أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكية خيرهم الشنقيطي - اما الكل وإما فلا















المزيد.....

اما الكل وإما فلا


زكية خيرهم الشنقيطي

الحوار المتمدن-العدد: 2611 - 2009 / 4 / 9 - 04:54
المحور: الادب والفن
    


كتاب سيصدر هذه السنة بدار الكرمل
للأطفال من سن العاشرة

ستاين أيريك لوند
سيرة ذاتية حول
هنريك ابسن

نص يتحدث عن حلم

"أثناء المشي فوق الجبال، مأخوذين بالدهشة، مرتبكين ومتعبين من سواد الليل. مثل يعقوب في الزمن السالف. هيأنا أنفسنا للاستراحة بوضع الاحجار تحت رؤوسنا. نام رفاقي باكرا أما أنا فلم أستطع النوم. أخيرا انتصر علي التعب فوقف علي ملاك في الحلم وقال: انهض واتبعني! سألته، إلى أين ستقودني في هذا الظلام؟ ردّد: تعال._ أمنحك رؤية تجعلك ترى حياة الناس على حقيقتها وواقعها. فتبعته والخوف يتملكني. وصرخة أيقظتني _ رطوبة نسيم الليل البارد...!" وتدنينا بخطوات ضخمة، إلى أن انحنت الجبال فوقنا، على شكل قوس ضخم وهناك في الاسفل مدينة الاشباح بكل أمواتها، ومسارات وعلامات لبؤس رهيب . عالم بأكمله غرق تحت قوة الموت، مخلوقات شاحبة تطفئ البهجة. وفوق هذا كله، بزوغ ضوء ضعيف كئيب قابض للصدر كجدار الكنيسة. والصليب المصبوغ بالأبيض مرميا فوق المقبرة ، حيث النور أكثر وضوحا ويمكن معاينة تلك الهياكل العظمية الناصعة البياض، في طوابير لا نهاية لها يملؤون غرفة داكنة. شعرت ببرودة تسري في جسدي من الخوف، والملاك بجانبي يقول:" انظر إلى الفساد" حينها جاء طنين خفيف مثل بداية عاصفة، ليتعاظم ذلك الصوت لألف الاضعاف من أنين وتأوه ويتصاعد إلى عاصفة رهيبة ، هكذا يتحرك الاموات ويمدون أيديهم نحوي ... وصرخة أيقظتني من نومي ... وأنا مبلل بنسيم الليل البارد...!"
نص يختلف في التصوير والاسلوب، يختلف عن اسلوب الاطفال في الصف، بل الموضوع الذي وصفه كان يحمل معنى وتصويرا غالبا ما يقدمه أنسان راشد في السن. عندما قرأه ابسن بصوت عال في الصف، اتهمه الاستاذ ( ستوكفليث ) بنقل النص من كتاب. شعر هنريك بجرح وغضب لذلك الاتهام فأصبح على خلاف مع استاذه. طفل مراهق يسكنه كاتب عملاق سيخرج يوما إلى النور. كان ابسن وهو في سن المراهقة يختلف عن من في سنه، حيث قراءة الكتب هي ملاذه، حياته وسعادته.

ولد ابسن في مدينة تجارتها متوسطة الحجم والموارد، وحركة الشحن البحري متوفرة، تصدّر الأخشاب خارج المدينة وبضائع أخرى تستورد، وفي النهار يسمع طنين المنشار في كل أنحاء المنطقة. على الجانب الآخر من الطريق حيث كانت تعيش العائلة، كان هناك سجن ومن خلال قضبان النوافد كان هنريك يستطيع رؤية السجناء والمرضى. في ساحة السوق تتواجد المشهّرة، وهي آلة خشبية للتعذيب تدخل فيها يد المجرم ورأسه ابتغاء التشهير به أو تعذيبه. ورغم أنها لم تعد تستعمل حين كان هنريك في سن الطفولة إلا أنها تركت انطباعا في نفسه.
من الثراء الى الفقر
كانت عائلة ابسن ثرية جدا. الأب يدير ما يسمى بالبيع بالتجزئة أو القطاعي. يبيع أي شيء. من (بوردو) كان يستورد البراندي، النبيد الأحمر والأبيض. ومن لندن كان يستورد الصوف ، الخيط والأثواب الصوفية. ومن (ألطونا) كان يستورد المواد الصوفية وخام (قماش)الكنفا.
في ذلك الوقت كان والدا هنريك (كنود) و(ماريشن) يقيمان حفلات ويدعون أغنياء (سكيين). الضيوف يأتون على عربات الأحصنة بلباسهم الأنيق ويكرمون بأفضل الطعام والشراب التي يوزعها خدم البيت. يجلسون حول مائدة مزينة وبعد العشاء يلقى خطاب على شرف الضيوف ثم يليها تدخين السجار وشراب الشامبانيا. كان ابسن رجلا مرموقا، السكان يلقون عليه التحية عندما يمر سويا مع زوجته والابن الصغيرهنريك في شوارع المدينة. ومن غير شك أن الابن لاحظ أن السكان كانوا يسلمون على الأب باحترام. الرجال يرفعون قبعاتهم ويومئون برؤوسهم حينما كانت النساء ترفع المظلة الشمسية ويومئن برؤوسهن أو ربما ينحنين أيضا.

