أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مهند صلاحات - الخرافات الدينية... الصكوك الأولى في التنازل عن فلسطين للدولة اليهودية















المزيد.....



الخرافات الدينية... الصكوك الأولى في التنازل عن فلسطين للدولة اليهودية


مهند صلاحات

الحوار المتمدن-العدد: 813 - 2004 / 4 / 23 - 08:44
المحور: القضية الفلسطينية
    


ضج الراديكاليين في العالم بصرخات الاستنكار والشجب والرفض بوجه ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية حين وقع اتفاق اوسلو واعتبروه استسلام واضح ورضوخ واعتراف من منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل التي يعتبرها ثوار العالم وأحراره دولة محتلة غير شرعية.
ومن قبله قامت صيحات تندد باعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل وبدأ الآخرون يحملون الشيوعية السوفيتية بخطأ الاعتراف بدولة محتلة وكيان غير شرعي واعتبروه مناقض للأفكار الشيوعية من ناحية, ومن ناحية أخرى أخذها المتدينون نقطة على الشيوعية أن الشيوعيين تبدأ أفكارهم ومبادئهم تتساقط أمام الإنتاج والمطالب السياسية واعتبروا الاتحاد السوفيتي الشيوعي من المؤسسين لإسرائيل أو الداعمين لقيامه لكونه الدولة الكبرى الثانية بالعالم التي قامت بالاعتراف بالكيان الصهيوني (بعد اعتراف أمريكا بست ساعات تقريبا ).
إلا أن الحقيقة أن فكرة التنازل عن فلسطين وحرمان أهلها الأصليين منها هي فكرة دينية في البداية لم يلتفت من قبل لها إلا القليل من الكْتاب, وندر من كتب في فكرة تكذيب الخرافة الدينية بالاعتراف بأرض إسرائيل أو ما يقابلها من مرادفات مثل جبل صهيون أو ارض الميعاد وغيرها, لقدسية الدين في المجتمعات وقدسية ما جاء في دساتيره التي تسمى الكتب السماوية, ومجرد الاعتراض على فحوى الفكرة يواجه الكاتب والناقد للفكرة بأنه زنديق كافر خارج عن الدين ومكذب بما انزله الرب.
لا اعرف ماذا سيرد الإسلاميون الذين هاجموا الاتحاد السوفيتي الشيوعي لاعترافه بإسرائيل وهم يحملون بأيديهم صك الاعتراف الإسلامي الأول بهذا الكيان (القرآن) تحت مسمى ارض الميعاد أو شعب إسرائيل أو أبناء يعقوب.
فما وجه الاختلاف بين ارض الميعاد في القرآن واعتراف أمريكا الرأسمالية أو الاتحاد السوفيتي الشيوعي وكلاهما علماني وكذلك صكوك الاعتراف التي يحملها المتدينون في كتبهم المسماة السماوية!
فبدءا من رواية ارض الميعاد وقصة العراك التي حدثت بين الله ويعقوب فوق ارض الأردن وانتصر فيها يعقوب على الله فأعطاه فلسطين ليعيش فيها شعبه بسلام وهي رواية في التوراة اليهودية أو قصص الميعاد وشعب الله المختار التي يحملها المسيحيون في الكتاب المقدس أو التي نسخها عنهم المسلمون في القرآن تحت مسمى قصص الأنبياء في القران كلها قصص تعطي كامل الحق لليهود في فلسطين دون أي مقابل بأسم وعد الرب...
فما جذور هذا الوعد وكيف تسرب إلى داخل الإنجيل والقرآن حتى صار العرب أصحاب الحق يؤمنون به وبعضهم صار يؤوله كما يقول المسلمون أن الله سيجمعهم في فلسطين حتى يظهر المخلص ويقضي عليهم جميعا.
لان المسلمون أحسوا حقيقة أن الكتاب الذي يضع نصوص دينهم وشريعتهم التي يسيرون عليها والذي هم ملزمون بتصديقه كله جملة وتفصيلا (أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضه ) يسلبهم أرضهم بنفس الوقت ويلغي رموزهم الدينية.
ففكرة المسجد الأقصى التي تلغي فكرة هيكل سليمان وفكرة حائط البراق التي تلغي قصة حائط المبكى هي أفكار أوجدها محمد حتى يخفف من وطأة الاعتراف الصريح لبني إسرائيل بالأرض حتى يتقبل العرب الذين بدأ محمد بنشر دعوته بينهم بالفكرة لذلك ظهر بفكرة الإسلام يجلو ما قبله إلا انه أكد من ناحية أخرى صدق ما جاء في كتب من جاءوا قبله ونسخ عنهم كتابه.
لكن لماذا جاء في القرآن سرد تاريخي وفكرة التفضيل لبني إسرائيل على العالم (يا بني إسرائيل إنا فضلناكم على العالمين ) وأيضا قول محمد في قرأنه ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (159 الأعراف ) وسواها من آيات قرآنية تدلل على المكانة العظيمة لليهود وأنبيائهم في القرآن ؟
العبرة من هذا التقديس لليهود وأنبيائهم وحقهم في ارض الميعاد هو مجرد نوع من إضفاء الشرعية على كتاب محمد باعتباره مكملا ووارثا لما سبقه من أديان وكتب( سماوية ) جاءت قبله فأن كذبها فقد شرعيته ككتاب من عند الرب المزعوم.
- الجذور التاريخية لأرض الميعاد في التوراة والإنجيل :
كما هو معروف أن الجزء الأول من الكتاب المقدس هي التوراة وسفر التكوين يعتبر جزء من الكتاب المقدس الذي يحمل بين دفتيه كتابين احدها الإنجيل والأخر التوراة.
فل نرى معا ما جاء في التوراة عن ارض الميعاد في بعض النصوص والتي يؤمن بها كل المسيحيين واليهود في العالم:
تكوين: 15: 18: في ذلك اليوم ، عقد الرب ميثاقا مع إبراهيم ، قائلا : سأعطي نسلك هذه الأرض ، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات .
هذا نص صريح وواضع بفكرة الميعاد والوعد بالأرض
بينما في النص اللاحق سنرى الفكرة مرة أخرى لكن من ضمنها اعتراف أيضا بغربة الموعود بالأرض المخاطب وانه مجرد غريب محتل اخذ حقه من ما يسمى بوعد الرب.
تكوين: 17: 4-8: ها أنا أقطع لك عهدي ، فتكون أبا لأمم كثيرة ، وأُصيّرك مُثمرا جدا ، يخرج من نسلك ملوك ، فأكون إلها لك ولنسلك من بعدك . وأهبك أنت وذريّتك أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ، مُلكاً أبديا.
هنا ربما جاء النص أوضح بتحديد الأرض بحد ذاتها (أرض كنعان)
أي الأرض الفلسطينية التي يسكنها سكانها الأصليين الكنعانيين والتي يتبعها الخطاب بقوله (التي نزلت فيها غريبا) أي محتلا غاصبا للأرض, هذه الأرض التي اغتصبتها صارت حقا لك بتوقيع الرب على صك الحق.
لم يسكت النص التوراتي عند هذا الحد فأنه حسب التاريخ الديني فأن أبناء إبراهيم ليسوا فقط هم اليهود وإنما العرب أيضا أبناء هاجر الجارية هم العرب فكان لا بد من نص صريح يحرمهم حقهم أيضا ويعتبرهم مجرمين وهذا ما بدى صريحا نصا توراتيا:
تكوين: 16: 10 وقال لها ملاك الرب: لأُكثّرنّ نسلك فلا يُعدّ من الكثرة، هو ذا أنت حامل، وستلدين ابنا وتدعينه إسماعيل، ويكون إنسانا وحشيّاً يُعادي الجميع والجميع يُعادونه.
إذا فإسماعيل كما تقول الأديان بأنه جد العرب الأوائل في الجزيرة العربية هو وحش يجب عدائه بأمر من الرب الذي اعتبره الرب منبوذا أو كما جاء خطاب محمد في القرآن اقل وطأة حين اعتبر نسل إسحاق ارفع منزلة من أبناء إسماعيل حين قال القرآن:
(يا بني إسرائيل إنا فضلناكم على العالمين ).
هذا النص القرآني الذي جاء منسوخا عن التوراة لم يوجد فقرة التفاضل بين أبناء إسماعيل وإسحاق فقط بل رفع اليهود إلى مرتبة فوق العالم بأذن الرب المزعوم وهذا ما حاول تأويله المسلمون بأنه خطاب عتاب لا تفضيل مع أن النص كان أوضح من التأويل.
وهذا ما أكدته التوراة فيما بعد في النص التالي:
تكوين: 17: 15-19: وقال الرب لإبراهيم: أما ساراي زوجتك، وأُباركها وأُعطيك منها ابنا، سأباركها وأجعلها أمّا لشعوب، ومنها يتحدّر ملوك أمم، إنّ سارة زوجتك هي التي تلد لك ابنا، وتدعو اسمه اسحق وأُقيم عهدي معه، ومع ذريّته من بعده إلى الأبد.
على أساس فكرة التفضيل بين العرقين من أبناء إسماعيل وأبناء إسحاق فقد رأى الرب المزعوم أن أبناء إسحاق هم الأحق بالأرض المقدسة من أبناء إسماعيل الوحوش ومن هنا بدأت جذور فكرة ارض الميعاد بأن فلسطين هي ارض اليهود المزعومة من الرب ولا حق لأهلها الأصليين فيها شيء.
فكرة طرد العرب من فلسطين هي فكرة نسخ توراتي ديني بأن الفلسطينيين هم جزء من العرب الذين أمر الرب إبراهيم بإخراجهم من فلسطين عبر إخراج أمهم هاجر من فلسطين والإبقاء على أم اليهود سارة ليكون مستقبلا دولتين أحداهما في الجزيرة العربية وهي دولة العرب والأخرى من النيل للفرات كما ورد سابقا وهي لليهود:
تكوين: 21: 14-21: فنهض إبراهيم في الصباح الباكر، وأخذ خبزا وقربة ماء، ودفعهما إلى هاجر، ووضعهما على كتفيها، ثم صرفها مع الصبي، فهامت على وجهها في برية بئر سبع. وعندما فرغ الماء من القربة، طرحت الصبي تحت إحدى الأشجار، ومضت وجلست قبالته، على بُعد مائة متر، ورفعت صوتها وبكت. ( ناداها ملاك الرب قائلا ): قومي واحملي الصبي، وتشبّثي به لأنّي سأجعله أمّة عظيمة، ثم فتحت عينيها، فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة وسقت الصبي. وكان الله مع الصبي فكبُر، وسكن في صحراء فاران، وبرع في رمي القوس، واتّخذت له أُمّه زوجة من مصر.
في هذا النص يقول كتبة التوراة، أن إبراهيم تخلّى عن هاجر وابنها وطردهم طردا، ويقولون في بداية النص أنه سكن بئر السبع، وأن بئر زمزم تفجّرت فيها، وفي نهاية النص يقولون بأنه سكن في صحراء فاران، وهذه التسمية العبرية القديمة لصحراء الجزيرة العربية، وجبال فاران هي جبال مكة أو الجزيرة العربية، من هنا كانت حدود الدولتين مقسمة دينيا وهذا أيضا ما امن به المسلمون عبر نسخهم لنفس القصة في قرأنهم واعتبارها قصة من الرب, أي أنها الصكوك الأولى للاعتراف بدولة إسرائيل (إسرائيل هو يعقوب أبو اليهود).
ومن هذه الروايات الخرافية جاء نسخ محمد لما جاء في قرأنه من إقرار صريح بأن الأرض الفلسطينية هي حق لبني إسرائيل وأنبيائهم الذين سكنوها محتلين, فيقول محمد في قرأنه:
( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16 مريم ) وقال ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً وَءَاوَيْنَهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50 المؤمنون )
انتبذت من أهلها: أهلها هم اليهود المحتلين ومريم يهودية وابنها عيسى كذلك إلا أن المسلمين واليهود والمسيحيين يصرون على أن هذه الأرض هي ارض الأنبياء والأنبياء من بين إسرائيل فالنتيجة تكون أن هذه هي ارض بني إسرائيل حسب الخرافات الدينية حتى أن القرآن حين تكلم عن الأنبياء العرب مثل صالح ذكر أنه سكن الجزيرة العربية فقط, وعند العودة للتفاسير يبدأ الدينيون بالتقارب بالفكرة وانتظار الموعود لكن لكل منهم طريقته بالتفسير وانتظار المخلص القادم كما هو في النص القادم:
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129إبراهيم ) ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2 الجمعة )
