أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد البدري - تاريخنا الحديث وبؤس حاضرنا















المزيد.....


تاريخنا الحديث وبؤس حاضرنا


محمد البدري

الحوار المتمدن-العدد: 2505 - 2008 / 12 / 24 - 00:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كان النقد للقومية العربية ممكنا فان نتائجة ستكون كارثية علي محبيها وعشاقها وفلاسفتها ومؤدلجيها. فلا يكفي استخدام منهج واحد او نري القومية من زاوية واحده ونحصرها في فترة زمانية محدده او حتي ناخذها بالنواصي في نتائج سياق تفاعلها مع باقي الافكار والقوميات لنكتشف بؤس مسلكها في موطنها الاصلي واينما حلت في ترحالها. فالهدف من نقدها هو ملئ كل الفراغات التي تثقب عقل من يتحدث العربية او ينطق بها كلغة ام او كلغة مكتسبة. فالقول بقومية واحده في منطقة جغرافية شاسعة لها عمق تاريخي يحمل كل التنوعات العرقية والثقافية والحضارية لهو افتئات وكذب وظلم لباقي المكون الحضاري. اختالت العروبة بعنصريه لها قدسية دينية زائفة وكاذبة مكشوفة لو قورنت بما هو كامن تحت السطح والعمق التاريخي للمنطقة.
افضل مقارنة لهذا الوضع البائس لفكر القومية العربية ما كان قائما في الاتحاد السوفيتي. فالتنوع والتعدد لم يكن ممكنا قبوله إنما بالقفز عليه تحت شعار "با عمال العالم اتحدوا" وما التحلل والتفسخ الحادث في العقد الاخير من القرن العشرين سوي تعبير عن حجم الاختلاف في المجالات الثقافة والحضارية والتاريخية واللغوية لمفردات المكون السوفيتي التي كانت اقوي بكثير من مجرد تعبئة العمال ليكونوا هم الاصل ولا معني او قيمة لاي شئ آخر.

نقل السوفييت حركة البشر من التاريخ ليتم حصرها في الايديولوجيا وهي ذات الجريمة التي ارتكبتها حركة العروبة او القومية العربية علي وجه التحديد. فرغم احتواء فكر السوفييت علي ما يمكن ان يكون موضوعيا وعلميا وليس شاملا الا ان القومية العربية كانت فاقدة لكل ما هو عقلاني وموضوعي مع فرض الشمولية باطلاق.

من الامراض المكونة لفكرة لقومية العربية حملها لفكر اسطوري ديني غيبي في طبيعته لا برهان علي صدقة. ومن توابع النظرية تاتي الشراكة المزعومة في الدين واللغة والتاريخ، بعكس الحالة السوفيتية التي اعتمدت علي تحليل علمي له مكانته الفكرية. تلك الفروق هي التي جعلت نقد التجربة الاشتراكية ممكنا والفعل من داخلها متاحا واحتمال ظهور التغيير من باطنها واقعا لا لسبب الا لانها اعتمدت علي منهجية علمية مادية حتي ولو ضلت الطريق شانها شان سياق انتاج المعرفة المتعرج وتطور انماط العمل لكنه دائما كان الي الامام مهما بدا فيه من تراجعات مؤقته. اما الحالة العربية، ولان لا تاسيس علمي او منهجي لها وان فكرها ليس سوي تعبئة حماسية عنصرية للجماهير ومساعيها لحشدهم لتبديد طاقتهم دون هدف عالمي تشاركها فيه باقي الشعوب سوي الايمان بغيب مجهول، فقد خبت وانطفئت جزوتها دون اي تحليل منطقي وعلمي لافتقادها هذين البعدين.

