|
أين صارت مبادرات الإصلاح؟
سيار الجميل
الحوار المتمدن-العدد: 2563 - 2009 / 2 / 20 - 09:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالرغم من موجات التصفيق والتهريج التي رافقت إعلان مبادرات الإصلاح عند العرب خلال السنوات الخمس المنصرمة، إلا أنها كانت مجرد شعارات خاوية، لا أساس لها من المصداقية أبدا، وكان الناس يأملون بإحداث التغييرات الحقيقية في كل مجالات حياتنا العربية، سياسيا ودستوريا، واجتماعيا، واقتصاديا، وتربويا.. إن مبادرات الإصلاح التي تعهّد بإجرائها بعض الزعماء العرب، لم يتحقق منها أي شيء، ويا للأسف الشديد! ولم يزل الصمت يلف الإعلام العربي بانتماءاته المتباينة، والذي جعلوه ينشغل بتوافه الأمور، وملاحقة الأحداث التراجيدية التي ما أن تنتهي من مكان حتى تظهر في مكان آخر..ولم تزل الجماهير في مجتمعاتنا العربية تعيش احتقانات ومشكلات لا أول لها ولا آخر.. ولعل ما يؤلم جدا، إن إطلاق المبادرات للإصلاح، لم يكن لوجه الله، ولا استجابة لتحديات داخلية عربية قاسية، بقدر ما أطلقت لإرضاء هذا الطرف الدولي أو ذاك، علماً بأن الأوضاع السياسية والاجتماعية تزداد بؤسا، بل وان مجتمعات معينة تزداد ضراوة التخلف فيها، وهي برفقة الدولة، تقع أسيرة قوى منغلقة تسعى لإغلاق الحياة بأي صورة من الصور! وعليه أتساءل: هل نجد اليوم أي تنفيذ لمبادئ جديدة في التحديث والإصلاح؟ هل سمح المجال لتغيير الأساليب المتبعة؟ هل ثمة متابعة لما اقرّ من مبادرات؟ وهل ثمة إجراءات عملية تسعى من أجل إيقاف تدهور ما لنا من تمدن، وتحدّ من تناقضات التفكير، وتقضي على العادات السقيمة؟ إن دولنا ومجتمعاتنا معا، بحاجة ماسة إلى ثورة فكرية، وأسس دستورية، وحداثة تربوية، ونهضة ثقافية، ومناهج مدنية.. تغير العقول الحاكمة والمحكومة، وتنبع من قلب حركة المجتمع، ومن مراجعة الذات ونقدها، وإعادة النظر في مفاهيمها وطموحاتها في ضوء التحديات التي تواجهها عند مفتتح القرن الواحد والعشرين. ولعلنا قد أشرنا بهذا مرارا وتكرارا، وخصوصا إلى ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في المنظومة الثلاثية التي تشكل العقل، وتصنع الوجدان وتصوغ الأفكار، وتبلور مواقف الأجيال الجديدة التي ستتسلم مقاليد الحياة من بعدنا.. ونعني منظومة التعليم والثقافة والإعلام، تلك التي تعاني اليوم من قصور واضح، وتخلف فاضح في ظل هيمنة دول وقوى سلطوية سياسية واجتماعية واحتكارها سياساتها الأحادية التي لا تعيش إلا في مجال التخلف والانغلاق. لقد نادينا أسوة بغيرنا، بإجراء التغييرات منذ سنوات خلت، وقبل أن تصدر وثيقة الإسكندرية بأربع سنوات! وقلنا بان التغيير لا يرنو إلى تقديم وصفات علاجية مؤقتة عاجلة، سرعان ما تتبخر فاعليتها، بل يعمل على إصلاح منظومة مركبة ومعقّدة، وهو بحاجة إلى زمن طويل وجهد كبير. ولا ينبغي أن يبقى المشروع الإصلاحي ينتظر أو يتلكأ، كما حدث في الماضي بحجة التلاؤم وعدم التعجل حتى يحدث التطور الطبيعي.. فلقد أضاع العرب قرنا كاملا في الانتظار والتسويف، بينما كل العالم يتقّدم بسرعة مذهلة أمام أعيننا ونحن أسرى التناقضات العقيمة وهي ذرائع مصطنعة وحجج مختلفة. لقد تأجلت خطط التنمية العربية الشاملة بحجة مقاومة الاستعمار، واستبعدنا إجراء التغييرات بحجة تكريس الجهد لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ورفضنا مطالب شعوبنا بالتطوير والتحديث وإطلاق الحريات.. بحجة أن شعوبنا قاصرة جاهلة إن حصلت على الحريات، انفلتت إلى الفوضى وغرقت في الكوارث وانطمست في الصراعات! لقد تبلورت النتيجة الرهيبة التي تدق اليوم أسافينها في مراكبنا العتيقة. وقد