أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - وديع شامخ - الدارونية وانتصاب العقل الانساني















المزيد.....


الدارونية وانتصاب العقل الانساني


وديع شامخ

الحوار المتمدن-العدد: 2624 - 2009 / 4 / 22 - 09:08
المحور: الطب , والعلوم
    


مهاد

أعتقد أن مناقشة النص العلمي المتحول بمقابلة نصوص مقدسة تمتلك قيمتها المطلقة من مقتضيات "خارج علمية" ، يبدو متعسفا وغير ذي جدوى أحيانا ، لان النظريات العلمية والفرضيات التي تنتج في الحقل العلمي غير معنيّة تماما بماوراءها وماخلفها من تصورات لاهوتية قارّة. ليس بسبب إلحاد العلماء جميعا، بل لأن المنطق العلمي هو منطق تجريبي سواء في أجواء مختبرية خاصة أو في أخرى طبيعية أشمل وأوسع تخصّ الطبيعة وقوانينها أو الانسان ومنظومة مرجعايته الوراثية والمكتسبة.
ودارون لا يشذ عن هذا الفهم ، فالرجل قد ساهم بشكل جدي في بناء نظرية هي محض جدل واختلاف عميقيّن في حقل العلم من جهة واللاهوت من جهة اخرى. فالعديد من العلماء يختلفون مع دارون في فرضيته في النشوء والارتقاء والبقاء للأصلح والحلقة المفقودة بين الانسان والقرد ، وخصوصا في موضوعة تطور الانسان .
لذا سأدخل الى دارون ونظريته ليس كالمصدق الأعمى ولا كالمتشكّك والمكّذب سلفا و الذي يؤمن بمطلقاته الخاصة ، وسنرى كيف تسير هذه الفرضية العلمية في سياقها العلمي وماهي نتائجها على الحقول الاجتماعية والتربوية والسياسية .. الخ .
.............................


الزهاوي و نظرية دارون

كان الشاعر العراقي الكبير جميل صدقي الزهاوي من العقول المتحررة التي طالبت بالانتصار لسفور المرأة ضد الحجاب بقوله:
إسفري فالحجاب يا ابنة فهرٍ
هو داء في الاجتماع وخيمُ
كما كان الزهاوي من دعاه التحررمن القافية الشعرية وجعل الشعر مرسلا دون زائدة " او َذنَب كما يقول" لان الانسان تحرر من الذيل وفقا لنظرية دارون واستقام انسانا كما كان يؤمن الزهاوي الشاعر والفيلسوف ، ولكن هذه التصريحات العلمانية بشأن تحرر المرأة والشعر قد اوقعت الزهاوي في معركة ضارية استثمرها خصومه الشعراء ورجال الدين معا وعلى اثر هذه الثقافة هاج عامة العراق في بغداد على الشاعر والفيلسوف الزهاوي واردوا قتله لانه اعتنق نظرية التطور الداروينة .
وفي السياق نفسه يروى في حكاية طريفة أن العامة والغوغاء في بغداد قد تجمعوا بناء على دعوة رجال الدين ،والتي تفهمت نظرية دارون من خلال بابها الضيق والتي تقول ان اصل الانسان قرد فقط.
فتجمع الناس في مسجد المدينة وخطب الشيخ بهم بحماسة لافتة وقال : جاء في البدع الاتية من الغرب الكافر ، ان واحدا اسمه" داروين" يقول ان اصلكم قرود " والعياذ بالله" ، فحدث هرج ومرج وارتفعت السبابات والمدى والحراب والسيوف لاراقة دمه الليلة ، ولكن الشيخ الفطين هدّأ من روع العامة بقوله: اسمعوا ان " الملعون داروين" هذا من بلاد الافرنجة وهو بعيد عن مرمى سيوفكم وسلاحكم ، فعظم الله اجركم بمصابنا واحسن اليكم ، ولكني سأموت قهرا لشيء واحد.
قال الجمع الغاضب، وما هو يا شيخ؟
قال : انا أرضى أن يكون جدي قردا ، وارضى تماما ان يكون جدكم قردا أيضا ، ولكني لا أصدق أن يكون جد نبينا الاكرم محمد "ص" قرد ايضا".
ما اريده من هذه الحكاية التأكيد على امكانية النظر الثاقب في أصل فرضية دارون العلمية ودرجة قبولها علميا وعمليا اولا ، وما مدى النتائج التي ترتبت على تبني هذه النظرية في الحقول السياسية والعقائدية والاجتماعية ثانيا ؟
.....