كثيرة هي القيم التي ظلت مكبوته ولم تري النور وكان سبب غيابها، او علي سبيل الدقة اغفالها عمدا تحت حجج الايمان المتكأ علي فكرة التوحيد، ان ضلت العروبة وقوميتها الطريق في موطنها الاصلي واخذت علي عاتقها تنفيذ مشروعها باستخدام الاديان علي المخالفين عرقيا ودينيا في باقي اراضي الشرق الاوسط. فما موقع قيمة الحرية والفردية وحق الاختلاف وابداء الراي بالرفض لاي خارج علي عرف العرب؟ فالعرب مكنوا فكرة الدين منهم الي حد رفض الخلاف بينهم ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان). بانتشار العرب تم زرع عناصر ثقافية عربية لا تعرف الاختلاف في كتل حضارية اساسا مختلفة عما عند العرب. بهذا تولد كثير من المكبوت اضافة الي المكبوت العربي ذاته. وكلما تازمت الامور يردد العرب والمؤمنون بالعروبة بان كثير من اسبابا الاخفاق يرجع الي ما ليس بعربي وظل ينخر فيما هو عربي لكنهم وبلا اي دموع تمساحية لم يبوحوا لانفسهم بالسؤال وما الذي جعل المكبوت مكبوتا سوي العروبة وقوميتها ذاتها!!! وهل كانت كل تلك الهزائم والاندحارت سوي نتائج فكر القومية ومنظريها؟ ربما يكون منهج التحليل النفسي للقومية باعتبارها كائنا ساديا نرجسيا لا يقبل شريكا له في الملك سببا لماذا ظهر الاسلام فقط وبشكله الذي نري صورته الاصولية حكرا علي بلاد العرب قبل ان تتمدد وتنخر في المكون الحضاري من المحيط الي الخليج. ولماذا يعاود الظهور في زمن لا يمكنه عبر نصوصه تفسير ما يجري وما يستحدث وما يكتشفه البحث العلمي الغائب فيضطر اهلها لتلفيق الاسباب بالاستدعاء الاسطوري والديني والغيبي من آيات واحاديث لتبرير العجز مثلما يفعل كثيرين من نجوم برامج التلفيق بين العلم والدين.

تحولات الهزيمة لفكر القومية ارست سفنها علي شاطئ الاصولية لان ما بقي من اشلاء القومية هو ذاته المتجدد والمتوقد في فكر الاصولية. فموقف القومية من المواطن والمواطنة هو ذاته موقف الحركات الاسلامية من ذات الوطن والمواطن حيث النفي الكلي للاثنين. جرائمهم متشابهة ان لم تكن متطابقة ولان مساحات الاستبعاد الجديدة ستكون من مصادر مقدسة كالعقيده والدين فمن المتوقع مزيد من الكبت المرشح للانفجار.

للقومية العربية نقاد كثيرون أهمهم الماركسين الاممين اصحاب النظرة المادية الي العالم واممية قوي العمل البروليتارية. ولا يعني وجود ماركسيين اصبحوا ضمن الرصيد البشري للنخب القومية ان هناك تصالحا ما أو خطأ في الطرح إنما لسبب آخر هو ضمن ما يوجه للقومية العربية من انتهازية تفوق سواها في اي فكر آخر وللنظم الشمولية عامة من مشترك بينها. فالماركسيين العروبيين الذي اداروا ظهورهم للعدالة الاجتماعية وانحازوا الي سلطة القمع القومي لم يكونوا ماركسيين او ديموقراطيين اجتماعيين بالمعني العلمي انما حب السيطرة باعتبار ان المخلص القادم عبر حيازة السلطة ولو بالعنف والقوه وبايديولوجية مبرأه من كل خطأ وصالحة للمستقبل والي الابد، لكاف حتي ينصلح حال عالم قوي العمل البروليتارية. كذلك فان الاسلام العروبي المنشأ كمنتج عربي اصيل ووحيد - واجب الانتشار بحكم انتشار العروبة وبنفس ادواتها القبلية وهو بالفعل ما حدث قديما واعتبروه صالحا ليس لكل زمان ومكان، ولا محل لتحققه الا عبر خلافة او تحول ديني في اعماق البشر يقوده نخبة مبرئة من كل الخطا وربما مبشرة بالجنة او من ضباط احرار، مثلما كانت اممية البروليتاريا السوةفيتية واجبه الانتشار لتتحقق الحتمية التاريخية، بلجنة مركزية وثوريون اطهار من ذوو الايادي المتوضئه. فلا استغراب إذن عندما يدير الماركسي ظهر مرة اخري للقومية ويتجه الي الاصولية الدينية.

