم محمود ولد في فلسطين، ودار نصف أقطار المشرق العربي محاربا ومجاهدا في فلسطين بثورة 1936 لثلاث سنوات ثم ارتحل الى العراق ملتحقا في الكلية العسكرية لفترة قصيرة ليجد نفسه وجها لوجه ضد الانجليز، رأس الأفعى، فيقاتلهم في معركة سن الذبان غرب العراق في حركة رشيد عالي الكيلاني 1941. لكن المعركة غير المتكافئة حسمها الطيران البريطاني وحلفائه. يعود عبد الرحيم محمود بعد فشل الثورة العراقية وإعدام قادتها، متخفيا وهاربا من أرض العراق التي أعاد البريطانيون إحتلالها . وعبر بوادي الشام ووحشة الدروب غير السالكة عاد الى فلسطين منتظرا الفرصة لتكوين جيش الانقاذ الفلسطيني فيقاتل الصهاينة وخلفهم البريطانيون. ظل بطلا حتى لحظة موافاته المنية مستشهدا فوق ذرى الناصرة بشظية قنبلة صهيونية عام 1948.
وقبله لم يكن المتنبي ساعيا ليكون شاعر بلاط. في البدء سعى الى الامارة لنفسه لكن الظروف خذلته وافترق من حوله الجمع. فاعتقل وسجن بتهمة (التنبؤ) و ( العدوان على العالمين). وسجن سنتين من قبل الاخشيديين، ثم ابعد الى جنوب الشام، فعاد مضطرا الى حياة الفقر والمحنة والتكسب بالشعر، وتنقل من رعاية أميرية الى أُخرى من شرق الاردن الى الرملة. ومن خيبة وأمل ووعود لتحقيق طموحاته الى خلاف مع أمير وولي نعمة الى آخر حتى صار شاعر البلاط الأول لدى سيف الدولة الحمداني في امارة الحمدانيين وعاصمتها حلب. توافق سيفُ سيف الدولة وشعر المتنبي في السياسة والحرب والشعر أيضا ووجد المتنبي ضالته ليقول المفاخر بحق سيف الدولة ويقضي تسع سنوات (337-346)هـ كانت حاسمة في حياة المتنبي. لكن هروبه خفية من سيف الدولة ومحيطه أجبره على الإحتماء ببلاط كافور الاخشيدي. كان الاخشيدي هدفا لتحقيق غاية في نفس المتنبي طامحا منه الحصول على حكم إمارة أو ولاية مثل صيدا. مدح كافور الاخشيدي لم يفتك منه قرارا لولاية المتنبي على أي مدينة، ففسدت العلاقة وحدد كافور إقامته واضطر المتنبي في ليلة ظلماء الى الهرب من مصر عبر صحراء سيناء ومنها الى العراق تاركا للتاريخ أكثر القصائد هجاء بحق كافور في ليلة عيد الأضحى 350 هـ أنشد المتنبي: (عيد بأي حال عدت ياعيد... الى بيته الذائع الصيت: ( لا تشتر العبد الا والعصا معه... ان العبيد لأنجاس مناكيد ). عاد الى وطنه العراق ومسقط رأسه الكوفة بعد تغريبة 30 عاما واستقبل بحفاوة لا نظير لها ، لكن ظروف العراق السياسية وقلاقل القرامطة، وضعف الحكام ببغداد لم تكن مناسبة لطموحات المتنبي حيث محيط الحكام ومفاسدهم. كان الشعراء التافهون بطانة الحكام همهم المجون والسخف. فترفع المتنبي عن طول الاقامة وعن مدح من كان حاكما ببغداد بدءا من ركن الدولة، ووزيره المهلبي ، فغادر العراق الى فارس، ثم عاد مرة أخرى الى العراق. ولم يكن يعلم ان القدر يتربصه بقطاع الطرق وعلى يد فاتك الاسدي تم قتله مع ابنه ومن معهما، وتقاسمت العصابة أمواله وعقائله. قتل المتنبي في رمضان سنة 354هـ / سبتمبر965 في دير العاقول جنوب بغداد، المسماة الآن النعمانية.
أي قدر للشاعرين. ابي الطيب الكوفي العراقي، وأبي الطيب الفلسطيني، كلاهما دار دورته ساعيا لكرامته، ثم يعود الى مسقط رأسه فيستشهد في وطنه. كلاهما كان متأملا في الحكمة والقدر المنتظر. وكما ان معنى الشعر في الاصل هو (العلم الحدسي)، والشاعر هو العالم: هذا ما نجده في الجذور اللغوية الاولى لهذه الكلمة في أصلها السومري وبعده الاكدي والعربي. فالحكمة والتبصر تستكشفان في بعض من وظائف الشعر وهو يسبر أغوار المخفي والمجهول والمُنتظر.
ربما لم تكن هذه الخصائص مقصودة في كلام الشعراء، ولا تُعد غرضا من أغراض القصيدة؛ لكنها ترد في كثير من شعر المتنبي وشعر ابي الطيب عبد الرحيم محمود عبر إضاءات تعبر عن مواقف وعبر وحقائق فيها من نفاذ الرؤية ما يعطي لكل منهما لقب المتنبئ باستحقاق. فالمتنبي الأول قتلته كبريائه في قصيدته (الخيل والليل والبيداء تعرفني) ولم يهرب أمام قاتله اللص فاتك الاسدي حتى قضى نحبه . وابو الطيب عبد الرحيم محمود طلب الشهادة لنفسه مبكرا، كما تنبأ أيضا بخذلان حكام العرب للقدس فلسطين قبل احتلالها وسقوطها بيد اليهود. قلق الشاعر يدفعه الى استبصار الرؤى والمستقبل وليست تلك الحالة نبوءة؛ بل استشراف واع، فها هوعبد الرحيم محمود في عام 1935، ومن قريته عنبتا يخاطب الأمير سعود بن عبد العزيز حين جاء لزيارة بيت المقدس والحرم الشريف قائلا:
يا ذا الامير أمام عينك شاعر
ضُمت على الشكوى المريرة أضلُعُه
المسجد الاقصى: أجئت تزوره
أم جئت من قبل الضياع تودعه
حرم- تباح لكل أوكع آبق
ولكل أفاق شريد أربعه
وغدا، وما أدناه، لا يبقى سوى
دمع لنا يهمي وسن نقرعه
ويُقرب الأمر العصيب أسافلٌ
عجلوا علينا بالذي نتوقعه
قومٌ تظل لدى السداد حصاته
ويسيطر الغادي عليه ويخضعه
شكوى، وتحلو للمضيم شكاته
عند الأمير، وإن ترقرق دمعه
وعندما أحكمت سلطات الانتداب بدعم من العصابات الصهيونية يدها على فلسطين لم يجد الشاعر سوى تحقيق نبوئته ، مرددا مرة أخرى ما قاله قبل أحد عشر عاما:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
الى ان ينتهي بالقول:
لعمرك هذا ممات الرجال
ومن رام موتا شريفا فدا
أخوفا؟ وعندي تهون الحياى
وذلا؟ وإني لرب الإبا
بقلبي سأرمي وجوه العداة
فقلبي حديد وناري لظا.

