أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - الدولة والإنتاج الثقافي















المزيد.....

الدولة والإنتاج الثقافي


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2588 - 2009 / 3 / 17 - 08:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ـ1ـ
الدولة كينونة سياسية بمؤسسات عامة. وهي صيغة للتحكم بالمجتمع وإدارة موارده في ضوء قوانين تضعها وتتقيد بها، وتفرضها على العائشين كافة في ضمن الحدود الجغرافية الرسمية الخاضعة لسلطتها. وهي لا تحتكر حق إصدار القوانين فحسب، وإنما حق امتلاك أدوات الإكراه لتنفيذها. وهنا، نظرياً، تبرز فرشة واسعة من المفاهيم والقضايا المتعلقة بهذا الأمر منها: ( العقد الاجتماعي، الديمقراطية، الشرعية، إدارة التناقضات والصراعات، المصالح المتوافقة والمتضاربة، الخ ). وفيما يخص الثقافة فإن الدولة بمفهومها وواقعها الحديثين ليست آلة للإنتاج الثقافي، أو أداته. لكنها تعمل بعدِّها سلطة أولاً، على تحديد اشتراطات ذلك الإنتاج، بهذا القدر أو ذاك. فهي،( أي الدولة ) إذن، ومن هذا الجانب، يمكن أن تتولى وظيفة الحاضنة ( الجيدة أو السيئة ) للإنتاج الأدبي والفني والفكري.
تضع الدولة، مهما كانت فلسفتها وشكلها، نصب عينها على الثقافة وإنتاجها. وتنظر بعين الريبة والحذر، لاسيما في العالم العربي، إلى مؤسسات الإنتاج الثقافي، التقليدية والحديثة، وحتى التابعة لها، خوف أن تتسلل وتفلت من قبضتها نتاجات لا ترضيها. فهي ( أي الدولة ) لا تستطيع تجاهل هذا البعبع المزعج الذي ينخز في خاصرتها، والذي يراقب وينتقد ويقوّم ويطالب ويحرّض، مؤثراً، بعمق أحياناً، في الرأي العام والوعي الاجتماعي. ومن طبيعة الدولة ( ولاسيما الاستبدادية، أو التي تنزع إلى الاستبداد ) أن تهيمن على مجالات حياة المجتمع، ومن ثم أن تكون ( أو تتمنى أن تكون ) مشاركة أو مؤثرة، بشكل مباشر، أو غير مباشر، في تحديد مضامين وإتجاهات وأشكال الثقافة المنتجة في إطار ذلك المجتمع. وما يخيف القائمين على شؤون الدولة هو أن يشاطرهم العاملون في مجالات الفكر والثقافة والإبداع شيئاً من سلطتهم على المجتمع وإتجاهات تفكيره وخياراته.
والمعروف أن كل دولة تحرص على أمنها الخاص، أي على ضمانات استمراريتها. وتلجأ الدولة الاستبدادية فيما يتعلق بالثقافة، والتي تعي أنها ذات طابع خطير، إلى تقنين إنتاجها بحزمة واسعة من المحرّمات. فالثقافة شكلت عبر التاريخ حقل المعارضة الأول، أو الحقل الصالح لنمو المعارضة قبل أن تنطلق في الممارسة بالوسائل السلمية أو بوسائل العنف.
وحتى لو سلّمنا، وهذا ما يجب، باستقلال الحقل الثقافي عن الحقل السياسي. ومع استبعاد فكرة الانعكاس الآلي والوحيد الاتجاه، للثقافة ( كبنية فوقية ) للبنية الاقتصادية التحتية ( قوى وعلاقات الإنتاج ) فإن المنتج الثقافي لن يقدر على التحرر، وإلى حد بعيد، من مقتضيات وشروط الأرضية السياسية والاقتصادية التي يتخلّق عليها ( إنْ في محتواه، أو في شكله )، حتى وإنْ كان ذلك المنتج يرمي إلى التنكيل بتلك الأرضية ( الواقع ) ونقدها والدعوة إلى تغييرها. وفي الراهن العراقي تفرض، بهذا الصدد، حقيقتان، في الأقل، نفسيهما على الباحث، الأولى هي؛ الكيفية التي انبثقت بها الدولة العراقية الحديثة، والثانية هي طبيعة الاقتصاد السياسي لتلك الدولة.
إن الدولة العراقية الحديثة التي تأسست في العام 1921 برعاية بريطانية تزعزعت أركانها في تموز عام 1958 وتآكلت في تسعينيات القرن الماضي وانهارت في نيسان 2003، وصار لزاماً إرساء قواعد جديدة لدولة حديثة أخرى ( وهذه المرة برعاية أمريكية )، حتى وإنْ لم تكن مقطوعة الصلة كلياً بسابقتها. وفي الحالتين حملت الدولة خطايا وتناقضات وإشكاليات نشأتها، على الرغم من أن الوقت ما يزال مبكراً لتقويم ماهية واتجاه الدولة الحالية التي لم تنج من أمراض بعضها ذات جذور تاريخية ومستوطنة، وبعضها الآخر مستحدثة، لعل من أشدها هولاً الاحتماء بالهويات الضيقة، ما قبل الدولة، والذي طبع الثقافة السياسية لبعضهم بطابعه. وشيوع آلية المحاصصة في توزيع السلطة والثروة. فضلاً عن الفساد المالي والإداري.
كان يفترض بالدولة العراقية خلال أكثر من ثمانين سنة أن تذوّب الانقسامات العرقية والدينية والطائفية والمناطقية لصالح بناء الدولة ـ الأمة عبر توطيد قواعد حداثية في البناء السياسي والتنموي والثقافي، غير أن هذا لم يحصل كما أكدت الوقائع الجارية بعد احتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين في 2003. ولن يعجز المراقب في الإشارة إلى مئات الأدلة لإثبات ذلك.
تماهت الدولة كمؤسسات وقوانين وسلطات ( مستقلة ) مع الحكومة والطبقة الحاكمة وشخص الحاكم الأول ( وقد بلغ هذا الأمر ذروته بعد عام 1979 ) مما جعل الدولة تنهار بمجرد إزاحة الحكومة وإسقاطها. وقد شبّه أحد المراقبين الغربيين، يومها، الحالة العراقية بالهرم المقلوب الذي يمسك به الحاكم، والذي تساقط وتناثر مزقاً بمجرد أنْ أُفلت، بقوة السلاح الأمريكي، من اليد الماسكة. فشخصنة الدولة، أي جعلها ممهورة ومملوكة لشخص، يدير آلتها العملاقة ( مع أقلية أوليغارشية مقرّبة ) بحسب أهوائه ومزاجه، طارحاً نفسه ممثلاً للإله، لاشك ستُقاد ( تلك الدولة ) إلى الدمار والكارثة.
أما فيما يخص الاقتصاد السياسي لدولة مثل هذه فإن ثمة خصائص محددة ومميزة تظهر لنا في أثناء المعاينة الدقيقة لحركته وتجلياته.
في كتاب ( لعنة النفط: الاقتصاد السياسي للاستبداد ) يضع المؤلفان ( جوردون جونسون ومجيد الهيتي ) المعادلة التالية عن الدولة الريعية التي تعتمد صادرات النفط مصدراً رئيساً للدخل القومي في العالم الثالث ( والعراق، في بالهما، نموذجاً ):
[ النفط = المال = السلطة = الفساد = الديكتاتورية ]
ومن جملة ما يفعله عائدات النفط المتدفقة على الحكومة برأيهما هو إضعاف القطاع الخاص وخنق الطبقة الوسطى، وهما حجر الأساس في معمار الديمقراطية والحرية الاقتصادية. وكذلك إضعاف التنوع الاقتصادي، ولجم المبادرة الفردية، وتغذية انعدام الكفاءة، ومركزة السلطة، وإيجاد رأسمالية أتباع وأقارب، وتمويل أدوات القمع لتصفية المعارضة، وإرهاب المجتمع، ورشوة الجماهير التي ستعيش في ظل الخوف بدل العيش في ظل الحرية والفرص. ويضيف المؤلفان؛ "أما المواطنون اللامعون، المبدعون، فإنهم يهجرون البلاد إنْ استطاعوا، مما يحرّم الأمة من أهم وأثمن مورد من مواردها. ألا وهو الرأسمال البشري".
وأذكر أن مديراً لإحدى دور النشر الفرنسية اللامعة قد أعلن في تصريح لمجلة عربية في التسعينيات عن استغرابه لهجرة العقول العربية المفكرة إلى الغرب قائلاً: كيف يسمحون ـ يقصد الحكومات العربية ـ بهذا النزيف الروحي المروّع؟!.
لنتخيل، في وضع شاذ ومتخلخل وخانق مثل هذا؛ كيف يستطيع العقل المفكر والمبدع، الذي لم يهاجر، أن يتنفس وينتج حيث تستخدم الدولة، في علاقتها مع النخبة الثقافية، آليتي الإقصاء والإدماج؟.
ـ2ـ
مع تحوّل الدولة إلى بلدوزر جبار وظيفته سحق الثقافة وتشويهها تبرز ظواهر ثقافية جديدة منها؛ ثقافة المديح، ثقافة التزوير، الثقافة الانتهازية، الثقافة الخائفة، الثقافة الزخرفية والمحايدة. إلى جانب ثقافة المنفى في الخارج، والثقافة المراوغة والمخاتلة لتضليل السلطة في الداخل. ففي ظل أشد السلطات قمعاً يفلت هامش للثقافة يعمل عمل الجرثومة المهلكة في نسيج تلكم السلطات.
أسست الدولة في بلدان كثيرة في نطاق ما سمّي بالعالم الثالث، ومنها عالمنا العربي، لخطاب الضلالة السياسي. ولمواجهته بات ضرورياً أن ينشئ المثقفون والمفكرون المعارضون ما يمكن أن نطلق عليه ( خطاب التضليل الثقافي ). فكان خطاب الضلالة ( السياسي ) سبيلاً وعراً لإزاحة الحقيقة في مقابل أن خطاب التضليل الثقافي كان سبيلاً وعراً إلى الحقيقة. وقد انطوى خطاب السلطة السياسية، في الغالب، على كم هائل من الزيف والتحريف والكذب، بينما انطوى خطاب الثقافة على لغة ملتوية مموهة لتضليل السلطات واختراق مناطقها المحرّمة. وكان كلاهما يلعبان باللغة. فخطاب التضليل قد يوحي بنعم ويقصد "لا" فاضحاً الهوّة بين ما هو واقع وما هو معقول. أما خطاب الضلالة فيبني معقولاً ظاهرياً زائفاً يقسر الواقع على مطابقته.
وما يجب أن يحمي خطاب التضليل ( الثقافي ) هو معقوليته وقوة منطقه وتماسك بنيته الداخلية، في مقابل قوة العسف والإكراه للمؤسسة المنتجة والحامية لخطاب الضلالة ( السلطوي ) هذا الخطاب الهش المعرّض للانهيار في أول مواجهة حقيقية مع النقد التاريخي العلمي المنهجي الذي هو أداة المثقف والمفكر المبدع المنذور بالإقصاء أو بالإمحاء.
غير أن خطاب التضليل الثقافي، والذي رمى إلى خداع السلطة، انكفأ بالمنتج الثقافي وجعله نخبوياً قاطعاً صلته، بقدر كبير، مع من يجب أن يتوجه إليهم من المتلقين في المحيط الاجتماعي الواسع، حتى بات يعاني من الغربة في هذا المحيط. والقول بأن الثقافة الحقة، إنتاجاً واستهلاكاً، هي للنخبة، لا يصدر اليوم من بعض المثقفين والمبدعين إلا بسبب الإحباط واليأس.
ومن جانب آخر لا تهدف الدولة الاستبدادية إلى لجم وتعويق الإنتاج الثقافي أو تطويعه فحسب، بل تأخذ بعين الاعتبار المتلقين المستهلكين أيضاً للمنتج الثقافي، ساعية إلى التأثير في قنوات الاتصال والتواصل وطرق ومنافذ التسويق بينهما. وهذه الدولة تجهد لإحداث خلخلة في العلاقة، أو قطيعة بين المنتج والمستهلك الثقافيين. وبعد نصف قرن من هيمنة الإيديولوجيات الشمولية، وحكم العسكر، وترييف العلاقات الاجتماعية في المدينة ومؤسساتها، وخنق الثقافة بالتابوات، لم يعد الإنتاج الثقافي العراقي يجد رواجاً كافياً في المحيط الاجتماعي، حتى في حدوده الدنيا، ربما باستثناء الدراما التلفزيونية، ولهذا أسبابه الموضوعية التي لا يسمح المقام بالإسهاب فيها. فسياسات التجهيل المتبعة من قبل السلطات الاستبدادية وسّعت من نطاق الأمية الثقافية والعلمية في المجتمع، لاسيما في ربع القرن الأخير. فأصاب الركود السوق الثقافية العراقية التي حوصرت أيضاً إلا من منافذ صغيرة أوجدها مثقفون جادون ابتكروا طرقاً جديدة لترويج الثقافة منها، في سبيل المثال، كتب الاستنساخ، التي راجت منذ منتصف التسعينيات. وفي سوق مثل هذه لن نجد الكاتب المحترف الذي يعيش من بيع ناتج عمله الأدبي أو الثقافي. وقد تعاملت الدولة مع الثقافة ومنتجيها وعملية إنتاجها بعقلية السوق الرأسمالية التي تحكمها آليات العرض والطلب.
في مقال مثير بعنوان ( في نقد المثقف العراقي/ مجلة ـ أقواس ـ العدد الأول شتاء 2008 ) يقارن كريم عبد بين سوق الثقافة عندنا وسوقها عند الغربيين.. يقول؛ "في الغرب توجد سوق للثقافة تحرر المثقفين من التبعية وصعوبة العيش. عندنا توجد ثقافة يتم إقصاؤها وتهميشها فلا يوجد لها سوق، ومقابل هذا ابتكرت الدولة سوقاً مربحة أخرى، لا للثقافة بل للمثقفين! في الغرب يوجد سعر للكتاب ومواطنون يحتاجونه فيشترونه، عندنا توجد سوق للمثقفين وتسعيرة لكل مثقف وفنادق خمس نجوم لهم جميعاً كي يتعارفوا ويطري بعضهم بعضاً، لذلك تكرّس الانحطاط رسمياً وأصبح ثقافة عامة". وما زال كثر من منتجي الثقافة العراقية يتعاطون مع إنتاج الثقافة بالطريقة ذاتها التي جرت عليها قبل 9/4/2003 بضمير الخوف أحياناً. بتملق السلطات المهيمنة ( الآن، ليست السياسية فقط )، واقتباس عناصر ورموز خطاباتها أحياناً. باللجوء إلى لغة التواري والمعميات أحياناً. وقد أضيف للأسف شيء آخر هو هذا الحس الطائفي أو المذهبي أو العرقي الذي بات يُكسي نتاجات بعضهم.
من حق المثقف المنتج للمادة الثقافية أن يلج معترك السياسة ودهاليز السلطة إذا رغب، ورأى هو والآخرون أن لديه الصفات والموهبة والقدرة لذلك. ولعلنا نجد في فاكلاف هافل الكاتب المسرحي التشيكي أسطع مثال بهذا الصدد. فقد صُنّف في العهد الشيوعي منشقاً وعدواً للحزب والوطن، وأُدخل السجن، وأختاره مواطنوه بعد انهيار الكتلة الاشتراكية رئيساً لبلادهم، وقد نجح، ليس من غير أخطاء، في أداء مهمته الصعبة، وظل ذلك المبدع في حقل الكتابة الإبداعية. وفشل الكاتب البيروي ماريا بارغاس يوسا في الفوز برئاسة الجمهورية بعد أن رشح نفسه، ليعود ويعترف بأن قدره في الحياة هو الكتابة الروائية وليس السياسة والسلطة. ووصل إلى السلطة مفكرون ومثقفون مثل لينين وماو وفرانسوا ميتران ومحمد خاتمي وأوباما ( مع اختلاف مرجعياتهم واتجاهاتهم ). وكان هناك غيرهم أراد أن يترك أثراً فكرياً وثقافياً في أثناء مدة حكمه وبعد رحيله من خلال كتابة المذكرات والتحليلات ومجموعات الخطب السياسية، وغالباً ما كان مستشاروهم يكتبونها لهم ( جمال عبد الناصر الذي كان يستعين بمحمد حسنين هيكل مثالاً ). وقد نتقبل على مضض أن يستغل حاكم سياسي أو رجل دولة منصبه في السلطة للتنظير ولتسويق أفكاره، لكن الطامة الكبرى هي في أن يتوهم هذا الحاكم أو رجل الدولة بأنه رجل الفكر، بلا منازع، أيضاً. وأنه يقول الصواب دوماً، ويمسك بتلابيب الحقيقة. وأن ما يرسمه ويتفوه به يمنع تخطيه أو مناقشته حتى. وحين تلتم، وهذا ما يحصل على الدوام، حوله جوقة من الأدعياء والمنافقين والانتهازيين من أشباه الأميين يوافقونه على كل ما ينطق به ويصورونه على أنه الملهم والصادق والمبدع والعارف بالباطن والظاهر والمتنبئ بما سيحصل ذي الفكر النيّر ( الخ من الأسماء الحسنى التي يكنى بها ) فإن الدولة بدءاً من هذه اللحظة تستحيل إلى غول متوحش بما لا يحصى من الأيدي القاسية التي تكم الأفواه وتغلق منافذ التفكير الحر والخلاق.
ـ3ـ
هل يجب أن تكون للدولة العراقية فلسفتها الثقافية، ومشروعها الثقافي؟ أظن؛ نعم، ولكن بشرطين، الأول؛ ألاّ يكون ذلك المشروع إطاراً لإخضاع المثقفين وتدجينهم، وإنما أن يتجسد في جملة من السياسات والإجراءات والبرامج والقوانين الهادفة إلى ضمان حرية الرأي والتعبير والمعتقد، وتشجيع الإبداع الحر إنتاجاً وتسويقاً وتداولاً في مجالات الثقافة والمعرفة كافة. أما الشرط الثاني فهو ألاّ يبقى المثقفون المنتجون أسرى ذلك المشروع وحده، أو يضيعوا وقتهم الثمين في انتظاره.
وأول ما يتطلبه هذا المشروع أن يتخطى الأفق الضيق للأطروحة الطائفية أو العرقية أو العشائرية كما تمثلت في أطروحات وسياسات وممارسات قوى وأحزاب ( سواء تلك التي شاركت في العملية السياسية، أو وقفت خارجها، أو ناوأتها وقاومتها بالفكر أو بالسلاح، أوبهما معاً ). ومن هنا لن يستطيع مشروع الدولة أن يكتمل ما لم يوفر شروط نماء المشروع الثقافي بحرية. ومن غير هذا فنحن منذورون بتكرار مآسي الماضي أو بمآسٍ جديدة، لا سمح الله، لا تخطر على بال. لذا أعتقد أن الرهان على وحدة البلاد، والديمقراطية القائمة على فكرة المواطنة، وسلطة القانون، والتداول السلمي للسلطة، وضمان حرية الضمير، والتنمية المركّبة والمستدامة، والعدالة الاجتماعية، وهذا كله بدواعي المصلحة الوطنية ومتطلبات الحاضر والمستقبل، وعبر رؤية معاصرة ( حداثية وحضارية )، أقول؛ إن هذا الرهان هو أساس مشترك للمشروع الثقافي للنخبة والمجتمع ولمشروع بناء الدولة في آن معاً. وإذ كان الحقل الثقافي، على الدوام، مركز نمو للمعارضة السياسية، فعلى الدولة بمؤسساتها وحكامها أن تفهم هذه الحقيقة وتتعامل في ضوئها لا بعقلية القمع والمصادرة والتخوين والنفي والتهميش، بل بروحية الاحترام والحوار والتقبل.
ربما أتحدث هنا عن الدولة/ الحلم، الدولة النموذج غير أنها ممكنة وضرورية في هذا العالم، في هذا القرن الجديد، الذي لم يعد يطيق الشمولية والاستبداد والقمع والحجر على الحريات.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلك الأسطورة المتجددة: قراءة في كتاب -أسرار أسمهان؛ المرأة، ...
- -متشرداً بين باريس ولندن-: هوامش المدن المتروبولية في أوروبا ...
- إيزابيل الليندي تكشف أسرار أسرتها في -حصيلة الأيام-
- قراءة في كتاب: ( لعنة النفط.. الاقتصاد السياسي للاستبداد )
- النخب؛ البيئة الثقافية، والمشروع السياسي
- في وداع عام آخر
- تواصل النخب والشباب
- سؤال الثقافة.. سؤال السياسة
- لمّا سقط المطر
- عالم يتغير
- -ليلة الملاك- ملعبة خيال طفل
- الحكم الصالح
- متاهة المنافي في ( سوسن أبيض )
- حين يموت الأطفال جوعاً
- من نص اللذة إلى لذة النص؛ قراءة في -دلتا فينوس-
- الدراما العراقية في رمضان
- إيكو الساخر في ( كيفية السفر مع سلمون )
- -اللاسؤال واللاجواب- محاولة في الكتابة المحايدة
- كاتب الرواية.. قارئ الرواية
- الاستثناء والقاعدة


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - الدولة والإنتاج الثقافي