أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - طارق حجي - طارق حجي : من المؤلفات الأولي : الإقتصاد الماركسي .















المزيد.....



طارق حجي : من المؤلفات الأولي : الإقتصاد الماركسي .


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 2607 - 2009 / 4 / 5 - 10:10
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حاشية : تفضل الأستاذ رزكار عقراوي (الرجل الذى يقف وراء قصة النجاح الكبري المعروفة بإسم "الحوار المتمدن" ) وطلب مني موافاة الموقع ببعض كتاباتي إبان ترحالي الحالي بين ثلاث قارات . وإستجابة مني لهذا الطلب الكريم من شخص تدين له الحياة الثقافية المعاصرة فى منطقتنا الشرق أوسطية / العربية بالكثير من العرفان والإمتنان ؛ فإنني أنشر اليوم مقالا مطولا من كتابات عشرينيات العمر ؛ دون أن أكون فى موقع أو موقف المتمسك بكل ما فيه ؛ فما أكثر الآراء التى يؤمن بها المثقف فى مرحلة ؛ ثم يبتعد عنها بعد سنوات ؛ من جهة عملا بالمبدئين الهيغيليين (كل شيء يتطور) و (كل شيء يلد نقيضه) ... وعملا بمقولة فولتير البديعة (الحمار فقط لا يغير آراءه) ... مع عظيم تقديري وإحترامي لهذا الموقع (قائدا وفريق عمل وقراءا وقارئات)... طارق حجي



الإقتصاد الماركسى

بين النظرية والواقع



رغم أن « الماركسية » فلسفة قبل أن تكون أى شئ آخر، مكانهاالطبيعى هو على
اليسار قليلاً من فلسفة «فويرباخ» و«باور» و«شتراوس» والتى يطلق عليها فلسفة الجناح الهيجلى اليسارى أو فلسفة الشبان الهيجليين ؛ فإن «كارل ماركس» و الماركسيين من
بعده ـ فى كل مكان ـ يحاولون أن يعمقوا الاقتناع عند الجميع بأن مذهب ماركس
مذهب اقتصادى فى المقام الأول .

وقد بدأ «كارل ماركس» نفسه هذا الاتجاه عندما أضفى هالة كبيرة على جهوده
التى بذلها فى وضع كتابه (رأس المال) ، وعندما اعتبر كتابه هذا بمثابة حجر الزاوية
فى مذهبه برمته .

ومن الميسور للغاية لدارسى الماركسية أن يفهموا سر هذا الإصرار الماركسى ،
فمذهب ماركس الاقتصادى هو أقوى البارهين وأدمغ الأدلة على صحة مذهبه
الفلسفى والسياسى والاجتماعى والأممى ؛ إذ أن فلسفة ماركس تقوم على فكرة أن
يلعب «الاقتصاد» فيها الدور الأول والأكبر والأكثر فعالية .

فمادية «فويرباخ» ورفاقه أخذت على يد «كارل ماركس» طابعاً اقتصادياً صرفاً :
فالنظام السياسى والعادات ونظم الأخلاق والمجتمع والفكر والأدب والفنون والدين
والقوانين، كل ذلك ـ عند ماركس وفى فلسفته التى هى أساس الفكر الماركسى
برمته ـ عبارة عن أمور غير ذات وجود مطلق أو مستقل، ولكنها نتائج وترجمات
وانعكاسات لأرضية «مادية / اقتصادية» معنية هى «قوى الإنتاج» الموجودة والمتوافرة
والمتاحة فى زمن من الأزمنة.

والأساس المادى لكل مظاهر الحياة الإنسانية عند ماركس هو أساس اقتصادى ذو
شقين أساسيين هما: «قوى الإنتاج» و«علاقات الإنتاج»؛ وهذه الأخيرة هى انعكاس مباشر للأولى وبناء على قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج فى زمن من الأزمنة يترتب نظام
سياسى واجتماعى وأخلاقى وقانونى معين وتوجد فنون وآداب وديانة معينة، ويطلق
«كارل ماركس» على هذه الأمور أو الأشياء التى تترتب على قوى وعلاقات الإنتاج
تسمية «البناء العلوى» أو «النباء الفوقى»، بينما يطلق على قوى وعلاقات الإنتاج ـ
معاً ـ تسمية «البناء التحتى» أو «البناء الأساسى» . وفى بعض الترجمات العربية تحل
كلمة «التكوينات» محل كلمة «البناء» فى المصطلحين الآنف ذكرهما.

وعندما يصرف الإنسان سنوات من حياته فى مطالعة مئات الدراسات والمراجع
والبحوث عن الماركسية ـ نظرياً وتطبيقاً ـ فإن لا محالة ينتهى إلى التسليم بأن هذه
«الفكرة» المشروحة بشكل مبسط آنفاً والتى هى جوهر «المادية التاريخية»، وإنما هى
أساس المذهب الماركسى برمته، وإن كان كارل ماركس قد أخرج منها سائر جوانب
مذهب بعد ذلك .

ففكرة الصراع الطبقى : والتى هى وقود النضال البروليتارى الذى يذكى النار فى
روح البروليتاريا دافعاً إياها للنضال من أجل إسقاط الحقبة الرأسمالية تاريخياً، قد بنيت
بشكل كامل على نظرية المادية التاريخية ـ والتى تعتبر فكرتا البناء التحتى والعلوى
دعامتها الأساسية ـ فتناقض المصالح بين «البروليتاريا» و«الرأسمالية»، والعداء الذى
ينمو ويتزايد بينهما، إنما يرجعه لطبيعة علاقات الإنتاج السائدة فى الطور الرأسمالى ؛
بمعنى أن «الاستغلال» وهو ـ فى نظر ماركس ـ الطابع الأساسى للعلاقة بين
الرأسماليين والبروليتاريا هو المصدر الذى ينبع منه الصراع الطبقى.

ونظرية التحول الدموى من الرأسمالية للاشتراكية عن طريق العمل الثورى العنيف
والذى أسهب إنجلز فى تأصيله وتدعيمه فى كتابه (العنف الثورى) ذلك العنف المسلح الذى يقول عنه «ماوتسى تونج» فى كتابه (قضايا الحرب والاستراتيجية) سنة
1938 إنه الطريق الأوحد ليس أمام البروليتاريا الصينية فحسب، بل وأمام البروليتاريا فى
كل أرجاء العالم لتحقيق هدفها من وراء الثورة (1) ؛ هذه النظرية مبنية ومؤسسة ومنبثقة
عن «المادية التاريخية» وعن «نظرية الصراع الطبقى»: فتناقض مصالح الرأسمالية
والبروليتاريا يحتم الصراع بينهما ويحتم أن تتمسك الرأسمالية بوضعها وامتيازاتها فوق
البروليتاريا، فلا تجد البروليتاريا مخرجاً ـ مع نموها الكمى والكيفى ومع تعاظم قوتها
وبلوغ شعورها بالصراع الطبقى ذروته ـ إلا بالثورة الدموية التى تحطم بها أغلالها.
وهى ـ أى البروليتاريا ـ إذ تفعل ذلك فإنها تحطم أيضاً طوراً كاملاً من أطوار «المادية
التاريخية» و«الاقتصاد السياسى»، هو الطور الرأسمالى.

ونظرية ديكتاتورية البرولتاريا التى هى بمثابة العمود الفقرى للنظرية السياسية
الماركسية خلال مرحلة الانتقال من الرأسمالية للشيوعية؛ هى نظرية مبنية ومؤسسة
بالكامل على فكرة «المادية التاريخية» وعلى فكرتى «الصراع الطبقى» و«العنف
الثورى»(2) .

ونظريات الماركسية عن الملكية الخاصة والأسرة والدولة والاجتماع والقوانين،
كلها نظريات ولدت على أساس من فكرة المادية التاريخية.

ورغم هذا الوضوح، فإن الماركسيين يأبون اعتبار مذهبهم مذهباً فلسفياً فى المقام
الأول، ويصرون على اعتباره مذهباً اقتصادياً. لماذا ؟ الجواب يستقى من تاريخ «كارل
ماركس» ذاته. فمن المعلوم أن ماركس كان يعتبر كل الفلسفة قبله «غير علمية»،
ويتضح هذا بوضوح من مطالعة كتاباته المبكرة وبالذات كتابه (الأيدولوجيا الألمانية)
«1845»(3) ، فمن هذه المطالعة نكتشف أن «كارل ماركس»لا يشعر بأن الفلسفة
بالشكل الذى هى عليه منذ أيام اليونان وحتى ماركس شترنر وشتراوس (من معاصريه)
هى «علم» يتحلى بصفة «العلمية» ، بل إنه يصرح فى (الأيدولوجيا الألمانية) بأنه لا
يعترف بأن لأى فرع من فروع العلوم الاجتماعية صفة العلم سوى (التاريخ)؛
وذلك ـ فقط ـ على أساس تقسيمة إلى (تاريخ الطبيعة) و(تاريخ الإنسان)، وهما ـ
على حد تعبيره فى الأيدولوجيا الألمانية ـ أمران مترابطان.

ومن كتابات كارل ماركس العديدة نكتشف أن إصراره على تعميق الشق
الاقتصادى من مذهبه هو محاولة مستميتة منه لإضافة صفة «العلمية» على مذهبه(4) .
ويبلغ هذا الشعور منتهاه عندما يحاول كارل ماركس أن يمهر كتابه (رأس المال) سنة
1867 بإهداء للعالم الأشهر تشارلز داروين، فيتملص داروين من قبول هذا الإهداء
متعللاً بعدم تعمقه فى دراسة الاقتصاد. أما فردريك إنجلز ـ والذى لمس هذا الشعور
لدى ماركس وشاركه فيه ـ فإنه عندما يقف يوم 17 مارس1883 أمام رمس رفيقه
الراحل «كارل ماركس» فى مقبرة «هاى جيت» (High Gate) بلندن، فإنه لا يجد
كلمات يطرى بها «ماركس» أكثر من تلك الكلمات التى يعلم أن ماركس ما كانت
تسره فى حياته عبارات مثلها .. وقف فردريك إنجلز يومذاك يقول :

(وكما أن داروين اكتشف قانون تطور العالم العضوى، كذلك اكتشف ماركس
قانون تطور التاريخ البشرى: وهو هذا الواقع البسيط الذى ظل محجوباً حتى الآونة
الأخيرة تحت الحجب الأيدولوجية )(5) .

ومع ذلك، فإن دارس الماركسية لا يملك إلا أن يسلم بأن مذهب كارل ماركس
(مذهب فلسفى) فى جوهره وأساسه، وأن الشق الاقتصادى من مذهب ماركس هو
إحدى تلك الأحجار العديدة التى رصها كارل ماركس بعناية فائقة فوق الأساس الأول
والأكبر والأوحد لمذهبه، وهو المادية التاريخية وبغرض خدمة هذا الأساس وتأييده.

ولا أدل على ذلك، من أن كتابات كارل ماركس الأولى، مثل (الفرق بين
فلسفة الطبيعة عند ديمقريط وفلسفة الطبيعة عند أبيقور)(6) ، ومقالات ماركس الأولى
فى صحيفة كولنيثه تسايتونج، ومخطوطاته التى كتبها سنة 1944 ، ولم تنشر إلا بعد
سنوات من موته(7)، ومثل باقى مؤلفاته الأولى:

ـ نقد فلسفة الدولة عند هجيل (1842).

ـ نقد فلسفة الحقوق(8) عند هجيل (1844).

ـ المسألة اليهودية (1844).

ـ العائلة المقدسة (1845) .

ـ الأيدولوجيا الألمانية (1845 – 1846 ).

ـ فقر الفلسفة(9) (1847).

ـ بيان الحزب الشيوعى (1848).

وقد طالعنا آثار ماركس الأولى هذه بدقة وتفحص فلم نجد أثراً واحداً للاقتصاد
الماركسى؛ فكل تلك الكتابات فلسفية وسياسية فى المقام الأول، ومعظمها نقد عنيف
لهيجل ولفويرباخ وباور وشتراوس من جهة أولى، وإرساء لمفهوم «الجدلية المادية» من
جهة ثانية.

ونحن نجد مصطلح (المادية التاريخية) وارداً ومتكرراً فى تلك الكتابات وبنفس
المفهوم الذى استقرت عليه الماركسية بعد ذلك وحتى الآن؛ بل إننا نجد فصلاً كاملاً
فى (الأيدولوجيا الألمانية) بعنوان (المادية التاريخية)؛ كما نجد تعبيرى (قوى الإنتاج)
و(علاقات الإنتاج) مستقرين فى كتابات المرحلة بشكل واضح، هو الشكل الذى
حافظ عليه ماركس هو وتلاميذه وأتباعه منذ تلك الفترة الأولى، دونما تعديل أو تبديل
أو إضافة أو تطوير.

