أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناجح شاهين - أولاد آرنا














المزيد.....

أولاد آرنا


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 800 - 2004 / 4 / 10 - 11:25
المحور: القضية الفلسطينية
    


لم أستطع تجنب الانطباع الأولي أنني أمام "فيلم " تطبيعي ممول، وقديماً قال أهلنا أن أولاد الحرام لم يتركوا لأولاد الحلال شيئاً. في البداية جلست أرقب في حذر وترقب " أرنا " وهي تحاول أن تؤسس نشاطات للأطفال، بيوت أطفال ومسرح، وفرقة إنشاد..الخ كنت أظن أن المقصود هو حرف الشبان عن اتجاههم الصحيح، حتى أنني نسيت أن الوقت كان وقت أسلو وما تلاه. وهي فترة -بدرجة ما- شهدت حداً من التهدئة. بعد قليل شاهدت " آرنا " وهي تقود المظاهرات ضد جيش الاحتلال وهي مصابة بالسرطان. وكما ولا بد أن المرء يقدر في مثل هذه الأحوال، فإن المرض في ذاته، " المرض الخبيث " ما غيره، يجعل نكهة الفعل الإنساني أكثر صدقية. باختصار يضفي على نشاط الإنسان بعداً تراجيدياً يذكر بكل بهاء البطولة الإنسانية، فنتذكر على الفور: الإنسان قد يدمر ولكنه غير قابل لأن يهزم.
دخلت " آرنا " عالما جديداً بالتحاقها المبكر بالحزب الشيوعي، وتعرفت على زوجها الفلسطيني الذي كان بحسب ما نقله عنها ابنها المخرج جوليانو خميس طويلا وأسمر، ولهذا أحبته. هكذا ببساطة يتجسد الفعل الإنساني وهو على حواف التلقائية والجرأة والجنون والخلو من العقد، كل ذلك جميعاً.
الأطفال يقدمون أنفسهم كما ينبغي للأطفال في بساطة تامة. ويتحدثون بشكل منفتح على كل الآفاق. لكنني كنت أتحسب الأسوأ. وقد تعودنا نحن عائلة المتشائل ومنذ زمن بعيد على توقع المصائب حتى عندما نضحك، فإننا نقول اللهم اكفنا شر هذا الضحك ولا بد أن نتوجس خيفة في زمن العولمة الأمريكية وتمويلها الهائل لكل برامج الطفولة والمرأة وحقوق الإنسان حتى أفرغوا الكلمات المذكورة من وقعها وجرسها الموسيقي والمعنوي على السواء.
لكن اتضح أن الأطفال لم يطلب منهم أية نشاطات تطبيعية. ويبدو أن المشروع برمته كان من أجل تحقيق الرضا الذاتي وتطبيق رؤية شخصية في الحياة كشكل من أشكال " شراء " المعنى في زمن مراوغته وتعاليه على اليومي والعادي.
كنت ما زلت غارقاً على عادتي في متاهة تحليل المغازي –خصوصاً الأيديولوجية منها- والمرامي البعيدة للعمل المعطى. وهي عملية تنجح غالبا في حجب العمل عن عيوني المنهمكة بالنقد والبحث عن "الدسائس والمؤامرات" التي يحتويها النص عندما أفقت على صوت (المخرج؟) يخبرني بأن علاء –أحد أطفال مسرح آرنا- قد تحول إلى عنصر مقاومة في أحداث نيسان 2002 واستشهد.
في تلك اللحظة وبعدها بقليل شاهدت الفتيان الصغار ينتقلون من طفولة وبراءة عام 1992 وأحلام الدولة إلى صلابة وقسوة الشباب تحت وقع المركيفا والطائرات المروحية الأمريكية الصنع، والجرافات العملاقة تحيل المخيم التعس أثراً بعد عين. أدركت فجأة أن صدفة رائعة فنياً وإن تكن حزينة إلى حد يفطر القلب في المستوى الإنساني، قد أتاحت الفرصة لمخرج لماح وشغيل لكي يلتقط في أناة ودقة تفاصيل حياة أطفال على ثلاث مراحل: من الطفولة إلى الطفولة المتوسطة ثم إلى مطلع الشباب والاستشهاد. لو أراد المرء أن يخطط الأمر على هذا النحو الدقيق ربما ما كان سينجح في ذلك، لكنه هكذا تم.
جمالية اللعبة السينمائية في " أولاد آرنا" تتجلى في نجاحها في تحويل الوقائعي والوثائقي والتسجيلي إلى روائي وتراجيدي على الرغم مما قد يوحي به هذا القول من تناقض. يلتقط العمل بروعة قل مثيلها الأطفال والكبار في خصوصياتهم وتفاصيلهم الأساس في مخيم قدر له أن يكون مخيم الصمود والمقاومة. كيف ينجح الفيلم في تقديم لوحة للاشتباك مع الغيب-المستقبل الذي ما كان بالإمكان الإمساك بتلابيبه على هذا النحو لولا صدفة فنية رائعة وعملاقة. ربما أننا جميعاً نعلم أن القسوة الاجتماعية تولد العنف، ربما أننا ندرك من خلال