بفكرة السيطرة والاحتلال والسيادة وقوة السلاح وحيازة السلطة تم نشر ثقافة العرب ببداوتها قديما منذ 1400 عام رغم ان المعلن وقتها كان نشر الاسلام بالتي هي احسن!!. تلك كانت الخدعة الاولي والغش التاريخي المستتر فيما سمي الفتح. فقوله " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" رغم وضوحها الجلي، كانت اول من خانها العرب والمسلمين الاوائل، وتمسك بها، لاحقا، كل من ليس بعربي لانها تجعل من لا يدخل الاسلام تلقائيا غيرعربي حتي ولو تحدث العربية مع الاحتفاظ بديانته؟ فهل الدخول أو عدمه في الاسلام، العربي المنشأ، ولو تحت سطوة السلاح كاف ليدافع البشر عن قومية او هوية عربية وافده عليهم؟ هذا السؤال ربما يعيد صياغة التوزيع الفكري والثقافي والحضاري في المنطقة باسرها. ولن نكون مغالين بان المكبوت يكمن في داخل هذا الطرح عنما اجتاحت فكرة القومية العربية المنطقة جارفة اي فكر نقدي لمعناها وتاريخها باعتبار ان الجميع عليهم ان يكونوا عربا وفقط، مثلما اجتاح الاسلام نفس المنطقة وقام بنفس الفعل دفعا بالدين الجديد باعتبار الشعوب اصبحت مسلمة وكفي. هذا الامر يتطابق مع أحداث اجتياح السوفييت بعد الحرب العالمية كل الدول التي كونت فيما بعد حلف وارسو واصبحت مستقلة اخيرا بعد انهيار منظومة القمع الايديولوجي بعد أن اصبحوا بروليتاريا ايديولوجية وفقط . فلو نقد العرب انفسهم ولو لمرة واحده لادركوا حقيقة الشرق الاوسط الواسع المتعدد الثقافات والاعراق واللغات، لكن كيف يمكن للعرب ممارسة النقد وهم لا يملكون منهجا نقديا واحدا، حتي في مجال اللغة التي لا يملكون اداة حضارية سواها مع فقرها الشديد في اكتشاف العالم وعجزها حتي عن كتابة الرواية والملحمة اللهم الا اعادة بناء الاساطير بشكل اكثر تشوها عن قبل. ولو نقد السوفييت انفسهم مبكرا ايضا لادركوا ان الجميع ليسوا مجرد بروليتاريا ولما ظلوا 70 عاما في ذات التيه.

فالفشل الذريع والهزيمة المريرة حديثا في بلاد الشرق الاوسط مثل الجزائر السودان العراق ولبنان ومصر لفكرة القومية بالعمل القمعي تحت رايتها تجعل تلك الدول شبيهه بالمريض النفسي الذي يقاوم العلاج لان حجم المكبوت داخل اللاوعي الحضاري اكبر واشمل بل يتجاوز حجم الدولة ذاتها. وبالتالي فان المتصارع او المناضل او المقاوم أو المجاهد حسب ترتيب تاريخية استخدام اللفظ، تحت مظلة القومية، ضمن هذه الكتل السياسية طوال عصر المد القومي العروبي ومن بعده الاسلامي كان ضئيلا وغير صادق. الفشل في الممارسات تلك ادت بالقومية بعد التجائها الي المقدس الديني او الاسطوري الغيبي الي الاستدعاء الجهادي لنفس الفعل الفاشل فولدت ما سمي حقيقة بالارهاب. فتعريف الارهاب هو الاستخدام المفرط للعنف الاعمي دون سند او حجة.

فالحرب والعسكرة من النخب القومية القائدة واعتبار ان السلاح هو الحل مع الداخل والخارج لتلك الدول والمجتمعات تحيلنا مباشرة الي الشك في قدرة الفكرة القومية علي الاقناع والاقتناع وبقدرة العروبة علي الحوار. لهذا كان استخدام العنف ضرورة اولية مارسها الغزاه قديما تحت مسمي الفانحين والجدد حديثا تحت مسمي الثورة. والظاهر ان تلك القضية ليست مقصورة علي البلاد التي دخلتها العروبة وفرضت نفسها علي النسيج الوطني بهم قديما والا فكيف يمكن شرح كل هذا العنف في بلاد العرب الاصيلة لتمرير الحكم بالاسلام الذي بسببه لم يكن لاحد ان يتعرف عليه حتي داخل بلاد العرب ذاتها او التعرف علي العروبة ومنتجها الديني خارجها. فالعنف الصريح والواضح في تاريخ العرب ليس وسيلة مؤقتة او حتي مرحلية في الاستخدام القومي او الديني انما هي جزء من المكون الجيني للثقافة العربية لهذا لم يكن هناك داعي للعمل باقوال مثل : وجادلهم بالتي هي احسن" او ادعو الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". فتاريخ العرب حسب كتب السير والتاريخ بالمنطقة يدفع الباحث في التشكك في كونهم قانعين بان هذه الاساليب السلمية ضمن نصوص الاسلام اساسا او ان العمل بها فرض. وهو ما جعل بعض من المستشرقين يشككون في صدق وجود تلك الايات منذ البداية باعتبارها اضافة في زمن العباسيين حيث تعددت الاعراق والثقافات ضمن كل ما سمي بالعالم الاسلامي. والاكثر غرابة في هذا الامر ان تصبح عبادة السلطة والحكم – الغائبين في الاسلام - محورا مركزيا للايهام بان تحقق الاماني مشروط بقياده هي الوحيده العارفة لطريق الخلاص تماما مثلما كانت قياده اللجنة المركزية للاحزاب الشيوعية هي الوحيده المؤهلة لقياده العمل الثوري. فالاتحاد السوفيتي كان صورة لفكرة الخلافة الاسلامية باعتباره محققا لدولة البروليتاريا مثلما كان الخلفاء ورثاء لحكم الانبياء ومؤسسين لأمة المؤمنين.

