أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هويدا طه - نقاش حول المسألة المصرية العربية















المزيد.....

نقاش حول المسألة المصرية العربية


هويدا طه

الحوار المتمدن-العدد: 2555 - 2009 / 2 / 12 - 09:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس مفاجئا رد فعل الكثير من القراء على مقال ٍ نشرته هنا بعنوان "ما هكذا تورد الإبل يا عرب"، وليس مفاجئا كذلك ما قاله الكاتب عزام التميمي في مقال عن " الوطنية المصرية الوهمية"، ويمكن للقراء الأعزاء الرجوع إلى المقال في عدد الخميس الماضي من القدس العربي.
ليس غريبا أو مفاجئا أن تواجهك كل نلك الحدة وكل ذلك الانفعال لأنك تثير نقطة للنقاش تختلف عما (يرضي) به (التيار السائد)،
المسألة المصرية العربية
أصبح من شبه المتوقع على مدى العقود الأربعة الأخيرة أنه كلما ألمت بالأمة العربية مصيبة.. والمصائب كـُـثر.. يثور ضجيج .. حول مسألة نسميها هنا "المسألة المصرية-العربية"، وربما تتفقون معي أن ذلك لا يحدث إلا حول مصر.. ففي كل منعطفات الوطن العربي على مدى تلك السنين لم نسمع عن شيء مماثل تجاه دولة عربية أخرى.. دائما هي (مصر والعرب)، وهي مسألة تحتاج إلى التفكيك.. أولا لوضع اليد على سببها وثانيا للانطلاق بعدها إلى أفق حلمنا جميعا.. حلمنا الكبير.. حلم المشروع العربي الحضاري الديمقراطي.. وهذا التفكيك (لتلك المسألة ضمن مسائل أخرى كذلك) يحتاج أن يشارك فيه الجميع ولفترة طويلة وبمجهودات كبيرة من كل مثقفي تلك الأمة.. لكنه ضروري إن كان بالفعل يجمعنا ذلك الحلم الكبير...
ولننظر بمنهج التفكيك هذا إلى عناصر تلك المسألة (المسكوت عنها) منذ زمن:
أولا: هناك طرفان، طرف يضم مصر وحدها وطرف يضم بقية العرب، هذا هو الكائن.. سياسيا وثقافيا وعلى مستويات عديدة..
ثانيا: هناك مستويان داخل هذين الطرفين الرسميون والمثقفون.. أي نظم الحكم والنخب المثقفة في الجهتين،
ثالثا: هناك (اتهام) دائم في الاتجاهين، العرب يتهمون مصر بأنها (تخذلهم).. ومصر تتهم العرب بأنهم (عبء) عليها، والاتهام يتداوله المستويان.. الرسميون والمثقفون.. كلٌ بوسائله.. والشعوب تتأرجح بينهما دائما..
رابعا: هناك غموض وغياب للجرأة في الاتهامين المتبادلين.. أو قل.. هناك (مسكوت عنه) متضمنا في الاتهامات المتبادلة.. فالعرب لا يقولون- مباشرة- ما أرادوه من مصر و(خذلتهم) فيه.. ومصر لا تحدد فيم بالضبط العرب (عبء) عليها..
هل يمكن إذن أن نناقش تلك النقاط (بهدوء)؟!
مصر والعرب
لماذا هناك طرفان.. مصر والعرب؟ لماذا هذان الطرفان ليسا- على سبيل المثال لا الحصر- السعودية والعرب.. سوريا والعرب.. العراق والعرب؟ الحقيقة أنه حدث شيء كهذا فعلا في فترة من الفترات.. لكنه لم يدم وعادت المسألة مرة أخرى إلى ثنائية (مصر والعرب)، وكانت تلك محاولة من هذه الدول لتطويع الباقيات في العالم العربي حسب مآربها.. لكنها لم تستطع.. لم تحصل على هذا الاعتراف بها كطرف قائم بذاته.. رغم أن السعودية مثلا ألقت بثقل مالي كبير في تلك المحاولة وسوريا ألقت بثقل خطابي كبير كذلك!