الأدبيات الاشتراكية – وحتى أدبيات علم الاجتماع أن الإنسان من صناعة بيئته وخبرته الحياتية المجتمعية- لكننا هنا نواجه النظرية حية وموثقة في قالب سينمائي مدهش: يجلس علاء أمام منزل أسرته المهدم، طفل في السادسة أو السابعة من العمر يبدو عليه سيماء البلادة وفقدان الاتجاه. هناك مسحة عدم تركيز وأخرى توحي بالضياع، يحك يديه المتسختين ولا ينظر للكاميرا، ربما أنه خجل من أن تضبطه الكاميرا متلبسا بكل عيوبه وأخطائه. بعد ذلك نشاهد نفس الطفل وقد كبر قليلا ربما عام 95 أو 97 لا أستطيع أن أجزم كان يشارك في تمثيل مسرحية تحت إشراف جوليانو ابن آرنا. وفي هذه المسرحية يكون المطلوب إحضار الشمس، ويقوم الطفل بدوره بثقة وبشكل جميل. أما في سنة 2002 فقد ذهب حلم الطفولة إلى الأبد ولم يعد هناك منزل مهدم وذباب، كما اختفى المسرح والشمس اختفت معه. كان شارون قد اجتاح المخيم، وقد اضطر علاء مع عدد من المقاتلين الذي نجوا من الموت إلى المغادرة والاختفاء. لقد دخل في طور المطاردة. كان مطلوباً ولذلك عليه أن يستسلم. أمه قالت أن الموت أفضل من ذل الإستسلام لكن الذي يقطع نياط القلب هو رد الشاب اليافع علاء وهو يحتضن بندقيته؛ رد بضحكة مجلجلة بأنه لا يمكن أن يلقى عليه القبض أبداً: "وماذا أستفيد إن ألقي على القبض، لا يا عم أنا أختار القبر فهو أرحم."
بعد أسابيع سوف تقدم لنا كاميرا جوليانو فيما تقدم علاء شهيداً محروقاً ويصعب التعرف عليه، لينضم لعدد من أولاد آرنا الذين سبقوه إلى الشهادة. لا جرم، ربما أن ثقافة العولمة لا تبقي مكاناً لأصوات الفقراء من معذبي الأرض. لكن ذلك لا يمنع أن هناك بقية باقية من الحس الإنساني الذي لا يمكن للآلة العولمية الجهنمية أن تستأصله. وبالنسبة لهذه البقية الباقية من الكائنات الإنسانية التي تحس يمكن أن يكون الفيلم مدخلاً مذهلاً للتعرف على قصة "الكارثة والبطولة" التي يسجلها الفلسطينيون على هذه الأرض. وقد وفق جوليانو إلى أن تكون الصفحة التي افتتحها من كتاب الألم الفلسطيني أشدها في الحزن، وأبهاها في الشجاعة والإقدام والبطولة.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة إنسان في المطلق لا في النسبي
- لماذا لا نغلق المدارس والجامعات؟
- أغنية - الكليب - وحقوق الإنسان
- حول الفرق بين الإرهاب والمقاومة إلى إبراهيم وبقية الضحايا
- حقوق الإنسان لا تكون إلا اشتراكية
- العقيد القذافي
- في فلسطين شهادة عليا لكل أسرة نظرة إلى التعليم ما بعد أسلو
- الليل وآخره
- العولمة، المتوسطية، والشرق أوسطية
- رحلة البحث عن المعنى
- حساب الأجيال
- تصفية المقاومة غايتها الأسمى: قراءة في النص الرسمي لخريطة ال ...
- الجماهير هي الخندق الوحيد الجماهير هي الخندق الأخير
- أمريكا تواصل حروبها التحريرية
- وأخيراً: أمريكا لا تمثل المسيحية
- تطويع المنطق في خدمة - عملية نهب العراق
- من يوقف هتلر الجديد؟
- الميلودراما العراقية الفلسطينية
- السيرك العربي وخروف العيد العراقي
- حقوق الإنسان بين الخصوصية والعالمية


المزيد.....




- بلافتة تحمل اسم الطفلة هند.. شاهد كيف اخترق طلاب مبنى بجامعة ...
- تركي يطعن شرطيًا إسرائيليًا في البلدة القديمة بالقدس.. وتركي ...
- مراسلتنا في لبنان: قتلى وجرحى جراء انفجار في مطعم بالعاصمة ب ...
- -فتح- و-حماس- تصدران بيانا مشتركا
- ترامب: إذا عدت إلى البيت الأبيض فسوف أحاول مساعدة أوكرانيا و ...
- بوغدانوف يؤكد على ضرورة حل الأزمة السودانية داخليا دون تدخل ...
- تحقيق بي بي سي: وثيقة سرية تقول إن قوات الأمن الإيرانية تحرش ...
- العدل الدولية ترفض اتخاذ إجراءات عاجلة في دعوى نيكاراغوا ضد ...
- بالفيديو.. مهرجان البالونات الطائرة في بيرسلافل-زالسكي الرو ...
- العدل الدولية ترفض اتخاذ إجراءات عاجلة ضد ألمانيا في دعوى رف ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناجح شاهين - أولاد آرنا