أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد جان عثمان - نقد الوطن














المزيد.....

نقد الوطن


أحمد جان عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 773 - 2004 / 3 / 14 - 07:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لن يقدّر الوطن حقّ قدره من لم يُمْسِ بلا وطن.
اخترت هنا كلمة "يمسي" للدلالة على المساء حيث لا يعرف المشرَّد إلى أين يأوي. لقد بدأت الكلام بجملة سيعتبرها حسين عجيب عبارة عن حكم تمّ إطلاقه على عجل، لكن بالنسبة إلى مشرَّد بلا وطن، مثلي، سيتوقف عندها شاعراً بما يتركه لديه منظر الشفق في آخر النهار من حزن وحنين، حزن محارب يلقي نظرة أخيرة باتجاه بيته قبل أن يهبط من أعلى الهضبة، وحنينه إليه قبيل المعركة ربما ستكون الأخيرة بالنسبة إليه حيث سيفارق الحياة إلى الأبد.

أما بالنسبة إلي فقد كانت المعركة هي الأخيرة. لم أمت مثلما كان يمكن أن يموت المحارب، لكني فارقت الوطن ربما إلى الأبد؛ فارقته مرتين: أويغوريا كانت الأولى قبل عشر سنوات وسوريا كانت الثانية قبل أقل من شهرين. فلو كنت المحارب لما متّ أكثر من مرة! في كل وطن كانت لي حياة، وكلما غادرت وطنا مات أحمد جان عثمان وولد أحمد جان عثمان الآخر. فالأول كما لو أنه مات وعمره عشرون عاماً، مثلما مات الآخر في العمر نفسه. الآن، وأنا أنتظر هنا، حيث لا وطن، وطناً ثالثاً آوي إليه، فقد أمسيت كمن فَقَدَ ذاكرته.

من كان بلا وطن فهو يهفو إلى ذاكرة جديدة مثلما يحنّ إلى الأبديّة كل من يتأمّل في ظاهرة الموت. بهذا المعنى، فإن الذاكرة هي أبديّة المشرَّد خلف أسوار الأوطان. كما أن الأبدية هي السلوان الوحيد للفانيين، كذلك الذاكرة فهي ما تبقّى من أمل لأولئك الذين لا وطن لهم، ذلك الأمل كشفقٍ تتركه الشمس الغاربة في الغيوم. أتساءل: ترى، هل من شيء في الوجود ذي قيمة، بالنسبة إليّ الآن، سوى استرجاع ذاكرتي القديمة أو إمكانية الشروع، مرة أخرى، في ذاكرة جديدة؟! لا ظِلَّ لشريد الوطن، فالوقت لا يبرح الساعة الثانية عشرة حيث أقف، فاقد الذاكرة، تحت قيض شمس الظهيرة أو محمولاً على زوبعة الظلام في منتصف الليل، لا فرق.

إن الوطن، قبل كل شيء، هو ذاكرة. أظن أن أمثالي يطالبون الهيئات الحقوقية الدولية بالدفاع عن حقّ الفرد في الاستمرار في ذاكرته، فهي (أي الذاكرة) ملكية الفرد المقدَّسة. إن أي دولة تسلب الفرد حقّه هذا يجب اعتبارها مجرمة تعاقَب كما يعاقَب اللصوص. ولكن كيف؟! برأيي، من خلال إلغاء مبدأ سيادة الدول؛ وطرد أي دولة تنتهك هذا الحق من المحافل الدولية؛ ومطالبة جميع دول العالم الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بقطع علاقاتها الدبلوماسية معها؛ وفرض العقوبات الاقتصادية عليها؛ و... و... هكذا يغدو أمثالي حالمين بقوة قادرة في هذا العالم على الدفاع عن حقّ الإنسان في الاستمرار في الذاكرة. إني متأكد من أن المشرَّدين بلا وطن يُجمِعون على رأيٍ فلسفيّ عميق يقول: إن الإنسان حيوانٌ يتذكّر.

أعتقد أنه لم يكن لي، في الأصل، وطن. وإلا لما غدوت، الآن، بلا وطن. إن ثمة أناساً تعيسي الحظّ يفتقدون إلى الوطن منذ ولادتهم. هؤلاء لن أسميهم شعباً لأنهم أناس ما قبل مرتبة الشعب. أنا من هؤلاء حيث يمكن تصنيفهم كالتالي: مُضْرِبون عن الرأي، وسجناء الرأي، ومشرَّدون. إن الصينيين والسوريين ليسوا شعوباً لأنهم أناس بلا وطن. المضربون عن الرأي هم الخائفون من بطش "الواحد الصمد" السياسي حيث يشكّلون الأغلبية؛ وسجناء الرأي هم "زنادقة" ومشركون في "الله" إذ يرغبون بالتعدّدية السياسية التي لا "كفر" أعظم من ذلك في الديانة السياسية، الصينية أو السورية، ومصيرهم التعفّن في رطوبة السجون أو تلتهمهم الديدان في المقابر الجماعية؛ أما المشرَّدون فهم الناجون بجلدهم من يوم الحساب، ولكن، فقد لحقتهم "اللعنة الإلهية"، ألا وهي فقدان الذاكرة.

لن تقوم للوطن قائمة ما لم يصبح الصينيون، أو السوريون، شعباً. لقد مضى عهد القومية التي كانت تدّعي وحدة العرق، أما اليوم فتدعونا الحاجة الملحّة إلى قيامة الشعب من خلال وحدة الحوار. إن الحوار وحده هو العصا السحرية التي تقلبنا إلى شعب. أستطيع القول إن الشعب، الذي ينضوي تحت وحدة الحوار، هو الوطن ذاته.

أين الوطن؟ حيث ينوجد شعبٌ يتحاور أفراده.
من المواطن؟ ها هو ذا... في حوارٍ مع الشعب.
ما الوطنية؟ الدفاع عن الحوار.

ما الحوار إذاً؟ ليس باستطاعة أحد الإجابة عن هذا السؤال ما عدا الحوار نفسه. الشيء الوحيد، الذي نعرفه عن الحوار، هو القبول بمبدأ التعدّدية، أي، حقي في الاختلاف، كفرد ومواطن، في الائتلاف الإرادي الذي يُدعى الشعب أو الوطن، لا فرق.



#أحمد_جان_عثمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبتدأ الخوف وخبره
- رد مفتوح لرسالة حسين عجيب
- شرعيّة العزلة ومشروعيّة الحلم
- الحريـــة والقيـــد
- يا لنا من ضحايا الرقم 3
- حوار الهوية والاختلاف


المزيد.....




- ترامب وبوتين يعقدان مؤتمرا صحفيا بعد اجتماعهما
- السويد: مقتل شاب وإصابة آخر في إطلاق نار قرب مسجد بمدينة أور ...
- ضغوط الإقليم تشعل من جديد جدل السلاح بلبنان والعراق
- مشاهد محاكاة لعمليات المقاومة في حي الزيتون بمدينة غزة
- -خطة الجنرالات- التي اغتالوا أنس الشريف بسببها
- القسام تبث مشاهد لاستهداف وقنص جنود الاحتلال شرق مدينة غزة
- ممر ترامب- الجديد.. فرصة كبيرة لتركيا وفخ لروسيا وإيران
- -القمة العربية للشعوب- تدعو لحراك واسع لوقف الإبادة والتجويع ...
- ترامب يستقبل بوتين في ألاسكا.. و-تغيير ذو أهمية- في البرنامج ...
- فيديو.. -الشبح- في السماء خلال استقبال ترامب لبوتين


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد جان عثمان - نقد الوطن