الأمر ليس لأن مصر آية منزلة.. وبالطبع ليس لأن مصر دولة عظمى! ومن المؤكد ليس لأن مصر أرفع درجة من الباقيات.. السبب أن مصر كانت (الأسبق) تاريخيا في الخروج (أو قل- محاولة- الخروج.. فلم يخرج أي منا جميعا كما هو واضح الآن!) من عصور التخلف والظلام! وهي حتى ليست أسبق تاريخيا لأنها وشعبها (اشطر) من الآخرين.. إنما لأن ظروفا تاريخية جعلتها (بوابة) من ناحية البحر المتوسط- بحر الحضارات- لتلك المنطقة.. وظروفا تاريخية وجغرافية جعلتها (أداة ربط) بين مشرق تلك الأمة ومغربها وشمالها وجنوبها.. وظروفا استعمارية في مرحلة الاستعمار الغربي المباشر في القرن العشرين جعلتها (سببا) في الانتشار النسبي للحداثة في تلك المنطقة.. وظروفا جغرافية تاريخية استعمارية جعلتها (هدفا ووسيلة) لاغتصاب أرض فلسطين.. فكان أن أصبحت فلسطين قضية مصرية قبل أن تكون قضية عربية، (وقبل أن تصبح فلسطين كذلك مادة مزايدة منتشرة التداول!) وغير ذلك من أسباب لم نصنعها نحن (اقصد بنحن المصريين والعرب!) وإنما (تعرضنا) لها تاريخيا.. وترتب على تلك الأسبقية النهضوية (إضافة إلى كبر حجم سكانها ومركزية الدولة فيها منذ فجر التاريخ.. مما ضاعف من فرصة استقرارها) أن كانت الدول العربية الأخرى تتطلع اليها في كل مجال.. العلم والثقافة والسياسة والفنون وحتى القانون وشكل الحكم وغير ذلك من مجالات الحياة.. ولم تبخل مصر على (الشقيقات) بذلك الإمداد سواء كان الحكم فيها ملكيا أو جمهوريا! كما لم تبخل بذلك الإمداد سواء كان إيجابيا كالثقافة والفنون والعلم أو سلبيا كالديكتاتورية مثلا! وتلك الأخيرة أخذتها العرب من مصر بلهفة! وهذا ما نشأ يسببه على مدى القرن الماضي مصطلحات تجذرت في النفس المصرية والعربية.. الأخت الكبرى.. الرائدة.. القائدة.. إلى غير ذلك من مصطلحات لها ما لها وعليها من تداعيات!
هذه حقائق تعرفونها ونعرفها! الآن.. تغير الكثير.. لم تعد مصر بوابة الحداثة للعرب فقد صاروا مثلها يطلبونها مباشرة من المنشأ! وإن كنت اعتقد أننا جميعا – بما نحن عليه الآن من تخلف فكري وعلمي وتكنولوجي قد فشلنا بدرجات مختلفة في هضم تلك الحداثة! ومرة أخرى.. أقصد بكلمة "نحن" المصريين والعرب! كذلك تراكمت للدول العربية بمستويات مختلفة عدة مزايا مما كان لمصر وحدها.. في كل المجالات.. وأيضا استطاعت دول عربية أن تشق طريقا بقدر ٍ أو بآخر (أو فرض عليها ذلك كرها!) في قضايا كانت مصر وحدها صاحبة الكلمة فيها للأسباب المذكورة أعلاه.. كما دخلت أموال النفط عاملا في تغيير تلك الصورة.. فماذا صار؟ حدث أن أصبح هناك (طرفان).. طرف يضم دولا عربية عديدة تمردت على تلك (الأخت الكبرى) إما لأنها بالفعل تراكم لديها ما يجعلها نداً في مجالات عديدة.. أو لأن لعابها سال بسبب وفرة مال النفط لتصبح هي صاخبة هذا (اللقب السخيف).. الأخت الكبرى! وأذكر من لا يذكر مثلا أن السعودية في بدايات تدفق مال النفط بين يديها وعندما وجدت نفسها (أغنى كثيرا) من تلك الأخت الكبرى أنشأت ما سمته مهرجان الجنادرية للأدب والأدباء! فصارت تدعو الأدباء المصريين وغيرهم من العرب وتشتريهم أو تحاول شراءهم لتصبح (رائدة) في الأدب!.. ولن أذكركم بالطبع إلى أي مآل صار هذا المهرجان!