4. وأتى من ربوات القدس. وهي النبوءة التي يزعمها أتباع الأديان الثلاث ويقولون أنها تجديد لشريعة قائمة.
ـ والنبوءة الأخيرة فُسرّت على ثلاثة أقوال كلن منهم فسرها على هواه:
المسلمون: ظهور المهدي وعودة الخلافة الإسلامية واتّخاذ القدس عاصمة لها, والمهدي هو محمد العسكري ابن الإمام الاثنا عشر عند الشيعة الذي دخل إحدى سراديب العراق أثناء اقتتال المسلمين ببعضهم أثناء معارك السنة والشيعة ولم يخرج وينتظره الشيعة حتى الآن وكذلك السنة لهم وجهة نظر في ذلك فهم ينتظرون مهديا آخر غير محمد العسكري لكن الفكرة واحدة هي انتظار المهدي الخرافة.
اليهود: ظهور مَلِك اليهود المنتظر الذي سينتصر على أعداء إسرائيل في حرب العالمية الثالثة، ومن ثم يحكم العالم إلى الأبد.
المسيحيون: عودة يسوع ليخلّص أتباعه برفعهم فوق السحاب عند نشوب تلك الحرب، ومن ثم يحكم العالم مدة ألف عام.
من هنا أيضا سميت ارض الميعاد أو ارض انتظار المخلص اليهودي القادم.
لنكمل أيضا قراءة في النصوص المنسوخة عن بعضها البعض في الاعتراف في إسرائيل دينيا وجمع شمل اليهود المشتتين في الأرض لفلسطين حقهم الديني الخرافي
الوعد بالعودة إلى فلسطين من الشتات:
حزقيال: 11: 14 ثم أوحى الرب إليّ بكلمته، قائلا: يا ابن آدم، قل لأخوتك وأقربائك وسائر شعب إسرائيل ، في الشتات معك ، الذين قال لهم سكان أورشليم : ابتعدوا عن الرب ، لنا قد وهبت هذه الأرض ميراثا . ولكن إن كنت ، قد فرّقتهم بين الأمم ، وشتّتهم بين البلاد ، فإني أكون لهم مَقدِسا صغيرا ، في الأراضي التي تبدّدوا فيها . لذلك قل لهم : سأجمعكم من بين الشعوب ، وأحشدكم من الأراضي التي شتّتكم فيها ، وأهبكم أرض إسرائيل . وعندما يُقبلون إليها ينتزعون منها جميع أوثانها الممقوتة ورجاساتها ( أي الإحسان والإصلاح بترك أوثانهم وأرجاسهم ، وأن يعملوا على انتزاع الفلسطينيين وهدم أوثانهم المقدسة ) ، أعطيهم جميعا قلبا واحدا ، وأجعل في دواخلهم روحا جديدا ، وأنزع قلب الحجر من لحمهم ، وأستبدله بقلب من لحم ، لكي يسلكوا في فرائضي ، ويطيعوا أحكامي ويعملوا بها ، ويكونون لي شعبا وأنا أكون لهم إلها
والكتاب المقدس أو الإنجيل والتوراة لم تكتف كما القرآن بأرض الميعاد بل إنها غيرت الأسماء الفلسطينية فاوراسالم الكنعانية صارت اوشليم اليهودية وكذلك ما يسمى بجبل صهيون
يوئيل: 2: 30: وأجري آيات في السماء ، وعلى الأرض ، دما ونارا وأعمدة دخان . وتتحول الشمس إلى ظلام ( كسوف الشمس ) ، والقمر إلى دم ( وخسوف القمر ) ، قبل مجيء يوم الرب العظيم المُخيف . إنّما كل من يدعو باسم الرب يخلص ، لأن النجاة تكون في جبل صهيون وفي أورشليم …
أما مصطلح جبل صهيون المزعوم دينيا في فلسطين الذي ورد في الكتب والتعاليم الدينية اليهودية وكذلك إشارات متعدّدة عن "أرض الميعاد وجبل صهيون، والأرض المقدّسة، والمسيح المنتظر الذي سيأتي في آخر الزّمان ويقود شعبه إلى أرضه، ويقيم مملكته ويحكم العالم. الخ."‏ جاء من نصوص دينية, إنّ كلمة (صهيون) لها وقعها الخاص وإيماءاتها الدينية، فهي تشير إلى جبل صهيون والقدس والأرض المقدّسة ككل، ويشير اليهود أنفسهم باعتبارهم أبناء صهيون. كما تستخدم للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية. والعودة إلى صهيون فكرة محورية في النسق الديني اليهودي، فالمسيح (المخلّص) سيأتي في آخر الزمان ليقود شعبه اليهود (حصراً) إلى صهيون.. ولكلمة صهيون أيضاً إيحاءات شعرية في الوجدان الديني اليهودي، وقد وردتْ إشارات كثيرة في التوراة إلى هذا الارتباط الذي يطلق عليه عادة (حبّ صهيون) . وهو حبٌ يعبّر عن نفسه خلال الصلاة والتجارب والطقوس الدينية المختلفة. (1)‏ أما حديثا فقد تحولت هذه الأفكار الدينية الخرافية دساتير سياسية وظفتها الصهيونية مستندة إلى الكتب الدينية المساه سماوية في دعم أهدافها السياسية في إقامة دولة إسرائيل في فلسطين وعلى هذه الأساس قامت الحركة الصهيونية اليهودية ووظفت نفسها لهذا الهدف وبدأت بالعودة لجذورها الدينية القديمة لسرقة الأرض الفلسطينية بناء على نصوص الرب المزعوم بصكوك دينية غير قابلة للتكذيب لما لها من قدسية عند الواهنين والواقعين تحت تأثير أفيون الدين وخرافاته مصدقين بكل ما جاء به من خرافات دون أي محاولة للتفكر في الحقيقة أن فلسطين حق للفلسطينيين فقط
ولكن الهدف السياسي الذي وظف هذه الأفكار الخرافية الدينية كان أقوى فقد نشطت الأفكار الخرافية من جديد بعد صعود الأزمة اليهودية قمتها في أوروبا فبدأ الأوروبيون بنبش هذه الخرافات للتخلص من الفائض اليهودي عندهم ومحاولة إبعادهم عن التحكم بالقرار السياسي في أوروبا وسطوتهم المالية ومن هنا ظهرت الحركة الصهيونية المدعومة من زعماء أوروبا للتخلص من اليهود وكان الحل الوحيد بإقناع اليهود بالرحيل أولا عبر افتعال مذابح وهمية ضدهم كالتي قام بها هتلر في ألمانيا وثبت فيما بعد كذبها ودجلها, ويمكن رؤية ذلك واضحا في كتاب الفرنسي روجيه جارودي الذي بحث عميقا في هذه المسألة واثبت عدم صحتها واستحالة مطابقتها للواقع, أيضا بدأت الحركة الصهيونية بنبش قبور النصوص الدينية المدفونة واستخراج مومياء الوعود الإلهية بأرض الميعاد وجبل صهيون.
لقد رأى زعماء الصهيونية ضرورة المزاوجة بين (الصهيونية-اليهودية) لخلق حافز ديني روحي يقف خلف النشاطات التي تقوم بها الحركة، ويساهم في دفع حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم شعرت بحاجتها إلى توظيف الدّين لمواجهة تيار الاندماج الناشط في أوساط يهود أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية الذين كانت ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تختلف عن ظروف يهود أوروبا الشرقية الذين تعرّضوا لعمليات اضطهاد سياسي مفتعل وعدم استقرار اجتماعي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ولهذا كان لا بدّ من تكريس مقولة "وحدة ونقاء الشعب اليهودي وعدم قابليته للذوبان والاندماج في الشعوب التي يعيش ضمنها، ومقولة أبدّية العداء للسّاميّة " باستثمار المآسي التي تعرّض لها اليهود على يد القياصرة والحكام والعمل على إذكائها، بل وافتعالها لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين تنفيذاً للمخطط الاستعماري. (2)
كان واضحاً لقيادة الحركة الصهيونية أنّ استمالة رجال الدّين يسهل على الحركة استخدام العامل الديني كوسيلة للترويج لأسطورة "الأمّة اليهودية" وإزالة الفوارق بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين، وذلك لخلق رأي عام مؤيد لأهداف المشروع الصهيوني في أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا وأمريكا تحت شعارات "العودة إلى صهيون وأرض الميعاد، والحقّ التاريخي والديني" في إنشاء "الدولة اليهودية في أرض (إسرائيل) التاريخية". لهذا عمدت القيادة الصهيونية إلى خلق حركة دينية صهيونية أسمتها حركة (مزراحي) سنة 1902يقودها عدد من الحاخامين في روسيا. برئاسة الحاخام (يعقوب رينز) لغزو الحركات الدينية المعارضة للفكرة الصهيونية، والتسلّل إلى صفوفها وصَرْفهَا عن توجهاتها ثمّ إحداث انقلاب داخلي يطوّعها للحركة الصهيونية وأهدافها، وفي نفس الوقت تحت دعوى الخشية من سيطرة التعليم العلماني والمفاهيم القومية العلمانية على الجانب الديني والرّوحي الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على الديانة اليهودية فقد كانت هناك تيارات دينية معارضة للصهيوّنية ترى بأنّ العودة إلى صهيون هي عودة روحية تتمّ بإرادة إلهّية، وإنّ أي جهدٍ بشريّ يُبذلُ لهذه الغاية هو ضربٌ من الإلحاد والمخالفة للإرادة الإلهية.‏ لقد طرحت حركة مزراحي الدينية الصهيونية أفكاراً مثل البعث القومي لشعب (إسرائيل) ، والالتزام بالتوراة والتعليم الديني والتراث اليهودي" وكان شعار الحركة الأساسي "أرض (إسرائيل) لشعب (إسرائيل) وفق شريعة (إسرائيل)" وكانت المادة البشرية لها من يهود شرق أوروبا.(3)‏ كان من مهمات حركة مزراحي الدينية "الحثّ على الالتزام بالتوراة وتنفيذ الوصايا، والعودة إلى أرض الآباء، ونشر الكتابات الدينية القومية، وتربية الناشئة بهذه الرّوح، وزرع المقولة الصهيونية التي تؤكدّ إمكانية الدمج بين اليهودية كدين تؤمن به جاليات يهودية من قوميات مختلفة. وبين الصهيونية كعقيدة سياسية. وتفريغ الإنسان من كلّ ما يربطه بوطنه الأصلي وقوميته وتهيئته للهجرة إلى فلسطين بعد تطويقه بأسس العزلة والحصار. (4)‏ استطاعت هذه الحركة أن تنشئ لها /210/ فروع في روسيا وحدها. وفي عام 1905 عقد المؤتمر الدّولي لحركة (مزراحي) في "بوزني" بهنغارية تمّ فيه وضع البرنامج الداخلي للمنظمة وكانت أهم بنود البرنامج الذي أقرّه المؤتمر:‏ -إنّ مزراحي منظمّة صهيونية تقوم على برنامج بازل وتعمل لإعادة بعث (شعب إسرائيل) . وهي تعتبر أنّ وجود الشعب اليهودي يعتمد على اتباع تعاليم التوراة وعلى إنجاز الوصايا والعودة إلى أرض الآباء.‏ -ستبقى مزراحي ضمن المنظمة الصهيونية العالمية ، وستعمل من خلالها لتحقيق وجهات نظرها ورؤياها الخاصّة، وهي تنشئ منظمتها من أجل إدارة نشاطاتها الثقافية والدينية.‏ -ستكون وسيلة مزراحي للوصول إلى أهدافها، شرح أفكارها في حلقاتها الدينية، وخلق ونشر أدب وطني ديني وتثقيف الشباب بروحيّته.(5)‏ أنشأت حركة مزراحي عدّة فروع لها في فلسطين وبنت مدرسة "تحكموني" الدينية في يافا والتي أصبحت أهم مؤسسة ثقافية لمزراحي في فلسطين، كما أقامتْ العديد من المؤسسات الدّينية بواسطة فروعها المنتشرة في أكثر دول العالم، واعترفت الصهيونية بإشراف مزراحي على هذه المدارس ومسؤوليتها عن تنظيم المدارس الدينية واختيار المدّرسين الملائمين لها، وعن وضع مناهجها الخاصّة. وتمّ تأسيس دائرة مركزية للحركة في فلسطين من أجل تكثيف البرنامج العلمي لمزراحي، وخاصّة في مجال التعليم والثقافة وتنسيق ذلك العمل مع الجهود التي تبذلها الحركة في الخارج.(6)‏ وبعد الحرب العالمية الأولى وصدور وعد بلفور، عاودتْ مزراحي نشاطها وبكثافة في أوروبا حيث شرعتْ في تهجير اليهود إلى فلسطين، كما قامتْ بتأسيس فروع جديدة لها مع حركات شبابية في العديد من الأقطار، وأقامت شبكة من المدارس الدينية في بولندا وليتوانيا ولتفيا. وفي تلك الفترة بدأت مزراحي تلعب دوراً متزايداً في أوساط "اليشوف" اليهودي في فلسطين وفي هياكله التشريعية والتنفيذية. (7)‏ إن السبب وراء ظهور المسألة اليهودية في المجتمع الغربي هو الصراع الاقتصادي بين البرجوازية اليهودية المتحكمة في النشاط الاقتصادي وبين البرجوازية الأوروبية، وقد أدى هذا الصراع إلى انعكاس الوضع على غالبية اليهود وليس على الفئة الرأسمالية فقط، مما دفع الكثير من الكتاب إلى تصوير اليهودي بأنه جشع ومراب، وليس أدل على ذلك من تصوير شكسبير الرائع لوضعية اليهودي وعدوانيته في "تاجر البندقية"، أو من تصوير تشارلز ديكنز في "أوليفر تويست"، أو تصوير مارلو لجشع اليهودي في "يهودي مالطا" . ويعلق الكاتب اليهودي "دويتشر" على ظاهرة العداء لليهود بقوله: إنني أعتقد أن الذي مكن اليهود من البقاء كطائفة منفصلة هو أنهم مثلوا اقتصاد السوق بين ظهراني شعب يعيش في اقتصاد طبيعي، كما أعتقد أن هذه الحقيقة بذكرياتها لدى الشعب كانت مسؤولة ولو جزئياً عن عدم المبالاة التي أبداها سكان أوروبا نحو إبادة اليهود، أو كان من سوء حظ اليهود أنه عندما تحولت شعوب أوروبا ضد الرأسمالية فعلت هذا بسطحية كبيرة في النصف الأول من هذا القرن، وهي لم تهاجم جوهر الرأسمالية وعلاقاتها الإنتاجية أو تنظيمها للمعيشة والعمل، وإنما هاجمت مظاهرها وزخارفها القديمة البالية والتي كانت في الغالب يهودية.