آراء في نظرية دارون

*- في كتاب "دارون والداروينية" الصادر في باريس لمؤلفه باتريك تور كما نقلت عنه صحيفة "البيان" الإماراتية يقول: كانت هذه النظرية بمثابة الزلزال الفكري الذي زعزع كل العقائد التقليدية السائدة عن أصل الكون والإنسان. ويقال بأن الإنسان أصيب بثلاثة جروح نرجسية على مدار القرون الأربعة الماضية، فالجرح النرجسي الأول سببته له نظرية كوبرنيكوس عن النظام الشمسي، فحتى عهده كنا نعتقد أن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس تدور حولها.
وأما الجرح الثاني الذي أصابنا في الصميم وشكل طعنة لنرجسيتنا واعتزازنا بأنفسنا فهو اكتشاف داروين، فقد كنا نعتقد أننا من جنس وبقية كائنات الطبيعة من جنس آخر، فإذا بداروين يجيء لكي يقول لنا بأننا حيوانات مثل بقية الكائنات الحية، ولكن بشكل أرقى. وكانت هذه الصدمة أكبر من الأولى بكثير لأنها جرحت كبرياءنا وخدشت مشاعرنا، إذ قالت لنا بأننا من أصل حيواني، ولذلك فإن الكنيسة المسيحية أو الأوساط المحافظة شنت حملة شعواء على داروين بعد صدور كتابه الشهير.
واتهمته بأبشع النعوت: مادي، ملحد، كافر بالله، الخ. بل ولا تزال الأصولية البروتستانتية تلاحقه حتى الآن في أميركا وترفض تدريس نظريته للتلاميذ.
أما الجرح النرجسي الثالث الذي أصاب البشرية، فكان هو اكتشاف فرويد لنظرية التحليل النفسي والقول بأن اللاوعي هو الذي يسيّر الإنسان وليس الوعي، على عكس ما كنا نظن منذ مئات السنين.