مال النفط بالطبع توفر في يد دول الخليج.. وهي دول استطاعت أن تشتري بذلك المال مظاهر الحداثة.. أدواتها الاستهلاكية.. فصارت تقلد (أوروبا والدول المتقدمة!) في شكل المباني والأسواق.. وتستهلك ما تنتجه أوروبا والدول المتقدمة من سيارات وأجهزة تكنولوجية.. وتشتري ما تنتجه أوروبا وأمريكا من سلاح (وتخزنه!).. وتشاهد ما تنتجه أوروبا وأمريكا من أفلام وفنون ووو... لكن لا أظن أن عاقلا منكم يصدق أن دول الخليج أخذت من الحداثة غير ذلك! بينما تقوقع الطرف الآخر المستهدف بهذا التمرد وهو مصر.. بعد أن أنهكتها تبعات تلك الريادة السخيفة وبعد أن هلهلتها الديكتاتورية المستحكمة منذ الأزل.. فصار هناك طرفان.. هكذا بتلك البساطة!
لكن مصر لم تستطع أن تهضم فكرة أن تتمرد عليها الشقيقات (وهو تمرد مقبول ومشروع بالمناسبة! حتى لو كان مثيرا للسخرية.. مثل مهرجان الجنادرية ذاك!) ونشأ ذلك (الهاجس) الأسخف بين الطرفين.. العرب ترفض أن تظل مصر مركزا لهم بعد ما توفر لديهم من مال وبعض معرفة.. ومصر تأبى الرضوخ لصيرورة التاريخ! ما أسخف هواجسنا! والجمع هنا أقصد به.. للمرة الثالثة.. المصريين والعرب!
الرسميون والمثقفون
الدول تمثل شعوبا (يعني.. المفروض!) وبالتالي فإن ذلك (الهاجس) الذي ذكرناه أعلاه جسده مستويان آخران داخل هذين الطرفين.. الطرفان هما المصريون والعرب.. والمستويان اللذان نفثا ذاك الهاجس هما الرسميون والمثقفون.. فصار حكام عرب عند كل منعطف من منعطفات الفشل العربي يتهمون حاكم مصر بعدة اتهامات فيرد حاكم مصر باتهامات أخرى! وبالطبع لكل ٍ جيشه من المثقفين وأدوات الإعلام والإذاعات و.. الفضائيات! هذا الحاكم أو ذاك يطالب حاكم مصر بالتزامات ريادته التي تمرد عليها هو نفسه وأنكرها عليه! وحاكم مصر يذكرهم بأنه كان دوما (كبيرهم الذي علمهم السحر!) لكنه يريد أن يكون كبيرهم دون تحمل مسئولية رعاية هؤلاء الصغار! ربما لا يصف شيئا فريدا بين الأمم كهذا سوى عبارة (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم)! لكن على كل حال تلك الملاسنة بين حكام مصر والعرب لا تؤلمنا كثيرا بقدر ما تؤلم حقا انعكاساتها على مثقفي الطرفين.. والمثال الحي دائما هو قضية فلسطين..
فحينما كانت مصر عبد الناصر عدوا لدودا لإسرائيل تعرض حاكمها ومثقفوها لضربات عربية (تحت الطاولة).. والتاريخ ملآن بمؤامرات سعودية وخليجية وعربية أخرى في ذلك الأمر.. وكان الخلاص من عبد الناصر هدفا عربيا أسمى.. والوثائق تروي كيف دفع ملك السعودية لأحدهم كي يقتل عبد الناصر.. ناصر الذي كان رائدا للتحرر من الاستعمار.. ليس عربيا فقط وإنما عالميا (كما تعرفون! أو لعل البعض لم يعرف بعد!) تلك حادثة موثقة، وعندما كان ناصر يدرك أن جيشه ليس مستعدا راحت العرب تضغط وتضغط وتتهمه بأنه (مختبئ وراء القوات الدولية ولا يريد مواجهة إسرائيل) فكانت النكسة وكان تشفي العرب في مصر وناصرها.. وهي أمور يمكنكم الرجوع إلى التاريخ القريب للتوثق منها.. وعموما تلك النكسة مجال الحديث فيها يحتاج مساحة أخرى.. لكن الموقف العربي فيها ظل (عقدة) عند الحاكم المصري حتى اليوم.. حتى الأسبوع الماضي! حين قال الرئيس مبارك في خطابه إن مصر لن تستجيب لنداء الحرب بسبب ضغط عربي يشبه ضغطا مماثلا عام 67..! وبالطبع قد يكون مبارك استخدم تلك العقدة لغرض في نفس يعقوب! لكنها عقدة لا ينساها المصريون!