لذلك كان الحقد والصدام مع اليهود في المجتمعات الغربية لأن الشعوب الأوروبية شعرت أن اليهود لا ينتمون إليها بقدر ما ينتمون للمال والثروة، هنا ثارت عليهم، كما حدث في إنجلترا عام 1257 حين اجتاحت الثورة المدن الصناعية والتجارية التي سيطر عليها اليهود، فنهبت بيوت اليهود ودمرت وأحرقت حجج الملكية والكمبيالات، وكانت ثورة من لا يملكون ضد من يملكون(9)، وهذا الأمر يدل على جوهر التمرد ضد اليهود أنه تمرد ضد الاستغلال والربا والمتاجرة بالمال.
وهكذا نجد أن سبب ظهور المشكلة اليهودية هو سبب اقتصادي بالدرجة الأولى وفي هذا الجو المشبع بالحقد والكره لليهودي ظهرت الصهيونية التي كانت نتيجة التحالفات الرأسمالية والاحتكارية، ولم تخرج من رحم الجيتو اليهودي مثل كل الثورات أو الحركات الشعبية، وقد نظرت للمسألة اليهودية من منظورات مختلفة ولم تحاول حلها من خلال تحسين أوضاع اليهود داخل المجتمعات وتحقيق المصالحة بحكم نفوذها داخل مراكز القوى والسلطة، إنما دفعتها روح المصلحة وتحقيق ازدياد للثروة، لذا سعت لتجميع اليهود وبث روح العنصرية فيهم، ودعتهم إلى الرحيل إلى أرض الميعاد، وكان هذا الحل في صالح الرأسمالية اليهودية أكثر من الفقراء اليهود، بهدف السعي نحو فتح أسواق جديدة لاستثماراتهم وتنمية مواردهم، وقد ساهمت الدول الأوروبية في الدفع نحو تطور الفكرة الصهيونية وبلورتها ومساندتها بالموقف السياسي ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي، بهدف التخلص من اليهود، فتلك الدول كانت ترفض تماماً مسألة اندماج اليهود.
نشأة الحركة الصهيونية :
ظهرت الحركة الصهيونية أواخر القرن 19، ولم يكن ظهورها وليد صدفة، إنما هي تراكم أفكار وكتابات وأراء سبقت ظهور الحركة. ففي هذا القرن ساد ميدان الفكر السياسي الأوروبي اتجاهان رئيسان كان لهما تأثير كبير على بلورة الأفكار اليهودية ـ الصهيونية: اتجاه يدعو إلى المساواة والأخوة الإنسانية بين الشعوب، وخلق عالم أفضل يعيش فيه البشر عائلة واحدة. أما الاتجاه الثاني فقد دعا إلى نقاء العرق والعنصر والتميز بين الشعوب. وقد سارت في الاتجاه الأول المدرسة الليبرالية التي اجتذبت الأسر اليهودية المتنفذة وغالبية الطبقة المتوسطة اليهودية، وأيضاّ المدرسة الاشتراكية التي اجتذبت غالبية الطبقة اليهودية الفقيرة، بينما آثرت أقلية من اليهود الانجراف وراء الاتجاه الثاني الذي رفض فكرة المساواة والتقدم وآمن بالعنصرية وتمايز الأعراق، والدعوة إلى الفصل والنقاء العنصري، وكان هذا الاتجاه منسجماً مع التقاليد الدينية القديمة السائدة بين اليهود"(10). والواقع أن اليهودية نفسها ضمت مثل هذين الاتجاهين المتعارضين، فقد خلقت الضغوط والنكبات السياسية وحالات الطرد والنفي التي ألمت باليهود منذ بدايات التاريخ، دافعاً لديهم للانتصار لفكرة الروح الانعزالية ونقاء العنصر. وكانت هناك أيضاً الحركات اليهودية التي تمثل البذور الأولى للصهيونية منها: أحباء صهيون، بيلو، أيكا، عمال صهيوني، شباب صهيوني، البوند... وغيرهم.
كانت أولى الكتابات اليهودية التي لعبت دوراً هاماً في بلورة الفكر والأيديولوجيا الصهيونية كتاب [البحث عن صهيون] 1861 للحاخام هيرش كاليشر (1795 ـ 1874)، وكتاب [روما والقدس] 1862 لموسى هس (1812 ـ 1875)، وكتاب [التحرر الذاتي] 1882 لليون بينسكر (1821 ـ 1891) كما دعت تلك الكتابات إلى العودة إلى فلسطين، إن كل هذه الحركات والكتابات والأفكار دعت إلى خلق قومية يهودية وإيجاد شعب له أرضه وكيانه الخاص ويتميز بالنقاء العرقي، ولم تكن أيضاً الحركة الصهيونية بمنأى عن التيارات الفكرية والحضارية السائدة في أوروبا خاصة نمو الحركات القومية بين الشعوب الأوروبية، وتعاظم الحركة الاستعمارية الأوروبية حيث بلغت أوجها في أواخر القرن 19باستعمار معظم أفريقيا وآسيا، يقول عبد الحكيم ذا النون: "نشأت الصهيونية وهي كما هو معروف الحركة القومية للتجمعات اليهودية الأوروبية، في ظروف معينة، تاريخية، اقتصادية، اجتماعية، فكرية، سياسية، برزت في أوروبا نفسها عندما بلغ التحرك الاستعماري الاستيطاني الأوروبي أقصى درجات اتساعه(11) في وسط هذا الخضم الفكري والمد القومي والحقد على اليهود، ظهرت المنظمة الرئيسية للصهيونية اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر، وعرفت باسم "المنظمة الصهيونية العالمية" وساهم في تأسيس ونشأة هذه المنظمة كبار الرأسماليين والماليين وأصحاب الاحتكارات العالمية الضخمة من اليهود، الذين كانوا في الأصل جزء من برجوازية البلاد التي يعيشون فيها، لذا سعوا إلى الاستقلال بذواتهم وثرواتهم، فكانوا من أشد المعارضين في مسألة الاندماج اليهودي في اقتصاديات المجتمع الغربي.
الا ان هذا العداء الذي وجد بين اليهود وبين الرأسماليين في الغرب لم يمنع المؤسسة الدينية المسيحية بالتدخل مرة أخرى لتقدم الدعم اللوجستي لليهود وتحديدا بعد صعود أمريكا على صدارة العالم وتزعمها هذا العالم الغارق بخرافات الأديان وحروبه الأهلية وتبدو الصورة واضحة في الكتاب الجديد للباحث السوري فؤاد شعبان «من أجل صهيون» يوضح هذا الجانب الخفي بتسليط الضوء على دور اليمين المسيحي في مؤسستي السياسة والإعلام، وأثر التراث اليهودي- المسيحي في تكوين الثقافة الأمريكية، ودور أمريكا الواضح في إيجاد دولة إسرائيل من النيل للفرات.
في الخلاصة: يمكن القول إن ما جاء به المفاوض الفلسطيني وما تبعته من بعد الدول العربية من الاعتراف بدولة إسرائيل واعتراف العالم الغارق بالخرافات ليس إلا أفكار تجسدت عبر الكتب المزعومة من السماء التي حققت لليهود هدفهم ومطلبهم بإقامة دولتهم في فلسطين أرضهم الشرعية في الخرافات الدينية ضاربة بعرض الحائط الحقوق التاريخية لأهل الأرض الأصليين الفلسطينيين الذين تجد البعض منهم حتى اليوم يؤمن بما جاء في كتاب محمد من خرافات عن ارض الميعاد في فلسطين وأرض إسرائيل وملوك بني إسرائيل في فلسطين متناسين أن هذه الأفكار الملوثة دخلت لكتابهم عبر نسخ ربما يكون مقصودا أو غير مقصود عن الكتب الدينية التي سبقته, والتي تسقط حقهم في فلسطين دون أن يدرون ولن يخدم سوى الحركة الصهيونية الحديثة المنبثقة عن اليهودية.
وحققت أوروبا مطلبها بالتخلص من اليهود الذين شكلوا لديها عبئا حقيقيا عبر وجودهم بداخلها وإيجاد مكان مناسب لهم على ارض عربية فلسطينية عبر نبش مومياء الكتب الدينية وإيجاد الأفكار الفلسفية التي تدعم هذا الوجود عبر إيجاد ما يسمى بالإبراهيمية التي تجمع بين أبناء الديانات الثلاث وحوار الأديان وما إلى ذلك من أفكار مرادفة مسمومة تقضي على حق الفلسطينيين في فلسطين.
لا بد من وقفة جادة أمام هذه الخرافات ودحضها تاريخيا والتصدي لها بكل السبل الممكنة وحذفها إن أمكن من المناهج العربية الدراسية التي وضعها زمرة المتآمرين تحت مسمى قصص الأنبياء وغيرها التي تؤكد هذا الحق الخرافي لليهود في فلسطين وما يسمى بمكانة اليهودية في الإسلام ومكانة أنبياء اليهود في الإسلام.
الإسلام كدين يدعي محمد انه جاء مكمل للديانات السماوية ويأخذ فيه أنبياء بني إسرائيل قداسة ومكانة عظيمة (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (سورة الشورى، 13)، والقرآن يصدق الكتب التي تقدمته مع الأنبياء السابقين (مصدقا لما بين يديه)، وكان لليهودية تأثير كبير على العرب قبل الإسلام ونقلهم -دون أن يتهودوا- إلى حال أرقى في مجال التصور الديني، فهذه العبارات تؤكد أن القرآن جاء الكثير من نصوصه نسخا عن التوراة فتؤكد الخطر مرة أخرى بأن نصوصا نسخت جاء بين طياتها اعترافا بأرض إسرائيل والميعاد وامتد هذا الخطر إلى وجود تقارب بين العرب المسلمين وبين اليهود فكما أشار برنارد لويس أن اليهود وقفوا إلى جانب المسلمين في الحروب الصليبية وفي الحروب مع المغول والتتار، وتعرض اليهود كما العرب والمسلمون للاضطهاد والتنصير الإجباري على يد الكاثوليك الأسبان بعد سقوط دولة العرب المحتلين فيها عام 1492 وأظهر اليهود ولاء للدولة العثمانية في حروبها مع الروس والبلقان.
اليهود وجدوا في الفتح الإسلامي للشام والعراق نهاية للكابوس الروماني، وتحررا من القهر والاضطهاد، ورفض العرب طلبا من بطريرك الإسكندرية بإبعاد اليهود عن مصر، ووجد اليهود في الأندلس ملاذا آمنا من الاضطهاد والتهجير الأوروبي، وفرصة للتأسيس الحضاري والفلسفي للفكر اليهودي وهذه الفرصة اتاحت لهم أن يبثوا في داخل الإسلام مرة أخرى نبشا في داخل النصوص القرآنية بفكرة ارض الميعاد وإمكانية تحققها من قبل المسلمين المتعاطفين معهم دينيا.
كما يذكر برنارد لويس في كتاب الإسلام في التاريخ ومارتمن كرايمر في كتاب الاستشراق اليهودي، تظهر علاقة قربى ثقافية وحضارية بين المسلمين واليهود.