لكن مشاركة عائلة ابسن في الحياة الاجتماعية في مدينة سكيين انتهت. عندما كان هنريك في سن السابعة من عمره، اضطر والده التوقف عن ممارسة التجارة وذلك لاسباب عديدة. كل ما كان يمتلكونه بيع في المزاد. وكان على كنود ابسن أن يسدد ما تبقى من الدين طيلة حياته. الانهيار الاقتصادي حصل بسرعة فكان على العائلة أن تبيع بيتها في المدينة وترحل إلى الريف. إلى ( فنستوب) في( يربين )خارج ( سكيين). مزرعة كانت العائلة في الماضي تستعملها كمنزل صيفي. رحلوا ممتطين عربة يجرها حصان والتاريخ يقول أن سكان المدينة كانوا يقذفون العائلة بكلمات بذيئة حين مغادرتهم المدينة. لاشك في أن ذلك أحدث أثرا في حياة ابسن...

في (فينستوب) كان هنريك يقضي معظم الوقت في البيت. شقيقته هيدفيج تتذكر تلك الفترة وتتحدث عن أخيها الكبير. تقول: "مازلت أتذكر تلك الكتب المغلفة بالجلد البني، والتي لا أستطيع استيعابه هو كيف حصل عليها. كما أنني في ذلك الوقت لم أكن أفهم ، لماذا تستهويه تلك الكتب بعمق وتجعله لا يستطيع أن يرى شيئا غيرها. ليس فقط في فصل الصيف بل حتى في فصل ذلك البرد القارس. كان يحب فقط أن يختلي بنفسه. بالنسبة لنا نحن لم يكن طفلا لطيفا، وكنا نعمل المستحيل لازعاجه برشق الحجارة والكرات الثلجية على الجدران والباب. نريده أن يلعب معنا وعندما لم يعد يحتمل هجومنا عليه ، يهرول خارجا ونلحق به. لم يكن جيدا في أي نوع من أنواع الرياضة ، والعنف بعيد جدا عن سلوكه، لم يكن شيئا أكثر من ذلك. رجع إلى كتبه عندما استطاع أن يبعدنا عنه."

ما وراء البحر

لا يهم من أين أنت قادم، ما يهم هو إلى أين أنت ذاهب. براين تريسي

بعد التعميد سيترك هنريك الأهل ويغادر. طفل في الخامسة عشر من العمر، يسافر لأول مرة ، وحده مبحرا سبعة ايام بين سكيين وغريمستاد. نتخيله واقفا على ظهر المركب وينظر إلى ما وراء البحر. الطقس بارد لكن في الأسفل من المركب ضيق وازدحام، فلا جدوى بالنسبة له في المكوث هناك. إذا على ظهر المركب كان يقف.
(لوكنس بروفا)، مركب شراعي وحيد الصاري، صغير نسبيا لنقل البضائع والأشخاص بين المدن الصغيرة في تليمارك وأكدر. لم تكن هناك حجرات في المركب، وذلك العدد القليل من الركاب عليهم أن يجدوا بأنفسهم زاوية للنوم.
إنه شهر نوفمبر وربما الثلوج تتساقط. هنريك يشعر بالبرد وما كان يرتديه سوى تلك البدلة التي تعمد فيها.
لنفترض أنه كان واقف على ظهر السفينة طوال الليل، والظلام يعم المكان، رغم المركب يبحر قريبا من الساحل. لم يكن هناك انوار بالليل في النرويج آنذاك. إذا هنريك كان واقفا يحدق في الظلام.
يتأمل أن "لوكنس بروفا" ( والتي تعني باللغة العربية تجربة الحظ) الإسم الصحيح لذلك المركب الذي كان يسافر عليه. حسب رأيه أن المركب يبحر ليجرب الحظ. كإسبن أسكلاد آخر. سمع أن هناك أناس يسافرون بعيدا إلى أمريكا للبحث عن الحظ. ربما كان يفكر في غريمستاد وكأنها أمريكا الصغيرة. أو أمريكا الخاصة به. رغم أن غريمستاد مدينة صغيرة حجمها لا يتعدى ثلث مساحة سكيين.
علاوة على ذلك هناك الكثير ينتظره في تلك المدينة الجديدة وهو في تلك اللحظة لا يعرف أنه سيكون أبا لطفل بعد سنوات من مكوثه هناك.