وعندما انتصرت مصر في بدايات حرب 73 ووقفت العرب بجوارها لم تستطع الاستمرار في وقوفها إلى النهاية! وكان رئيس الوزراء المصري بعد الحرب الدكتور مصطفى خليل (والذي أصبح بعد ذلك أحد مهندسي معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية.. التي نعارضها نحن أيضا حتى اليوم في مصر!) قد روى أن مصر بعد الحرب خرجت منهكة خاوية الخزينة.. وكانت السعودية في نفس الوقت تحصد ثمن وقف تصدير البترول للغرب في تلك الحرب.. إذ ارتفعت الأسعار وبدأ التدفق النفطي في جيوب الخليج عبر دماء المصريين والسوريين في تلك الحرب.. فذهب خليل إلى السعودية طالبا أن تدفع لمصر ثمن شحنة عاجلة من القمح.. يقول خليل بمرارة لا تنسى إن السعوديين حينها قالوا له: ما نقدر عليه أن نضمن مصر في قرض!
إذن أقول في هذا النقاش- الذي أتمنى أن يكون هادئا- إن الطرف العربي في مقابل الطرف المصري ليس ذلك الذي تتصورونه دائما! مهما زايدوا بالبكاء على ضحايا غزة في وسائل الإعلام! هم في النهاية أناس يحكمون ويريدون شيئا غير ذاك الذي به يصدحون! وهنا مصر أيا كان حاكمها (فكل حكامنا منذ الأزل ديكتاتوريون.. ما المختلف يعني؟!) ليست دائما ذلك الطرف الذي تصالح مع الإسرائيليين وباع القضية كما تصور لكم الفضائيات! هناك أجندات للحكام لا تعلن.. وعلينا نحن الشعوب دائما أن نفك شفرتها! لكن المثقفين عند كلا الطرفين حين يحاولون فك تلك الشفرة.. يحاولون فقط في اتجاه الطرف الآخر! فطالما الأمور هادئة نسبيا على مستوى اشتعال الموقف الفلسطيني (موضوع المزايدة الأكبر في التاريخ العربي).. ينكر مثقفو العرب على مصر شوفينيتها وتمسكها بريادة زالت (ونحن معهم في هذا! فقد زالت ولم يعد الآخر العربي يعترف بها في وقت السلم ولم تعد مصر بحاجة لها!) وتخوى أيديهم من أي مشروع سوى إثبات أن مصر لم تعد الوحيدة في هذا العالم! ثم حين يشتعل الموقف الفلسطيني يتنادى هؤلاء أنفسهم ويصرخون: يا مصر يا رائدة أين جيشك وريادتك.. ارحمي الفلسطينيين المساكين! ويسير في ركابهم الشعوب المسكينة هي الأخرى! وبدورهم يصرخ مثقفو مصر: لماذا نحن؟ لماذا جيشنا نحن؟ أنتم الآن كبار ورواد ولديكم جيوش وأسلحة.. اذهبوا انتم وقاتلوا.. حرروا فلسطين! ماذا يقعدكم ألا تقولون أنكم صرتم الأفضل.. اذهبوا وقاتلوا إنا ها هنا قاعدون! فتتشنج العرب وتعلن رفضها لتخلي الأخت الكبرى!
هذا هو ما يوصف بأنه.. ترد ٍ وتدهور حضاري! مرة أخرى (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!)