.............................................................................................................................................
المراجع والمصادر :

(1) "الصهيونية" -الدكتور عبد الوهاب محمد المسيري - الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني- المجلد السادس الطبعة الأولى -بيروت 1990ص231‏
(2) "الأحزاب (الإسرائيلية) والحركات السياسية في الكيان الصهيوني" -حبيب قهوجي- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى -دمشق 1986-ص167-168‏
(3) نفس المصدر ص50-54‏
(4) "الأحزاب (الإسرائيلية) والحركات السياسية في الكيان الصهيوني" -حبيب قهوجي - مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى -دمشق 1986-ص50-54‏
(5)نفس المصدر ص 168-171‏
(6) نفس المصدر ص 174-175‏
(7) "الأحزاب (الإسرائيلية) والحركات السياسية في الكيان الصهيوني" -حبيب قهوجي- ص 174-175‏ (8) – الصهيونية والعنصرية: منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الجزء الثاني. بيروت. ص49.

(9) – عالم بلا يهود. ص11.

(10)– الموسوعة الفلسطينية: مرجع سابق. ص348.

(11) – عبد الحكيم ذا النون: تاريخ فلسطين القديم والخلفية الزائفة للصهيونية. دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى. دمشق 1984. ص9.

......
بقلم : الخرافات الدينية... الصكوك الأولى في التنازل عن فلسطين للدولة اليهودية

