أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جان عثمان - واقعية الوطن بين الذاكرة والحوار















المزيد.....

واقعية الوطن بين الذاكرة والحوار


أحمد جان عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 779 - 2004 / 3 / 20 - 07:11
المحور: الادب والفن
    


"قيل ائتِ بقبّعته فأحضر معه الرأس المقطوع". مثل أويغوري

أظن أني لن أكون مخطئاً إذا قلت إن صديقنا حسين عجيب يفكّر على طريقة الاشتراكيين الروس في نهاية القرن التاسع عشر إذ كانوا يعتقدون أن نظام الحكم في روسيا القيصرية يمكن تغييره باغتيال قمة الهرم السلطوي! أو إنه يفكّر على طريقة العمال في بداية صعود الرأسمالية الصناعية حيث قاموا بتحطيم الآلات لأنها هي السبب في معاناتهم واستغلال أرباب العمل لجهودهم! أسوق هذه الأمثلة حتى أقترب من فهم صديقنا لما أريد قوله لكونه قارئاً نهماً، في ما مضى، للأدبيات الماركسية. فمثلما أن هرم السلطة يمكن أن ينبت له رأس جديد مكان المقطوع كمخلوقات خرافية في حكايات جدّاتنا أو مثلما أن تحطيم الآلات لا يؤدي بالعمال إلا إلى الانضمام إلى العاطلين عن العمل وازدياد البؤس فإن تفكير صديقنا سيقودنا إلى الشعور باليأس وفقدان روح المبادرة.

إن الشعور باليأس وفقدان روح المبادرة هما من أهم الغايات التي تتوخّاها السلطات، لا في الشرق/الجنوب البائس فحسب وإنما في الغرب/الشمال السعيد أيضاً. فبحضور اليأس وغياب المبادرة يمكن للقائمين على الحياة السياسية تحييد الرعيّة/العبيد في الشرق البائس عن احتمال حدوث عصيان مدنيّ أو مسلَّح، أو تحييد الرعية/المواطنين في الغرب السعيد عن رفض المشاركة في الانتخابات وعدم القبول ببرامج الأحزاب المتواجدة في الساحة السياسية وازدياد القناعة بعدم تلبية تلك الأحزاب لتطلعاتهم. ما يعنينا، ههنا، أنا وعجيب، كشرقيين بائسين، ليس العصيان المدنيّ أو المسلَّح وإنما طريقة التفكير لوحدها.

أعتقد أن مسار الحضارة، ذلك المسار الاجتماعي والسياسي، سوف يواصل استمراره، إن شئنا أم أبينا، ما دمنا غادرنا عالَم الغابة ومررنا بسلسلة التشكّلات المسمَّاة بالحضارية كالقبيلة، المملكة، الإمبراطورية، الدولة القومية ثم الديمقراطية... إلخ. فالغابة كانت وطننا الأول كما أن أوطان الغربيين السعداء، كالسويسريّين مثلاً، هي ما يسمّى اليوم بالمجتمعات الديمقراطية. أمّا إذا أراد عجيب أن يتخلّف عن موكب "الحضارة" هذه فمعه الحق كله في ذلك لكن لا يمكن، والحالة هذه، اعتباره داخلاً في الحوار. وأما الشعر فهو كان خاتمة الروح، هذه الخاتمة المستمرة منذ أن ظهر أول الشعراء في تاريخ البشرية والتي ستستمر إلى أن يختفي كوكبنا الجميل عن المجرة الشمسية. إذن، هل سيظلّ عجيب شاعراً فحسب أم يرغب بأن يكون شاعراً محاوراً؟

إذا كنا مع الخيار الأول فإننا غير معنيين بالحضارة من ألفها إلى الياء لأننا، كشعراء، نقيم منذ آلاف السنين في مصبّ نهر الحضارة العظيم. لكن، عندما نختار أن نكون محاورين، فذلك يعني، ببساطة، أننا، جميعاً، سنحمل معنا صليبنا. سنتخلّى عن كوننا آلهة وننخرط، كالناصري، في شؤون البشر. ما دمنا قد أخرجناهم من هناء الغابة ورعبها فعلينا، أخلاقياً، أن نسير معهم باتّجاه المصبّ. كان المحاورون يتساءلون ماذا بعد القبيلة؟ والآن ينبغي علينا، أنا وعجيب وآخرين، التساؤل: ماذا بعد التشكّلات الاجتماعية الديمقراطية؟ ولكن، قبل ذلك، وتبعاً لخصوصية المكان الذي نقف عليه، نفكّر كيف يمكن أن نشيّد وطناً على أنقاض الوطن شبه القبلي/شبه القومي كالصين وسوريا؟