وجدير بالذكر هنا أن بعض الدارسين الغربيين الموالين للماركسية ـ بدرجات
مختلفة ـ يؤمنون بهذا التنظير الذى فصلناه آنفاً ومؤداه أن مذهب ماركس الاقتصادى
لم يوضع إلا لتدعيم مذهبه السياسى. وأبرز مثال على ذلك هو المفكر السياسى
البريطانى «هارولد لاسكى» الذى يقول فى كتابه «الشيوعية».

(فقد تحتم على ماركس الشيوعى أن يظهر أن ثمة عداء غير قابل للمهادنة بين
السادة عامة والبروليتاريا؛ وهذا ما مكنته منه نظرية فائض القيمة).

كما يورد «هارولد لاسكى» فى نفس الفصل بنفس الكتاب قول احد
الاقتصاديين الألمان بأن نظرية فائض القيمة الماركسية ـ وهى أهم نظريات الاقتصاد
الماركسى كما سيرى القارئ فيما سيأتى من هذا الفصل ـ هى نظرية لا تكتسب
أهمية بسبب استنادها للحقائق الاقتصادية، ولكن بسبب ما تنطوى عليه من شعارات
سياسية واجتماعية.

وحتى لا نثقل علىىالقارئ بالأمثلة العديدة من كتابات تلك المرحلة، فإننا نكتفى
بفقرة واحدة قصيرة من فصل بعنوان «المادية التاريخية» من كتاب «الأيديولوجية
الألمانية»...

يقول كارل ماركس(إنتاج الحياة، الحياة الشخصية فى العمل، وحياة
الآخرين فى إنجاب الأولاد، يظهر فوراً كعلاقة ثنائية، فهى علاقة طبيعية من جهة
وعلاقة اجتماعية من جهة أخرى، وينجم عن ذلك أن أسلوب إنتاج محدد أو مستوى
صناعياً محدداً يجتمع دائماً مع أسلوب عمل جماعى محدد أو مع مستوى اجتماعى
محدد، وأن هذا الأسلوبفى العمل الجماعى هو نفسه « قوة إنتاجية» ، وكمية القوى
الإنتاجية التى هى فى متناول البشر تكيف الوضع الاجتماعى. لذا فإن « تاريخ
الإنسانية» يجب دوماً أن يدرس بالارتباط مع تاريخ الصناعة والمبادلات).

وواضح من هذه الفقرة أن مفهوم « المادية التاريخية» الذى هو ـ كما أسلفنا ـ
حجر الزاوية فى مذهب ماركس برمته، كان قد اكتمل لديه منذ تلك الفترة المبكرة
من حياته وكتاباته.

وتزخر مؤلفات ماركس خلال تلك الفترة وحتى استقراره فى لندن، بالجوهر
الفلسفى الذى يرمى إلى إرساء مفهوم المادة التاريخية ولتفسير التاريخ البشرى كله
بواسطة هذا المفهوم الذى لم يكن يحلو لماركس وإنجلز إلا وصفه بالاكتشاف.

أما كتابات ماركس الاقتصادية، فقد جاءت فى فترة لاحقة، ففيما بين أواخر
مايو و27 يونيه سنة 1865 يكتب كارل ماركس أول عمل اقتصادى ـ بالمعنى
الأكاديمى ـ فى حياته وهو كتابه «الأجور والأسعار والرباح» الذى كان فى أساسه
تقريراً تلاه ماركس فى جلسات المجلس العام للأممية الأولى فى لندن فى يونية 1865 .
وهو التقرير الذى لم ينشر فى كتاب إلا فى سنة 1898 عندما قامت «إيليونور» ابنة
كارل ماركس بنشره فى كتاب فى لندن تحت عنوان القيمة والسعر والربح، وإن كانت
اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى قد عدلت العنوان ليصبح (الجور والأسعار
والأرباح). وكما جاء فى ملاحظات معهد الماركسية اللينينية بموسكو والمنشورة فى
آخر طبعات دار التقدم بموسكو لهذا الكتاب كاملاً ضمن محتويات المجلد الثالث من
مختارات ماركس وإنجلز، فإن ماركس قد عرض للمرة الأولى فى كتابه هذا نظريته
عن القيمة الزائدة (فائض القيمة))10).

ويعتبر دارسو الاقتصاد الماركسى هذا الكتاب بمثابة أساس كتايه الكبير الذى تعود
المؤلفون وصفه بإنجيل المذهب الماركسى(11)، وهو كتاب (رأس المال) الذى نشر
ماركس المجلد الأول منه لأول مرة فى لندن سنة 1867 ، ثم قام فردريك إنجلز بجمع
الشتات الذى خلفها كارل ماركس (بعد وفاته سنة 1883) ونشره فى مجلدين تاليين
للمجلد الأول : المجلد الثانى (سنة1885) والمجلد الثالث ( سنة 1894).

ونحن نجزم بأن هذا الترتيب الزمنى لم يأت مصادفة، ولكنه جاء نتيجة طبيعية
لفكر كارل ماركس: فشباب ماركس وثقافته الأولى ودراسته النظامية ورسالته
للدكتوراة (عن فلسفة الطبيعة عند أبيقور) ومؤلفاته خلال ما يقرب من عشرين سنة
(1840 – 1860)، ونشاطه السياسى خلال تلك الحقبة، ومقالاته وخطبه وأحاديثه، كل
ذلك ينبئ ـ بوضوح ـ بأن حجر الأساس فى مذهب ماركس هو (المادية التاريخية)
وأن الماركسية فلسفة قبل أى شئ آخر، وأن كارل ماركس إنما أراد لها أن تختلف
عن (الفلسفات)الأخرى بأن تكون مذهباً علمياً شمولياً، فعكف على إعطاء فلسفته
بعداً سياسياً (بنظرياته عن الصراع الطبقى والعمل الثورى والثورة البروليتارية
وديكتاتورية البروليتاريا)، وبعداً اجتماعياً (بنظرياته ونظريات إنجلز: الأسرة والزواج
والملكية الخاصة) وبعداً اقتصادياً (بنظرياته التى لم تكتمل إلا بعد وفاته والتى تستهدف
تشييد اقتصاد ماركسى من مجموع نظريات العمل والقيمة وفائض القيمة والنظريات
المتفرعة عن هاتين النظريتين الأساسيتين، مثل قانون تجميع رأس المال، وقانون تركيز
رأس المال، وقانون زيادة البؤس.... إلخ).

وقد جاءت كل هذه النظريات ـ السياسية والاجتماعية والاقتصادية ـ لتدعم
المنطلق الفكرى أو الفلسفى الماركسى (المادية التاريخية)، ولتضفى عليه صبغة المذهب
الشمولى الذى يُنظرَّ التاريخ البشرى بأسره وبكل جوانبه، والذى ينظّر ـ كذلك ـ
الحياة البشرية فى سائر أوجهها: الذين والاقتصاد والقوانين والآدب والفكر والقوميات
ونظم الحكم والنظم الاجتماعية..إلخ. وليوفر جواباً لكل سؤال، وحلاً لكل مشكلة،
وإطاراً عاماً لكل أشكال البحث الاجتماعى (بالمعنى الأرحب للعلوم الاجتماعية
والإنسانية). وفى مرحلة لاحقة، وعندما تزاوجت هذه النعرة الماركسية (الشمولية)
بالنعرة القومية (الروسية)، تعدى السوفيت ـ ومن ورائهم الماركسيون فى كل مكان ـ
مرحلة العلوم الإنسانية، وجعلوا شمولية المذهب تنسحب على العلوم التطبيقية أيضاً،
فوجدناهم يتحدثون فى دائرة معارفهم عن (العلم الشيوعى) فى مجالات علم الوراثة
وعلم النفس والبيولوجيا والذرة،...إلخ.

وما نريد أن نقوله هنا ـ أساساً ـ إن مذهب ماركس هو مذهب فلسفى فى
الأساس، وليس مذهباً اقتصادياً كما يحلو للماركسيين أن يروه وينعتوه، فدراسة آثار
ماركس تثبت أنه فى وضع حجر الأساس فى مذهبه منذ 1840 / 1841، وأنه مكث
معنياً بهذه المهمة ـ الفلسفية فى المقام الأول والسياسية فى المقام الثانى ـ لمدة لا تقل
عن عشرين سنة كاملة، وأنه فى مرحلة لاحقة، وعندما اكتشف أن التدعيم الأكبر
لشمولية مذهبه لا يتأتى إلا بتعميق الجانب الاقتصادى للماركسية، فقد عكف ـ فى
لندن ـ سنوات طويلة على أداء هذه المهمة.

أما إنجلز، فإننا لا نكاد نجد أثراً للاقتصاد ـ بالمعنى الأكاديمى ـ فى كل ما خلّفه
من مؤلفات ومقالات وخطب وأحاديث، باستثناء بحثه المفتعل (دور العمل فى تحول
القرد إلى إنسان)(12) والذى كتبه فى سنة 1896، ونشر لأول مرة بالعدد الرابع
والأربعين من مجلة Die Neue Zeit الألمانية فى سنة 1896 ، وهو مقال هزلى، هذا
بالأضافة إلى دوره فى تجميع ونشر المجلدين الثانى والثالث من كتاب كارل ماركس
(رأس المال).

خلال شهرى مايو ويونيه1865 وضع «كارل ماركس» كتابه المعروف (الأجور
والأسعار والأرباح) وبعد عامين، أى فى سنة 1867 نشر ماركس المجلد الأول من كتابه
الكبير (رأس المال). وعندما نمعن النظر جيداً فى هذين العملين والذين يشكلان ـ
بالإضافة إلى كتاب ماركس (مساهمة فى نقد الاقتصاد السياسى)(13) والصادر سنة
1859 ـ مذهبه الاقتصادى، لوجدنا أن أهم نظريتين بسطهما ماركس فى هذه
المؤلفات هما نظريتاه فى القيمة وفائض القيمة.

أما نظريته فى القيمة فقد أوردها بإجمال فى الفصل السادس من كتابه (الأجور
والأسعار والأرباح)(14) ثم بسطها بعد عامين بتفصيل أكبر وأعمق فى القسم
الأول من المجلد الأول من (رأس المال) تحت عنوان «السلع والنقود».

ففى كتابه (الأجور والأسعار والأرباح) نجد ماركس يشرح النظرية الأساسية فى
مذهبه الاقتصادى ـ وهى نظرية القيمة المؤسسة على عنصر العمل فقط ـ بعبارات
مشابهة للعبارات التى استهل بها كتابه «رأس المال»(15).

ونحن إذ نعرض هنا ـ بإيجاز شديد ـ أهم نظريتين فى مذهب ماركس الاقتصادى
وهما نظريتا القيمة وفائض القيمة، وهما النظريتان اللتان يعتقد كل ماركسى أنهما
أساس المذهب الاقتصادى العلمى الوحيد، نظراً لتقديمهما البرهان على صواب تحليل
ماركسى الفلسفى والسياسى، وخاصة تدعيمهما لجوهر الرأسمالية الاستغلالى؛ فإننا
نفعل ذلك ـ من جهة ـ لإثبات دعوانا بأن الاقتصاد الماركسى قد وضع برمته لخدمة
الشق السياسى الماركسى، ومن جهة أخرى كتوطئة لما سيلى ذلك من حديث عن
تهافت المذهب أمام الحجج المستقاة من الواقع المعاش، والتى دعمها تطور قوى الإنتاج
فى العصر الحديث واعتمادها على الطاقة النفطية فى المقام الأول.



نظرية القيمة عن ماركس:

يقول كارل ماركس فى مستهل كتابه «رأس المال» : (إن ثروة المجتمعات التى
تسودها طريقة الإنتاج الرأسمالية تظهر فى صورة تراكم عظيم من السلع، والوحدة
التى تقاس بها الثروة هى السلعة المفردة، ومن ثم فإن بحثنا يجب أن يبدأ بتحليل
السلعة).

(إن كَون شئ ما ذا منفعة يجعل له قيمة استعمالية «Use Value» فسلعة ما
كالحديد أو القمح أو الماس، من حيث إنها شئ مادى، تكون شيئاً نافعاً أو قيمة
استعمالية. لكن فى مجتمع من النوع الذى سنتناوله بالدراسة لا تقتصر الأشياء
النافعة على كونها قيماً استعمالية، بل هى تمثل بالإضافة إلى ذلك قيماً تبادلية
(Exchange Values).

(ومن النظرة الأولى تظهر لنا القيمة التبادلية لسلعة ما فى صورة علاقة كمية، أى
فى صورة نسبة يتم طبقاً لها تبادل قيمة استعمالية من نوع معين بقيمة استعمالية من
نوع آخر، هذه العلاقة أو النسبة تخضع لتغيير مستمر من زمن إلى آخر ومن
مكان لآخر).