ضج الراديكاليين في العالم بصرخات الاستنكار والشجب والرفض بوجه ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية حين وقع اتفاق اوسلو واعتبروه استسلام واضح ورضوخ واعتراف من منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل التي يعتبرها ثوار العالم وأحراره دولة محتلة غير شرعية.
ومن قبله قامت صيحات تندد باعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل وبدأ الآخرون يحملون الشيوعية السوفيتية بخطأ الاعتراف بدولة محتلة وكيان غير شرعي واعتبروه مناقض للأفكار الشيوعية من ناحية, ومن ناحية أخرى أخذها المتدينون نقطة على الشيوعية أن الشيوعيين تبدأ أفكارهم ومبادئهم تتساقط أمام الإنتاج والمطالب السياسية واعتبروا الاتحاد السوفيتي الشيوعي من المؤسسين لإسرائيل أو الداعمين لقيامه لكونه الدولة الكبرى الثانية بالعالم التي قامت بالاعتراف بالكيان الصهيوني (بعد اعتراف أمريكا بست ساعات تقريبا ).
إلا أن الحقيقة أن فكرة التنازل عن فلسطين وحرمان أهلها الأصليين منها هي فكرة دينية في البداية لم يلتفت من قبل لها إلا القليل من الكْتاب, وندر من كتب في فكرة تكذيب الخرافة الدينية بالاعتراف بأرض إسرائيل أو ما يقابلها من مرادفات مثل جبل صهيون أو ارض الميعاد وغيرها, لقدسية الدين في المجتمعات وقدسية ما جاء في دساتيره التي تسمى الكتب السماوية, ومجرد الاعتراض على فحوى الفكرة يواجه الكاتب والناقد للفكرة بأنه زنديق كافر خارج عن الدين ومكذب بما انزله الرب.
لا اعرف ماذا سيرد الإسلاميون الذين هاجموا الاتحاد السوفيتي الشيوعي لاعترافه بإسرائيل وهم يحملون بأيديهم صك الاعتراف الإسلامي الأول بهذا الكيان (القرآن) تحت مسمى ارض الميعاد أو شعب إسرائيل أو أبناء يعقوب.
فما وجه الاختلاف بين ارض الميعاد في القرآن واعتراف أمريكا الرأسمالية أو الاتحاد السوفيتي الشيوعي وكلاهما علماني وكذلك صكوك الاعتراف التي يحملها المتدينون في كتبهم المسماة السماوية!
فبدءا من رواية ارض الميعاد وقصة العراك التي حدثت بين الله ويعقوب فوق ارض الأردن وانتصر فيها يعقوب على الله فأعطاه فلسطين ليعيش فيها شعبه بسلام وهي رواية في التوراة اليهودية أو قصص الميعاد وشعب الله المختار التي يحملها المسيحيون في الكتاب المقدس أو التي نسخها عنهم المسلمون في القرآن تحت مسمى قصص الأنبياء في القران كلها قصص تعطي كامل الحق لليهود في فلسطين دون أي مقابل بأسم وعد الرب...
فما جذور هذا الوعد وكيف تسرب إلى داخل الإنجيل والقرآن حتى صار العرب أصحاب الحق يؤمنون به وبعضهم صار يؤوله كما يقول المسلمون أن الله سيجمعهم في فلسطين حتى يظهر المخلص ويقضي عليهم جميعا.
لان المسلمون أحسوا حقيقة أن الكتاب الذي يضع نصوص دينهم وشريعتهم التي يسيرون عليها والذي هم ملزمون بتصديقه كله جملة وتفصيلا (أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضه ) يسلبهم أرضهم بنفس الوقت ويلغي رموزهم الدينية.
ففكرة المسجد الأقصى التي تلغي فكرة هيكل سليمان وفكرة حائط البراق التي تلغي قصة حائط المبكى هي أفكار أوجدها محمد حتى يخفف من وطأة الاعتراف الصريح لبني إسرائيل بالأرض حتى يتقبل العرب الذين بدأ محمد بنشر دعوته بينهم بالفكرة لذلك ظهر بفكرة الإسلام يجلو ما قبله إلا انه أكد من ناحية أخرى صدق ما جاء في كتب من جاءوا قبله ونسخ عنهم كتابه.
لكن لماذا جاء في القرآن سرد تاريخي وفكرة التفضيل لبني إسرائيل على العالم (يا بني إسرائيل إنا فضلناكم على العالمين ) وأيضا قول محمد في قرأنه ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (159 الأعراف ) وسواها من آيات قرآنية تدلل على المكانة العظيمة لليهود وأنبيائهم في القرآن ؟
العبرة من هذا التقديس لليهود وأنبيائهم وحقهم في ارض الميعاد هو مجرد نوع من إضفاء الشرعية على كتاب محمد باعتباره مكملا ووارثا لما سبقه من أديان وكتب( سماوية ) جاءت قبله فأن كذبها فقد شرعيته ككتاب من عند الرب المزعوم.
- الجذور التاريخية لأرض الميعاد في التوراة والإنجيل :
كما هو معروف أن الجزء الأول من الكتاب المقدس هي التوراة وسفر التكوين يعتبر جزء من الكتاب المقدس الذي يحمل بين دفتيه كتابين احدها الإنجيل والأخر التوراة.
فل نرى معا ما جاء في التوراة عن ارض الميعاد في بعض النصوص والتي يؤمن بها كل المسيحيين واليهود في العالم:
تكوين: 15: 18: في ذلك اليوم ، عقد الرب ميثاقا مع إبراهيم ، قائلا : سأعطي نسلك هذه الأرض ، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات .
هذا نص صريح وواضع بفكرة الميعاد والوعد بالأرض
بينما في النص اللاحق سنرى الفكرة مرة أخرى لكن من ضمنها اعتراف أيضا بغربة الموعود بالأرض المخاطب وانه مجرد غريب محتل اخذ حقه من ما يسمى بوعد الرب.
تكوين: 17: 4-8: ها أنا أقطع لك عهدي ، فتكون أبا لأمم كثيرة ، وأُصيّرك مُثمرا جدا ، يخرج من نسلك ملوك ، فأكون إلها لك ولنسلك من بعدك . وأهبك أنت وذريّتك أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ، مُلكاً أبديا.
هنا ربما جاء النص أوضح بتحديد الأرض بحد ذاتها (أرض كنعان)
أي الأرض الفلسطينية التي يسكنها سكانها الأصليين الكنعانيين والتي يتبعها الخطاب بقوله (التي نزلت فيها غريبا) أي محتلا غاصبا للأرض, هذه الأرض التي اغتصبتها صارت حقا لك بتوقيع الرب على صك الحق.
لم يسكت النص التوراتي عند هذا الحد فأنه حسب التاريخ الديني فأن أبناء إبراهيم ليسوا فقط هم اليهود وإنما العرب أيضا أبناء هاجر الجارية هم العرب فكان لا بد من نص صريح يحرمهم حقهم أيضا ويعتبرهم مجرمين وهذا ما بدى صريحا نصا توراتيا:
تكوين: 16: 10 وقال لها ملاك الرب: لأُكثّرنّ نسلك فلا يُعدّ من الكثرة، هو ذا أنت حامل، وستلدين ابنا وتدعينه إسماعيل، ويكون إنسانا وحشيّاً يُعادي الجميع والجميع يُعادونه.
إذا فإسماعيل كما تقول الأديان بأنه جد العرب الأوائل في الجزيرة العربية هو وحش يجب عدائه بأمر من الرب الذي اعتبره الرب منبوذا أو كما جاء خطاب محمد في القرآن اقل وطأة حين اعتبر نسل إسحاق ارفع منزلة من أبناء إسماعيل حين قال القرآن:
(يا بني إسرائيل إنا فضلناكم على العالمين ).
هذا النص القرآني الذي جاء منسوخا عن التوراة لم يوجد فقرة التفاضل بين أبناء إسماعيل وإسحاق فقط بل رفع اليهود إلى مرتبة فوق العالم بأذن الرب المزعوم وهذا ما حاول تأويله المسلمون بأنه خطاب عتاب لا تفضيل مع أن النص كان أوضح من التأويل.
وهذا ما أكدته التوراة فيما بعد في النص التالي:
تكوين: 17: 15-19: وقال الرب لإبراهيم: أما ساراي زوجتك، وأُباركها وأُعطيك منها ابنا، سأباركها وأجعلها أمّا لشعوب، ومنها يتحدّر ملوك أمم، إنّ سارة زوجتك هي التي تلد لك ابنا، وتدعو اسمه اسحق وأُقيم عهدي معه، ومع ذريّته من بعده إلى الأبد.
على أساس فكرة التفضيل بين العرقين من أبناء إسماعيل وأبناء إسحاق فقد رأى الرب المزعوم أن أبناء إسحاق هم الأحق بالأرض المقدسة من أبناء إسماعيل الوحوش ومن هنا بدأت جذور فكرة ارض الميعاد بأن فلسطين هي ارض اليهود المزعومة من الرب ولا حق لأهلها الأصليين فيها شيء.
فكرة طرد العرب من فلسطين هي فكرة نسخ توراتي ديني بأن الفلسطينيين هم جزء من العرب الذين أمر الرب إبراهيم بإخراجهم من فلسطين عبر إخراج أمهم هاجر من فلسطين والإبقاء على أم اليهود سارة ليكون مستقبلا دولتين أحداهما في الجزيرة العربية وهي دولة العرب والأخرى من النيل للفرات كما ورد سابقا وهي لليهود:
تكوين: 21: 14-21: فنهض إبراهيم في الصباح الباكر، وأخذ خبزا وقربة ماء، ودفعهما إلى هاجر، ووضعهما على كتفيها، ثم صرفها مع الصبي، فهامت على وجهها في برية بئر سبع. وعندما فرغ الماء من القربة، طرحت الصبي تحت إحدى الأشجار، ومضت وجلست قبالته، على بُعد مائة متر، ورفعت صوتها وبكت. ( ناداها ملاك الرب قائلا ): قومي واحملي الصبي، وتشبّثي به لأنّي سأجعله أمّة عظيمة، ثم فتحت عينيها، فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة وسقت الصبي. وكان الله مع الصبي فكبُر، وسكن في صحراء فاران، وبرع في رمي القوس، واتّخذت له أُمّه زوجة من مصر.
في هذا النص يقول كتبة التوراة، أن إبراهيم تخلّى عن هاجر وابنها وطردهم طردا، ويقولون في بداية النص أنه سكن بئر السبع، وأن بئر زمزم تفجّرت فيها، وفي نهاية النص يقولون بأنه سكن في صحراء فاران، وهذه التسمية العبرية القديمة لصحراء الجزيرة العربية، وجبال فاران هي جبال مكة أو الجزيرة العربية، من هنا كانت حدود الدولتين مقسمة دينيا وهذا أيضا ما امن به المسلمون عبر نسخهم لنفس القصة في قرأنهم واعتبارها قصة من الرب, أي أنها الصكوك الأولى للاعتراف بدولة إسرائيل (إسرائيل هو يعقوب أبو اليهود).
ومن هذه الروايات الخرافية جاء نسخ محمد لما جاء في قرأنه من إقرار صريح بأن الأرض الفلسطينية هي حق لبني إسرائيل وأنبيائهم الذين سكنوها محتلين, فيقول محمد في قرأنه:
( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16 مريم ) وقال ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً وَءَاوَيْنَهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50 المؤمنون )
انتبذت من أهلها: أهلها هم اليهود المحتلين ومريم يهودية وابنها عيسى كذلك إلا أن المسلمين واليهود والمسيحيين يصرون على أن هذه الأرض هي ارض الأنبياء والأنبياء من بين إسرائيل فالنتيجة تكون أن هذه هي ارض بني إسرائيل حسب الخرافات الدينية حتى أن القرآن حين تكلم عن الأنبياء العرب مثل صالح ذكر أنه سكن الجزيرة العربية فقط, وعند العودة للتفاسير يبدأ الدينيون بالتقارب بالفكرة وانتظار الموعود لكن لكل منهم طريقته بالتفسير وانتظار المخلص القادم كما هو في النص القادم:
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129إبراهيم ) ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2 الجمعة )
4. وأتى من ربوات القدس. وهي النبوءة التي يزعمها أتباع الأديان الثلاث ويقولون أنها تجديد لشريعة قائمة.
ـ والنبوءة الأخيرة فُسرّت على ثلاثة أقوال كلن منهم فسرها على هواه:
المسلمون: ظهور المهدي وعودة الخلافة الإسلامية واتّخاذ القدس عاصمة لها, والمهدي هو محمد العسكري ابن الإمام الاثنا عشر عند الشيعة الذي دخل إحدى سراديب العراق أثناء اقتتال المسلمين ببعضهم أثناء معارك السنة والشيعة ولم يخرج وينتظره الشيعة حتى الآن وكذلك السنة لهم وجهة نظر في ذلك فهم ينتظرون مهديا آخر غير محمد العسكري لكن الفكرة واحدة هي انتظار المهدي الخرافة.
اليهود: ظهور مَلِك اليهود المنتظر الذي سينتصر على أعداء إسرائيل في حرب العالمية الثالثة، ومن ثم يحكم العالم إلى الأبد.
المسيحيون: عودة يسوع ليخلّص أتباعه برفعهم فوق السحاب عند نشوب تلك الحرب، ومن ثم يحكم العالم مدة ألف عام.
من هنا أيضا سميت ارض الميعاد أو ارض انتظار المخلص اليهودي القادم.
لنكمل أيضا قراءة في النصوص المنسوخة عن بعضها البعض في الاعتراف في إسرائيل دينيا وجمع شمل اليهود المشتتين في الأرض لفلسطين حقهم الديني الخرافي
الوعد بالعودة إلى فلسطين من الشتات:
حزقيال: 11: 14 ثم أوحى الرب إليّ بكلمته، قائلا: يا ابن آدم، قل لأخوتك وأقربائك وسائر شعب إسرائيل ، في الشتات معك ، الذين قال لهم سكان أورشليم : ابتعدوا عن الرب ، لنا قد وهبت هذه الأرض ميراثا . ولكن إن كنت ، قد فرّقتهم بين الأمم ، وشتّتهم بين البلاد ، فإني أكون لهم مَقدِسا صغيرا ، في الأراضي التي تبدّدوا فيها . لذلك قل لهم : سأجمعكم من بين الشعوب ، وأحشدكم من الأراضي التي شتّتكم فيها ، وأهبكم أرض إسرائيل . وعندما يُقبلون إليها ينتزعون منها جميع أوثانها الممقوتة ورجاساتها ( أي الإحسان والإصلاح بترك أوثانهم وأرجاسهم ، وأن يعملوا على انتزاع الفلسطينيين وهدم أوثانهم المقدسة ) ، أعطيهم جميعا قلبا واحدا ، وأجعل في دواخلهم روحا جديدا ، وأنزع قلب الحجر من لحمهم ، وأستبدله بقلب من لحم ، لكي يسلكوا في فرائضي ، ويطيعوا أحكامي ويعملوا بها ، ويكونون لي شعبا وأنا أكون لهم إلها
والكتاب المقدس أو الإنجيل والتوراة لم تكتف كما القرآن بأرض الميعاد بل إنها غيرت الأسماء الفلسطينية فاوراسالم الكنعانية صارت اوشليم اليهودية وكذلك ما يسمى بجبل صهيون
يوئيل: 2: 30: وأجري آيات في السماء ، وعلى الأرض ، دما ونارا وأعمدة دخان . وتتحول الشمس إلى ظلام ( كسوف الشمس ) ، والقمر إلى دم ( وخسوف القمر ) ، قبل مجيء يوم الرب العظيم المُخيف . إنّما كل من يدعو باسم الرب يخلص ، لأن النجاة تكون في جبل صهيون وفي أورشليم …
أما مصطلح جبل صهيون المزعوم دينيا في فلسطين الذي ورد في الكتب والتعاليم الدينية اليهودية وكذلك إشارات متعدّدة عن "أرض الميعاد وجبل صهيون، والأرض المقدّسة، والمسيح المنتظر الذي سيأتي في آخر الزّمان ويقود شعبه إلى أرضه، ويقيم مملكته ويحكم العالم. الخ."‏ جاء من نصوص دينية, إنّ كلمة (صهيون) لها وقعها الخاص وإيماءاتها الدينية، فهي تشير إلى جبل صهيون والقدس والأرض المقدّسة ككل، ويشير اليهود أنفسهم باعتبارهم أبناء صهيون. كما تستخدم للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية. والعودة إلى صهيون فكرة محورية في النسق الديني اليهودي، فالمسيح (المخلّص) سيأتي في آخر الزمان ليقود شعبه اليهود (حصراً) إلى صهيون.. ولكلمة صهيون أيضاً إيحاءات شعرية في الوجدان الديني اليهودي، وقد وردتْ إشارات كثيرة في التوراة إلى هذا الارتباط الذي يطلق عليه عادة (حبّ صهيون) . وهو حبٌ يعبّر عن نفسه خلال الصلاة والتجارب والطقوس الدينية المختلفة. (1)‏ أما حديثا فقد تحولت هذه الأفكار الدينية الخرافية دساتير سياسية وظفتها الصهيونية مستندة إلى الكتب الدينية المساه سماوية في دعم أهدافها السياسية في إقامة دولة إسرائيل في فلسطين وعلى هذه الأساس قامت الحركة الصهيونية اليهودية ووظفت نفسها لهذا الهدف وبدأت بالعودة لجذورها الدينية القديمة لسرقة الأرض الفلسطينية بناء على نصوص الرب المزعوم بصكوك دينية غير قابلة للتكذيب لما لها من قدسية عند الواهنين والواقعين تحت تأثير أفيون الدين وخرافاته مصدقين بكل ما جاء به من خرافات دون أي محاولة للتفكر في الحقيقة أن فلسطين حق للفلسطينيين فقط
ولكن الهدف السياسي الذي وظف هذه الأفكار الخرافية الدينية كان أقوى فقد نشطت الأفكار الخرافية من جديد بعد صعود الأزمة اليهودية قمتها في أوروبا فبدأ الأوروبيون بنبش هذه الخرافات للتخلص من الفائض اليهودي عندهم ومحاولة إبعادهم عن التحكم بالقرار السياسي في أوروبا وسطوتهم المالية ومن هنا ظهرت الحركة الصهيونية المدعومة من زعماء أوروبا للتخلص من اليهود وكان الحل الوحيد بإقناع اليهود بالرحيل أولا عبر افتعال مذابح وهمية ضدهم كالتي قام بها هتلر في ألمانيا وثبت فيما بعد كذبها ودجلها, ويمكن رؤية ذلك واضحا في كتاب الفرنسي روجيه جارودي الذي بحث عميقا في هذه المسألة واثبت عدم صحتها واستحالة مطابقتها للواقع, أيضا بدأت الحركة الصهيونية بنبش قبور النصوص الدينية المدفونة واستخراج مومياء الوعود الإلهية بأرض الميعاد وجبل صهيون.
لقد رأى زعماء الصهيونية ضرورة المزاوجة بين (الصهيونية-اليهودية) لخلق حافز ديني روحي يقف خلف النشاطات التي تقوم بها الحركة، ويساهم في دفع حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم شعرت بحاجتها إلى توظيف الدّين لمواجهة تيار الاندماج الناشط في أوساط يهود أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية الذين كانت ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تختلف عن ظروف يهود أوروبا الشرقية الذين تعرّضوا لعمليات اضطهاد سياسي مفتعل وعدم استقرار اجتماعي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ولهذا كان لا بدّ من تكريس مقولة "وحدة ونقاء الشعب اليهودي وعدم قابليته للذوبان والاندماج في الشعوب التي يعيش ضمنها، ومقولة أبدّية العداء للسّاميّة " باستثمار المآسي التي تعرّض لها اليهود على يد القياصرة والحكام والعمل على إذكائها، بل وافتعالها لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين تنفيذاً للمخطط الاستعماري. (2)
كان واضحاً لقيادة الحركة الصهيونية أنّ استمالة رجال الدّين يسهل على الحركة استخدام العامل الديني كوسيلة للترويج لأسطورة "الأمّة اليهودية" وإزالة الفوارق بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين، وذلك لخلق رأي عام مؤيد لأهداف المشروع الصهيوني في أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا وأمريكا تحت شعارات "العودة إلى صهيون وأرض الميعاد، والحقّ التاريخي والديني" في إنشاء "الدولة اليهودية في أرض (إسرائيل) التاريخية". لهذا عمدت القيادة الصهيونية إلى خلق حركة دينية صهيونية أسمتها حركة (مزراحي) سنة 1902يقودها عدد من الحاخامين في روسيا. برئاسة الحاخام (يعقوب رينز) لغزو الحركات الدينية المعارضة للفكرة الصهيونية، والتسلّل إلى صفوفها وصَرْفهَا عن توجهاتها ثمّ إحداث انقلاب داخلي يطوّعها للحركة الصهيونية وأهدافها، وفي نفس الوقت تحت دعوى الخشية من سيطرة التعليم العلماني والمفاهيم القومية العلمانية على الجانب الديني والرّوحي الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على الديانة اليهودية فقد كانت هناك تيارات دينية معارضة للصهيوّنية ترى بأنّ العودة إلى صهيون هي عودة روحية تتمّ بإرادة إلهّية، وإنّ أي جهدٍ بشريّ يُبذلُ لهذه الغاية هو ضربٌ من الإلحاد والمخالفة للإرادة الإلهية.‏ لقد طرحت حركة مزراحي الدينية الصهيونية أفكاراً مثل البعث القومي لشعب (إسرائيل) ، والالتزام بالتوراة والتعليم الديني والتراث اليهودي" وكان شعار الحركة الأساسي "أرض (إسرائيل) لشعب (إسرائيل) وفق شريعة (إسرائيل)" وكانت المادة البشرية لها من يهود شرق أوروبا.(3)‏ كان من مهمات حركة مزراحي الدينية "الحثّ على الالتزام بالتوراة وتنفيذ الوصايا، والعودة إلى أرض الآباء، ونشر الكتابات الدينية القومية، وتربية الناشئة بهذه الرّوح، وزرع المقولة الصهيونية التي تؤكدّ إمكانية الدمج بين اليهودية كدين تؤمن به جاليات يهودية من قوميات مختلفة. وبين الصهيونية كعقيدة سياسية. وتفريغ الإنسان من كلّ ما يربطه بوطنه الأصلي وقوميته وتهيئته للهجرة إلى فلسطين بعد تطويقه بأسس العزلة والحصار. (4)‏ استطاعت هذه الحركة أن تنشئ لها /210/ فروع في روسيا وحدها. وفي عام 1905 عقد المؤتمر الدّولي لحركة (مزراحي) في "بوزني" بهنغارية تمّ فيه وضع البرنامج الداخلي للمنظمة وكانت أهم بنود البرنامج الذي أقرّه المؤتمر:‏ -إنّ مزراحي منظمّة صهيونية تقوم على برنامج بازل وتعمل لإعادة بعث (شعب إسرائيل) . وهي تعتبر أنّ وجود الشعب اليهودي يعتمد على اتباع تعاليم التوراة وعلى إنجاز الوصايا والعودة إلى أرض الآباء.‏ -ستبقى مزراحي ضمن المنظمة الصهيونية العالمية ، وستعمل من خلالها لتحقيق وجهات نظرها ورؤياها الخاصّة، وهي تنشئ منظمتها من أجل إدارة نشاطاتها الثقافية والدينية.‏ -ستكون وسيلة مزراحي للوصول إلى أهدافها، شرح أفكارها في حلقاتها الدينية، وخلق ونشر أدب وطني ديني وتثقيف الشباب بروحيّته.(5)‏ أنشأت حركة مزراحي عدّة فروع لها في فلسطين وبنت مدرسة "تحكموني" الدينية في يافا والتي أصبحت أهم مؤسسة ثقافية لمزراحي في فلسطين، كما أقامتْ العديد من المؤسسات الدّينية بواسطة فروعها المنتشرة في أكثر دول العالم، واعترفت الصهيونية بإشراف مزراحي على هذه المدارس ومسؤوليتها عن تنظيم المدارس الدينية واختيار المدّرسين الملائمين لها، وعن وضع مناهجها الخاصّة. وتمّ تأسيس دائرة مركزية للحركة في فلسطين من أجل تكثيف البرنامج العلمي لمزراحي، وخاصّة في مجال التعليم والثقافة وتنسيق ذلك العمل مع الجهود التي تبذلها الحركة في الخارج.(6)‏ وبعد الحرب العالمية الأولى وصدور وعد بلفور، عاودتْ مزراحي نشاطها وبكثافة في أوروبا حيث شرعتْ في تهجير اليهود إلى فلسطين، كما قامتْ بتأسيس فروع جديدة لها مع حركات شبابية في العديد من الأقطار، وأقامت شبكة من المدارس الدينية في بولندا وليتوانيا ولتفيا. وفي تلك الفترة بدأت مزراحي تلعب دوراً متزايداً في أوساط "اليشوف" اليهودي في فلسطين وفي هياكله التشريعية والتنفيذية. (7)‏ إن السبب وراء ظهور المسألة اليهودية في المجتمع الغربي هو الصراع الاقتصادي بين البرجوازية اليهودية المتحكمة في النشاط الاقتصادي وبين البرجوازية الأوروبية، وقد أدى هذا الصراع إلى انعكاس الوضع على غالبية اليهود وليس على الفئة الرأسمالية فقط، مما دفع الكثير من الكتاب إلى تصوير اليهودي بأنه جشع ومراب، وليس أدل على ذلك من تصوير شكسبير الرائع لوضعية اليهودي وعدوانيته في "تاجر البندقية"، أو من تصوير تشارلز ديكنز في "أوليفر تويست"، أو تصوير مارلو لجشع اليهودي في "يهودي مالطا" . ويعلق الكاتب اليهودي "دويتشر" على ظاهرة العداء لليهود بقوله: إنني أعتقد أن الذي مكن اليهود من البقاء كطائفة منفصلة هو أنهم مثلوا اقتصاد السوق بين ظهراني شعب يعيش في اقتصاد طبيعي، كما أعتقد أن هذه الحقيقة بذكرياتها لدى الشعب كانت مسؤولة ولو جزئياً عن عدم المبالاة التي أبداها سكان أوروبا نحو إبادة اليهود، أو كان من سوء حظ اليهود أنه عندما تحولت شعوب أوروبا ضد الرأسمالية فعلت هذا بسطحية كبيرة في النصف الأول من هذا القرن، وهي لم تهاجم جوهر الرأسمالية وعلاقاتها الإنتاجية أو تنظيمها للمعيشة والعمل، وإنما هاجمت مظاهرها وزخارفها القديمة البالية والتي كانت في الغالب يهودية.