فالنخبة هنا او هناك هي التي تعرف فقط طريق الحق والصراط المسقيم وعلي الجميع الانصياع بالسير ورائهم. فاولي الامر وطاعتهم الواجبة من الشعب هي ايضا فكرة سوفيتية يترقي فيها الافراد والكوادر حسب الولاء والايمان بما يجري في قاعات اللجنة المركزية مثلما كان الامر في مجالس الخلفاء الراشدين والغير راشدين. فليس مستغربا إذن ان نجد كثير من اليساريين القوميين يتحولون بسلاسة وبدون ضجيج الي الحركات الاصولية ويؤيدون الارهاب باعتباره مقاومة في ظل القومية بعد ان كان نضالا في قول الايديولوجيا واصبح جهادا عند الاصولية !! يحلفون هنا او هناك إما علي المصحف والمسدس أو علي منافستو الحركات الشيوعية وبياناتها السرية. فالعدو واحد يستدعونه بأسماء الصليبي الكافر او الامبريالي او الاستعماري. وتتلون علي اساس المسمي الافكار والايديولوجيات المناضلة المقاومة المجاهدة بين "لا اله الا الله" ومعها السيف او المناضلة بشعار"يا عمال العالم اتحدوا" وتحت ظلال المنجل والمطرقة. فنقاء الشعار الاول يتمحور حول استحضار اسم الجلالة كايقونة داخله للوثوب علي ثروة المخالفين لدين الله بينما روعة الشعار الثاني تكمن في استحضار العمال اعترافا بهم كملاك وحيدين للثروة دون شريك. وكان ضحايا الايديولوجيتين دائما من اصحاب الثروة التاريخيين ارضا ووطنا. وكانت العدالة حجة ومبررا للاستيلاء علي السلطة فكان ان فقدنا العدالة ومعها الاوطان والتاريخ والحضارة ايضا.

نقد العرب والعروبة ليس طعنا بقدر ما هو تحليل منطقي وعقلاني مع التدبر في نتائج التجارب العربية او التي قادها عرب واسلاميين علي وجه الخصوص. فالموروث العربي ليس سوي شعر الجاهلية ثم نصوص الاسلام. فالاول منبوذ والا لما قام الاسلام. إلا ان المسلمين من العرب قاموا باحتواء والحفاظ علي كثير من مخلفات الجاهلية العربية واضافوه لما بعد الاسلام وجعلوه جبرا وليس اختيارا مما يعني اننا اصبحنا امام من سيعيد فرض الجاهلية علي اسس اكثرقدسية بدلا من الايمان غيبا برفضها. فالتفكير داخل منطقة الغيب او الدعوة ضمن فكر عربي له اساس جاهلي ليست سوي اعاده انتاج للجاهلية العربية مغلفة بسلوفان مقدس. فالتداخل الذي احدثه العرب بين الجاهلية والاسلام منعت نقد الجاهلية باعتبارها مقدسا (خيركم في الجاهلية خيركم في الاسلام) وكتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين مثال حي لمدي قدسية الجاهلية عند المسلمين العرب. بهذا يمكن القول بسهولة ودون عناء ان صياغة المنطقة علي اساس الاسلام، حسب ما تراه الاصولية، هو ليس سوي تمرير لما خلفته الجزيرة العربية لهم من جاهلية. وعلي الفكر العربي العلماني‘ إن وجد، ان يطرح سؤالا لماذا تكون العوده الي اصولنا الحضارية كافضل ما في الشرق الاوسط من منجزات حضارية والاكثر عمقا من الاسلام والعروبة تاريخيا هي شوفينية او عنصرية او تفتيت لامة عربية واحده هي في الاصل لا جامع لها الا جاهلية العرب التي يعاد تمريرها تحت دعوات العرب الاسلامية الحديثة؟