*- -يقول الكاتب التركي هارن يحيى في كتابه "الصراع ضدّ أديان الكفر" ترجمة حنان الشيخ أن نظرية داروين زعمت هذه المزاعم والإدعاءات دون أن يكون لها أي سند علمي تقوم عليه، كما يؤكد بمقاله "نهاية أسطورة داروين" أن نظرية داروين تطورت في أواسط القرن التاسع عشر في الفترة التي كان العلم بها متخلفا بالنظر إلى ما وصل إليه في الوقت الحاضر. ولم يكن لداروين أو الذين سبقوه من رواد هذه النظرية أيّة معلومة عن كيفية تكاثر الكائنات الحية والتركيب العلمي الكيمياوي لها، ولم يكن لهم كذلك علم بكيفية استمرارها في الحياة، وذلك بسبب عدم كفاية درايتهم بتفاصيل الكائنات الحية. ومن أجل الإقناع بنظريتهم قاموا بنشر الادعاء القائل بأن الحياة ظهرت عن طريق المصادفة ثم تطورت كذلك بالمُصادفة.
إلاّ أنّ العلم في القرن العشرين تطوّر تطورا كبيرا وأظهر أنّ تفاصيل حياة الكائنات الحيّة معقدة في تصميمها، وهي ليست على النحو الذي ادّعاه أصحاب نظرية التّطور، بل على العكس من ذلك تماما. وكان التطوريون يزعمون أن تكوين الخلية الحية بسيطٌ، ويمكن صناعة الخلية من خلال توفير المواد الكيمياوية اللازمة لذلك، وبعد مرور فترة من الزمن يمكن الحصول عليها. بيد أن التحاليل التي أجريت بواسطة الميكروسكوب الإلكتروني الحديث خلال القرن العشرين أظهرت نتائج مختلفة تمامًا. ففي الخلية توجد تصاميم معقدة بحيث لا يمكن أن تكون عبارة عن مصادفات، وهذا ما صرّح به عالم الرّياضيات والفلكي الشهير الإنجليزي الأصل السيد فريد هويل قائلا: "كومة من خردة الحديد أخذتها عاصفة هوجاء، ثم تناثرت هذه القطع وتكونت طائرة بوينج 747 بالمصادفة"، إن مثل هذه النتيجة غير ممكنة ومستحيلة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تكوين الخلايا الحية.
ويمكن القول إنّ التشبيه غير كاف وذلك لأن الإنسان تقدم بحيث استطاع أن يصنع طائرة "بوينج 747" ولكنّه مع تقدمه هذا لم يستطع أن يقوم بتركيب خلية حية واحدة في أيّ مختبر علمي.
إن الكائنات وجميع الموجودات الأخرى يجب أن يكون لها صانع، وهذا دليل على وجود الله الذي له القدرة على الخلق. وهذه هي إحدى الحقائق التي وضعت نظرية داروين في أزمة. وبالإضافة إلى ذلك فإن أيّا من التطوّريين لم يقم بإثبات كون المخلوقات الحية ظهرت مُصادفة.
مثلما أن وجود الكائنات الحية وتكوّنها غير ممكن عن طريق المصادفة، فكذلك تطوّر الكائنات الحية بعضها إلى بعض غير ممكن، لأن الطبيعة وحدها لا تملك هذه القدرة، فالطبيعة ليست سوى ترابا؛ حجر وهواء وماء، أي أنها عبارة عن تجمّع لذرّات بعضها مع بعض.
فالمصادفة تعني أن كومة من هذه المواد غير الحيّة، يمكنها أن تغيّر الدودة إلى سمكة، ومن ثم تخرج السمكة إلى اليابسة وتتحول إلى نوع من أنواع الزواحف، ثم تتحول إلى طير فتطير، وبعد كل هذا يتكون منها الإنسان، ولكن هذا ما لا تستطيع الطبيعة أن تفعله.
*- قام علماء الحفريات المؤيدون لنظرية التطور بالبحث عن حلقات وصل بين الكائنات الحية المختلفة,في مختلف أنحاء العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر,
حلقات الوصل, أو الحلقات الانتقالية هي كائنات مفتَرَضَة تحوي نصف أعضاء أو نصف صفات من كائن معين و ذلك في طريق تطورها إلى كائن آخر ,,