لذلك كان الحقد والصدام مع اليهود في المجتمعات الغربية لأن الشعوب الأوروبية شعرت أن اليهود لا ينتمون إليها بقدر ما ينتمون للمال والثروة، هنا ثارت عليهم، كما حدث في إنجلترا عام 1257 حين اجتاحت الثورة المدن الصناعية والتجارية التي سيطر عليها اليهود، فنهبت بيوت اليهود ودمرت وأحرقت حجج الملكية والكمبيالات، وكانت ثورة من لا يملكون ضد من يملكون(9)، وهذا الأمر يدل على جوهر التمرد ضد اليهود أنه تمرد ضد الاستغلال والربا والمتاجرة بالمال.
وهكذا نجد أن سبب ظهور المشكلة اليهودية هو سبب اقتصادي بالدرجة الأولى وفي هذا الجو المشبع بالحقد والكره لليهودي ظهرت الصهيونية التي كانت نتيجة التحالفات الرأسمالية والاحتكارية، ولم تخرج من رحم الجيتو اليهودي مثل كل الثورات أو الحركات الشعبية، وقد نظرت للمسألة اليهودية من منظورات مختلفة ولم تحاول حلها من خلال تحسين أوضاع اليهود داخل المجتمعات وتحقيق المصالحة بحكم نفوذها داخل مراكز القوى والسلطة، إنما دفعتها روح المصلحة وتحقيق ازدياد للثروة، لذا سعت لتجميع اليهود وبث روح العنصرية فيهم، ودعتهم إلى الرحيل إلى أرض الميعاد، وكان هذا الحل في صالح الرأسمالية اليهودية أكثر من الفقراء اليهود، بهدف السعي نحو فتح أسواق جديدة لاستثماراتهم وتنمية مواردهم، وقد ساهمت الدول الأوروبية في الدفع نحو تطور الفكرة الصهيونية وبلورتها ومساندتها بالموقف السياسي ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي، بهدف التخلص من اليهود، فتلك الدول كانت ترفض تماماً مسألة اندماج اليهود.
نشأة الحركة الصهيونية :
ظهرت الحركة الصهيونية أواخر القرن 19، ولم يكن ظهورها وليد صدفة، إنما هي تراكم أفكار وكتابات وأراء سبقت ظهور الحركة. ففي هذا القرن ساد ميدان الفكر السياسي الأوروبي اتجاهان رئيسان كان لهما تأثير كبير على بلورة الأفكار اليهودية ـ الصهيونية: اتجاه يدعو إلى المساواة والأخوة الإنسانية بين الشعوب، وخلق عالم أفضل يعيش فيه البشر عائلة واحدة. أما الاتجاه الثاني فقد دعا إلى نقاء العرق والعنصر والتميز بين الشعوب. وقد سارت في الاتجاه الأول المدرسة الليبرالية التي اجتذبت الأسر اليهودية المتنفذة وغالبية الطبقة المتوسطة اليهودية، وأيضاّ المدرسة الاشتراكية التي اجتذبت غالبية الطبقة اليهودية الفقيرة، بينما آثرت أقلية من اليهود الانجراف وراء الاتجاه الثاني الذي رفض فكرة المساواة والتقدم وآمن بالعنصرية وتمايز الأعراق، والدعوة إلى الفصل والنقاء العنصري، وكان هذا الاتجاه منسجماً مع التقاليد الدينية القديمة السائدة بين اليهود"(10). والواقع أن اليهودية نفسها ضمت مثل هذين الاتجاهين المتعارضين، فقد خلقت الضغوط والنكبات السياسية وحالات الطرد والنفي التي ألمت باليهود منذ بدايات التاريخ، دافعاً لديهم للانتصار لفكرة الروح الانعزالية ونقاء العنصر. وكانت هناك أيضاً الحركات اليهودية التي تمثل البذور الأولى للصهيونية منها: أحباء صهيون، بيلو، أيكا، عمال صهيوني، شباب صهيوني، البوند... وغيرهم.
كانت أولى الكتابات اليهودية التي لعبت دوراً هاماً في بلورة الفكر والأيديولوجيا الصهيونية كتاب [البحث عن صهيون] 1861 للحاخام هيرش كاليشر (1795 ـ 1874)، وكتاب [روما والقدس] 1862 لموسى هس (1812 ـ 1875)، وكتاب [التحرر الذاتي] 1882 لليون بينسكر (1821 ـ 1891) كما دعت تلك الكتابات إلى العودة إلى فلسطين، إن كل هذه الحركات والكتابات والأفكار دعت إلى خلق قومية يهودية وإيجاد شعب له أرضه وكيانه الخاص ويتميز بالنقاء العرقي، ولم تكن أيضاً الحركة الصهيونية بمنأى عن التيارات الفكرية والحضارية السائدة في أوروبا خاصة نمو الحركات القومية بين الشعوب الأوروبية، وتعاظم الحركة الاستعمارية الأوروبية حيث بلغت أوجها في أواخر القرن 19باستعمار معظم أفريقيا وآسيا، يقول عبد الحكيم ذا النون: "نشأت الصهيونية وهي كما هو معروف الحركة القومية للتجمعات اليهودية الأوروبية، في ظروف معينة، تاريخية، اقتصادية، اجتماعية، فكرية، سياسية، برزت في أوروبا نفسها عندما بلغ التحرك الاستعماري الاستيطاني الأوروبي أقصى درجات اتساعه(11) في وسط هذا الخضم الفكري والمد القومي والحقد على اليهود، ظهرت المنظمة الرئيسية للصهيونية اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر، وعرفت باسم "المنظمة الصهيونية العالمية" وساهم في تأسيس ونشأة هذه المنظمة كبار الرأسماليين والماليين وأصحاب الاحتكارات العالمية الضخمة من اليهود، الذين كانوا في الأصل جزء من برجوازية البلاد التي يعيشون فيها، لذا سعوا إلى الاستقلال بذواتهم وثرواتهم، فكانوا من أشد المعارضين في مسألة الاندماج اليهودي في اقتصاديات المجتمع الغربي.
الا ان هذا العداء الذي وجد بين اليهود وبين الرأسماليين في الغرب لم يمنع المؤسسة الدينية المسيحية بالتدخل مرة أخرى لتقدم الدعم اللوجستي لليهود وتحديدا بعد صعود أمريكا على صدارة العالم وتزعمها هذا العالم الغارق بخرافات الأديان وحروبه الأهلية وتبدو الصورة واضحة في الكتاب الجديد للباحث السوري فؤاد شعبان «من أجل صهيون» يوضح هذا الجانب الخفي بتسليط الضوء على دور اليمين المسيحي في مؤسستي السياسة والإعلام، وأثر التراث اليهودي- المسيحي في تكوين الثقافة الأمريكية، ودور أمريكا الواضح في إيجاد دولة إسرائيل من النيل للفرات.
في الخلاصة: يمكن القول إن ما جاء به المفاوض الفلسطيني وما تبعته من بعد الدول العربية من الاعتراف بدولة إسرائيل واعتراف العالم الغارق بالخرافات ليس إلا أفكار تجسدت عبر الكتب المزعومة من السماء التي حققت لليهود هدفهم ومطلبهم بإقامة دولتهم في فلسطين أرضهم الشرعية في الخرافات الدينية ضاربة بعرض الحائط الحقوق التاريخية لأهل الأرض الأصليين الفلسطينيين الذين تجد البعض منهم حتى اليوم يؤمن بما جاء في كتاب محمد من خرافات عن ارض الميعاد في فلسطين وأرض إسرائيل وملوك بني إسرائيل في فلسطين متناسين أن هذه الأفكار الملوثة دخلت لكتابهم عبر نسخ ربما يكون مقصودا أو غير مقصود عن الكتب الدينية التي سبقته, والتي تسقط حقهم في فلسطين دون أن يدرون ولن يخدم سوى الحركة الصهيونية الحديثة المنبثقة عن اليهودية.
وحققت أوروبا مطلبها بالتخلص من اليهود الذين شكلوا لديها عبئا حقيقيا عبر وجودهم بداخلها وإيجاد مكان مناسب لهم على ارض عربية فلسطينية عبر نبش مومياء الكتب الدينية وإيجاد الأفكار الفلسفية التي تدعم هذا الوجود عبر إيجاد ما يسمى بالإبراهيمية التي تجمع بين أبناء الديانات الثلاث وحوار الأديان وما إلى ذلك من أفكار مرادفة مسمومة تقضي على حق الفلسطينيين في فلسطين.
لا بد من وقفة جادة أمام هذه الخرافات ودحضها تاريخيا والتصدي لها بكل السبل الممكنة وحذفها إن أمكن من المناهج العربية الدراسية التي وضعها زمرة المتآمرين تحت مسمى قصص الأنبياء وغيرها التي تؤكد هذا الحق الخرافي لليهود في فلسطين وما يسمى بمكانة اليهودية في الإسلام ومكانة أنبياء اليهود في الإسلام.
الإسلام كدين يدعي محمد انه جاء مكمل للديانات السماوية ويأخذ فيه أنبياء بني إسرائيل قداسة ومكانة عظيمة (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (سورة الشورى، 13)، والقرآن يصدق الكتب التي تقدمته مع الأنبياء السابقين (مصدقا لما بين يديه)، وكان لليهودية تأثير كبير على العرب قبل الإسلام ونقلهم -دون أن يتهودوا- إلى حال أرقى في مجال التصور الديني، فهذه العبارات تؤكد أن القرآن جاء الكثير من نصوصه نسخا عن التوراة فتؤكد الخطر مرة أخرى بأن نصوصا نسخت جاء بين طياتها اعترافا بأرض إسرائيل والميعاد وامتد هذا الخطر إلى وجود تقارب بين العرب المسلمين وبين اليهود فكما أشار برنارد لويس أن اليهود وقفوا إلى جانب المسلمين في الحروب الصليبية وفي الحروب مع المغول والتتار، وتعرض اليهود كما العرب والمسلمون للاضطهاد والتنصير الإجباري على يد الكاثوليك الأسبان بعد سقوط دولة العرب المحتلين فيها عام 1492 وأظهر اليهود ولاء للدولة العثمانية في حروبها مع الروس والبلقان.
اليهود وجدوا في الفتح الإسلامي للشام والعراق نهاية للكابوس الروماني، وتحررا من القهر والاضطهاد، ورفض العرب طلبا من بطريرك الإسكندرية بإبعاد اليهود عن مصر، ووجد اليهود في الأندلس ملاذا آمنا من الاضطهاد والتهجير الأوروبي، وفرصة للتأسيس الحضاري والفلسفي للفكر اليهودي وهذه الفرصة اتاحت لهم أن يبثوا في داخل الإسلام مرة أخرى نبشا في داخل النصوص القرآنية بفكرة ارض الميعاد وإمكانية تحققها من قبل المسلمين المتعاطفين معهم دينيا.
كما يذكر برنارد لويس في كتاب الإسلام في التاريخ ومارتمن كرايمر في كتاب الاستشراق اليهودي، تظهر علاقة قربى ثقافية وحضارية بين المسلمين واليهود.