صحونا على بدايات قرن جديد لنكتشف أننا لم نحرر فلسطين، ولم نتحرر من القوى الخارجية التي تمارس هيمنتها علينا بكل ثقلها وبشتى الوسائل، وفي الوقت نفسه لم نحقق تنمية حقيقية تقاوم الفقر والبطالة والتخلف، بل ولم تكن ثرواتنا وسائل إنتاج حقيقية على أرضنا، فاهتزت اقتصادياتنا اهتزازا عنيفا. ولم نطبق ديمقراطية سليمة تقاوم الفساد والاستبداد، فإذا بكل ذلك يستدعي تدخلات، وفرض وصايا، ونهب ثروات وإشعال حروب! إن على المجتمعات الخروج من خنادقها المظلمة التي أبعدتها عن الوعي بالحاضر، والتفكير بالمصير، والاستفادة من تجارب مجتمعات أخرى انطلقت نحو الآفاق الجديدة. وعليه، يمكننا القول بأن ليس من صالح دولنا ومجتمعاتنا معا، البقاء أسرى الحالات الكسيحة والاستسلام للمقادير، والعجز عن الأداء.. فهناك من يؤكد بأن القطار قد فات العرب، أي قطار الإصلاح، وكم قلنا إن مبادرات الإصلاح لا تنطلق شعاراتها من مؤتمرات قمة، بل تبدأ عملياتها مع الناس على الأرض. إن الإصلاح، لا يمكن أن يحققه إلا متخصصون معرفيون مدنيون، وهي نقطة مهمة جدا، فالإصلاح هويته مدنية وليست دينية، يعمل بأيدي علمائه، وفكر عقلائه من أبناء المجتمع المدني وبوسائل سلمية. وهو محاولة جادة لوضع إجابات صعبة للأسئلة الأصعب. وبالرغم من أهمية وجدية أسس الإصلاح وركائز التغيير، إلا أن ثمرتها كلها لا يمكن التمتع بها، من دون أن يفّعلها ويصدر قراراتها أصحابها، وخصوصا الزعماء العرب، كونها تبقى مرتهنة بجدية تنفيذها ومدى استجابة الحكومات العربية لما جاء فيها من مضامين على بداية الطريق. فهل يمكن لمثل هذا «المشروع» أن ينطلق بجدية وحرص، أم سيؤثر الجميع إبقاء الحالة على ما هي عليه في ظل مؤسسة عاجزة اسمها جامعة الدول العربية؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة!
#سيار_الجميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطوة عراقية نحو التغيير !
-
الأحفاد في الشتات
-
رسالة إلى الأصدقاء اليساريين العراقيين
-
ميسون .. أو أسامة : أحقّ من غيرهما أيها النوّاب
-
العراق 2008: تقرير سنوي رصد كورنولوجي للإحداث وتوقّعات للعام
...
-
دَرس غَزّة : التوّحد بعد الانقسام !
-
سَحلٌ بالحِبالِ أمْ رَشقٌ بالأحْذِية ؟
-
2009: مواجهة التحديات الصعبة
-
قبل ان يأكلنا ماردُ العصر !
-
حقوق الملكية الفكرية والثقافية العربية
-
جون لينون..الموسيقار البريطاني الراحل رائد فرقة البيتلز ..ار
...
-
المثقفون الملتزمون
-
سارة بلين : هل ينتظرها مستقبل سياسي ؟
-
الماضي يسحق مجتمعاتنا !
-
مأساة الاقليات في العراق
-
اضطهاد المثقفين
-
-الاوليغارشية- تهدّد المجتمع العراقي
-
مكابدات الوعي هل يكون العراق او لا يكون ؟
-
بَرويز مُشَّرف : هروبٌ غَير مُشِّرفْ !
-
العراق : مشروع دولة متمدّنة التجربة التكوينية
المزيد.....
-
واقعية بشكل لا يصدق..رسومات لشاحنات استغرق صنعها 500 ساعة تق
...
-
الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية برية جديدة في لبنان: -محد
...
-
في ذكرى 7 أكتوبر.. هذا ما قاله كل من رئيس إسرائيل وخالد مشعل
...
-
علماء روس يبتكرون منظومة -لاقطة للضوء- للألواح الشمسية
-
درون روسي خفيف يدمر طائرة مسيرة أوكرانية مدرعة (فيديو)
-
خلال العام.. كيف تعاملت إدارة بايدن مع حرب غزة؟
-
ماذا حدث منذ السابع من أكتوبر؟
-
صبيحة 7 أكتوبر.. حماس تصف -طوفان الأقصى- بمحطة نضالية وخامنئ
...
-
مراسل RT: مقتل 4 بغارة استهدفت منزلا في بلدة صريفا جنوب لبنا
...
-
الحرس الثوري الإيراني يؤكد جاهزيته للرد على أي -عدوان يستهدف
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|