أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد شيخ فرمان - ما أشبه اليوم بالامس رغم كل متغيراته..














المزيد.....

ما أشبه اليوم بالامس رغم كل متغيراته..


رائد شيخ فرمان

الحوار المتمدن-العدد: 2565 - 2009 / 2 / 22 - 05:01
المحور: الادب والفن
    


يسألها وهما ينتظران الاشارة لعبور الشارع إن كان الميترو الذي سيقلهما الى حيث يقصدان قد تغير أم أنه مازال ذاك الذي يعهده ، فتقاطعه وهي تبتسم لتشرح له كيف أن الميترو تغير مع الزمن فصار سريعاً مثله فيعطيها يده حين يرى الاشارة الخضراء ويقول لها مهلاً عليّ يا بنيتي فأنا لا أنتمي الى زمانكم السريع إنما الى الماضي البسيط والى الحياة الهادئة البعيد عن ضوضاءكم وسباقكم على الاشياء كلها.تضحك وتضحك معها أختها وهما يأخذان بيد أبيهما الذي أكل عليه الدهر. وما أن عبروا الشارع حتى إنطلق الميترو مسرعاً فلم يلحقوا به وكنتُ على مقربة منهم أسترق السمع الى ما يدور بينهم من حديث يدفىء مسمعي في برد فبراير القارس في المانيا فيذكرني بحديث جدتي حين كانت تزورنا في الشتاء فنستفيق إخوتي وأنا على همسات صوتها الطروب وهي تتحدث مع إبنتها أي أمي فنتحضر لرحلة الذهاب الى المدرسة بعد ان تكون جدتي قد لاحظت صمتنا وتصنتنا على حديثها فكانت تكسر هذا الصمت بعبارة صباح الخير. وبينما انا مسترسل في ذكريات طفولتي وصوت جدتي العذب أرجعنى ذلك الرجل المسن وهو يدمدم بصوت أجش طالباً من إبنتيه أن تساعداه على الجلوس ريثما يقبل المترو مجدداً .وما أن جلس حتى إبتسم وتنهد وقال ما أشبه اليوم بالامس رغم كل متغيراته وبدأ يحكي لإبنتيه كيف كان يأخذهما معه أيام العطل ويجلسهما على ركبتيه حين كان المترو يتأخر ويحكي لهما الحكايات و.. وهنا تقاطعه إحدى إبنتيه وتقول له لو تحب أن أجلس كالسابق على ركبتيك فلا مانع لدي فتضحك أختها وتقول إبتعدي سوف تتعبين أبي هكذا، فتعانقه ويقبل الميترو وما هي الا لحظة حتى أختفى وأخفاهما عن البصر وبعدها جاء الميترو الذي أخذني الى البعيد ولكنه لم يفصلني عن منظر وحديث ذلك المسن وإبنتيه. وما شدني الى ذلك هو عبارته التي لم يكملها حينها والتي أخذت بفكري بعيداً وأستطعت أن أفهم ما كان يرمي إليه . فكأن به يريد أن يوزع الازمنة على أصحابها فحين قال ما أشبه اليوم بالامس فإنما أراد أن يقول بأنه بالامس كان يأخذ بيد طفلتيه ويرعاهما ويوفر لهما كل شيء فيخاف عليهما ويسهر على راحتهما ويقدم لهما الهدايا ويفكر في تأمين مستقبلهما ويحلم أن يكون لهما مستقبلاً جميلاً حالماً وزاهراً..الامس كان يومه وكان دوره وكانت حياته التي أفناها ليشعلها شمعة تضيء درب طفلتيه، ويرسمها لوحة ترسم الابتسامة على وجهيهما ،ويغنيها أغنية يطرب بها أذهانهما وفي كل ذلك كانت تشاركه زوجته التي لا شك أنها تنتظر وصول المترو الذي يقل زوجها وطفلتيها البالغتين.
الأنسان يبدأ مع العائلة فيكون جزءاً منها وحين يرتبط ينفصل عنها بالتدريج ليحلم مع من يحب ولأجل من يحب ولكن سرعان ما يتسرب هذا الحلم ليصب في كائنات جديدة ويصبح نصيبها فبمجرد أن يلد للمتزوجين وليد يبدآن بالحلم بطريقة أخرى ينسون بها أنفسهم ويحلمون من خلال هذا الوليد الجديد وله، فيكون حلمهم وهدفهم وكل ما يسعون اليه. وهكذا كان ذلك العجوز المسن يحلم ويتصور دون أن يكون قد فكر بما قد يكون شكل الحلم حين يتحقق فكيف يكون يا ترى؟ حين تلفظ الاب عبارة ( رغم كل متغيراته ) فكأنه أراد أن يعتب على الدنيا وعلى إبنتيه في آن معاً، فالامس الذي صام لأجله سنين طويلة وهو يقدم خلاصة جهده يوماً بعد يوم الى فلذات كبده قد امسى إفطاراً بارداً لا مذاق له ولا يتهنى به إلا مرة واحد ة طوال العام ولن أقول يوماً واحداً لأن زيارة الابناء لوالديهم تكون مرة واحدة عادة في العام ولا تطول اليوم كله لأنه قد يكون كثيراً بحقهم فالمشاغل التي يدعي بها أبناء هذا الجيل تبعدهم أحد عشر شهراً وشهراً آخر في العام الا بعض السويعات القليلة عن اولاءك الذين عاشوا لأجلهم وعملوا كل ما استطاعوا لإسعادهم.فما أشبه اليوم بالامس حين كان الوالدان يأخذان بيد أطفالهم وهم يرون فيهم آمالهم وطموحاتهم وأحلامهم وما أشد إختلافه حين يأخذ الاولاد بيد والديهم ليعبروا بهم الشارع أو ليلقوا عليهم التحية مرة كل سنة بعملية تكاد تكون فيزيائية بحتة لا وجود للعاطفة والمحبة فيها وإن وجدت فإنها تكون على الاغلب بداعي الشفقة.ما أتعس هذه الحقيقة وما أشدها وطأة وثقلاً على كل من يعيشها وما أكثر اللذين يعانون منها في اوربا.هذا ما يحصل في أحيان كثيرة وليس بالضرورة أن تكون قاعدة تشمل الجميع وعلها لا تكون قاعدة أساساً فإن كانت فإنها علة وإن إنتقلت بالتدريج الى الشرقيين القاطنين في أوربا كإكتساب للعادات ــ وبأس الاكتساب ــ فذلك سيكون وباءاً يضاف الى رصيد وباءاتنا المتنامي منذ بدأت الهجرة تكتسح حياتنا.وهذه دعوة الى التفكير في من أحبونا وأشعلوا العشرة ليضيئوا لنا طريقنا وعملوا المستحيل لنكون على ما نحن عليه، فتحية حب ووفاء وإخلاص الى كل أب وكل أم وأخيراً أقول برأً بالوالدين وإحسانا.

رائد شيخ فرمان





#رائد_شيخ_فرمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكوتا الايزيدية بين ميلادٍ واحتضار3..! الحلقة الثالثة
- الكوتا الايزيدية بين ميلادٍ وإحتضار1..!
- من إغتالكَ يا وطن؟
- إعترافاتٌ خطيرة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد شيخ فرمان - ما أشبه اليوم بالامس رغم كل متغيراته..