ملحوظة مهمة: و لكن لا بد ألا نخلط بين تلك الكائنات المفترضة الخرافية, و بين بعض الكائنات الحية التي نجدها في الطبيعة, مثلا حيوان البلاتبوس( أو منقار البط ) هو يعيش في أستراليا, له منقار مثل منقار البطة, و يضع بيضه مثل الزواحف ,, و بالطبع هذا ليس حلقة انتقالية في طريقها للتطور إلى بطة أو زاحف
فالعلماء يسمونه الكائن الفسيفسائي mosaic creatures , و ليس حلقة انتقالية بأي حال من الأحوال.
و على الرغم من جهدهم الحثيث, إلا أنهم لم يعثروا على أي حلقات انتقالية, بل على العكس, اكتشف العلماء من خلال الحفريات المختلفة أن الحياة نشأت على الأرض فجأة و أنها نشأت في صورة مكتملة تماما منذ اللحظة الأولى.
و هنا تأتي شهادة Robert Carroll عالم الحفريات, و مؤيد للدارونية, حيث يعترف بأن أمل دارون لم يتحقق بالحفريات:
" على الرغم من البحث الكثيف لأكثر من مائة عام بعد موت دارون, إلا أن الاكتشافات الحفرية لا تكشف عن الصورة المتكاملة من الكائنات الانتقالية التي توقعها دارون"
*- و أيضا العالم K. S. Thomson و هو عالم حفريات مؤيد للدارونية, يعترف بأنه من خلال دراسة تاريخ الكائنات التي عاشت على الأرض من خلال سجل الحفريات, فإن أي مجموعة جديدة من الكائنات الحية تم اكتشاف حفريات لها كانت تظهر بشكل مفاجئ و غير مترابط مع أي كائنات حية أخرى:
" عندما تظهر مجموعة كبيرة من الكائنات الحية في السجل, فإنها تكون مجهزة تماما بصفات جديدة ليست موجودة في الكائنات المتعلقة بها. و يبدو أن هذه التغيرات الجذرية في الشكل الخارجي و الوظيفة تظهر بسرعة جدا ....."
*-و عالم الأحياء Francis Hitching يقول في كتابه "The Neck of the Giraffe: Where Darwin Went Wrong" يقول:
" إذا كنت نظرية دارون صحيحة, و لو وجدنا حفريات بالفعل, لا بد و أن تحتوي الصخور على حفريات لكائنات متدرجة بشكل دقيق جدا, تتدرج من مجموعة من الكائنات إلى مجموعة أخرى بمستوى أعلى من التعقيد. و لا بد و أن نجد حفريات توضح الفروق الطفيفة بين الكائنات الانتقالية المختلفة بكمية و بوضوح مماثل للحفريات التي وُجِدَت للأنواع المختلفة المُحَدَّدة. و لكن ليس ذلك هو الوضع في الواقع, الواقع هو العكس. و هذا ما اشتكى منه دارون نفسه:
..... على الرغم من أنه وفقا لهذه النظرية لا بد و أن تكون هناك كائنات انتقالية لا حصر لها, لماذا لا نرى هذه الكائنات مطمورة بأعداد كبيرة في قشرة الأرض؟؟
و قد شعر دارون أن المسألة ستُحَلّ بإيجاد مزيد من الحفريات,, و الواقع أنه كلما تم العثور على حفريات جديدة كلما وجدناها كلها دون استثناء قريبة جدا للكائنات التي تعيش حاليا"
*-إن سجل الحفريات يدل على أن الأنواع المختلفة وُجِدَت فجأة بتراكيب مختلفة تماما, و ظلت كما هي تماما على مدار الفترات الجيولوجية المختلفة.
و هذا ما يعترف به عالم الحفريات المؤيد للتطور في جامعة هارفارد Stephen Jay Gould في أواخر السبعينات:
إن تاريخ معظم الحفريات يحتوي على صفتين لا تتماشيان مع التدرج في إيجاد الكائنات الحية:
# الأولى هي الاتزان و الاستقرار, حيث لا تتغير طبيعة الكائنات طوال مدة بقائها على الأرض. فالكائنات الموجودة في سِجِلّ الحفريات تظهر و تختفي كما هي دون حدوث تغيرات عليها, و إن حدثت تغيرات فإنها تكون تغيرات طفيفة و في الشكل الخارجي و ليست باتجاه أي تطور ,
# الصفة الثانية هي الظهور المفاجئ, ففي أي منطقة لا تنشأ الأنواع الجديدة تدريجيا منحدرة من كائنات أخرى, و إنما تظهر فجأة و بتركيب مكتمل تماما"( و نحن نقول إنها خُلِقَت منفصلة عن بعضها و كل مخلوق منها له خصائصه المستقلة التي خُلِقَت معه منذ أول لحظة)
*- إن معظم الأنواع خلال العصور الجيولوجية المختلفة, إما أنها لا تتغير بأي شكل يُذكَر, أو أنها تتراوح بشكل بسيط في الشكل الخارجي و لكن بدون أي توجه نحو التطور "
*-لقد اضطر العالم المؤيد للدارونية Robert Carroll في سنة 1997 إلى أن يوافق على ذلك:
" إن معظم المجموعات الكبيرة من الكائنات تنشأ و تتنوع في مدة جيولوجية قصيرة جدا, و بعد ذلك تستقر على ما هي عليه بدون أي تغير كبير شكليّ أو غذائي ( يعني في نمط الحياة) "
*- يتخيل الدارونيون أنه هو الكائن الذي تطور إلى الطيور , يعني هو أصل الطيور ,,• و أنه عاش قبل 150 مليون سنة • و قالوا إن له صفات تنتمي للزواحف
و قالوا إنه تم العثور على حفرية لهذا "الكائن الانتقالي"
و عند هذه النقطة تتوقف بعض المناهج الدراسية عن الكلام ,, لذلك دعونا نتابع خبرا حديثا نسبيا يتابع هذه النقطة:
ففي عام 2000 في 23 يونيو , نشرت صحيفة النيويورك تايمز خبرا علميا بعنوان ( اكتشاف حفرية تهدد نظرية تطور الطيور "Fossil Discovery Threatens Theory of Birds Evolution". , و تم نشره أيضا في مجلات علمية شهيرة مثل مجلة Science و مجلة Nature , و في قناة BBC الإخبارية ,,, تم نشر الخبر العلمي التالي:
" لقد اكتشف العلماء أن الحفرية الجديدة التي تم استخراجها من الشرق الأوسط,
• و التي ترجع إلى 220 سنة
• هي لكائن مغطى بالريش• و لديه عظمة ترقوة تماما مثل الأركيوتيركس, و الطيور التي نعرفها اليوم• و لديه عِراق ريشة مجوف Hollow shafts in its feathers .• و هذا يدحض الادعاء بأن الأركيوتيركس هو الكائن الانتقالي الذي انحدرت منه الطيور, لأن هذه الحفرية التي فيها كل صفات الطيور هذه قد تم اكتشافها 75 مليون سنة قبل ما يقول الدارونيون هو وقت ظهور الأركيوتيركس ,,
• و هذا يعني أن هناك طيرا حقيقيا بكل صفات الطيور التي نعرفها الآن قد عاش قبل وجود الأركيوتيركس الذي يزعم الدارونيون أنه هو أصل الطيور ب75 مليون سنة .
*- بما أن الدارونيون يقولون إن الكائن الانتقالي الذي سبق الطيور عاش قبل 150 مليون سنة و أنهم عثروا على حفرية له،و بما أن العلماء اكتشفوا في عام 2000 حفرية لطائر لديه كل خصائص الطيور التي تعيش اليوم, و هذا الطائر عاش قبل زمن معيشة الكائن الانتقالي ب 75 مليون سنة، نستنتج أن الأركيوتيركس ما هو إلا طائر مكتمل الصفات و لديه نفس صفات الطيور الموجودة حاليا ..
هذا يعني أن الدارونيين أساءوا تأويل الحفرية التي وجدوها, و ظنوها كائنا انتقاليا في حين أنها حفرية لطائر ببساطة،و الخلاصة من كل هذا ببساطة هي أن أصل الطيور هو الطيور, و أصل الأسماك هو الأسماك, و أصل الإنسان هو إنسان .
....................

