كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 806 - 2004 / 4 / 16 - 11:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الصراع السياسي حول السلطة في العراق, إذ فقد مقتدى الصدر صبره وتخلى عن ادعاءاته ورغبته في حل المعضلات القائمة بالطرق السلمية وعمد إلى ممارسة الإرهاب والهيمنة على الشارع العراقي وفرض الرؤية التي يراها للعراق القادم على المجتمع العراقي. وقد برزت هذه الظاهرة بوضوح كبير في استعراض القوة في بغداد بالمسرة شبه العسكرية ومشاركة المرأة المحجبة من الرأس حتى أخمص القدمين بالسواد ليبين للشعب العراقي أي مجتمع يريد إقامته في العراق, وبالتالي كشف عن وجهه الكالح والاستبدادي أمام الناس في الداخل والخارج. ولم يكن التصعيد مستغرباً ولا مفاجئاً, بل كانت التهيئة له قائمة على قدم وساق وبالتعاون مع الجيران ومع الكثير من القوى الأخرى, إذ كانت كل المؤشرات التي تحت تصرفنا تؤكد بما لا يقبل الشك ومنذ البدء إلى أن رجل الدين الشاب مقتدى الصدر يسعى بكل السبل إلى الهيمنة على الشارع والمجتمع العراقي تماماً كما فعل صدام حسين ولكن برداء هو الكفن وبفكر عتيق الفكر السلفي الطائفي المتخلف الذي لا يختلف كثيراً في نهجه العنفي والتسلطي عن نهج أسامة بن لادن أو الشيخ عمر أو أبن مصعب الزرقاوي في ما عدا انتساب كل منهما إلى مذهب مختلف. كان مقتدى الصدر وما يزال يعمل من أجل:
1. الاستفادة من الموقع الديني لعائلته, وخاصة من الشهيدين محمد باقر الصدر ومن والده صادق الصدر, لتكريس موقع له في الحوزة العلمية وتكوين أتباع له في العراق والخارج.
2. تشكيل مركز مستقل عن قوى الإسلام السياسي المعتدلة العاملة في العراق أو تلك التي كانت تعمل في خارج البلاد. ومثل هذا الموقع يؤمن له مورداً مالياً مستمراً من الأتباع في الداخل والخارج يستطيع بواسطته تنفيذ مشاريعه الطموحة في السيطرة على العراق وإقامة النظام السياسي الديني الذي يرتأيه.
3. محاولة تبويش كل قوى الإسلام السياسي الأخرى والسيطرة على القوى التي تعمل معها من خلال طرح نهج مغاير لنهجها المعتدل في السياسة, أي انتهاج سياسة صبيانية مغامرة تتميز بالاستعداد لممارسة القوة والعنف والتشديد ضد الاحتلال. ويبدو أنه استطاع جر بعض القوى الإسلامية المعتدلة مثل جماعة من حزب الدعوة إلى جانبه, كما يشاع حالياً, بسبب تأييد الشيخ محمد حسين فضل الله, اللبناني الجنسية, لمقتدى الصدر واتجاهه السياسي المتطرف.
4. ولتحقيق ذلك عمد إلى تشكيل ثلاث مجموعات من النشطاء العاملين معه, مجموعة عسكرية تدرب الكثير من عناصرها في إيران والبقية كانت ضمن قوات الجيش العراقي ومن الذين عملوا بصيغة ما مع النظام, ومجموعة ثانية مسؤولية عن الأمن والتأديب والاغتيالات للمناوئين, ومجموعة ثالثة مدنية تعمل في الحقل السياسي وتختلط بالجماهير وتحاول السيطرة على المواقع المختلفة في العتبات المقدسة وبين السكان من أتباع المذهب الشيعي. كما تشكلت لديه مجموعة نسائية تعمل على النمط الذي تمارسه المرأة في إيران وفي أفغانستان أثناء حكم طالبان, رغم اختلاف الأخير بالمذهب.
5. التعاون الوثيق مع ثلاث قوى أساسية خارج العراق, وهي: قوى المحافظين المتشددين في إيران, وحزب الله في لبنان وجماعات شيعية متطرفة في مختلف أنحاء العالم والتي كان بعضها يدين بالولاء لوالده الراحل أو للسيد الراحل محمد باقر الصدر أو لكل اتجاه متطرف يعزز الطائفية وهيمنة التفسير الشيعي المغالي للإسلام, وليس التفسير الشيعي المعتدل للإسلام!
6. ممارسة سياسة طائفية متطرفة والاستعداد لممارسة العنف والقوة عند الضرورة ومحاولة تصعيد اللهجة المعادية للاحتلال بهدف كسب الشبيبة إلى جانبه وزجها في العمليات التي تساهم في تعبئة المزيد من الناس حوله. وكان الكفن الذي يرتديه يعبر عن سياسته المغامرة المعبرة عن الاستعداد للقتل من جهة والموت من جهة أخرى في سبيل ما يعمل من أجله. وهي الصيغة التي في مقدورها أن تكسب الناس إليه, وخاصة الفئات الكادحة والفقيرة التي عانت من هيمنة صدام حسين وموعودة بوضع أفضل أو مكان لها في الجنة.