الجاهلية العربية جوهر ثابت رشمها الاسلام نبذا لها في الايه " أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ {50}‏ المائدة. لكن العرب لم يغادروها الي نظام حكم مختلف فظل الخليفة وكانه شيخ القبيلة الجديدة يغازل الفكرة القبلية عند العرب ويؤججها عند الخطر. كانت فكرة الولاء والامن – الولاء والبراء مؤخرا - في جاهليتهم مرتبطة بعصبية الدم وخط النسب الابوي، الذي لم ينفكك ولو نسبيا بظهور الاسلام حيث حرص المسلمون علي بقاء الخلافة ضمن قريش القبيلة. لكن عندما دارت الحروب في اغلبها بين مسلمين ومسلمين بالمنطقة بدأت قبلية جديدة تحت مسميات اخري ومذاهب ونحل مستحدثة وفرق متعدده مخالفة. بهذا تحول الاسلام الي مجرد رابطة عاطفية موزعا في نفوس من دخله من غيرالعرب ومحمولا علي علاقات اساسها تفسير النص او فهم مختلف للاسلام تبعا لكل مجتمع وطبقا لرصيد كل وطن وحسب تفسير كل مذهب او جماعة. وظل المكبوت قائما بانهم ابناء وطن وان الاسلام والعروبة وافدين يحكمان ويصادران الثروة ويقمعان الحضارة باعتبار انهما بديل عن تاريخ ضل طريقة في مسار الايمان والتوحيد.

بانتهاء نشر الاسلام اصبح الخلط بين الدين والسياسة والعرق وجاهلية العرب هو الكوكتيل الذي تقاوم به المنطقة اي اخطار خارجية مستجده ولانه كوكتيل غير متجانس فلم يتمكن الشرق الاوسط من التناغم مع ذاته المتعدد ومع الوافد الجديد من الغرب. فالعروبة هي حركة عنصرية بحكم الاسم وحركة دينية بحكم تاريخية حملها اسلاميا خارج موطن العرب وحركة سياسية بحكم السلطة والتحكم الاقتصادي في مقدرات المنطقة. اوجهها المتعددة المتناقضة كلها اتت بفشل زريع وهو ما انسحب علي العرب كمسكونين بالفكرة القبلية والجاهلية العربية علي غير العرب لاختلاف كل الوجوه عن طبيعتهم وانسحبت الهزيمة وبكل اسف بالضرورة علي الاسلام كدين ايضا. فكلما كانت الامور تتعلق بامر ما، كان يُصدر الاسلام كشريعة مبررا للفتوي في السلم والحرب او التصالح ولعل موقف الخلفاء وصلاح الدين الايوبي ومن قبله معاوية ابن ابي سفيان اللذان استخدما الاسلام باسوا صورة ثم تخلوا عن عنصر السماحة فيه عنه بمجرد ان حازوا علي مكاسب سياسية او ثروات مادية. كان تجنيد اهل الاوطان الذين اقحمت العروبة نفسها عليهم يوما في معركة نشر الاسلام مرادفا ومتكافئا مع تجنيد نفس الشعوب في معركة التحرر الوطني الحديثة. فهل الخسارة كقاسم مشترك بينهما هو ناتج العناصر الغير صادقة في كلا من الحالتين ام في المكون الفكري للعرب باسلامهم وجاهليتهم؟