(وكل سلعة يجرى تبادلها بكميات مختلفة من السلع الأخرى: فسلعة كالقمح
مثلاً ليست لها قيمة تبادلية واحدة، بل عدد كبير من القيم التبادلية هى تلك
الكميات المختلفة التى يجرى تبادلها بكمية معينة من القمح. إذن فكل من هذه
الكميات من السلع المختلفة يمكن أن تحل محل الأخر فى التبادل، أو بعبارة أخرى
لابد أن تكون كل منها مساوية ـ كقيمة تبادلية ـ للأخريات ونستخلص من هذا:

أولاً : أن القيم التبادلية لسلعة ما لا بد أن تعبر عن أشياء مساوية لها.

ثانياً : أن التعبير عن سلعة ما بقيمتها التبادلية هو، بصفة عامة، مجرد التعبير
الخارجى أو الظاهرى عن عنصر تتضمنه السلعة ولكنه متميز عنها).

(ما الذى يعنيه هذا التساوى بين كمية من سلعة ما وكمية من سلعة أخرى؟ إنه
يعنى أن شيئين مختلفين، كآرب من القمح وكمية ما من الحديد يجرى التبادل
بينهما لا بد أن يحتويا على كمية متساوية من شئ ثالث مشترك بينهما، لا هو
بالحديد ولا بالقمح، ولا بد أن يكون من الممكن التعبير عن كل من السلعتين
بكميات من هذا العنصر الثالث).

(هذا العنصر الثالث لا يمكن أن يكون خاصة هندسية أو كيميائية أو أية خاصة
مادية أو طبيعية أخرى من خواص السلع. إن هذه الخواص المادية أو الطبيعية لا تستحوذ
على اهتمامنا إلا من حيث أنها تؤثر على منفعة السلع بالنسبة لنا، أو بعبارة أخرى،
هذه الخواص إنما تهمنا فقط من حيث كون السلع قيماً استعمالية، ولكن من
الواضح أن تبادل السلع يتجاهل تماماً ما لها من قيم استعمالية ففى مجال التبادل
يمكن أن تحل كمية معينة من سلع محل كمية من سلعة أخرى حلولاً تاماً، مهما
كان اختلافها فى الصفات الطبيعية. إن ما تحوزه سلعة ما من صفات مادية أو طبيعية
مختلفة لا يهم إلا فى تحديد قيمتها الاستعمالية، لكن المهم فى تحديد قيمتها التبادلية
هو الكمية المتاحة منها، ومن ثم فإنها تظهر فى التبادل وكأنها ل تحوز ذرة من القيمة
الاستعمالية).

(إذا نحن استبعدنا إذن ما للسلع من قيم استعمالية فإنه لا يبقى أمامنا كعنصر
مشترك بينهما جميعاً إلا عنصر واحد هو كونها كلها من نتاج العمل ، أى أنها
تشترك فى احتوائها على كمية معينة من نوع العمل الإنسانى المجرد Human Labour
in the Abstract والسلع هى ذات قيمة من حيث إنها هى التجسيد أو البلورة (Value)
لهذا العنصر ذى الطابع الاجتماعى والمشترك بينها جميعاً وهو العمل(16)).

وكما يقول أستاذ الاقتصاد مصرى قدم دراسة مطولة عن ماركس ضمن دراسته
المطولة عن المذاهب الاشتراكية(17)، فإن خلاصة ما يقول ماركس ـ هنا ـ هو:

1- إن السلع المحتوية على عمل هى وحدها السلع التى لها قيمة.

2- إن هذه السلع المحتوية على عمل والتى لها قيمة هى وحدها دون غيرها التى
لها قيمة مبادلة.

3- إن قيمة السلع التى لها قيمة مبادلة إنما تتحدد وتقاس بمقدار العمل الذى
تحتويع هذه السلع.

وجدير بالذكر أن كارل ماركس قد عاد فى المجلد الثالث من كتابه (رأس المال)
والذى نشره فردريك إنجلز سنة 1894 – أى بعد إحدى عشرة سنة من وفاة ماركس ـ
وقال (إن نظرية العمل فى القيمة لا تتفق مع المجرى الواقعى ولا مع الشكل الحقيقى
للإنتاج)(18).

ويقول د. جلال أمين عن نظرية ماركس فى القيمة: (ليس هناك اتفاق بين
شراح الماركسية والماركسيين أنفسهم على تحديد الغرض من نظرية القيمة
الماركسية)(19). ويعنى د. أمين هنا أن هناك اختلافاً كبيراً بين ناقدى ومؤيدى ماركس
حول غرض أو هدف نظرية القيمة، وهل هو (تحديد الثمن) أم (تحديد الربح). فبينما
يتجه ناقدو ماركس ـ وعلى رأسهم فى هذه الجزئية البروفيسور النمساوى Bohm
Bawerk «بوم بافرك» ـ إلى القول بأن ماركس قد قصد من وراء نظريته فى القيمة
تحديد الثمن، فإن مؤيدى مذهب ماركس الاقتصادى ـ وعلى رأسهم فى هذه الجزئية
البروفيسور الأمريكى Sweezy ـ يقولون بأن ماركس قد بسط نظريته فى القيمة ليفسر ربح الرأسمالى(20).

ونحن لا نوافق د. أمين فى قوله بأن هدف نظرية ماركس فى القيمة غير معلوم
بشكل واضح، ففى اعتقادنا أن دراسة ماركس الشاملة ـ ولا سيما الشق السياسى من
مذهبه ـ إنما تقود حتماً لنتيجة واحدة وهى أن ماركس ما كان معنياً بتحديد الثمن
كما قد يفهم القارئ من عباراته، ولا سيما فى الفصل السادس من كتابه (الأجور
والأسعار والأرباح)، وإنما كان معنياً بالبحث عن تفسير لربح الرأسمالية يوافق مذهبه
السياسى. ولا أدل على ذلك من أن كارل ماركس لم يوظف نظريته فى القيمة إلا
توظيفاً واحداً أساسياً هو توظيفه لها فى تشييد النظرية الأكثر أهمية وهى نظريته عن
فائض القيمة، والتى تعتبر التدعيم (العلمى) فى رأيه لمذهبه السياسى.



نظرية فائض القيمة:

فبمجرد انتهاء ماركس من بيان أن قيمة أى سلعة إنما تقاس وتحدد ـ فقط ـ
بكمية العمل المبذول فيها، نجده ينتقل للقول بأنه بناء على ذلك فإن ما يحصل عليه
الرأسمالى أو رب العمل هو (أخذ) لا مبرر له. فإذا كان العامل يبذل ساعات معينة فى
إنتاج سلعة، ثم يأتى رب العمل «الرأسمالى» فيبيع السلعة بثمن معين، ويعطى
العامل (جزءاً) من ثمنها كأجر ويحصل هو على (الباقى)، فإن هذا (الباقى) إنما
يأخذه رب العمل «الرأسمالى» دون استحقاق أو دون وجه حق. فالثمن الذى حصل
عليه الرأسمالى هو نتيجة «العمل» الذى بذله. ولكن الرأسمالى يعطى العامل
«جزءاً» من حقه (ثمن السلعة) ويستولى على الجزء الآخر والذى يطلق عليه كارل
ماركس «فائض القيمة» أو «القيمة الزائدة»(21).

وقد عرّف «كارل ماركس» فائض القيمة الزائدة لأول مرة سنة 1865
فى كتابه ( الأجور والأسعار والأرباح) بقوله إنها (ذلك الجزء من القيمة الإجمالية
للبضاعة التى يتجسد فيه عمل العامل الزائد أو غير مدفوع الثمن)(22). وفى هذا يقول
ماركس أيضاً: (إن الرايع العقارى والفائدة المئوية والربح الصناعى ليست سوى تسميات
مختلفة لمختلف أجزاء القيمة الزائدة (فائض القيمة) للبضاعة، أى للعمل غير مدفوع
الثمن المتجسد فيها، وهى جميعاً ـ بمقياس واحد ـ مستمدة من هذا المصدر، ومنه
وحده، فهى غير متولدة لا من الأرض كأرض ولا من الرأسمال كرأسمال، ولكن
الأرض والرأسمال هما اللذان يتيحان لملاكهما أن يحصل كل منهم على حصته
المناسبة من القيمة الزائدة التى يبتزها الرأسمالى رب العمل من العامل)(24)(23).

وبنظرية فائض القيمة أو القيمة الزائدة اعتقد ماركس أنه أثبت بالبرهان الاقتصادى
(العلمى) استغلال رب العمل الرأسمالى للعمال.

وقبل الانتقال لتقييم النظريتين الأساسيتين فى الاقتصاد الماركسى فإننا نوضح أن
نظرية (العمل فى القيمة) ليست من اكتشافات (كارل ماركس) كما يعتقد
الكثيرون، إذ أننا نجدها بشكل كامل فى كتابات الاقتصادى الكلاسيكى البريطانى
ريكاردو (David Ricardo) وبالذات فى كتابه الشهير (مبادئ الاقتصاد السياسى
والضرائب)(26)(25). وقد يدهش الماركسيون من قولنا هذا، كما قد يدهشهم قولنا بأن
ماركس بعدما عرض نظريته فى القيمة فى كتابه (الأجور..) سنة 1865 ثم فى المجلد
الأول من (رأس المال) سنة 1867، فإنه قد عاد وتنصل منها فى الجزء الثالث من
(رأس المال) كما أسلفنا.

ولكن هذا هو الواقع الذى يصعب معه الاستمرار فى قبول الشق الاقتصادى من
مذهب ماركس، لا سيما إذا تيقن الإنسان ـ عن طريق الملاحظة ـ أن جوهر نظرية
القيمة الماركسية جوهر خاطئ، كما سنوضح فيما يلى.

ولا ريب أن هذا المعنى هو ما حدا بمؤسس الحزب الاشتراكى الديمقراطى
الألمانى المفكر السياسى الشهير إداورد برنشستين، لأن يقول سنة 1899 فى كتابه
«الاشتراكية التطورية»: (إن نظرية فائض القيمة تعتبر بتأسيسها على نظرية ماركس فى
القيمة صيغة تقوم على افتراض أثبت العلم الاقتصادى بطلانه) (27).

وهو أيضاً ما حدا بأعظم اقتصاديى القرن العشرين قاطبة «جون ميناردكينز» 1946)
(1883 ـ لأن يصف كتاب (رأس المال) والقائم فى جوهره على نظريتى ماركس فى
القيمة وفائض القيمة بأنه (كتاب دراسى مبتذل فى الاقتصاد، ليس خطأ من الناحية
العلمية فحسب، وإنما لا أخمية له للعالم الحديث ولا يطبق فيه)(28).

وبرتراند رسل (B.Russel) أحد أعاظم فلاسفة القرن العشرين هو القائل فى كتابه
(طريق الحرية)(29) سنة 1918:

(إن نظرية فائض القيمة ليست مساهمة فى النظرية الاقتصادية بقدر ما هى ترجمة
الكراهية إلى تعبيرات مجردة وصبغ رياضية).

وإذا كان الماركسيون سيدهشون من قولنا ـ آنف الذكر ـ بأن ماركس ليس هو
مكتشف نظرية العمل فى القيمة، بل هو (جون ريكاردو) الذى يعد ـ بعد آدم
سميث ـ أشهر الاقتصاديين الكلاسيكيين، فلا غرابة أن تكون دهشتهم أشد عندما
نؤكد أن ماركس ليس أيضاً هو مكتشف نظرية القيمة، فقد سبقه إلى ذلك فى
سنة 1824 (وكان كارل ماركس ف السادسة من همره) المفكر الأيرلندى «وليام
طومسون» الذى عرض نفس النظرية وبنفس الجوهر والهدف، وتحت نفس الاسم
(فائض القيمة). ولا ريب أن هذا هو ما حدا بكاتب مثل Menger لأن يقول: (إن
المكتشفين الحقيقيين لنظرية فائض القيمة هم «جودوين» و«هال» وبصفة خاصة
«طومسون». إن نظرية فائض القيمة بأكملها: مفهومها واسمها وتقدير كمية الفائض،
مستعاره كلها من كتاب طومسون).

وقبل كارل ماركس وريكاردو وطومسون، فإن عبد الرحمن بن خلدون قد سبق
كل هؤلاء ـ بقرون ـ بالحديث عن العمل باعتباره المصدر الساسى للقيمة؛ وإن
كانت حصافة ابن خلدون قد حالت بينه وبين زلتى ماركس الكبيرتين بهذا الصدد
عندما أعطى العمل مفهوماً بالغ الضيق وعندما جعل من هذه القاعدة قاعدة مطلقة
ليبنى عليها ما توخاه أصلاً.

وإذا عدنا لنظرية ماركس الاقتصادية، وجدنا أن قول «ماركس» بأن العمل هو
المصدر الوحيد للقيمة إنما هو قول يخالف الواقع تماماً. وهو ما حدا بأستاذ من أشهر
أساتذة الاقتصاد الغربيين الماركسيين هو البروفيسور «R.Meek» لأن يسلم فى دراسته
عن نظرية قيمة العمل ( أوالعمل فى القيمة) بوجود استثناءات لهذه القاعدة
الاقتصادية الماركسية، ولكنها ـ فى نظره ـ استثناءات لا تؤثر فى سلامة القاعدة
كقاعدة عامة(30).



ولنتأمل هذه المجموعة من الأمثلة ـ أولاً ـ قبل أن نؤيد أو نعارض البروفيسور ميك
فى قوله بأن الاستثناءات التى يمكن تصور ورودها على نظرية ماركس فى القيمة
والمؤسسة على العمل، سواء العمل الظاهر (المباشر) أو العمل الميت(31) (غير المباشر):
- خرج شقيقان يعملان بصيد السمك إلى البحر صبيحة أحد الأيام، وهما فى
سن متقاربة وحالة صحية ودرجة ذكاء متشابة، وبعد أن أمضى كل منهما عشر
ساعات فى عمله، عاد الأول بعشرين كيلو جراماً من السمك باعها بعشرين جنيهاً،
بينما عاد الثانى بعشرين كيلو جراماً من الربيان (الجمبرى) باعها بستين جنيهاً.

- أمضى كل من (أ) و(ب) وهما فنانان تشكيليان عشر ساعات فى وضع
لوحتين، بيعت الأولى منهما بثلاثين جنيهاً، بينهما بيعت الثانية بعشرة آلاف جنيه،
علماً بأن عدد الساعات التى أمضاها الرسامان المذكوران آنفاً هو نفس عدد الساعات
التى أمضاها الرسام العالمى الشهيى (×) فى رسم لوحة بيعت بمليون جنيه.

- أمضى (أ) عشرين سنة يعمل فى حانوته المجاور لـ (ب)، وخلال هذه
السنوات كان كل منهما يعمل يومياً لمدة عشر ساعات، كما كان كل منهما يعمل
بمفرده وبدون استعمال أية آلات (عمل ميت فى المفهوم الماركسى). وكانت
صناعتهما واحدة، وهى الصناديق الخشبية الصدفية التى تباع بسوق خان
الخليلى القاهرى للسياح الأجانب، إلا أن (أ) ظل يشكو طوال حياته من أن السياح
يقبلون على منتجات جاره (ب) بسبب مهارته الفطرية، رغم أن (أ) مثله مثل (ب)
قد ورث الحرفة عن أبيه، ولكن دخل (ب) يتراوح شهرياً بين ثلاثة وأربعة أضعاف
دخل (أ).

- يعمل (أ)، (ب)، (جـ)، (د) منذ عشر سنوات على أربع آلات متماثلة ـ
تماماً ـ بأحد المصانع، ورغم أن سنهم واحد وعدد سنوات خبرتهم واحد، وتلفوا
جميعاً برنامجاً تدريبياً واحداً فإن المشرف عليهم فى المصنع يقول إننا لو قدرنا إنتاج (أ)
بمثابة وحدة قياسية، فإن إنتاج (ب) هو فى المتوسط تسعون، وإنتاج (ج) ثمانون،
وإنتاج (د) سبعون، وهو يرجع ذلك لاختلاف فى درجة الانتظام والذكاء والقدرة
البدنية ومدى الاستفادة من الخبرة المكتسبة.

- تقدر قيمة إنتاج مليون عامل سوفيتى يعملون فى صناعة البترول فى «باكو»
والناجمة عن ساعات عمل مقدارها مائة وخمسون مليون ساعة عمل شهرياً بسبعين
ضعفاً بالمقارنة بإنتاج مليون عامل سوفيتى يعملون فى زراعة القطن والناجم عن
ساعات عمل مماثلة تماماً، وذلك مع تحييد دور العمل الميت (الآلات وما شابهها).

- أمضى (أ) وهو صاحب دار أزياء مشهورة فى باريس ألف ساعة عمل فى
تصميم مجموعة من الأزياء النسائية، بينما أمضى (ب) وهو صاحب دار أزياء منافسة
لدار (أ) خمسمائة ساعة عمل فى تصميم مجموعة أخرى من الملابس، وعندما أخذ
كل منهما فى إنتاج (موديلاته) للسوق فى مستهل فصل الشتاء، اكتسحت
(موديلات) (ب) السوق وحققت لصاحبها شهرة عالمية وعائداً مالياً يربو مائة مرة على
عوائد (أ) وفى العام التالى دخل المنافسة (ج) بتشكيلة جديدة مبتكرة غزت الأسواق
وحققت قبولاً عظيماً لدى النساء، مما ادى لانخفاض كبير فى الطلب على
(موديلات) (أ) و(ب)، وهو ما أدى إلى تخفيضهما لأسعار (موديلاتهما) بنسب
كبيرة متعاقبة.

لو تأملنا هذه الأمثلة بعناية. لوجدنا أنها حالات حقيقية من واقع الحياة رجعت
فيها (القيمة) لعوامل أخرى غير كمية العمل المبذولة فيها.

وقديماً كان الاقتصاديون الماركسيون يردون بسرعة على هذه الأمثلة قائلين: إن
بيع شعرة من لحية نبى أو منديل قديس، أو أصول خطابات قائد عسكرى ذائع
الصيت، مثل نابليون بونابرت، أو لوحة زيتية لأنجر أو هايتس أو ديلاكروا أو دومييه أو
رنوار أو تمثال لمايكل أنجلو أو ريد أو رودان أو هنرى مور، أو مسودة عمل أدبى عالمى
لدانتى أو شكسبير أو فولتير .. تلك أمثلة ضيقة نادرة الحدوث عملياً.

ورغم أن هذا الرد غير منطقى، لأننا نرى أن دائرة هذا الذى يعدونه استثناء واسعة
جداً فى واقع الحياة، إلا أننا نسلم لهم ـ جدلاً ـ بصواب ردهم، ومع ذلك نقول لهم
إنه حتى بالتسليم بأن هذه الأمثلة لا تخرج على كونها استثناءات لا تنفى القاعدة
العامة، فإن إنقلاباً عظيماً قد حدث فى القرن العشرين وحول هذه القاعدة ذاتها إلى
هباء منثور: فتحول الاقتصاد العالمى للاعتماد على النفط كمصدر أساسى ورئيسى
للطاقة وكعمود فقرى لقوى الإنتاج فى عصرنا هذا، قد دمر منطقهم الذى يسلم
للقاعدة بالعمومية، رغم ما قد يرد عليها من استثناءات.

فقيمة النفط لا يمكن أن تعود لمقدار أو كمية العمل المبذول فى استخراجه كما
يقول «ماركس»، علماً بأن «ماركس» يرفض بشدة اعتبار الطبيعة مصدراً للقيمة،
ويقول إن عمل الإنسان لابد أن يضاف لعمل الطبيعة لإعطائها «قيمة».

ولكن هل يتفق هذا التحليل مع واقع النفط؟.. وهل ترجع قيمة النفط فى
السوق العالمية لقانونى العرض والطلب والمحددين هنا بعامل الاحتياج الماس للنفط
لاستمرار عجلة الحضارة الحديثة فى الدوران؟ أم أن هذه «القيمة» ترجع لعدد ساعات
العمل الذى يبذله مستخرجو النفط فى استخراجه؟

لا نظن أن بمقدور أحد أن يتبنى التعليل الأخير فى الفقرة السابقة، فمن المؤكد
أن «قيمة» النفط فى الأسواق تفوق ـ بمراحل عديدة ـ قيمة كل من العمل المباشر
المبذول فى استخراجه والعمل الميت أو المتراكم والمتمثل فى الآلات المستعملة فى
استخراجه.

وسنضرب أمثلة تؤكد أن قيمة النفط لا ترجع مطلقاً لمقدار العمل المباشر أو الميت
المبذول فى استخراجه.

- يبذل عادة نفس العمل والجهد، وتستعمل نفس الآلات فى حفر بئرين للنفط،
ولكن إحدتهما تنتج عشرة الآف برميل فى اليوم، بينما لا تنتج الأخرى سوى
خمسمائة برميل فى اليوم. فهل الدور الفعال فى إيجاد «القيمة» هنا منسوب للعمل
أو للطبيعة؟

- قيمة برميل النفط الخام المستخرج من بحر الشمال (بين بريطانبا والنرويج) هى
نفس «قيمة» برميل النفط الخام المستخرج من آبار النفط بالسعودية والكويت
والإمارات العربية، رغم أن تكلفة الأول والمستخرج من آبار بحرية (Offshore Oil
(Wells تعادل خمسة أضعاف تكلفة استخراج الثانى والمستخرج من آبار أرضية
(Onshore) أيرجع التساوى فى القيمة هنا لتساوى الاحتياح فى السوق العالمية لكل
منهما؟ ... أم يرجع للعمل المبذول فى كل منهما ؟ ـ رغم اختلاف كمية هذا
العمل .. ـ لا ريب أن الإجابة الأولى هى الإجابة الوحيدة الممكنة والمعقولة.

- يستخرج النفط فى بعض الحقول بولاية كاليفورنيا الأمريكية وببعض مناطق
الخليج العربى دون تدخل من الإنسان، حيث يتواصل الإنتاج منذ عشرات الأعوام
بواسطة مضخة مثبتة على رأس البئر، وذلك بسبب قوة الضغط التى يخرج بها النفط
من مواسير الإنتاج، بينما يكون هذا الضغط فى تكوينات جيولوجية أخرى ضعيفاً جداً
مما يحتم عمل عمليات حقن (Injection) لتحل محل الضغط الطبيعى فى الحالة
الأولى (وهو ما حدث بعد سنوات قليلة بحقول خليج السويس المصرية مثل حقول
مرجان وحقل يوليو بمنطقة رأس غارب).

وفى الحالتين الآنف ذكرهما لا يوجد أى فارق بين قيمة برميل النفط المستخرج
من هذه البئر أو تلك، أفلا يعنى ذلك أن القيمة هنا ترجع لعوامل أخرى غير العمل
المبذول، وقد اختلف ـ كما هو جلى ـ كميته من حالة لأخرى.

إن هذه الأمثلة والتى تدور حول «النفط» الذى لا جدال فى كونه عصب
«الإنتاج» فى زمننا هذا، إنما تؤكد أن تعاظم منفعة النفط والطلب عليه (بسبب تلك
المنفعة) قد ألغيا دور «العمل المبذول فى استخراج النفط» فى تحديد قيمته.

ومما لاشك فيه أن مجالات أخرى عديدة من مجالات الأعمال الحديثة
كالهندسة المعمارية والديكور والتصميمات الصناعية إنما تعتمد (القيمة) فى دوائرها
على أشياء أخرى إلى جانب العمل، بل وأكثر أهمية منه مثل الموهبة والاستعداد
الذاتى والاستفادة الخاصة من التدريب(32). ومن أبرز هذه المجالات «مجال السياحة»،
فهل يمكن أن يفسر الدخل القومى من السياحة لدول مثل أسبانيا وإيطاليا والمغرب
وتونس ولبنان (قبل الكارثة) ومصر بالعمل؟ ... وما هو العمل الذى يكمن وراء دخل
مصر من زيارة السياح العالميين لمعبد أبى سنبل وآثار الأقصر وأسوان وأهرامات الجيزة وأبى الهول والمتحف المصرى؟ ومن المصادفات الغريبة أن أى تعليل ماركسى للقيمة
فى هذا المثال الأخير سيكون داحضاً لذاته بذاته، لأن «االعمل الميت»الكامن فى هذه
الآثار والذى ورثناه عن قدماء المصريين، والذى قد يتمسك الاقتصادى الماركسى به
كمصدر لقيمة هذه الآثار وما تجلبه من دخل، هو من نوع (العمل الفنى) الذى لا
ينطبق عليه أصلاً التنظير الماركسى للقيمة بالرجوع لكمية العمل المبذول فالمحك هنا
ليس هو ( كمية العمل) وإنما (نوع العمل).

* * *

هذا بالنسبة لنظرية القيمة التى هى حجر الأساس فى الاقتصاد الماركسى أما نظرية
فائض القيمة المبنية عليها، فهى وإن كانت نظرية مؤسسة على نظرية القيمة، بمعنى أن
كارل ماركس بعد ما انتهى من عرض فكرته القائلة بأن العمل هو المصد الوحيد
للقيمة، فإنه قد انطلق ـ من هذا الأساس ـ إلى مسألة أخرى وهى أنه بما أن العمل
هو المصدر الوحيد للقيمة، وبما أن الرأسمالى يشترى (قوة عمل) العامل ليبيعها بعد
ذلك بثمن أعلى ـ بطبيعة الحال ـ من الثمن الذى دفعه، فإن هذا الفارق بين ما دفعه
الرأسمالى فى قوة عمل العامل وما يناله عند بيع ناتج هذا العمل هو ـ فى نظر
ماركس ـ أخذ لا مبرر له، لأنه لا يقابله عمل ما من جانب الرأسمالى وهذا الذى
يناله الرأسمالى هو ما يطلق عليه ماركس فائض القيمة أو القيمة الزائدة.

وفى اعتقادنا أن ما فى هذا التنظير من «السياسة» أضعاف ما فيه من
«الاقتصاد»، وهذه هى زلة الاقتصاد الماركسى برمته فإذا كانت زلة نظرية القيمة
الماركسية هى فى قصر القيمة على عمل الإنسان ونفيها لأى مصدر آخر كالطبيعة أو
الموهبة أو المهارة أو التنظيم، فإن زلة نظرية فائض القيمة هى فهمها الضيق لدور
الرأسمالى أو رب العمل.

فقد انطلق كارل ماركس من نقطة اعتبرها مسلمة من المسلمات الثابتة، وحقيقة
لا ريب فيها، وهى أن «الرأسمالى» لا يعمل شيئاً! ولا ريب أن هذا القول يخالف
المنطق والواقع معاً.

من جهة، فإن نظرية فائض القيمة الماركسية قد بنيت على أمر يخالف الواقع
تماماً، وهو افتراض ربح الرأسمالى دائماً. وانطلاقاً من هذا الافتراض جنح ماركس إلى
اعتبار ما يحصل عليه رب العمل ـ وهو يزيد على ما يدفعه للعمال مقابل شرائه لقوى
عملهم ـ هو قيمة فائضة يحصل عليها باستغلاله للعمال الذين من خصائصهم (كما
كرر ماركس مرتين فى المجلد الأول من رأس المال) أنهم ينتجون أكثر مما يأخذون
ويستهلكون.

ولا ريب أن هذا الافتراض، افتراض خاطئ لأنه مبنى على تثبيت فرضية ربح
الرأسمالى أو رب العمل، وهو تثبيت لا أساس له من الصحة، فمن المؤكد أن رب
العمل قد يربح وقد يخسر فبماذا يفسر الاقتصادى الماركسى حالة خسارة رب العمل
عند وقوعها؟ ولماذا لا يفسر ربحه بأنه تطبيق لمبدأ مغانم الأعمال التجارية ومغارمها؟..
وإذا كان من الممكن لرب العمل أن يخسر كما يمكن أن يربح، أفلا يعنى هذا
أن له دوراً ما فى العملية الإنتاجية؟ .. وأنه ليس مجرد عنصر زائد على احتياجات
العملية الإنتاجية ومصدر استغلال للعمال ليس إلا؟

وهل يمكن أن يقال إن دور الرأسمالى «معدوم» فى العملية الإنتاجية، وأن
(تجميعه) للعمال والموظفين فى مكان للعمل ليس إلا إسهاماً فى عملية الإنتاج
ذاتها، حيث إن إسهامه لا يتعدى الإسهام عن طريق تقديم «المحل التجارى»
و«الآلات» وكلاهما نوع من عمل الغير الميت حسب الوصف الماركسى آل بالميراث؟
وهل «العمل» هو فقط العمل اليدوى المباشر للمشتغلين، أما التنظيم والإدارة
والعمل الذهنى فليسوا من قبيل العمل؟!

لا ريب أن نظرية فائض القيمة تفترض ـ بشكل لا يقبل الجدل ـ نفى صفة
العمل عن التنظيم والإدارة(33)، وهما جوهر دور رب العمل، بالإضافة إلى دور العمل
الميت (المحل والمكان والآلات) والذى وإن كان الماركسيون يقرون بمساهمته فى
العملية الإنتاجية إلا أنهم لا يوافقون عليه هنا، لأنه فى نظرهم من قبيل عمل الغير
الذى آل للرأسمالية بالميراث والذى يرفضه الماركسيون كما هو معلوم(34).

ونحن نتساءل: هل يمكن لإنسان خَبَرَ التجارة والأعمال الصناعية فى مجالاتها
المتقدمة أن يُنكر دور التنظيم والإدارة والتسويق وما يلعبه الاستعداد الخاص والمهارة
الذاتية فيها من فارق كبير بيّن يباعد ما بين النجاح والفشل؟ ـ والإجابة عندنا ـ وعند
كل دارسى علوم الإدارة والتنظيم ـ لا يمكن أن تكون إلا بالنفى.

وكيف يمكن لماركسى يؤمن بنظرية فائض القيمة أن يفسر لنا ظاهرة وجود
عاملين متماثلين فى السن والقدرات والتعليم والخبرة والتدريب، يعمل أحدهما فى
مشروع ما عام ويعمل الآخر فى مشروع مماثل تماماً ولكنه مشروع خاص، وهذه
الصورة متوافرة بكثرة فى دول أوروبا الغربية، وبالذات فى بريطانيا وفرنسا وإيطاليا(35)،
ومع ذلك يحصل كلاهما على أجر واحد، بل وقد يحصل العامل فى المشروع
الخاص على أجر أعلى من أجر نظير فى المشروع العام ..؟ بماذا تفسر هذه الظاهرة؟
وهل ما يأخذه المشروع العام مقابل التنظيم والإدارة هو «أخذ مشروع» لا غبار عليه،
أما أخذ المشروع الخاص المماثل فهو أخذ لفائض القيمة واستغلال من رب
العمل للعامل؟

وكما يقول عالم اقتصادى مصرى(36) فى دراسة له عن «نظرية القيمة
والاستغلال» فى كتابه عن «الماركسية»(37)، فإن نظرية ماركس فى القيمة ليست
ضرورية للقول بوجود الاستغلال، إذ أننا لو وافقنا ماركس ـ جدلاً ـ على أن الواجب
أن يستأثر بالشئ من أنتجته، فإن هذا لا يعنى ـ بداهة ـ أن الرأسمالى يستغل العمال،
لأن ذلك مؤسس على افتراض غير سليم مؤداه أن الرأسمالى لا يساهم فى زيادة قيمة
السلعة فالواقع غير ذلك: فمن جهة هناك دور الرأسمالى فى التنظيم والإدارة، وليس
من المعقول فى هذا العصر أن يتجرأ إنسان على إعلان ما أعلنه «إنجلز» منذ مائة سنة
عندما اعتبر الإدارة والتنظيم مثالاً للعمل غير المنتج، أو بعبارة أخرى اعتبرهما ليسا من
قبيل العمل.

فالواقع المعاش يؤكد لنا أن الإدارة والتنظيم هما نوع من العمل لا ريب، بمعنى
أنهما يضافان إلى «قيمة السلع» وينقصان منها. ولولا ذلك لما سمعنا كل يوم استعداد
آلاف المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية الكبرى، العامة والخاصة، فى بلدن كانجلترا
وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية للحصول على (مدير) ناجح مقابل مائتى
ألف دولار ـ أو أكثر ـ فى العام.

ومن جهة ثانية، فإن علم الاقتصاد المعاصر يقر ـ حالياً ـ بأن استعمال الآلات
(أى الميكنة) فى الإنتاج، سواء الصناعى أو الزراعى، إنما يزيد بلا شك من ثمن
السلع التى تدخل الآلات فى إنتاجها بأكثر من نفقة الآلات المستخدمة، وإلا لما كان
هناك داع يدعو الرأسمالى إلى استخدامها(38).

وقد شبهت أستاذة الاقتصاد العالمية Joan Robinson فى دراستها عن الاقتصاد
الماركسى والمنشورة فى لندن سنة 1957، شبهت نظرية فائض القيمة وتوظيفها للبرهنة
على استغلال الرأسمالى للعمل بأعمال السحر والشعوذة.

ولا ريب أنه بإثبات عدم نجاح مذهب ماركس الاقتصادى فى تفسيره لدور
الرأسماليين الاستغلالى ـ بواسطة نظرية فائض القيمة ـ ولو فقط بالتزام الحقيقة التى
لا تجادل، والكامنة فى أن دور الرأسمالى يساهم ـ بلا ريب ـ فى زيادة قيمة السلعة،
فإن الاقتصاد الماركسى يفقد حجر الأساس الذى شيد عليه، بل وأهم من ذلك يفقد
الغاية التى يتوخاها والتى من أجلها أدلى ماركس بدلوه فى عالم الدراسات الاقتصادية
ليخرج ببرهان «علمى» على الشق السياسى لمذهبه، وليدعم ـ بعلم الاقتصاد ـ
نظريته عن الصراع الطبقى وحتمية الثورة وانهيار الطور الرأسمالى كنتيجة حتمية
للصراع الطبقى الذى يعد (الاستغلال) وقوده الأساسى.

وإذا تركنا نظريتى ( العمل فى القيمة) و(فائض القيمة) ـ وهما حجرا الأساس
فى الاقتصاد الماركسى ـ وانتقلنا للنظريات الأخرى التى أقام ماركس من مجموعها
مذهبه الاقتصادى، مثل: قانون تجميع رأس المال، وقانون تراكم رأس المال، وقانون
زيادة البؤس أو الفقر، فإننا نجد أن السنوات التى تفصل بيننا وبين زمن ماركس(39) قد
أثبتت خطأ هذه القوانين بشكل بين لا لبس فيه.

فبينما تنبأ ماركس بأن تطور النظام الرأسمالى سيدفع الرأسمالى إلى الاعتماد على
الآلات والاستغناء عن العمال، فإن قرناً كاملاً من الزمان قد أكد أن حاجة أرباب
الأعمال ـ فى النظم الرأسمالية ـ للعمال قد ازدادت عما كانت عليه عشرات المرات،
وأن فرص العمل التى يتيحها النظام الرأسمالى ـ الآن ـ للعمال هى اضعاف ما كان
يتيحها فى زمن ماركس.

أما ظاهرة البطالة فى المجتمعات الرأسمالية، فهى ـ فى جوهرها ـ تسمية للأشياء
بأسمائها فعوضا عن البطالة المقعنة المتفشية فى كل النظم الاشتراكية، حيث يوفر
مكان لكل إنسان فى أحد المكاتب أو المصانع أو مزارع الدولة، دون أن يعنى ذلك
مشاركة الكل فى العمل، عوضاً عن ذلك فإن النظم الرأسمالية تسمى الأشياء
بأسمائها وتعترف بنسبة من البطالة وتحيط العاطلين عن العمل بضمانات قانونية
واجتماعية تكفل حداً أدنى من الدخل يربو على معظم دخول العمال فى النظم
الاشتراكية. أما قانون تراكم رأس المال(40)، والذى مفاده ـ حسب قول ماركس ـ أن عدد
الرأسماليين سيأخذ فى الانكماش وسيأخذ عدد الأجَراء فى التزايد، فمردود عليه بأن


الواقع يؤكد أن طبقة أرباب الأعمال أو الرأسماليين تزداد عدداً واتساعاً بشكل مطرد
فى البلدان الصناعية والرأسمالية، وأن الانتقال لا يتم من القمة للقاع، وإنما من
القاع للقمة.

والجدير بالذكر هنا أن البراهين على بطلان قانون تراكم رأس المال لم يتأخر
ظهورها إلى ما بعد وفاة كارل ماركس (سنة 1883) وفردريك إنجلز (سنة 1895)،
ففى بريطانيا التى كان كارل ماركس فيها بصفة دائمة فى ذلك الوقت، صدر فى
سنة 1862 قانون الشركات الإنجليزى الذى أدى لتضاعف عدد الشركات والمشاريع
الخاصة عشرات المرات، وذلك بخلفه نمط الشركات المساهمة، وهى شركات أوجدت
فئة جديدة من الرأسماليين الذين لا يديرون مشاريعهم وإنما يركلون هذه المهمة
لخبراء يؤجرون على ذلك، وهو ما أدى بالفعل إلى عكس مضمون قانون تراكم
رأس المال.

وفى يقيننا أن النظم الرأسمالية المتقدمة قد نجحت ـ بلا أدنى شك ـ فى تحويل
«البروليتاريا» التى كانت قائمة فى زمن ماركس إلى طبقة وسطى ـ وسطى / Middle)
(Middle Class بكل ما يعنيه المصطلح من معان علمية.

كما نشير إلى ما أوردناه فى كتابنا (أفكار ماركسية فى الميزان)(14) من
إحصائيات نقلاً عن كتاب (الديمقراطية الفرنسية) للرئيس الفرنسى السابق (فاليرى
جيسكار ديستان) والتى تؤكد صعود الطبقة العاملة فى الدول الرأسمالية على السلم
الاجتماعى لا هبوطها عليه. أما قانون زيادة الفقر أو البؤس والذى تنبأ ماركس
بمقتضاه بأن الفقر والبؤس سيأخذان فى الازدياد بين معظم أفراد المجتمع ـ عدا دائرة
الرأسمالية الضيقة ـ وأن المجتمع سيأخذ فى التحول ـ بشكل حاد ـ إلى طبقتين لا
غير .. طبقة الرأسمالية التى ستأخذ فى التقلص وطبقة البروليتاريا التى ستأخذ فى الاتساع، وأن ثراء الطبقة الرأسمالية سيأخذ فى الازدياد فى نفس الوقت الذى سيزداد
فيه بانتظام بؤس وشقاء وفقر الطبقة العاملة.