المعرفة البشرية والتطور

ان افتراض المعرفة تسير بمحورين : احدهما افقي واخر عمودي هو افتراض نظري صحيح ، ولكن ما مدى صحة التطور الذي يصيب البنية العمودية للحياة البشرية؟ وانا أؤمن تماما بان العلم في الغالبية العظمى من طروحاته هو طريق تجريبي ولادرجة لليقين فيه ، اذ يبقى العالم في مختبره وفي بحوثه محدد بظروف البحث النظري والظروف المختبرية حتى يتم التثبت من النتائج نهائيا لتصبح الفرضية نظرية علمية ثابتة تضاف الى سلسلة التطورات المعرفية التي يحققها العقل البشري كما حصل في كروية الارض وقانون الجاذبية وقوانين الثرمو دايمنك في الفيزياء .. الخ. اما فرضية التطور والنشوء والارتقاء فقد استمدت قوتها ليس من نجاحها الاكيد بأفتراض الأنسان وكل الكائنات الحية قد خضعت لمنطق التطور العمودي وتدرجت في سلم طويل حتى استقرت على وضعها الاخير ،بل ان نجاحها المدوي جاء في جزء كبير منه من جراء عطش الانسانية للتحرر من كابوس اليقين اللاهوتي وسلطة الاكليروس الديني ، وهو تحدٍ يتناسب مع الردود السلبية للكنيسة المسيحية الكاثوليكية في وأد ومحاربة التطور العلمي وانجازاته الباهره كما جاء بها غاليلو وفرويد وكربينكيوس ودارون وغيرهم .
العقل الديني المتمرس باليقين المحُصن لسلطته على المجتمع شكل هاجسا رادعا وسيفا بتّارا لكل محاولة انسانية للخروج من منظومتهم العقائدية حتى لو لم يتناقض صراحة مع الكتب المقدسة التي يدينوا بها ! بل لانه فقط يمثل خطوة لعمل العقل البشري الحر في تفسير القوانين المحركة للانسان والطبيعة ، لان في هذا تهديدا كبيرا لسلطة الاكليروس الديني، وإلا لماذا الهجوم على من اثبت كروية الارض ؟ وعلام التحريم لجهود علمية وفكرية وفلسفية وفنية كثيرة ؟
ثم لماذا الاعتذار عن هذا الحيف من قبل الكنيسة الكاثوليكية لهؤلاء العقول البشرية ؟
الامر اذن لا يتعلق بحدود حرمتها عقائديا ، ولا يتعلق اصلا في تحديها لسلطة الله ، وانما لان هذه الافكار والفرضيات والنظريات شكلت حاضنة للانسان كي يتحصن بأسئلة الشك لدرأ غبار اليقين المتكلس على العقول التي اشبعها رجال الاكليروس جهالة حتى في تفسير النصوص المقدسة وتجييرها لمصالحهم .
ومن جهة اخرى كان نجاح هذه الفرضيات ومنها فرضية دارون في النشوء والارتقاء هو استثمارها الفلسفي والسياسي والاجتماعي من قبل اشخاص وانظمة كانت ضد الكنيسة أصلا في سعيها لترويج مناهجهم ورؤاهم في الحقول ذاتها ، فهتلر استثمر فرضية البقاء للاصلح معجونة بفرضية الانسان السوبرمان لتعزيز نظريته النازية حول الجنس الآري الالماني وتفوقه ونقاوته ضد كل انواع الاجناس البشرية في كرتنا الارضية ! وان فرضية " الحلقة المفقودة" بين القرد والانسان قد اباحت لكثير من الانظمة ان تتعامل مع الافارقة او الجنس الاسود كمرتبة دنيا من الخلق الانساني بوصفهم " الحلقة " الرابطة المفقودة بين القرد " جدنا"! وبين الانسان، وكأني بهم بمنزلة بين المنزلتين على حد تعبير أخوان الصفا !
ان الجنس الابيض عندما غزا قارة استراليا كان يرى في " الابورجينيين"، وهم سكان استراليا الاصليين" يرى فيهم مجرد قرود ،يذهبون لاصطيادهم بالبنادق بدم بارد ! وهذا ما حدث ايضا لدعاة التمييز العنصري بسبب اللون او العرق او الجنس .
ان افتراض ان جدنا قرد او اننا من سلالة تنحدر من اصول حيوانية ، استغل بشكل بشع لاهانة الانسان الاسود البشرة تحديدا وامتد الى استرقاق الانسان وبيعه وشرائه كأي سلعة في سوق النخاسة، كما استثمره رجال الدين لتأليب العامة لردع كل فكر تحرري كما حدث مع الشاعر والفيلسوف العراقي جميل صدقي الزهاوي الذي كان يؤمن بنظرية التطور الدارونية ، عندما هاج وماج عليه العوّام والغوغاء في بغداد على اثر تحريض شيوخ المساجد وتكفيرهم له ، وقد نجا بأعجوبة من القتل ! والامثلة على هذا النمط لا يسعها المقال .
لذا فان النظر الى الفرضيات العلمية بوصفها حقائق مطلقة يظلمها مرتين ، مرة حين تقارن بالمقدس المطلق بوصفها نسبية ، ولا يجوز قياس النسبي بالمطلق ، ومرّة اخرى من جراء استخدمها كأداة بشعة بيد العاملين في الحقل الفلسفي الوضعي والسياسي البراغماتي .
إذ اؤمن تماما بقدرة العقل البشري على تحديد مصيره نظرا لعدم قصوره وامكاناته اللا محدودة ، فأني اقف متسائلا عن جدوى التسليم المطلق بالفرضيات العلمية على حد سواء كما التسليم المطلق بالفرضيات المقدسة!
انا ادعو الى فحص ومعاينة المطلق والنسبي على قاعدة الامكانات الفعلية للعقل البشري ، وليس على قدرة المؤثرات الخارجية للنفاذ والتأثير الذي يصل الى مرحلة التخدير .
إن الاستغلال البشع لهذه الفرضية هو من قاد رجال الاكليروس لمحاربتها من جهة ، ومن رجال الفلسفة والسياسة وعلم النفس والاجتماع لاحتضانها للتبشير بنظرية الانسان السوبرمان والاجناس النقية ، وهذا ما ترك ظلاله باقيه الى يومنا هذا للتميز بين البشر ، وهو في تقديري ليس ذنب دارون ولا ذنب العلم .. انما هو جناية مشتركة لمستخدمي هذا السلاح الخطير في مسيرة البشرية وتطورها .
انا ارى ان المشكلة لا تنحصر في مسيرة الانسان التطورية في الشكل الخارجي بقدر ما تنحصر في التطور العقلي للكائن البشري ! ماهي نظرته للعالم، و كيف يرى العلاقة بينه وبين جنسه ، كيف ينتصب العقل البشري وينتصر على احلال الفراغات و" الحلقات المفقودة" حقا بينه وبين بني جنسه، الذي نشهد هذه الحلقات الرهيبة الفارغة بين البشرية جمعاء.
ليس الصراع الآن بين الله والانسان، ولا السؤال عاد مجددا عن موت الله من أجندات البشرية . البشرية تسير الى البحث عن رشدها وعن اكتمالها الانساني والعقلي ، ولابد ان تتضافر كل الجهود البشرية لانجاز هذا الحلم .
..................