وحين يبدأ مثقفو الطرفين في تبادل الاتهامات.. تجد مقالا مثل ذلك الذي كتبه الأخ عزام التميمي! يصف المصريين بأنهم (مرضى نفسيون) لأنهم لا يؤيدون حماس والإمارة الإسلامية الإيرانية في غزة! وتجد مقالا عنوانه: وآخرتها ياعرب! ذلك الذي كتبه كرم جبر- صحفي مصري حكومي حتى النخاع- يتهم فيه العرب بأنهم صاروا عبئا على مصر! ولا تعرف بالضبط ماهو حجم هذا العبء في رأيه! بينما العرب من قبله اتهموا مصر بأنها خذلتهم وأصبحت تحب اليهود أكثر منهم! وهكذا يستمر ذلك (الهاجس) فاعلا بين الطرفين.. مصر والعرب.. هاجس سببه بسيط للغاية ولا يحتاج إلى كثير جهد لاكتشافه عند الطرفين.. استقالة العقل!
الغموض وغياب الجرأة
على مدى أيام الأزمة الأخيرة (الأزمة التي دفع ثمنها طرف واحد فقط لا هو مصر ولا هو العرب العاربة: فقراء غزة! ولن نطيل في هذا حتى لا نشارك في زفة المزايدين!) كان الضغط العربي على مصر متواصلا لكن بغموض! لم يكن واضحا بالضبط ما هو المطلوب من مصر! كان الجميع يقول: فتح المعابر فتح المعابر! حتى المصريون أنفسهم كانوا ومازالوا يطالبون بفتح المعابر! وليس لدى أي طرف معلومات دقيقة عن الجوانب الفنية في هذا الأمر! ترداد للنداء بفعل التواتر! ولم ينتبه احد (ولعلهم منتبهون لكنهم لا يفصحون!) إلى هذا المستوى الذي وصلت إليه قضية العرب الكبرى! صار فتح المعابر مطلبا أسمى.. نسى الجميع مطلب تحرير فلسطين من النهر إلى البحر!.. نسى الجميع حتى مسألة الانسحاب إلى حدود 67 بمن فيهم حماس نفسها! حماس التي كنت تحترمها أيام كانت (مقاومة) رغم اختلافك معها.. وأذكر أن رموز حماس كانوا حين يتحدث أبو مازن عن حل الدولتين وشكل المعبر المأمول بين غزة والضفة.. كانوا يسخرون منه ومن مطلبه هذا ويتهمونه بأنه عالق في مطالب صغيرة.. وأن المطلب الأسمى هو التحرير من النهر إلى البحر! ولهذا انتخبهم سيئوا الحظ سكان غزة! الآن حماس ترنو إلى فتح معبر واحد وتعتبره قضيتها الكبرى وتبتز العالم من أجله! والعرب العاربة تضغط على مصر ومثقفو العرب يتهمون مصر بالمرض النفسي باسم هذا المعبر.. بينما كل الأطراف تدرك أن الدفع على مصر هو للتعجيل بحربها المؤجلة مع إسرائيل! وتسير المظاهرات حول السفارات المصرية في العالم.. ويحرق العلم المصري.. وتسب مصر كلها ويدفع البسطاء إلى الهتاف (الجيش المصري فين) لكنهم هم حكام ومثقفو العرب لا (يجرؤون) على إعلان مطلبهم إعلانا مباشرا! لأنهم يدركون ببقية عقل أنه مطلب (ظالم لمصر وشعبها) قبل أن يكون لحاكمها.. ومطلب أناني يلح على تحرير فلسطين بالدم المصري دون غيره! ولو كانت مصر قادرة لكان يمكن قبوله! لكنكم تعلمون إنها غير قادرة.. الآن!
هذا الغموض وذاك الغياب للجرأة في طرح مشروعهم (والذي أظنه بالنسبة للخليجيين: تولية إسرائيل أختا كبرى وبالنسبة لغيرهم نفض اليد من فلسطين بالمرة!) والذي يستبدلونه بتلك المزايدة على الدم الفلسطيني.. يقابله أيضا غموض من النظام المصري.. ما زال لا يجرؤ على إعلان مشروعه كاملا.. (والذي أظنه الرضا بحلف إسرائيلي مصري أمريكي ترضى فيه مصر بالقليل بل تغبن فيه مقابل استمرار سلالة مبارك في الاستيلاء على مصر عن بكرة أبيها!) لذلك تجد رجال الحكم عندنا يتحدثون كثيرا عن (السلام)! مش عايزين مشاكل! لهذا نقول إن الصراع (الوجودي) هو بين مصر وإسرائيل.. أما فلسطين فهي أرض معركة.. لسوء حظها.. والحرب الفاصلة هي مؤجلة.. إلى أن يأتي رجال غير الرجال!
