سقط القناع عن القناع

رشيد طلحة

الحوار المتمدن-العدد: 2547 - 2009 / 2 / 4 - 02:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أثار تاكيد وزير الداخلية المغربي قرار عزل عمدة مدينة مكناس المنتمي لحزب العدالة و التنمية و متابعته قضائيا بسبب سوء تدبير مالية الجماعة الحضرية لمكناس، حفيظة و غيظ قادة هذا الحزب الإسلامي الذين لم يتواروا عن اتهام السلطات المغربية باستهداف الحزب بسعيها لكبح جماحه و تقزيم تمثيليته و تشويه صورته خاصة في هذا الوقت الذي يستعد فيه الحزب لخوض معركة الانتخابات الجماعية التي سيشهدها المغرب في شهر يونيو(حزيران) المقبل، وقد ذهب أمينهم العام لأبعد من ذلك من خلال تهديده بمقاطعة هذه الانتخابات.

لقد ظل زعماء هذا الحزب -الذي يعتبر أحد أهم أقطاب الإسلام السياسي في المغرب- يتبجحون - في كل مناسبة انتخابية- بكونهم جاءوا لإصلاح المجتمع من خلال محاربة الفساد السياسي و المالي و الأخلاقي و يزعمون نزاهة مرشحيهم و نقائهم من الذنوب و يصورونهم كما لو كانوا أنبياء أو أولياء الله الصالحين و يفتخرون بأن حزبهم هو الوحيد الذي لا يستعمل المال الحرام لشراء ضمائر و أصوات الناخبين ... فجاء تقرير لجنة المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية لتدحض مزاعمهم و زيف ادعاءاتهم الرخيصة و لتكشف عن الخروقات و الاختلالات التي طالت أموال الجماعة الحضرية لمكناس خصوصا فيما يتعلق بإبرام الصفقات العمومية و تسليم رخص البناء و إعفاء مقاولات من أداء الضرائب المترتبة عليها لفائدة الجماعة.

لقد كشفت لنا أيضا هذه الفضيحة ازدواجية الخطاب عند فقهاء حزب العدالة و التنمية، فتصريحات قادته و مسئوليه لم تخرج يوما و في كل مناسبة عن نطاق شجب و إدانة عمليات إفساد الانتخابات و هدر الأموال العمومية و استغلال الممتلكات العامة في الحملات الانتخابية و المطالبة بالضرب على أيدي المفسدين في الأرض لدرجة أنهم عزوا سبب تراجعهم في العديد من الدوائر- خلال انتخابات شتنبر 2007 - إلى تفشي ظاهرة الفساد و استخدام المال الحرام أثناء الحملات الانتخابية ... لكن عندما أصبح الأمر يتعلق بأحد "ملائكته" اعتبروها مؤامرة خسيسة تستهدف الحزب و قادته.

و لعل ما يثير الاستغراب أكثر هو سعي حزب العدالة و التنمية لإضفاء صبغة سياسية على هذه القضية و تضخيم حجمها و استغلالها سياسيا لكسب تعاطف أكبر من الناخبين علما أن القضية هي مجردة من أي خلفيات سياسية و لا تعدو كونها مسألة روتينية تدخل في إطار تفعيل القوانين و الأنظمة الجاري بها العمل حيث أن الكشف عن الخروقات و التجاوزات التي تشوب تسيير ميزانيات الجماعات المحلية هي من صميم اختصاصات و مهام أجهزة الرقابة البعدية و التي تمارسها المجالس الجهوية للحسابات و هيئة التفتيش التابعة لوزارة الداخلية و المفتشية العامة للمالية و ذلك بهدف تخليق الحياة العامة و حماية المال العام و ترسيخ الحكامة الجيدة في تسير المرافق و المؤسسات العمومية و هو الشيء الذي طالما ناضلنا من أجله كمجتمع مدني.

و تجدر الإشارة هنا إلى أن أحزاب اليسار هي التي كانت السباقة لفضح الخروقات التي شابت الحملة الانتخابية بمدينة مكناس خلال شتنبر 2007 و كان بطلها العمدة الذي قام بتسليم رخص بناء غير قانونية لسكان الأحياء المهمشة دون احترام للقانون 89- 30المتعلق بالجبايات المحلية، و ذلك بهدف استقطاب أصوات هذه الفئة المطحونة لصالح قائمة حزب العدالة و التنمية، و ردا على هذه الاتهامات برر العمدة فعلته هذه بكون المرسوم 576-76-2 المتعلق بتنظيم محاسبة الجماعات المحلية يخول له تلك السلطة و هي مغالطة كبيرة لكون هذا المرسوم و إن كان يعطي سلطة إلغاء أو تخفيض الضريبة للرئيس- في البند 30 -فانه يقرنها بضرورة مصادقة سلطات الوصاية ( وزارتي الداخلية و المالية) .

فماذا يميز إذن عمدة مكناس – العدل تنموي – عن عمدة فاس- الاستقلالي - الذي أقام الدنيا و لم يقعدها عندما اصدر المجلس الجهوي للحسابات تقريرا يثبت فيه و جود تجاوزات و اختلالات في ميزانية الجماعة الحضرية لفاس و تجاهل صريح للقوانين المنظمة للصفقات العمومية و التعمير...الخ، فلجأ العمدة لدحض هذه الاتهامات إلى اتهام مباشر لأعضاء مجلس الرقابة بموالاتهم لحزب منافس و هو حزب العدالة و التنمية و الغرض منه النيل من حزبه الذي تربع على عرش هذه المدينة منذ الاستقلال، فأثارت القضية زوبعة صيفية انتهت بغلق الملف إلى غير رجعة.

إن تصرفات من هذا النوع لبعض المسئولين الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون من شأنها أن تقضي على مصداقية أجهزة الرقابة العليا و تعد أرضا خصبة لتشجيع الفساد و المفسدين و تكريس قاعدة عدم الإفلات من العقاب و بالتالي إعادة المغرب بعشرين سنة أخرى إلى الوراء.

#رشيد_طلحة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات