أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - من هو المثقف الليبرالي وما هي مهمته؟















المزيد.....

من هو المثقف الليبرالي وما هي مهمته؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 2580 - 2009 / 3 / 9 - 09:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-
مصطلح "مثقف"، نحته السياسي الفرنسي جورج كليمنصو (1841-1929) زعيم الجمهوريين الراديكاليين، ورئيس وزراء فرنسا (1906-1909)، (1917-1920) وهو من نفّذ قانون فصل الدولة عن الكنيسة. وكان سبب نحت هذا المصطلح، لتسمية نفر من "الصهاينة الفرنسيين" منهم أميل زولا، ومارسيل بروست، وأندريه جيد، الذين انتصروا للضابط الفرنسي اليهودي دريفوس، الذي لفقت له قيادة الجيش الفرنسي تهمة التخابر مع العدو الألماني، فحكم عليه القضاء العسكري بالنفي إلى "جزيرة الشيطان". وشقَّ هؤلاء الكتّاب عصا طاعة الأمة، وطالبوا بإعادة محاكمة دريفوس، وتمَّ العفو عنه. ومنذ ذلك الوقت، أصبح المثقف يدافع عن الحقيقة ضد الأمة، وعن الفرد ضد المؤسسات.



-2-

فمن هو المثقف الليبرالي، وما هي مهمته؟

من خلال ما قام به المثقفون في الغرب، وفي أجزاء معينة من العالم العربي، نستطيع أن نضع تعريفات أوليّة للمثقف ومهامه المناطة به، في كل زمان ومكان على الوجه التالي:

1- المثقف الليبرالي، هو من يساهم في تحضير الأذهان في مجتمعه، للتكيّف مع متطلبات، وضرورات عصره.

2- يدعو المثقف الليبرالي، إلى إلغاء المواطنة السالبة المحرومة من حقوقها العامة، وإقامة المواطنة الموجبة الداعية إلى تحويل كافة المواطنين، بغض النظر عن ديانتهم، وعرقهم، وطائفتهم إلى مواطنين، متساوين في الحقوق والواجبات مع باقي المواطنين الآخرين. وذلك طبقاً لـ "إعلان حقوق الإنسان" الصادر عام 1789 الذي نصّت مادته الأولى على: "إن الناس يولدون أحراراً، ويظلون أحراراً، متساوين في الحقوق".

3- يدعو المثقف الليبرالي، إلى ردم الفجوة التاريخية بين الدولة الطائفية وبين دولة ما بعد القومية، إلى حيث تصبح الأمة/الدولة، تطويراً غير مسبوق لمواطنة عابرة للقوميات، والإثنيات، والديانات، والطائفيات. ولكي يكونوا جميعاً على كافة الأصعدة، وفي جميع المجالات.

4- يتمتع المثقف الليبرالي بالشجاعة والجرأة الفكرية والسياسية الكافية، لطرح الأسئلة على المشاكل الحقيقية، التي يعاني منها مجتمعه، والتعرّف على الانسدادات المزمنة التي تشلّ الفكر، وتُغيّب العقل، وتسبب العُقم في المواهب، وتطرد الأدمغة المفكرة خارج حلبة الأوطان.

5- يقوم المثقف الليبرالي، بإنتاج الفكر النقدي، الذي يساعد على الانتقال من القطعي إلى المبرهن عليه، ومن المسلم به إلى المتناقش فيه، ومن القراءة العابرة للتاريخ إلى القراءة التاريخية للنص، لجعله في متناول العقل، ومتكيفاً مع متطلبات الحياة الاجتماعية.

6- المثقف الليبرالي لا يخترع مسوخه من الزعماء المزيفين. ففي العالم العربي صنع بعض المثقفين العرب أصناماً سياسية لهم في الستينات. ثم وقعوا في مأزق هزيمة الصنم، وفي مأزق موته. ويقول المفكر السوري جورج طرابيشي إن المثقفين العرب في هذه الحالة كانوا في مأزقين: الذعر حتى الموت إزاء ذلك المخلوق، والإعجاب حتى التماهي معه. وما هذا إلا لأن المثقف العربي لا يزال - عامة - فاقد الفعالية التاريخية، باحثاً عن آباء وهميين يحتمي بهم.

7- هناك عدة قيم كونية أساسية على المثقف الليبرالي أن يتسلح به ويدافع عنها، وهي قيم جديدة على الثقافة العربية كالفكر النقدي، والفرد المستقل، وحقوق الإنسان، والحداثة السياسية، وأخيراً قيمة الاقتصاد الحديث. وفي صريح العبارة فثقافتنا العربية لم تعترف بحرية الفرد في اختيار ملابسه، وأفكاره، وقناعاته، وقيمه، باستقلال تام عن السلطة الأبوية الاجتماعية والسياسية.

8- يتبنى المثقف الليبرالي أفكار الحضارة الحديثة. فالحضارة الحديثة ابنة لثلاثة اكتشافات في الوعي الأوروبي: اكتشاف جاليلو لكروية الأرض، وداروين لنظرية التطور، وفرويد للاشعور. وهكذا لم تعد الأرض مركز الكون، ولا الإنسان مركز الكائنات، ولا العقل سيد بيته، بل اتضح أن الإنسان محكوم باللاعقل؛ أي اللاشعور.

9- يقوم المثقف الليبرالي بتنشيط ذكاء قارئه. ولا يخدره بتقريض أوهامه عن نفسه. وهذه مهمة نقدية أولاً، تكون على المثقف أن يجددها دوماً. كما أن من مهام المثقف الاصطدام دوماً بالأحكام المسبقة، وبالأخطاء الشائعة.

10- المثقف الليبرالي ليس مطرب السهرة. ويعتبر المثقف الليبرالي مثقفاً غير شعبي، لأنه ليس ديموغاجياً، ولا يتملق جمهوره، ولا يُسمعه ما يريد أن يسمع، ولكنه يُسمعه ما يجب أن يسمع.

11- المثقف الليبرالي يقف إلى جانب الحداثة، والعقل، والتجديد، والديمقراطية ضد التوتاليتارية، وحرية المرأة ضد استعبادها.

12- يؤمن وينادي المثقف الحديث بالتلاقح الثقافي بين الثقافات المختلفة. فالثقافة محكومة بقانون التلاقح؛ أي التأثير والتأثر المتبادلين. ويشبّه المفكر التونسي العفيف الأخضر، قانون التلاقح الثقافي بجهاز الهضم، الذي يأخذ ما هو مفيد للإنسان، ويطرد الضار منه. وهو يهضم عناصر من الثقافات الوافدة، مع الاحتفاظ بما هو جوهري في الثقافة الأصلية. وهذا ما تمَّ بالفعل عندما تلاقحت الثقافة العربية في العصر العباسي مع الثقافة الإغريقية والهندية والفارسية. فهذه الثقافات كانت وثنية، ولكنها لم تؤثر على ثقافة التوحيد العربية - الإسلامية.

13- يستخدم المثقف الليبرالي كافة الوسائل وكافة المنابر، لكي يوصل رسالته إلى المتلقين. وعلى المثقف الليبرالي أن لا يترك الساحة الثقافية والإعلامية للمتطرفين، الذين غالباً ما يعملون- بوعي أو بدونه - ضد الإيمان الديني الحقيقي. فعلى المثقف العربي أن يجد لنفسه موطئ قدم حقيقياً وفاعلاً. وهذا مستطاع لدى المثقف الليبرالي، فيما لو أراد وأقدم بكل شجاعة.

14- وقد يستغرب القاريء الآن، عندما نقول، بأن المثقف الليبرالي لا يُعبِّر عن ضمير الأمة. فـ "تعبير المثقف عن ضمير الأمة" اعتبرته التوتاليتارية الفاشية، الستالينية والنازية "أمراً قاطعاً" بالمعنى الكانطي؛ أي واجباً أخلاقياً ملزماً، وإلا فالعصا لمن عصى. لإن التوتاليتارية تعريفاً هي تذويب الفرد في الأمة، لجعله نسخة طبق الأصل منها، ينطق بلسانها، ويفكر برأسها الجمعي لا بنفسه.