لكن مثقفي مصر المؤمنون بالمشروع الحضاري العربي الكبير.. الخالي من الصهيونية.. والهيمنة الأجنبية بكل ألوانها.. المعارضون للنظام المصري الغارق في الفساد حتى أذنيه.. يخضع بعضهم لهذا الابتزاز العربي فيخشى مناقشته خوفا أن يقال عنهم ما قيل عن مقالي السابق! وما سيقال عن هذا المقال! وخوفا من تصنيفهم ضمن معسكر النظام المصري.. الذي يحاولون باستماتة توعية الشعب المصري ضده!
لكنك حين تؤمن بمشروع كبير.. لا ينبغي أن تخضع لمثل هكذا صغائر!.. صغائر القضايا وصغائر النفوس.. فالحلم أكبر منهم.. الحلم آخر ما يموت! وهنا لا ينبغي أن يعمل المرء بما أوصى به شاعري المفضل أبو العلاء المعري حين قال:"ولما رأيتُ الجهلَ في الناس ِ فاشيا ً.. تجاهلتُ حتى ظـُـنَ أنيّ جاهلُ"!
لن أتجاهل! هناك سقوط للجميع في فخ (العقل الثنائي).. وهو حقا ً عائقٌ كبير في طريق تحقيق حلمنا الكبير، العقل الذي لا يرى إلا (فسطاطين) يُضيـّـق الخيارات أمامنا.. ويشيطن الآخر! الشعوب المتقدمة المتحررة (ليس بالضرورة شعوب الغرب فقط فهناك أمم أخرى كما تعلمون) انطلقت في مشروعاتها الحديثة عندما استطاعت.. عبر مثقفيها ومفكريها.. التخلص من تلك الثنائية في تصنيف كل الأشياء.. نحن إذن في حاجة للخروج من هذا الفخ من أجل رؤية أرحب لقضايانا.. لا أمل في حكام لم يأت أيٌ منهم برغبة شعبه.. الأمل الحقيقي هو في مشروع (تنويري) كبير كبير.. يقوده المثقفون والمفكرون لإخراج الناس من غيبوبة العقل المتواكل أسير الغيبيات.. يشرحون به معنى أن يكون حلمك كبيرا كي تكون أنت كبيرا! ويجعلون حرية الفكر وتحرره من الثنائية الغبية تلك هدفا أسمى.. مشروع تنويري قد يستغرق أجيالا، لكن.. احسبوها معي... كيف يحرر فلسطين أناس هم في أنفسهم وفي عقولهم وفي وجدانهم.. يخافون من الحرية؟!



#هويدا_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هكذا تورد الإبل.. ياعرب
- على هامش الاضراب: مصر هرمة ترحل.. مصر شابة تولد
- توريث السلطة في مصر: الملف الكامل
- طبعا كله إلا السمعة
- قاض نزيه وقضاء مشلول
- نحلم بسينما متمردة
- مستقبلنا؟! هل لنا مستقبل؟!
- سينما بلا هواجس
- مصر في قبضة رئيسها
- غريزة القتل في فلسطين والعراق
- ابتزاز العمائم للمبدعين
- الهموم اليومية تكسب
- متى يعلنون وفاة الرئيس
- الجسور تبقى والحكام يرحلون
- أعزائي في الداخلية وأمن الدولة:شكرا للتعاون وإلى اللقاء في ع ...
- الناس على دين فنانيهم.. لكن أي فنانين؟
- هي دي مصر يا عبلة
- صراخ فقراء العرب وعلمانية الأتراك
- الاختيار بين نفاق الشعوب أو خض سكونها
- إوعوا تقولوا للشعب إن الأرض تدور


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هويدا طه - نقاش حول المسألة المصرية العربية