أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جان عثمان - مبتدأ الخوف وخبره














المزيد.....

مبتدأ الخوف وخبره


أحمد جان عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 759 - 2004 / 2 / 29 - 11:33
المحور: الادب والفن
    


الخوف شعور إنساني يرافق البشر حتى يغدوا آلهة في عصر يمكن تسميته بـ"الضوئي" بالمعنيين التكنولوجي والمجازي؛ أعني عصراً يتحقق فيه كلٌّ من تفوُّق الإنسان النيتشوي وفوضويّة باكونين. حتى أنصاف الآلهة كالمسيح اختبروا هذا الشعور. ألم يقل الناصري وهو على جبل الزيتون ليلة اعتقاله: "أبتي، أبعد عني هذه الكأس"، أي الموت الباكر. إنه خوف أنصاف الآلهة، لا الهروب من مشيئة القدر وإنما مواجهتها بيأس وكرامة. إن اختبار الخوف وحده يمنح الإنسان ذلك التساؤل الهاملتي القاسي: "نكون أو لا نكون".

إلى هنا أعلم أن حسين عجيب سيضحك ساخراً وهو يقرأ الفقرة السابقة. سيسرّ إلى نفسه قائلاً: أخي الصغير، ما علاقة الخوف بكل ذلك! تكلمْ كما يتكلم الماغوط لا كما تكلم زرادشت. حسناً، أخي الكبير. إن الخوف، الذي تتكلم عنه أنت، محصورٌ في بعده السايكولوجي، فهو خوف يلازم "المقهور" الذي يستمر في نوم اليقظة إذ يزوره، بين حين وآخر، كابوسه المثلَّث الأطياف، الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فهو، اجتماعياً، خائف من انتهاك تابو العادات والتقاليد والمعتقد، وخائف، اقتصادياً، من الفقر والحرمان، وخائف، سياسياً، من حريّة الرأي. أعتقد أنه خوف أنصاف البشر، إذ يقولون: يا ناس، أبعدوا عني هذه الكأس، أي العقاب بشتى أشكاله الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. هؤلاء هم ساكنو الطابقين الأولين لمبنى الخوف، إذا استعرت منك التشبيه.

كذلك البشر اختبروا الخوف. هم أمثالنا يا حسين. إنهم يقولون: يا ناس، أبعدوا عني هذه الكأس، أي التابو بتجلياتها الثلاثة، هي الأخرى، الاجتِقْصاسية. فساكنوا طابق الخوف الثالث، هؤلاء، يقفون أمام احتمال العقاب وجهاً لوجه. إنهم خائفون، نعم، لكنهم لا يشعرون بالقهر، يرتفعون بالخوف، كشعور، من مستواه السايكولوجي إلى مرتبة المعرفي. يرتقون بالخوف من الطابع الغريزي، الأنصاف بشري، إلى طابعه الواعي لنفسه. هكذا يتحوّل "الخوف من العقاب" إلى "مواجهة التابو" بيأس وكرامة. أقول "بيأس" لأن هذه المواجهة ستكون أليمة لأولئك البشر. ربما السجن وربما الاغتيال، ربما الإبعاد عن بلادهم وربما مصادرة حقوقهم السياسية (منعهم من التنظيم والتصويت، إلخ) أو/و الاقتصادية (حرمانهم من الوظيفة، إلخ) أو/والاجتماعية (عزلهم عن العلاقات، إلخ).

إن ما اختبره أنصاف الآلهة فهو الخوف من المجهول، المستوى الثالث للخوف بعد السايكولوجي والمعرفي أو إنهم ساكنوا الطابق الرابع لذاك المبنى. يُعتبر التابو والعقاب بالنسبة إليهم من مخلفات المرحلتين الأنصاف بشريّة والبشرية. يجلسون على جبل الزيتون، أو في السجن، أو في بلاد أخرى كلاجئين أو... ويفكرون بالمصير الأوحد للبشر ويشعرون بالخوف لموتهم الباكر فلن يتحقق، ربما، هذا المصير وإلى الأبد. لذلك قال الناصري على الصليب: "أبتي، أبتي، لماذا تخلّيتَ عني!". كان يشعر باليأس لأن المصير البشري، الذي شارك في محاولة صياغته، قد يمسي قيد المجهول. فالخوف، الذي يشعر به أنصاف الآلهة، هو "الخوف على"، وليس "الخوف من". إنه المستوى الوجودي/الكينوني للخوف.  

أما الآلهة فهم على السطح ولا يعرفون ما هو الخوف. إن المشاعر كلها، السايكولوجية والمعرفية والوجودية غريبة عنهم.



#أحمد_جان_عثمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد مفتوح لرسالة حسين عجيب
- شرعيّة العزلة ومشروعيّة الحلم
- الحريـــة والقيـــد
- يا لنا من ضحايا الرقم 3
- حوار الهوية والاختلاف


المزيد.....




- ضحك طفلك طول اليوم.. تردد بطوط على القمر الصناعي لمتابعة الأ ...
- الياباني أكيرا ميزوباياشي يفوز بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية ...
- كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي ...
- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جان عثمان - مبتدأ الخوف وخبره