فى رأينا أن قانون زيادة البؤس قد وضع ـ شأنه شأن كل النظريات الماركسية
الاقتصادية ـ لخدمة التحليل السياسى الماركسى. ويبدو هذا جلياً من سياق حديث
«إنجلز» ـ سنة 1980 ـ عن مرحلة التأزم المصلحى الحاد بين البروليتاريا والرأسمالية
التى ينجم عنها انفجار الوضع فى شكل ثورة بروليتارية دموية عنيفة. يقول إنجلز: ( وبعد
ما يحوّل أسلوب الإنتاج الرأسمالى أكثر فأكثر السواد الأعظم من السكان إلى
بروليتاريين. يخلق القوة التى لابد أن تهلك هلاكاً أو أن تقوم بهذا الانقلاب).

وإن الطبقات الوسطى مثل البرجوازية الصغيرة والموظفين والمثقفين وصغار أرباب
الأعمال الحرفيين، سوف تضغط بعنف إلى أسفل لتنضم إلى طبقة البروليتاريا عملاً
بقانون زيادة البؤس أو الفقر الذى يعد من قوانين ماركس الاقتصادية الرئيسية، وأن
الرأسماليين سيواظبون على تخفيض الأجور ومضاعفة الظروف القاسية للعمال.

ولا ريب أن السنوات التى تَلَت مَوتَ ماركس ( سنة1883) وحتى هذه اللحظة
والتى تبلغ قرناً كاملاً من الزمان إنما تؤكد أن قانون زيادة البؤس الماركسى، إنما هو
قانون بُنىَ على خيالات دَحَضَها الواقع:

فما لا ريب فيه أن أحوال الطبقة العاملة التى وصفها إنجلز قد تطورت إلى
الأحسن بل واستمر تطوزرها إلى الأحسن باطراد منذ عهد ماركس وإنجلز إلى
وقتنا هذا.

ومما لا ريب فيه أن العامل الذى وصفه ماركس وإنجلز منذ قرن من الزمان والذى
كان يعمل طوال ساعات النهار وقسماً من الليل، فى ظروف بالغة المشقة ومجرداً من
كل الضمانات، والذى كانت حياته الخاصة تَتْرَع فى البؤس وأسوأ الظروف المادية
والصحية والاجتماعية التى لا يصفها إنجلز فى كتابة المشهور عن حالة الطبقة العاملة
البريطانية فى منتصف القرن التاسع عشر كما يصفها أدب القرن التاسع عشر وعلى
رأسه أعمال الروائى البريطانى الأشهر تشارلز ديكنز المبدعة، لا ريب أن هذا العامل ما
عاد له وجود إطلاقاً فى زمننا هذا فى الدول الصناعية الرأسمالية وإن وجدت نسخ منه
فى أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتى، أما عامل النظم الغربية المعاصر فينعم بأجور
مرتفعة وينعم بحياة زاخرة بالكماليات من آخر منتجات العصر، وتزخر المكتبات العالمية
بعشرات المراجع الموثوق بها إلى أبعد حد عن شظف العيش ومشتاق الحياة فى المجتمع
السوفيتى، ولا سيما بالنسبة للناس العاديين الذين لا يستمتعون بامتيازات الطبقة
الحاكمة وأبنائها. ولشديد الأسف فإن المكتبة العربية خالية تماماً من هذه المؤلفات
العالمية ذائعة الصيت فى اللغات الغربية ذات الانتشار الواسع، فمعظم المؤلفات العربية
عن الحياة فى المجتمع السوفيتى وفى سائر مجتمعات الكتلة الاشتراكية تتسم بالسطحية
البالغة (مثل كتاب «شيوعيون فى كل مكان» لموسى صبرى). لذا فإننا نجد أنفسنا
مضطرين لإحالة القراء لواحد من أشهر الكتب العالمية فى هذا المجال، وهو كتاب
الصحافى البريطانى المعروف هيدريك سميث وعنوانه (الروس) وهو الكتاب الذى
نشرت عنه مئات المقالات المنوهة به بكبريات الصحف العالمية، والذى نال أكبر جائزة
أدبية فى الولايات المتحدة الأمريكية وهى جائزة بوليتزر: (Pulitzer Prize).

Hedrick Smith: The Russians. Sphere Books: London, 1980.

وقد نشر هذا الكتاب لأول مرة فى لندن سنة 1976 ثم صدرت منه عدة طبعات
أخرى، آخرها(42) الطبعة السابعة الصادرة فى أوائل 1980 بلندن، وسجل الكتاب الرقم
القياسى فى التوزيع بين كل المؤلفات التى وضعت فى العالم عن الحياة فى الاتحاد
السوفيتى، وننصح القارئ بأن يراجع بالذات عرض المؤلف الرائع لظروف الحياة بالغة
القسوة فى الاتحاد السوفيتى فى الفصل الثانى من الجزء الول وعنوانه The Art of
Queuing ويمكن أن يترجم بـ(فن الوقوف فى طوابير) أو (فن الاصطفاف)(43).

ومن العجيب أن دور النشر العربية تتجاهل كتاباً بهذا الانتشار العالمى حصل على
جائزة أدبية تقارن ـ عالمياً بجائزة نوبل السويدية ووصفته كل من صحيفة التايمز
اليومية الأمريكية، وجريدة الصنداى تايمز الأسبوعية البريطانية بأنه كتاب عبقرى،
وكتبت عنه الأبزرفر: (إذا أردت أن عرف أكبر كمية من الحقائق عن الحياة فى روسيا
اليوم فلا شك أن أفضل شئ تفعله أن تذهب إلى هيدريك سميث، فكتابه هذا سيعد
لسنوات طويلة قادمة أكمل مدخل للتعرف إلى الحياة الروسية) .. ولكنه نفس العجب
الذى يجعل المكتبة العربية ـ دون معظم مكتبات العالم ـ خالية من أعمال
سولجينيتسن.

ولعل تكذيب الواقع العملى التطبيقى لهذه النظريات والقوانين الاقتصادية التى
من مجموعها يتكون مذهب ماركس الاقتصادى والتى أوردها ماركس فى كتابه رأس
المال ـ بأجزائه الثلاثة ـ هو ما حدا بأعظم اقتصاديى القرن العشرين وهو الاقتصادى
البريطانى الشهير «جون كينز» لأن يصف كتاب رأس المال بقوله إنه (كتاب دراسى
مبتذل فى الاقتصاد، ليس خطأ من الناحية العلمية فحسب، وإنما لا أهمية له للعالم
الحديث ولا يطبق فيه كذلك).

ولعل ذلك أيضاً هو ما دفع بالفكر الفرنسى الاجتماعى الشهير «جورج سوريل»
لأن يقول ـ بحق ـ (إن تجربة النظرية الماركسية فى القيمة توضح لنا أهمية الدور
الكبير الذى يؤديه الغموض فى إظهار المذهب بمظهر القوة)! وفى النهاية، فإننا نلَخص
رأينا فى النظرية الاقتصادية الماركسية بأن أفضل حكم عليها، هو ذلك الحكم
المستخلص من الملاحظة التى أوردناها من قبل، فماركس ليس اقتصادياً بأى شكل من الأشكال، وتسلسل كتابات ماركس تاريخياً يثبت أنه لم يتطرق للاقتصاد إلا تحت
ضغط الضرورة التى كانت تلزمه بإضفاء صفة العلمية على مذهبه، ودعمه بالشق
الاقتصادى، كيلا يظل طوراً من أطوار الفلسفة التى أنتجها الهيجليون اليساريون، وأن
دراسة ماركس للاقتصاد لم تبدأ كدراسات آدم سميث وريكاردو وجون ستيوارت ميل
من مراقبة الحياة الاقتصادية بهذف استخلاص قوانينها، وإنما بدأت من نقطة
انطلاق (سياسية).

ودراسة (رأس المال) بأجزائه الثلاثة تثبت أن ماركس بدأ مذهبه الاقتصادى من
نقطة البحث عن دليل عن دليل يثبت أن الرأسمالى ( مستغِل) للعمال، وأنه لا يعمل شيئاً إلا
الاستيلاء على فائض قيمة عملهم.

وقد دَفَعَهَ هذا المنطق لأن يؤسس مذهبه الاقتصادى ـ كما رأينا ـ على نظرية
قيمة العمل ونظرية فائض القيمة بهدف إثبات استغلال الرأسمالية للعمال.

وإذا تركنا الحديث عن النظرية الاقتصادية الماركسية جانباً. وتساءلنا عن فعالية
النظم المستقاة مما يطلق عليه الاقتصاد الماركسى، فماذا نجد؟ وهل حقيقة أن الاقتصاد
الماركسى الذى تتبع خطاه وتعاليمه ديكتاتوريات البروليتاريا ـ إبان الطور الاشتراكى ـ
كما هو الحال الآن فى الاتحاد السوفيتى والصين الشعبية وبلدان أوربا الشرقية وكوبا
قمين بتحقيق الوفرة الاقتصادية العظيمة التى هى الأساس المادى لبلوغ مرحلة
الشيوعية العليا حيث تزول الدولة والقوانين والملكية الخاصة تماماً وتصبح الأموال
والنساء على الشيوع ويأخذ كل حسب حاجته بصرف النظر عن طاقته؟ علماً بأن
طور الشيوعية العليا هو الهدف السياسى الأعلى للماركسية بكل جوانبها الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية.

وفى الرد على هذا السؤال نقول: إنه إذا كان لمطالعة الدراسات الاقتصادية الرصينة
التى وضعت فى الغرب عن مذهب ماركس الاقتصادى الدور الأكبر فى انتهائنا إلى
موقف لا يرى فى مذهب ماركس الاقتصادى هذا إلا تلفيقاً لبراهين اقتصادية بهدف
إثبات وتدعيم التنظير السياسى الماركسى ـ فإن خبرة الواقع المعاش، والمستقاة أساساً من
معايشة التجارب الاشتراكية فى بلدان العالم الثالث، ولا سيما فى مصر وسوريا والعراق
وليبيا والجزائر ـ فضلاً عن كثرة التجوال بين عشرات البلدان التى تنتمى لعشرات
المستويات المختلفة: حضارياً واقتصادياً بوجه خاص، هو ما قادنا للاعتقاد الجازم بأن
الاقتصاد الاشتراكى غير قمين ـ بأى شكل من الأشكال ـ بتحقيق تلك الوفرة
الإنتاجية التى هى أساس الشيوعية.

فمما لا شك فيه أن الوضع الاقتصادى فى البلدان الاشتراكية، سواء تلك التى
تطبق ديكتاتورية البروليتاريا على أساس النوذج أو النمط السوفيتى، أو بلدان العالم
الثالث ـ مثل مصر الناصرية والدول التى حَذَت حَذوَها ـ لا ينبئ إطلاقاً بإمكانية
تحقيق أية وفرة إنتاجية تكفل المجتمع الشيوعى الذى تخيله ماركس.

ولا ريب أن (بؤس) الاقتصاد الاشتراكى لا يَعِد بأى انفراج حاد مستقبلى.

ولا ريب أن الذين فرطوا فى (الحريات العامة) من أجل وضعية اقتصادية أفضل،
قد اكتشفوا أنهم فرّطوا فى الأمرين معاً وبدرجة واحدة.

وإذا كان الاشتراكيون يتشدقون منذ سنوات بأن الحرية الحقيقية هى الحرية
الاقتصادية ةالاجتماعية وليست الحرية السياسية، فإن نماذج نظمهم تؤكد أنهم قد
أقاموا نظماً خالية من الحرية الاقصادية والسياسية والاجتماعية معاً.

وعندما أتيح لنا أن نطالع مئات الدراسات الاقتصادية عن الوضع الاقتصادى
والاجتماعى فى الاتحاد السوفيتى وبلدان أوروبا الشرقية، وعندما أتيح لنا التعرف إلى
شخصيات عالمية متخصصة فى دراسة الاقتصاد السوفيتى مثل البروفيسور Alec Nove
وعندما أتيح لنا الجلوس لساعاتطوال فى مقاهى الحى اللاتينى بباريس مع عشرات المفكرين والفنانين والأدباء الهاربين من الاتحاد السوفيتى وتشيكوسلوفاكيا والمجر
والصين ورومانيا وكوبا، فإن ما خرجنا به كان صدمة هائلة للاعتقاد الخاطئ بصدد
الوضع الاقتصادى ـ العام والفردى ـ فى بلدان الكتلة الاشتراكية عامة وفى الاتحاد
السوفيتى بوجه خاص والذى ظل كبار الرفاق الماركسيين فى مصر يحدثوننا عنه
سنوات طوالاً، وكم من ساعات جلس كاتب هذه السطور ينصت لإحصائيات سوفيتية
يقرؤها له ولزملائه من طليعة التكوينات الماركسية فى مصر خلال النصف الثانى من
الستينات (فزم) قطب التنظيمات الشيوعية المصرية خلال الخمسينيات عن رفاهية
الحياة فى المجتمعات الاشتراكية، وكيف أن مستويات التغذية والملابس والعطلات فى
الدول الاشتراكية تفوق مثيلاتها فى المجتمع الرأسمالية !!