7. وهو يتطلع للاستيلاء على السلطة من خلال تحريك الجماهير الشيعية في الشارع على طريقة الخميني, ولا يتورع عن التورط في سفك الدماء للوصول إلى الغاية المنشودة. علماً بأن الرجل ما يزال لم يحتل موقعاً دينياً متميزاً بل يوجه من آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري المقيم حتى الآن في إيران.
وقد استفاد مقتدى الصدر من حقيقة الضياع الكبير لشبيبة العراق في فترة حكم صدام حسين والخراب الروح وتدني الوعي السياسي حتى يحق لنا القول بأن جماعات غير قليلة من الشبيبة تعمل وفق المقولة "على حس الطبل خفن يا رجليه", فهم يركضون وراء كل مهرج ودافع لمبالغ مالية ومساعدات عينية في وقت تسود البطالة نسبة عالية من القوى القادرة على العمل.
ويبدو لي أن مقتدى الصدر يرتكب أخطاءً سياسية فادحة بنهجه المغامر والمتخلف, إذ كما يبدو لي بأن الرجل:
• غير قادر على استيعاب طبيعة المرحلة التي يمر بها العالم والدور الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية فيه.
• كما أنه عاجز عن فهم تعقيدات الوضع في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج والعراق على نحو خاص.
• وأن خبرته السياسية محدودة والمجموعة المحيطة به غير قادرة على تقديم النصح له بما يساعد على انتهاج سياسة عقلانية تسمح الوصول بالعراق إلى شاطئ السلام والديمقراطية والتقدم.
• وأنه متلهف للوصول إلى السلطة بحيث يجد من حقه ممارسة سياسة "الغاية تبرر الواسطة" حتى على أشلاء بنات وأبناء الشعب العراقي, إذ أن سياسته يمكن أن تجر العراق إلى حرب أهلية جامحة ومدمرة, تماماً كما فعل صدام حسين بالعراق وبالشعب العراقي.
• ومن المعروف أن مجموعة كبيرة من البعثيين من أتباع المذهب الشيعي قد التحقت منذ فترة مبكرة بجماعة مقتدى الصدر وهي مدربة على العمل العسكري وحاقدة على الوضع الجديد, يضاف إلى ذلك محاولة جادة من البعثيين للتغلغل إلى التمرد الراهن الذي تنظمه جماعة الصدر للدفع باتجاه تشديد التوتر في الساحة السياسة العراقية. بهدف إشاعة المزيد من الفوضى والخراب والدمار وتعطيل عملية نقل السلطة إلى الشعب العراقي.
إن النشاط الراهن لمقتدى الصدر سيفرط لا محالة بالموقع الذي تحقق لأتباع المذهب الشيعي في مجلس الحكم الانتقالي وفي التأثير الفعلي على السياسة العراقية. وهي التي ستجعل قوى الإسلام السياسي الشيعية الأخرى تتصدى له أو ترفض طريقته في العمل السياسي وفي التعامل مع الواقع العراقي الراهن, إذ أن لها عواقب وخيمة على الوضع في العراق وعلى تطور الأحداث وعليها في آن واحد.
إن ما يسعى إليه مقتدى الصدر ومن يقف وراء سياسته يتمثل في الوقت الحاضر في إشاعة الفوضى في البلاد ومحاولة السيطرة على بعض المدن العراقية وإنزال ضربات بقوات الاحتلال وإضعاف هيبتها في العراق. ولكنه في الوقت نفسه سيلجأ إلى توجيه ضربات معينة إلى القوى السياسية العراقية منطلقاً من مقولته "من ليس معي فهو ضدي". وقد نجح حتى الآن في إشاعة الفوضى في المناطق ذات الأكثرية الشيعية. كما راحت بعض القوى التابعة لمتطرفي المذهب السني بزيادة تحركاتها السياسية والعسكرية لإلحاق الأذى بالوضع السياسي المعقد والحساس. وبدأت الفضائيات العربية المعروفة تشير إلى احتمال تطور هذه الأعمال الإرهابية إلى انتفاضة شعبية, وهو ما تتمناه لا للخلاص من الاحتلال, فهي تقدم برامجها من دول محتلة أصلاً من الأجنبي أو تجلس في أحضانه, بل بسبب تأييد الشعب العراقي الواسع للخلاص من الدكتاتور صدام حسين.
إن الوضع الراهن يتطلب من القوى الديمقراطية العراقية وأكثر من أي وقت مضى رص الصفوف والعمل مع الجماهير لمواجهة الموجة الصفراء المتطرفة التي تريد فرض النظام الطائفي الظلامي على الشعب العراقي. إن النداء الصائب الذي يفترض توجيهه اليوم: أيتها الديمقراطيات وأيها الديمقراطيون في العراق اتحدوا في مواجهة محاولات فرض الدكتاتورية الظلامية المتخلفة على العراق الجديد وعلى الشعب العراقي كله.
برلين في 5/4/2004
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