ثم، يردّد الشاعر عجيب مع رفيقه ماركس "أن الوطن وسيلة أيديولوجية للسيطرة الطبقية ولتبريرها"! أجل. أوليس المجتمع الخالي من الطبقات شكلاً من أشكال الوطن أيضاً؟! هل نستطيع الاستنتاج من تجليات نظام الحكم في السعودية وإيران، مثلاً، أن الإسلام في بداية انطلاقه كان وسيلة أيديولوجية للسيطرة الطبقية؟! أية طبقة إن لم تكن وحدة المعتقَد! أيامئذ، كانت جميع فصائل قريش وقبائل أخرى في شبه الجزيرة العربية كانت في الحوار: في وحدة المعتقد. كانت "الأوطان العربية" تتجه نحو الامبراطورية، هذا الوطن الأكثر رقياً، بالمعنى الحضاري، من القبيلة والدولة. هي الحضارة تسير، إن شئنا أم أبينا، من وحدة الدم (العائلة) إلى وحدة النسب (القبيلة)... إلى وحدة العِرق (الدولة القومية)... إلى وحدة القانون (الدولة الديمقراطية)... إلى وحدة الحوار (الوطن).

أتساءل: كيف يمكنني ألا أفكر بجدوى الوطن وأنا جالس في مكتب المفوضية العليا لهيئة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كمتسوّل على أبواب الغرب السعيد، مجروح الكبرياء، وقد أمرتني السلطات التركية بوجوب مغادرتي أراضيها، وليس بالإمكان الحصول، بسهولة، على سمة دخول إلى بلد آخر كوني لا أحمل تصريحاً بالإقامة هنا، كما أني لا أستطيع العودة إلى بلدي حيث غياهب السجن بانتظاري، على الأقل! من ثم يحكم صديقنا بأن "كلمة الوطن مثيرة للشبهات" وأنه "أسطورة" و"وسيلة أيديولوجية للسيطرة الطبقية ولتبريرها"! ويتغنّى بأني "العابر للغات والحدود والأوطان"! وكأني بالمفكر حسين عجيب يجيبني "تخيَّلْ واستمنِ" وأنا أبدي رغبتي الشديدة بمضاجعة امرأة بكل ما في جوارحي من حب!

هل يدري صديقنا معنى عبارتي عندما قلت: "أعتقد أنه لم يكن لي، في الأصل، وطن، وإلا لما أمسيت الآن بلا وطن"؟ إذن، لماذا يتساءل قائلاً: "هل نعلم كم من السوريين والصينيين يحلمون بتبديل الوطن (أشدّد على كلمة وطن) بفيزا وجواز سفر"؟! أفيعتبر صديقنا سوريا أو الصين وطناً؟! إذا كان كذلك فلماذا أنا مشرد بلا وطن ولماذا هو يتمنى مغادرة سوريا إلى غير رجعة؟! إن الوطن حقوق في الذاكرة والحوار قبل أن يكون مسكناً وعملاً وعيشاً لائقاً وحرية الرأي. إن على المهتمين بالشأن العام، قبل غيرهم، في بلد مثل سوريا حيث تنتهك حقوقهم في الذاكرة والحوار، أن يتمسكوا بالبقاء حتى النفس الأخير للاستمرار في ذاكرتهم السورية ولتحقيق حوارهم السوري إلا عندما تصبح حياتهم مهدَّدة بالسجن أو بالقتل.

إن الوطن، كغيره من المسائل الواقعية، لا يمكن أن نتخطاه بمجرد إلغائه، أو بالحلول اللغوية، أو عن طريق الهجرة السعيدة.

يا بيتي المنشود
الذي سقفه قلبي الملبّد
حيث يوشك على الهطول
مرة، جاءني طيفك ليلاً
حلماً ينوح على وسادتي
ثم غادرتِ الطفولةُ قلبي
كما خرجتُ من بيتنا القديم
في تلك الليلة وإلى الأبد
كمن يسير في حلمه
حاملاً بين يديه الوسادة...

إذا كانت كلمة "بيت" تعني هنا، فيما تعني، الوطن، وإذا كان "بيتي المنشود" هو منتهى الحوار حيث أحنّ إليه كحنيني إلى المستقبل، وإذا كان "بيتنا القديم" هو منطلَقه (الحوار) فإن "الوسادة" هي الذاكرة.

ــــــــ
1ـ المقطع الشعري هو من قصيدة "كمن يسير في حلمه" من ديوان "في أطلال سومر حيث أقيم"، أحمد جان عثمان، دار الكنوز الأدبية بالاشتراك مع دار التكوين، بيروت ـ دمشق، ط1، 2003، ص78.
2ـ أرجو من الصديق حسين سماحي لنزقي وثقتي المضحكة بالنفس كأخ كبير.



#أحمد_جان_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنه سيزيف... من سفح الحزن نحو وادي حلبجة
- ملائكة على الأرض
- نقد الوطن
- مبتدأ الخوف وخبره
- رد مفتوح لرسالة حسين عجيب
- شرعيّة العزلة ومشروعيّة الحلم
- الحريـــة والقيـــد
- يا لنا من ضحايا الرقم 3
- حوار الهوية والاختلاف


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جان عثمان - واقعية الوطن بين الذاكرة والحوار