مراجع المقالة:
جبرا ابراهيم جبرا، [الرحلة الثامنة] ، 1979، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص 29-33.
أمين صالح محمود الحمصي، [الغربة والحنين في الشعر الفلسطيني بعد المأساة]، منشورات جامعة قار يونس، بنغازي.
مبروك المناعي، [ أبو الطيب المتنبي قلق الشعر ونشيد الدهر]، 1998.



#عبد_الكاظم_العبودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحوة كولن باول هل جاءت متأخرة
- النوبليون ومحنة شعب العراق
- -اسرائيل تحضر لضربة نووية محدودة في المنطقة
- البعد الايديولوجي لليسار الاوربي التقليدي
- دارفور الشجرة التي تخفي ورائها كل ضباع الغابة الافريقية
- منظمات المجتمع المدني مساحيق بشعة على وجه ديمقراطي امريكي زا ...
- تقاطعات الرحيل الى الازهر الغافي والمرجع المتعافي لا يصلح ال ...
- رمضان وتكريس البغض الطائفي في العراق
- بوش في الانبار يعيد لي ذكرى حكاية جدتي
- القادمون على ظهر الدبابات الامريكية لا تمنحوهم -شرفا-... او ...


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الكاظم العبودي - ذكرى ابي الطيب عبد الرحيم محمود