15- إن وقوف المثقف إلى جانب الأمة وإلى جانب الدهماء ضد الحقيقة، هو خيانة المثقف لأمته. وقد أطلق عليه الكاتب الفرنسي جيل باندا في 1927 "خيانة المثقفين" الذين يتطابقون مع ضمائر أمتهم الخربة، بدلاً من التطابق مع الحقيقة، ومع القيم الإنسانية والعقلانية الديمقراطية، حتى لو جرّعهم ذلك السم الناقع الذي تجرّعه سقراط. إن شعار "أمتي دائماً على حق"، شعار شوفيني، لا يليق بالمثقفين، بل بالمتعصبين لأممهم، أو لفريق الكرة، أو للمطرب الغنائي المحبب لديهم.



-3-

هذا التعريف للمثقف الليبرالي تعريف مثالي بكل المقاييس، وهذه المهمات التي كلَّفنا المثقف الليبرالي بها مهمات مثالية، ربما لا تنطبق على خمسة بالمائة من المثقفين في التاريخ، والذين نطلق عليهم "شهداء الحق والحقيقة". في حين أن خيانة المثقفين للحقيقة الخالدة، كانت واضحة وبارزة على مرِّ العصور، وفي مختلف الأمكنة



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بين الإحلال الأمريكي والاحتلال الإيراني
- سيطرة ثقافة الحرب والخوف من السلام
- اضاءات فكرية لدواخل الخطاب السياسي الديني
- ما هي أسباب بروز -الإسلام السياسي- بهذه القوة؟
- الانتخابات العراقية.. درس آخر في التطبيق الديمقراطي
- ذهب بوش.. فهل ستقلُّ كراهيتنا لأمريكا؟
- علاقة -الناصرية- و-البعث- و-القوميين العرب- بالإسلام والدولة
- هل سيكون لحمائم -حماس- دور في إقرار السلام ؟
- ذهب بوش وبقي العراق
- الدلائل القطعية بين -نعم- و -لا- لربط الدين والدولة
- هل سيُفرِّخ العراق إرهابيين جُدداً كما فرَّخت أفغانستان في ا ...
- كيف يتجنب الشارع العربي مستقبلاً الصراخ الذي لا يثير غير الغ ...
- لماذا أصبح في العراق أكبر فضيحة فساد في التاريخ؟
- غزة تفتقد اليوم قباني ودرويش
- هبَّات الشارع العربي كزهور الصحراء، قصيرة الجذور سريعة الذبو ...
- الفساد آفة العراق الكبرى بعد الديكتاتورية
- الدور الأوروبي المطلوب في العراق
- دور الإخوان المسلمين في الدولة الدينية العربية
- مرّة أخرى: كفى ضحكاً على عقول الفلسطينيين
- مبررات جدل الاتفاقية الأمريكية – العراقية


المزيد.....




- سترة منفوخة في اليابان ستجعلك تنام بأي مكان
- أجمل إطلالة حمّام في العالم؟ هذا ما ينتظرك داخل فندق معلّق ع ...
- على الخريطة.. المواقع المستهدفة في إيران وإسرائيل
- صراع إيران وإسرائيل.. نائب الرئيس الأمريكي يوضح ما يدور بذهن ...
- معضلة إسرائيل في فوردو.. ماذا يعيقها في هجوم برنامج إيران ال ...
- الأولى موجودة والثانية بطريقها للشرق الأوسط.. ماذا نعلم عن ا ...
- الإمارات.. توجيه من محمد بن زايد للتعامل مع الإيرانيين ممن ت ...
- لماذا فشلت القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ الإيرانية؟
- نشأة الكون – دراسة جديدة تُشكك في نظرية الانفجار العظيم
- تصعيد بين إسرائيل وإيران وسط دعوة أمريكية لطهران بالاستسلام ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - من هو المثقف الليبرالي وما هي مهمته؟