خاتمة
لايمكن اشاعة فرضية علمية ومعاملتها كمطلق لا يناقش ومعطى بديهي مقدس ، لان بهذا الفهم رجعنا الى مطلق المقدس والمقاييس اللاهوتية القطعية ، ففرضية دارون قابلة لان تكون فرضية علمية في حقلها ولها ما لها وعليها ماعليها ، دون الانحدار الى البحث عن نتائج غائية محددة واستثمارها ايديولوجيا للانتقام من عقائد انسانية قارّة . الفرضية بجزئية اصل الانسان لم تتحدى الرواية التوراية فقط بل تعدتها الى كل الديانات التوحيدية كالمسيحية والاسلامية ، وأظن ان شطب قناعة هؤلاء الاغلبية على كوكب الارض في نظرية الخلق يعدو تعسفا غير مجدٍ في زمن نشهد فيه انتصاب العقل البشري وتفتحه عبر مساءلة كل شيء حتى في أدق المقدسات ومراجعة الكتب المقدسة واعادة قراءتها بنظرة نقدية فاحصة . لذا انا ادعوا الى الاستفادة القصوى من كل الفرضيات والنظريات العلمية دون الاخذ بها لتصبح أداة مسيسة لاغراض لا تخدم الانسانية عموما ، وهو ما حصل من ظلم وجور لدارون من قبل الكنسية الكاثوليكية واعادة الاعتبار له مؤخرا ، او كما يحصل الآن في أمريكا و معظم الدول الاوربية وبعض البلدان العربية من حجب كلي لقصة الخلق الالهية كما وردت في التوراة وعضدتها الكتب المسيحية والاسلامية .. انا ادعوا الى السماح بدراسة الفرضيتين على حد سواء ليسهما فعلا في انتصاب العقل البشري بشكل سليم من خلال المقارنة والبحث والتدقيق العلمي الموضوعي دون التسليم العشوائي أو التعصب الاعمى لهذه الفرضية او تلك ، وذلك لخلق جيل إنساني متسلح بأساس متين من المعرفة ذات الابعاد المتعددة وصولا الى العقل البشري المتفتح نحو تقبّل الآخر عبر الحوار والحجة والمنطق والبرهان .ليكون الانسان اجمل وانبل ، فما خلقه العلم لا يناقض سعادة الكائن البشرية ، وما الدين الا طريق خاص للعلاقة مع الله لا يكمن ان يكون بديلا عن العلم والفلسفة والأدب والفن والتاريخ والجغرافيا وان اشتملت بعض الكتب المقدسة عن بعض هذه الحقول ولكن مجال الدين يبقى الطريق الروحي الذي يختاره الانسان للعلاقة مع ربه فقط ، غير هذا سيكون الدين هو الآخر محملّ بغايات خارج حقله . نحن بصدد انتصاب العقل البشري وليس جسده ، المهم الان ليس من كان جده قردا يحبو وينط ، أو من كان جده كامل الانسانية .. ليس المهم جدا ان ينتصب العمود الفقري لحاجة مادية وفق مبدأ " الحاجة أمُّ الاختراع" !.
ليس عدلا تماما أن نضع العقل البشري في ربقة معرفة واحدة ، كما يحصل في بعض البلدان من تحريم تدريس نظرية الخلق التوراتية او تحريم الفرضية الدارونية .
العدل التام ان نضع العقل الانساني في سياقه الصحيح واعطائه الفرصة كاملة للتزود من كل المعارف والنظريات .
هي دعوة لانتصاب العقل البشري . لاسيما وأننا على اعتاب مرحلة قادمة ستشهد فك