الايمان والعزم والاصرار والتنفيد سر النجاح

هل ابسن كان يفكر أنه سيكون يوما أحد أشهر كتاب العالم؟ في سن الطفولة كان ابسن منطو على نفسه ويجلس كثيرا لوحده، وكانت له أحلام المستقبل والتي أغلب الظن لم يخبر أحد بها.
هناك من يعتقد أن الكلمات الأولى التي انطلق بها ابسن في كتابه الأول، كانت حول شخصيته: " لابد لي! لابد لي، يأمرني صوت في اعماق الروح، _ وعلي أن أتبعه." الشخصية الرئيسية كاتالينا التي كانت تتحدث، وابسن وحده هو الذي يعرف ان كان يفكر في نفسه وفي ممارسة الكتابة كنداء حين كتب هذه السطور، أو أنه لم يكن يعرف؟ ولكن ربما كانت تلك الكلمات عنه على أي حال، حتى لو أنه لا يعرف ذلك. لأنه في أغلب الحالات أن الكتاب لا يعرفون لماذا يكتبون ما يكتبون.

النجاح ليس له نهاية والفشل ليس ابديا

شاب في العشرينيات، وحيد في فقره يجلس تحت وهج ضوء الشمعة ويكتب بقلم يغمسه في الحبر الذي على المائدة بين الحين والآخر. بالطبع يعرف أنه سيكون في قمة التعب عندما سيعمل في الصيدلية اليوم التالي. كما أنه كان حريصا على القيام بعمله جيدا في الصيدلية التي كان يعمل فيها، ربما من حين إلى آخر يبعثه مسؤوله إلى رحلة مجاورة لجمع الأعشاب لخلط الأدوية.
ومع ذلك لاشيء يعيقه عن الكتابة. الأشخاص التي يكتب عنها تكون حية هناك حيث كان يجلس في الظلام. أشخاص مفعمة بالحياة. يقفون أمامه ويتحدثون إليه، في حين مدينة غريمستاد ميتة وهادئة. ربما هو الوحيد في المدينة الذي لا ينام. لاشك أنه كانت لديه ارادة حديدية وثقة قوية بموهبته في ذلك الوقت.

حلم يتحقق

اصدقاء تميزهم افعالهم لا اقوالهم

كتب ابسن كاتالينا بسرعة كادت أن تكون غير مقروءة. (كرستوفر ديو) ، صديق هنريك كان لابد أن ينقل المخطوطة من جديد، و(أولا شيلرود ) أخذ المخطوطة معه إلى مسرح كريستيانيا ليجعلها في القائمة. لكن المسرح لم يكن ليقبلها. بعد ذلك ذهب صديقه (شوليرود) إلى المدينة، جال بين المكتبات محاولا أن تصدر المسرحية على شكل كتاب. باءت أيضا بالفشل فاضطر (شوليرود) أن يطبع المسرحية على نفقته، ليخرج المخطوطة إلى النور.
ما أروع الصديقين اللذين كانا لدى ابسن! لم يعرفا أنهما كانا يقدمان خدمة للأدب في العالم لا يقدر بثمن. لولا (كريستوفر ديو) و(أولا شوليرود) لكان من الصعب أن تصدر المخطوطة على شكل كتاب. لو لم تصدر كاتالينا على شكل كتاب، لظل ابسن يعيش حياته تلك.


www.zakianna.se
[email protected]
كاتبة مقيمة في النرويج



#زكية_خيرهم_الشنقيطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وردة غير كل الورود
- مظاهرات للتضامن أم فوضى للاستنكار
- أمل
- قصة فصيرة
- كنوت سيرجع
- ثقافات بدون حدود
- الروائية النرويجية سيغريد أوندست
- مغربية في لبنان
- كريستيانيا
- بكاء ملك
- ثالثة الثلاثية الشعرية


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكية خيرهم الشنقيطي - اما الكل وإما فلا