جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2635 - 2009 / 5 / 3 - 09:19
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
في العام الماضي في بداية فصل الصيف كنتُ أمرُ في شارع السينما في مدينة إربد , هذا الشارع تنتشر به محلات تجارية لبيع الألبسة الستاتية والرجالية,والأحذية ,وهو شارع مشهور بأن غالبية الذين يملكون محلاته التجارية هم من المسيحيين الكاثوليك , وأغلبهم كانوا جيرانٌ لأهلي ولأبي ولجدوده من قبله , وغالبيتهم أيضاً يعرفونني ويراعونني في الأسعار , وهذه المرة لم يَسْطًعْ أحدٌ منهم بيعي أي شيء , لأن اصوات الرجال الأشاوس كانت تتعالى وكذلك أصوات تكسير الزجاج تتعالى , وهنا وهناك رجال يمسكون بمواسير ومطارق خشبية وحديدية , وهذا المشهد يشبه إلى حد قريب المشهد الذي يهرب ُ به الفنان الراحل أحمد زكي من الشيوخ والبلطجية في فيلم (هستيريا) .
وخرج المسلمون والمسيحيون خارج محلاتهم التجارية هرباً وخوفاً, والغالبية مثلي لا تدري ما هو الموضوع ولا أعرف أي شيء, وما بعرف شو الطبخه, ولكنني بدأت أهرب وأركض في الشارع من دون سبب, تماماً كنجيب الريحاني في فلمه العجيب الذي لا أذكرُ الآن إسمه .
وركضتُ في الشارع الطويل كثيراً حتى إستقريت عند صاحب دكانة عادية ففتحت الثلاجة وشربت علبة ببسي , والأصوات ما زالت تتعالى فقلت لصاحب المحل الدكانة :
شو فيه يا حج؟-
شو فيه؟لعاد لويش إبتركض؟
-بركض خايف حدى يضربني على راسي بعدين الوطن الجميل يخسر إنسان دمه خفيف مثلي .
فضحك الحاج وقال :
في هون واحد مسيحي بايع موبايل لواحد مسلم , المسلم وجد عليه صور مسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وعشان هيك أجا المسلم وجاب إصحابه وكسروا محلات المسيحيين .
فقلتُ له : لعادك إذا هيك بستاهلوا لويش يعملوا هيك , طبعاً أنا عارف القصة ومتأكذ حسب خبرتي إنه في مشكلة أخرى خلاف هذا المشكلة , بس داريت الحج, ودفعتله ثمن علبة الببسي وخرجت من عنده .
وهنالك صديق لي مسلم له محل تجاري في نفس الشارع قال لي :
تخيل حتى الزعران شاركوا بالتكسير دفاعاً عن حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم , وطبعاً صاحبي هذا يقولها وهو مرتاح ومبسوط وأضاف قائلاً : الإسلام بخير , والحمد لله .
وتبين بعد فترة أن القصةالحقيقية كالتالي :
شاب مسلم الله يحفظه ويخليه لأهله بشتغل (عامل بيع)عند واحد مسيحي , إختلف معاه على الأجرة والمصاري , فقام على الفور بتكسير المحل وحين مر الناس سألوه شو بيه ؟ فإحتار ماذا يقول لأن حجته غير مبررة أو غير كافية إطلاقاً لعمل مشين مثل الذي يعمله ,فقال : هذا مسيحي أخو شرموطه بسب على النبي, فقامت الناس وبعض الشباب بالتحمس وتكسير المحل , وكذلك إمتد الأمر لتكسير المحلات التجارية المجاورة , وقال شهود عيان أن الشرطة حينما حضرت وعرفت بأن الموضوع متعلق بالرسول ألأمي الكريم (ص) قاموا هم على الفور أيضاً بالإشتراك بتكسير المحلات التجارية المسيحية الممتدة على جانبي الشارع شارع السينما , ولكن محافظ إربد إستطاع بعد أيام حل الموضوع وإعادة فتح المحلات التجارية , وبتوفير الحماية والتغطية الأمنية للمسيحيين من عبث العابثين .
دائمن في النزاعات الشخصية تكون المشكلة بسيطة جداً ولكنها تتطور كل يوم , لتظهر بها عناصر جديدة , فمن أكبر المشاكل التي حصلت في لبنان بين المسلمين والمسيحيين تلك المتعلقة أصلاً بمشكلة بين طفل مسيحي وطفل مسلم , قام واحد منهم بضرب الآخر , فقام شقيق الآخر بضرب الأول , وتدخل الشارع كله والأصحاب والأقارب , ومن ثم تطورت بين المسلم والمسيحي ومن ثم إمتدت لتصل إلى الحدود العقائدية , فإشتركت المساجد والكنائس , والموضوع أصلاً فارط ما فيهوش شيء .