شفرات الخارطة الجينية للانسان والتي ستكون خطوة حاسمة في هذا الاتجاه "



#وديع_شامخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتنبي... الشارع والشاعر والذاكرة
- بدر شاكر السيّاب .. هل مات حقا ؟؟
- خبر صدور المجموعة الثالثة للشاعر العراقي وديع شامخ - مايقوله ...
- الرقابة.. نتاج الجلاد أم مرض الضحية ؟
- الرجل الأسود في البيت الابيض
- وطن أم حلم .. منفى أم منأى ؟
- عسل السماء وزرّقة الفلاسفة
- المسيحيون والإشارات الإلهية
- ما يقوله التاج للهدهد
- شعراء الحروب
- محمود درويش .. ضوء أدونيس .. ودرس الموت
- شعراء أم جلادون ..؟حبال صوتية .. أم أعواد مشانق؟
- ماخُرم من اللوح
- حوار مع الناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي
- أيامي تسير أيضا
- المكتبة.... خزانة الألم والمعرفة
- صالح المطلك العروبي ومنظمة خلق الصفوية
- محمد غني حكمت وغياب الحكمة !!
- حوار مع الكاتبة العراقية لطفية الدليمي
- قراءة لقصيدة- جاؤوا من تخوم الكلام- للشاعر وديع شامخ


المزيد.....




- من يحدد أسعار الأدوية؟
- ضربته كرة بيسبول فتوقّف قلبه.. كيف أنقذ أحد المدربين حياة صب ...
- عدة مخابز تستأنف عملها في مدينة غزة بمساعدة برنامج الغذاء ال ...
- ما هي فوائد الزعفران وأبرز خصائصه العلاجية؟
- نزل تردد قناة الرشيد الفضائية الجديد 2024 على الأقمار الصناع ...
- اكتشاف ظاهرة تشبه هالة ضوئية على كوكب خارج نظامنا الشمسي لأو ...
- اكتشاف مستعمرة من البكتيريا المتحورة شديدة العدوى على متن مح ...
- خطوات تحميل لعبة دريم ليج Dream League Soccer 2024 للهواتف ا ...
- أبرز الميزات في نظام -أندرويد- الجديد
- الموناليزا تغني الراب! .. -مايكروسوفت- تطور نموذج ذكاء اصطنا ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - وديع شامخ - الدارونية وانتصاب العقل الانساني