وكم من إحصائيات زائفة عن عطلات نهائية الأسبوع والتعليم والرياضية ووسائل
الترفيه ومستويات التغذية والرعاية الصحية فى الاتحاد السوفيتى، جنة البروليتاريا
والمظلومين كافة، قد سُكبَت فى أذهاننا التى لم يكن قد أتيح لها من وسائل المعرفة
عن تلك الأمور إلا وريقات مجلة (الاتحاد السوفيتى) وما شابهها من منشورات مكتظة
بالبيانات والإحصائيات التى لا أساس لها من الصحة، والتى من مجموعها يتكون
سلاح الشيوعية الدولية الأول: الإعلام الشيوعى.

وكما كان التفكير العملى البرجماتى (44) هو وسيلتنا لاتخاذ موقف نهائى فى
العديد من المسائل الفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فإنه كان أيضاً وسيلتنا
لبلوغ موقف نهائى من حقيقة الاقتصاد الاشتراكى، فلو كانت روايات الشيوعيين فى
كل مكان عن نجاحات الاقتصاد الاشتراكى حقيقة فعلية، فمن المؤكد أن الحرية
الاقتصادية والاجتماعية التى يعتبرها الماركسيون الجوهر الحقيقى للحرية هى أمر متوافر
فى المجتمعات الاشتراكية، ومن المؤكد أن الحرية السياسية التى تَتبع فى رأى
الماركسيين الحرية الاقتصادية والاجتماعية هى أيضاً أمر متحقق فى المجتمعات
الاشتراكية. وإذا افترضنا جدلاً صحة المقولتين الآنف ذكرهما. فبماذا تعلل ضرب
النظم الاشتراكية للأسوار حول شعوبها، وإحاطتهم بالقيود العديدة التى تَحول بينهم
وبين السفر والانتقال لرؤية العالم الآخر، العالم الرأسمالى المتخَم بالاستغلال والمظالم
والطبقية؟ وهل يعقل أن تترك نظم الجحيم (الرأسمالى) الرقيق البروليتارى فيها ينطلق
ليرى العالم بأسره، ويرى ـ فيما يرى ـ فردوس العمال فى الدول الاشتراكية، وأن
تفعل نظم الفردوس العمالى النقيض: فلا تترك أبنائها ليروا بعيونهم مظالم وعبودية
المجتمعات الرأسمالية؟!!

ونحن نصر دائماً على اعتبار (مصر الناصرية) المثال الأكبر فى العالم الثالث على
فشل وإخفاق كل النظم الاشتراكية الاقتصادية، فمن تجربة مصر الناصرية نرى كيف
يؤدى استئثار النظام الاشتراكى بأرزاق الشعب إلى انهيار تام: اقتصادى وثقافى
واجتماعى وعسكرى وسياسى.

وفى يقيننا أن آفة مذهب ماركس الاقتصادى، وبالتبعية آفة كل النظم الاقتصادية
الاشتراكية، أنها تَتَوَخى نظام اقتصادى ناجح بعد أن تكون قد استأصلت شأفة العامل
الأوحد للنجاح الاقتصادى فى العالم، وهو دور المبادرة الشخصية فى العمل والابتكار
والخلق والإضافة.

وفى رأينا أن استحالة تحقيق النظم الاشتراكية للوفرة الإنتاجية التى هى الأساس
المادى للشيوعية العليا إنما ترجع لحقيقة أن المجتمع الاشتراكى لا يملك عنصر أو
عامل الحركة للأمام، والتى دفعت البشرية ـ من خلال تطورها التاريخى ـ لقفزات
هائلة فى الإنتاج، ونعنى (المبادرة الفردية).

ففى ظل المجتمعات الاشتراكية تحتفى بلا ريب الحوافز التى تدفع الصفوة للقفز
بالمجتمع للأمام، فيبقى المجتمع ينتظر حدوث المعجزة بواسطة العامة الذى لا يملكون ـ
بالطبع ـ مكن وأهلية إحداث ما هو مأمول وينتظر منهم.

ولا أدل على ذلك من خلو المجتمعات الاشتراكية من الإبداع الفنى والدبى
تماماً.

فأين روسيا السوفيتية ـ أدبياً ـ من روسيا القيصرية؟

وأى أدب وفكر وثقافة وموسيقى وفنون وأوبرا وسينما ومسرح أنتجها النظام
الاشتراكى فى أى مكان؟ وإذا تركنا الابتكارات الأدبية ـ بالمعنى الواسع الفضفاض
للكلمة ـ وانتقلنا للإبتكارات العلمية، وجدنا أن الابتكارات العلمية فى الدول
الاشتراكية تفتقد عنصر المبادأة تماماً.

فالقنبلة الذرية يخترعها الأمريكيون، وبعد سنوات ينتجها السوفيت .. والصواريخ
وأسلحة الدمار والطائرات يخترعها الغربيون، ويكرر إنتاجها السوفيت.

وقل نفس الشئ فى الطب والهندسة والصناعات المختلفة كصناعات السيارات
والأدوات الكهربائية.

ونحن نعتقد اعتقاداً جازماً أنه بدون دور الفرد المتميز والذى يطلق عليه المبادرة
الفردية فإن البشرية ستعود على أيدى (العاديين) من الناس القهقرى فى أقل من عدد
من السنوات حتى تبلغ مستويات العصر الحَجَرى .. بل إننا فى الإيضاح، فنقول
إنه لا خلاص ولا أمل للناس العاديين (العامة) إلا فى عبقرية الصفوة المتميزة، وإنه
يفعل المبادرة الفردية فإن هؤلاء (العاديين) ينالون أضعاف ما ينالونه فى مجتمع
يقودونه بأنفسهم بعد اغتيالهم لشروط انظلاق المبادرات الفردية، ولينظر أبناء منطقتنا
إلى (مصر) التى أنتجت بفعلِ المبادرةِ الفردية أعظم العقول قبل فرض النظام الناصرى
لشروط استأصلت تماماً المناخ المناسب للمبادرات الفردية.

ففى مجال الطب أنجبت مصر جيلاً عظيماً من الأطباء، فى سائر مجالات
التخصص، كانوا على قدم المساواة بأطباء أكثر الدول تقدماً، وفى مجالات العلوم،
أنجبت مصر جيلاً كان على رأسه: د. مشرقة، وفى مجالات الآدب أنجبت مصر
عشرات الأسماء اللامعة: العقاد، طه حسين، أحمد أمين، توفيق الحكيم، المازنى،
شكرى، زكى مبارك، أحمد شوقى، حافظ أمين، الرافعى، المنفلوطى، نجيب
محفوظ .. وفى مجالات القانون والسياسة البرلمانية والموسيقى والاجتماع وعلم النفس
والهندسية ... الخ. أنجبت مصر ذلك الجيل الذى دفعها دفعة عظمى، كانت كفيلة
لولا الكبوة التى جَرَها إليها النظامُ الناصرى، بوضع مصر على مصاف كبريات
دول العالم.

وما إن نجح النظام الاشتراكى فى مصر فى اجتثاث شأفة المبادرة الفردية، حتى
تحولت مصر إلى عكس ما كانت عليه تماماً، وأمامنا صورتها المعاصرة،وليُجبنا أى
مجيب عن أسباب خلو مصر ـ المعاصرة ـ من الفنانين والأدباء والمفكرين الذى
يضاهون جيل الثلاثينيات والأربعينيات؟ ... ولما ينحسر جيل العظماء علمياً وطبياً
بانتهاء الجيل القديم؟ ... ولماذا تحول ـ بكلمة ـ الخصب إلى جدب؟ الجواب بعبارة
واحدة: هو اجتثاث شأفة المبادرة الفردية التى تخلق إطار التقدم العام، التقدم الحقيقى
لا اللفظى.

ومن أكبر أدلة نجاح الإعلام الديماجوجى الماركسى فى العالم كله أن تظل
المقارنة ممكنة بين اقتصاد الشرق الاشتراكى واقتصاد الغرب الرأسمالى والذى يشبه فى
رأينا الجدل حول كمية النور والضوء: أهى أكثر أثناء الليل أم أثناء النهار؟


ــــــــــــــــ

1- رغم تنكر الشيوعيين الأوربيين أمثال برلنجوير (فى ايطاليا) ومارشيه (فى فرنسا) وسانتاجو كاريو (فى
أسبانيا) لنظرية العنف الثورى وضرورة تحقيق الانتقال للاشتراكية عن طريق العمل الثورى العنيف (الدموى)
وهو ما سبقهم إليه برنشتين فى كتابه (الاشتراكية التطورية) وكاوتسكى فى كتابه (ديكتاتورية البروليتاريا)
قبل قرابة ثمانين سنة بالنسبة لبرنشتين ونحو ستين سنة بالنسبة لكاوتسكى، فإنه من المؤكد أن هذا التنكر
لهذا المبدأ يخرج بأصحابه من «أرض الماركسية» إلى «أرض الاشتراكية الديمقراطية» التى يصفها الماركسيون
الرسميون والأرثوذكسيون بأم المذاهب التحريفية. أما الماركسيون الملتزمون بماركسية ماركس وانجلز ولينين،
وعلى رأسهم أقطاب الأحزاب الشيوعية التى تمكنت من بلوغ السلطة فى بعض بلدان العالم فأنهم يرفعون
رايات مختلفة تماماً فى هذا الصدد وإننا ندعوا القراء لمطالعة مؤلف إنجلز (العنف الثورى) وقد ترجم للعربية
ونشر فى بيروت سنة 1972، كما ندعوهم لمطالعة ما كتبه ماوتسى تونج فى هذا الصدد فى أكثر من
موضوع، ونكتفى هنا بنبذة من كتابات ماو هذه دون إطالة:

- يقول «ماو» فى كتابه (فى التناقض) سنة 1937 : (إن الثورات والحروب الثورية لا يمكن تجنبها فى
المجتمع الطبقى، وبدونها يستحيل تحقيق أى قفزة فى التطور الاجتماعى والإطاحة بالطبقات الحاكمة
الرجعية ليظفر بالسلطة السياسية).

- ويقول «ماو» فى كتابه (حول الحرب طويلة الأمد) سنة 1938 : إن الحرب هى امتداد للسياسة ولكن
بوسائل أخرى، فحين تتطور السايسة إلى مرحلة معينة لا يمكنها أن تتطور بعدها بالوسائل العادية، تندلع
الحرب كى تزيح العقبات التى تعترض طريق السياسة).

- ويقول «ماو» فى (قضايا الحرب والاستراتيجية) سنة 1938 : ( على كل شيوعى أن يدرك هذه الحقيقة: من
فوهة البندقية تنبع السلطة السياسية) كما يقول فى نفس الكتاب: (وبهذا المعنى يمكننا أن نقول إنه لا
يمكن إصلاح العالم كله إلا بالبنادق).

2- راجع عرضنا ونقدنا لمسألة ديكتاتورية البروليتاريا فى كتابنا (أفكار ماركسية فى الميزان):

- الطبعة الثانية : دار المعارف بمصر، 1980، ص 87 – 110 .

3- كتب كارل ماركس ـ بالاشتراك مع فردريك إنجلز ـ هذا الكتاب سنة 1845 وأوائل 1846 ولكنه لم ينشر
لأول مرة إلا بالروسية فى الاتحاد السوفيتى بعد ثمانين سنة.