.............................................................................................................................................
المراجع والمصادر :

(1) "الصهيونية" -الدكتور عبد الوهاب محمد المسيري - الموسوعة الفلسطينية -القسم الثاني- المجلد السادس الطبعة الأولى -بيروت 1990ص231‏
(2) "الأحزاب (الإسرائيلية) والحركات السياسية في الكيان الصهيوني" -حبيب قهوجي- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى -دمشق 1986-ص167-168‏
(3) نفس المصدر ص50-54‏
(4) "الأحزاب (الإسرائيلية) والحركات السياسية في الكيان الصهيوني" -حبيب قهوجي - مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية -الطبعة الأولى -دمشق 1986-ص50-54‏
(5)نفس المصدر ص 168-171‏
(6) نفس المصدر ص 174-175‏
(7) "الأحزاب (الإسرائيلية) والحركات السياسية في الكيان الصهيوني" -حبيب قهوجي- ص 174-175‏ (8) – الصهيونية والعنصرية: منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الجزء الثاني. بيروت. ص49.

(9) – عالم بلا يهود. ص11.

(10)– الموسوعة الفلسطينية: مرجع سابق. ص348.

(11) – عبد الحكيم ذا النون: تاريخ فلسطين القديم والخلفية الزائفة للصهيونية. دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى. دمشق 1984. ص9.

......
بقلم : مهند صلاحات
طلوزة / نابلس
فلسطين المحتلة

طلوزة / نابلس
فلسطين المحتلة



#مهند_صلاحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلام المسيح أم آلام الشعوب
- العلمانية ضرورة للتغيير في المجتمعات وخاصة العربية
- علاقة المرآة بالمجتمع تستمد من علاقة الفرد بالسلطة
- اغتيال احمد ياسين والبعد السياسي الدولي على المنطقة
- القتلى والمقاتلون السكارى قرائة ادبية في مقتطفات من بستان ال ...
- للقهوة صباح اخر
- الفضائيات العربية لسان الراسمالية الناطق - المعلن والمبطن
- عرب اطاعوا رومهم ... اسلاميون اطاعوا احتلالهم فل نحطم جدار ا ...
- اوراق المفاوض الفلسطيني // مخطوطة باقلام امريكية


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مهند صلاحات - الخرافات الدينية... الصكوك الأولى في التنازل عن فلسطين للدولة اليهودية