وشاب آخر في الإسكندرية قبطي تم الإعتداء عليه وهو مع والده فمات الشاب على الفور , وتحولت المشكلة إلى مشكلة مسيحي أو قبطي ومصري علماً أن الموضوع أصلاً ليس له دخل في العقائد .
هذه هي طبيعة المشاكل , سواء أكانت بين المسلم والمسيحي أو حتى بين المسيحي والمسيحي ,أو حتى بين الأزواج , فنجد أن الخلاف البدائي يكون تافهاً وينتسى وتظهر بذلك خلافات جديدة .
ولكن قاضي الموضوع في المحاكم يغفل في الحقيقة عن تلك الجوانب فنجد أن الإفادات في المحاكم فوراً تتجاهل العناصر الحقيقية وتبدأ بزج قضايا غير موضوعية جديدة .
- ظاهرة قتل المسلم للمسيحي تنبع من عقدة إعتقاد المسلم أنه بهذا يقوم بالثأر للمسلمين الذين يقتلون في شتى أنحاء العالم , من إسرائيل إلى الهند , فينسى على الفور المشكلة الحقيقية والتي حصلت بينه وبين المسيحي ويبدأ بالتخيل بأن المشكلة أصلاً , متعلقة بكونه مسلماً وبكون الطرف الآخر مسيحياً , وكذلك قاضي الموضوع , فأغلبهم في الدول العربية يتعاطفون ويبدأون بتخيل أشياء وأوهام تتعلق بأبرهة الأشرم والقليص , وللبيت رب يحميه وما شابه ذلك.
وغالباً ما تكون بداية تلك المشاكل على شكل مشاجرات عادية من الممكن لها أن تقع بين المسيحي والمسيحي, وليس بين المسلم والمسيحي في الدول العربية , ولكن تكمن المشكلة فيما بعد المشكلة , إذ ينسى المسلم طبيعة الخلاف الحقيقي بينه وبين المسيحي, ويبدأ مرحلة جديدة تتدخل بها عناصر التخيل والأوهام عن المسيحي فتبدأ ذاكرته بأن المسلمين في العالم يقتلون على أيد المسيحيين وأن بوش غزى العراق من أجل القضاء على الإسلام , وهكذا ينسون الخلاف الحقيقي وتبدأ مشاكل جديدة , وتدخل في المشكلة أطراف جديدة لم يكن لها أصلاً أي طرف في المشكلة , ومن الممكن أن تكون المشكلةُ خلاقاً على (بنت) حلوه , فلا تستغربوا هذا لقد حصل أمامي منه الكثير ,أو من الممكن أن يكون الخلاف في بداية الأمر على تزاحم في الطريق أو الإشارة الضوئية أو أن يكون الخلاف أصلاً على أمور تافهة جداً وغير تافهة أيضاً , كل تلك الأنواع من المشاكل تحصل على الغالب بين المسلم والمسلم وبين المسيحي والمسيحي,وهي ليست على عقيدة أو مذهب , فالناس تجارياً وإجتماعياً تتعامل مع بعضها على مبدأ تحقيق الربح والمكاسب , وليس على أسس عقائدية أو شرائعية .
وبهذا تكون المسألة متعلقة أصلاً بمواضيع متفرقة ليس للعقائد بها أي دخل , تلك المواضيع تكون موضوعات عادية كما حصل في القصة السابقة الذكر عن العامل الذي كان يعمل عند صاحب متجر مسيحي , فحتى يكسب العامل مشروعية الإعتداء على المسيحي قال بأن المسيحي يسب على الموبايل محمداً, ويقوم بتوزيع صور على الموبايل عن محمد .
وأول من ساهم في العصر الحديث بإذكاء الطائفية هم العثمانيون : حين أقاموا المذابح للأرمن في شرق القارة الأوروبية , بسبب وقوف المسيحيين بجانب الحلفاء ضد المحور الألماني , وحين هُزم المحور الألماني والعثمانيين , قام العثمانيون بتصفيات جسدية وروحية للمسيحيين في لبنان وسوريا أولاً أو على حسب تعريف العثمانيين لنان بإسم (شرق إستان) فنكلوا في شرق إستان بالمسيحيين وأولها كانت الحملات العنيفة في بيروت والتي ما زالت آثارها واضحة إلى اليوم , وهذه الحملات العرقية أخذت بعداً أيديولوجياً عقائدياً دينياً رغم أن المشكلة أصلاً لم تكن كذلك , الحملة العثمانية إستفاد منها العرب المسلمين كثيرأ فبفضل التنكيل بالمسيحيين وتهجيرهم من بلدانهم وأوطانهم إستفادة اتلثقافة منهم الشيء الكثير , فهاجر يعقوب صروف إلى القاهرة وفارس نمر وغيرهم وأسسوا المطابع والمجلات والكتب وإنتشر التنوير
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)