4- بل إننا نجد أن تعليقات دار التقدم بموسكو على المجلد الثالث من مختارات (ماركس وإنجلز) تذكر صراحة
(ملاحظة26 صفحة426 من المجلد الثالث) أن الاشتراكية قد أصبحت علماً بفضل اكتشاف «ماركس»
للمفهوم المادى للتاريخ ولنظرية القيمة الزائدة، والزعم بأن كارل ماركس هو مكتشف المفهوم المادى للتاريخ
هو من المسائل التى أصبحت، بفعل تكرار الماركسيين وعدد غير قليل من الباحثين غير الماركسيين لها
وكأنها مسلمة فكرية لا تقبل النقاش، رغم أن الباحثين المدققين فى تاريخ المذاهب والأفكار لا يسعهم إلا
رفض هذه (المسلمة) الفكرية التى لم يكتب لها الذيوع الإ بفعل قوة الإعلام الماركسى ومنهج ماركس
وأتباعه الديماجوجى فى نسبة (العلم التاريخى) بأسره لماركس دون سواه. وإذا كان الدرس الأعظم المستفاد
من المنهج الديكارتى هو عدم القبول الأعمى للمسلمات قبل تمحيصها، فإننا نجد أن معظم المفكرين غير
الماركسيين يهملون هذا الدرس ـ سهل الفهم، صعب التطبيق ـ والمستفاد بلا ريب من « ديكارت» فهم لا
يرهقون أنفسهم بتمحيص دعوى كدعاوى الماركسيين هذه بأن ماركس هو مكتشف المادية التاريخية، وإلا
لاكتشفوا ان المادية التاريخية قديمة قدم أرسطو، وأن مفكرين مثل هارجتون و «ماديسون» قد صاغوها قبل
ماركس بسنوات، كما أن المفكر الفرنسى قسطنطين بيكه قد عرضها بشكل متكامل وبالغ الوضوح قبل
ماركس أيضاً بسنوات. ويقال نفس الشئ على نظرية الصراع الطبقى التى وصفها فردريك إنجلز بأنها
(النظرية الفريدة من نوعها التى أوجدها ماركس) فالبحث العلمى الرصين يؤكد لنا أن معظم الاتجاهات
المتطرفة منذ عهد الثورة الفرنسية قد تبنت نظرية الصراع الطبقى، وأن بابيف قد بسطها فى كتابه (بيان
المساواة) «Manifeste des Egaux» سنة 1796، وهو الكتاب الذى تجاهله كارل ماركس تماماً فى
حديثه عن الاشتراكيين الطوباويين، كما أن «بلانكى» L.Blanqui – أول من استعمل تعبير ديكتاتورية
البروليتاريا ـ قد أكد نظرية الصراع الطبقى فى محاكمات سنة 1832 . كذلك عرف سان سيمون
« Saint-Simon» نظرية الصراع الطبقى كما عرفها تلاميذه وفى مقدمتهم «بازاراد» الذى شرحها فى كتابه
(عقيدة سان ـ سيمون) وعرفها كذلك الاشتراكى الألمانى «كارل براون» الذى كتب بالحروف الواحد سنة
1844 ، ( إن التاريخ مجرد حرب مستمرة فى جوهرها بين المحظوظين والمالكين والفاتحين من ناحية، والتعساء
والمضطهدين والمسلوبين من ناحية أخرى) ونحن فى كل ما أوردناه فى هذا الهامش لا نفترى على ماركس
والماركسية بالباطل، ولا أدل على ذلك من أن القارئ يستطيع أن يطالع هذه الحقائق فى كتاب المفكر
السياسى البريطانى الشهير هارولد لاسكى (H.Laski) فى دراسته (Communism) التى وضعها سنة
1927 ، علماً بأن لاسكى يعد بلا شك من أقرب المفكرين السياسيين البريطانيين للماركسية ومن أشدهم
إعجاباً بالثورة الروسية التى ترجم لها فى كتابه المشهور (تأملات فى تراث العصر، دار القلم، القاهرة، 1966،
ص 53-115).

5- راجع نص الكلمة كاملاً فى المجلد الثالث من (مختارات ماركس ـ إنجلز) طبعة موسكو ص 135 – 138
(الطبعة العربية الصادرة عن دار التقدم ـ بدون تاريخ ).

6- وضع ماركس هذا البحث ـ كرسالة دكتوراة ـ خلال سنتى 1841 ـ 1842 . والمقصود بالدكتوراة هنا ـ وفق
النظام الألمانى وقتذاك ـ الشهادة الجامعية الأولى أى الليسانس أو البكالوريوس.

7- ترجم مخطوطات سنة 1844 إلى العربية إلياس مرقص ونشرها بعنوان (مختارات من المؤلفات الأولى لكارل
ماركس: 1842 – 1846 ) عن دار دمشق للطباعة والنشر (بدون تاريخ) راجع بالذات الصفحات من 47
إلى 72

8- اعتاد الكتاب العرب ترجمة اسم هذا الكتاب بنقد فلسفة الحقوق عند هجيل وسبب ذلك أن المترجمين
السوريين واللبنانيين يترجمون كلمة (Droit) الفرنسية فى هذا المقام بكلمة (الحقوق) والصواب هو ما يفعله
القانونيون المصريون عندما يترجمونها بالقانون وليس بالحقوق فالكلمة الفرنسية تعنى القانون كما تعنى
الحقوق، وهذا ما نفعله عندما نترجم (Droit Penal) بقانون العقوبات (فى مصر) بينما يترجم فى لبنان
وسوريا بالحقوق الجنائية.

9- نشر الكتاب فى حياة ماركس بالإنجليزية بعنوان Poverty of Philosophy لذا فالأصوب أن يترجم للعربية
بفقر الفلسفة وليس ببؤس الفلسفة كما يفعل معظم الكتاب العرب.

10- ماركس ـ إنجلز: مختارات، المجلد الثانى، دار التقدم، موسكو، ص 311.

11- تصفه كذلك النشرات الرسمية السوفيتية بكنز الشيوعية العلمية (راجع صفحة317من المرجع السابق).

12ـ راجع النص الكامل للبحث فى: ماركس / إنجلز: مختارات، المجلد الثالث، دار التقدم، موسكو، ص 5ـ24.

13ـ يمكن للباحث بدراسته للمجلد الأول من «رأس المال» أن يسقط من حسابه هذا الكتاب «مساهمة..»
حيث إن ماركس أعاد برأس المال كتابة فصول هذا الكتاب كلها بشكل أكثر إسهاباً.

14ـ كارل ماركس: الأجور والأسعار والأرباح، النص الكامل فى «مختارات ماركس ـ إنجلز» موسكو (بدون
تاريخ) المجلد الثانى، ص 45 – 42 .

15ـ كارل ماركس: رأس المال، ترجمة د. راشد البراوى، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثالثة، 1970 ،
ص 6 – 1.

16ـ آثرنا أن نورد الترجمة العربية للدكتور جلال أحمد أمين لا ترجمة د. راشد البراوى للفقرات التالية، وذلك
ليقيننا أن ترجمة د. جلال أمين ـ وإن كانت لثلاث صفحات فقط على خلاف ترجمة د. البراوى التى
شملت المجلد الأول بأكمله من رأس المال ـ إلا أنها ليست ترجمة لغوية فحسب ولكنها ترجمة لا يحتمل
أن يفوتها المصطلح السليم، ونحن ننصح القارئ العربى بمطالعة كتاب (الماركسية ـ عرض وتحليل ونقد
لمبادئ الماركسية الأساسية فى الفلسفة والتاريخ والاقتصاد) للدكتور جلال أمين بسبب ما يقدمه من عرض
ونقد ممتازين لمبادئ الماركسية ولا سيما فى الاقتصاد.

17ـ هو د. أحمد جامع فى كتابه الكبير (المذاهب الاشتراكية) الطبعة الأولى1967، ص 243.

18ـ راجع هذه الفقرة فى صفحة 151 من الجزء الثالث من (رأس المال) فى طبيعته الإنجليزية الصادرة عن دار
النشر باللغات الأجنبية بموسكو، وهى الطبعة التى عولت على الترجمة التى اعتمدها إنجلز بنفسه.

19ـ د. جلال أمين: الماركسية، ص 160.

20ـ نشر البروفيسور P.Sweezy نقد البروفيسور B.Bawerk لنظرية ماركس فى القيمة مع رد البروفيسور
Hiferding عليه مع تعليقه الخاص (Sweezy) فى كتاب واحد.

21 ـ راجع: كارل ماركس: رأس المال، ترجمة د. البراوى ص 288-278-277-268-194-175.

22 ـ كارل ماركس: الأجور والأسعار والأرباح، ص63.

23 ـ المرجع السابق: ص 64-63.

24 ـ راجع غرض نظرية القيمة بقلم ماركس نفسه فى المرجع السابق، ص 52-41.

25 ـ (1817) David Ricardo: Principless of Political Economy and Taxation

26 ـ راجع فى هذه المسألة:

جورج سول: المذاهب الاقتصادية الكبرى، ترجمة د. راشد البراوى 1953، ص 97 وما بعدها حيث يوضح
أن مذهب ماركس الاقتصادى مأخوذ بالكامل عن الكتاب الأقتصاديين الكلاسيكيين، مع اختلاف فى
توظيف الأفكار.

27- Edward Bernstein: Evolutionary Socialism, English Edition of 1909, P.270

28- R.N. Carew Hunt: The Theory and Practice of Communism, 5th Chapter(on Marxian
Economy).

29- Roads To Freedom



30- R.Meek: Studies in the Labour Theory of Value. Lawrence & Wishart: London,
1958, P. 172 .

31- «العمل الميت» عند ماركس هو العمل المتراكم فى شكل آله أو مادة أولية.



32- الاستفادة من التدريب غير التدريب، فالأولى (ذاتية) والثانية (موضوعية)، بمعنى أنه وإن جاز اعتبار التدريب
عملاً، فإنه لا يمكن اعتبار الاستفادة الخاصة من التدريب كذلك بسبب جوهرها الذاتى أو الشخصى.

33- أوردنا فى موضوع آخر من هذا الكتاب نص عبارات فردريك إنجلز التى يصرح فيها بأن العمل الذهنى
والإدارة بالذات ليسا من قبيل العمل المنتج الذى تعترف النظرية الاقتصادية الماركسية به كمصدر للقيمة.

34- ربما لا يعلم معظم القراء أن أن الاتحاد السوفيتى وسائر الدول الاشتراكية التى حذت حذوه لم يتمكنوا
جميعاً ـ رغم الشعارات المرفوعة ـ من القضاء على نظام الميراث عن الطبيعة البشرية، ونحن نحيل القارئ
الذى يريد الاستزادة بخصوص هذا الموضوع إلى الباب السابع من أسس التشريع المدنى لاتحاد الجمهوريات
السوفيتية والجمهوريات المتحدة، والمعمول به ابتداء من 1962/5/1، وهو الباب المخصص لقانون الميراث (المواد

م117 إلى 121 ( وذلك فى المجلد الذى نشرته دار التقدم بموسكو سنة 1974 تحت عنوان ( أسس التشريع
لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية والجمهوريات المتحدة) ترجمة الدكتور ثروت أنيس الأسيوطى.

35- كما هو الحال مثلاً فى صناعة السيارات فى فرنسا حيث نجد مشروع «رينو» العام إلى جوار مشروع
«ستروين» الخاص.

36- دكتور جلال أمين، أستاذ الاقتصاد فى جامعة عين شمس ثم فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة والحاصل على
الدكتوراة فى الاقتصاد من جامعة لندن سنة 1965. وهو ابن الأديب الكبير المرحوم أحمد أمين.

37- د. جلال أمين: الماركسية، عرض وتحليل ونقد لميادئ الماركسية الأساسية فى الفلسفة والتاريخ والاقتصاد،
طبعة 1970، ص 172.

38- المرجع السابق: ص 173-172.

39- مات كارل ماركس فى سنة1883.

40- شرح «كارل ماركس» ما أسماه «بالقانون العام للتجميع الرأسمالى» فى الفصل الثالث والعشرين من المجلد
الأول من رأس المال، وأطلق على تلك القاعدة (القانون المطلق العام للتجميع الرأسمالى) ـ كارل ماركس:
رأس المال، ترجمة د. راشد البراوى، الطبعة الثالثة، 1970، مكتبة النهضة المصرية، ص671-582 وبالذات
الصفحات من 582 إلى 622.

41- طارق حجى: أفكار ماركسية فى الميزان، الطبعة الثالثة (1980) ص 79-78.

42- حتى لحظة تأليف هذا البحث.

43- الصفحات من 74 إلى 107 من كتاب «الروس» لهيدريك سميث.

44- يستعمل المؤلف تعبير (البرجماتى) بمفهومه المستعمل فى اللغات الغربية المعاصر لا بمفهومه الفلسفى
الخاص بالمذهب الذرائعى الأمريكى.







#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكر وإمتنان لموقع الحوار المتمدن وقراءه.
- ماذا فعل 23 يوليو 1952 بمصر؟ (1)
- عبقرية سعد زغلول .
- هلوسات 1- 2
- هلوسات ثقافية
- مرة أخري (وليست أخيرة) : -عن مظالم الأقباط أكتب- ...
- رسالة لوزير الأوقاف المصري .
- الأحزاب الدينية : محض وهم ومخادعة
- سجون الثقافة العربية : السجن الثالث : الرعب من الحداثة
- سجون الثقافة العربية : السجن الثاني : المفاهيم السلبية الشائ ...
- إصلاح التعليم : ماذا يعني ؟
- سجون الثقافة العربية السجن الأول : الثقافة الدينية السامة.
- هل من تفسير ؟
- لو كنت كرديا من سوريا ... : سلسلة - لو كنت ..... - الحلقة ال ...
- مرة أخرى: مسيحيو مصر (عرض لمرض مجتمع).
- بمثل هذا الموقع (الحوار المتمدن) -قد- نستطيع بدء نهضة ثقافية ...
- من ذكريات زيارة حديثة لكردستان الرائعة
- قرار تقسيم فلسطين نوفمبر 1947 : من دفاتري القديمة
- تراجيديا المرأة فى مجتعنا - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة...
- الشرق والغرب : الفهم المفقود.


المزيد.....




- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - طارق حجي - طارق حجي : من المؤلفات الأولي : الإقتصاد الماركسي .