لقد صدقت حركة القومية العربية اكذوبتها التاريخية ان الشرق الاوسط وطن عربي واحد فاستخفت بكل شئ واعتبرت ان القوة البشرية بتنوعها ليست سوي ماده صالحة للاستخدام القومي دون استشارة وهو ذات الشئ عندما قامت الاصولية الاسلامية بعملية Recycle لنفس القوي البشرية والوطنية من اجل نفس المعركة الخاسرة، تماما مثلما جعل الاتحاد السوفييتي كل القوي وقودا بروليتاريا في معركتها مع باقي الطبقات الاجتماعية. ففي زمن القومية وزمن البروليتاريا كان المكبوت يقوم بالفعل والعمل باكثر مما يقوم به الوعي العام للحركة مما جعل الانفصام هو الظاهرة الواضحة لتلك السياسات. فليس مستغربا ان يشجع الاتحاد السوفيتي – صاحب نظرية الديموقراطية الاجتماعية – نظما فاشية شرسة تتبني القومية العربية بل وتحتقر الشيوعية وتحاربها جهارا نهارا؟ بينما الجالسون في مقاعد الكرملين والحائزين لفائض القيمة دون تفريط يعلمون ان تلك النظم القومية هي طفيلية بالاساس تمالئ سرا عدوها الراسمالي الامبريالي التاريخي وتخطب وده وتتلقي منه دعما مستترا من السلاح والعتاد بل والمعونات ايضا. ففرق التدريب علي مكافحة الشغب ( المظاهرات والاضرابات والاعتصامات ... الخ التي كانت حقا طبيعيا في المجتمعات الطبقية الراسمالية) تولت الولايات المتحده تدريبها بعناية. وتناسي اصحاب الايدلوجيا الاشتراكية ان الاسلحة عندهم منتج اشتراكي حازته الفاشية العربية ولم تستخدمه ولم تردها لخزينة اصحابها اصلا!! لهذا لم يكن التقدم عن طريق تنمية البشر واخذهم في الاعتبار بكونهم مواطنين اصحاب حقوق داخل اوطانهم ضمن فلسفة العروبة او حكم الاسلام انما كمواد يعاد استخدامها recycle عندما تتحول الايديلوجيا من القومية العنصرية زمن التحرر من الاستعمار الي زمن الاشتراكية العربية الي الاصولية الاسلامية.

تبدو العروبة وحركة القومية العربية متلهفين دائما علي انقسام جديد في عالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وليس نقد ذاتهم من اجل تصحيح مواقفهم. فالنقد ليس اكثر من حوار عقلاني لا وجود له اساسا لان الجميع باتوا عربا!!! فالرغبة العربية في وجود انقسام عالمي جديد واخذ سواتر جديدة او خنادق حديثة جعلهم يتلهفون لظهور قوي جديدة بانقسام العالم مجددا من اجل العيش في الفجوات بين نظامين والتعلق بامعاء كلا من الكتلتين وامتصاصا لافرازات كلا من الايديلوجيتين. تتمني الحركة القومية بزوغ الصين وجنوب شرق أسيا او روسيا كقوة ثالثة، وما لم تظهر تلك الفجوة فان مصير العرب ومصير القومية العربيه يصبح مرهونا بمقدار اعتراف كلاهما بالخطأ التاريخي لنشاتهما ورهنا بمدي الصدق في صلاحية العروبة ومنتجها الديني في التعامل مع العالم الذي توحد واتفق علي مبادئ حقوق الانسان التي ليست ضمن جينات الثقافة العربية او الاسلام بل ولم يستطع كلاهما ان يراكما ما يؤهلهم للظهور علي مسرح العالم الحديث. والسؤال هو إذا كانت الثقافة الاسلامية في طورها الخام ترفض كثيرا من مظاهر الحضارة بالاضافة لمضمونها الرافض مثل: خروج النساء للعمل والفنون التشكيلية والأفلام السينمائية والمسرح والاختلاط في المدارس والجامعات كذلك معارضة الحاكم وحق التظاهر والإضرابات وكشف وجه المرأة باعتباره عورة، إضافة للعلاقة وصداقة اصحاب الديانات الاخري وقيام الأحزاب وكتابة الدساتير والاهم هو امكانية ان يشرع البشر لانفسهم باعتبارهم ذوو اهلية كاملة غير منقوصة فما هي صورة العروبة وقوميتها ودينها في تعاملها مع عالم اكثر تحضرا وارقي عقلا وفكرا وعلما؟

واذا كانت الاصول التي ارتكزت عليها تاريخية نشر العروبة تخالف كل منجزات الحضارة والتقدم بما فيها الصين والهند فما الداعي في زمن العولمة لكل هذا الضجيج الديني الجديد واشعار الفرد بان قيمته الحضارية ليست في ابداعه انما في انصياعة وقبوله لكل ما هو قديم وبات منبوذا ضمن سياق تاريخ نمو الحضارات.
مؤخرا اتي التاريخ بما لا تشتهي كل الايديولوجيات النابعة من العنصرية العربية او اسلامها السياسي ومعهم ايضا وبكل اسف اليسار العربي . الحادث الصدمة هو باراك اوباما. اتي رجل من صلب رجل مسلم اي انه ضل طريقة اسلاميا وخرج من الملة، ملون اي من نفس سلالة العبيد المنقولين عبر سفن النخاسة مثلما كان ابو لؤلؤة المجوسي وبلال مؤذن الاسلام قديما ومعهم جواري وإماء تعج بهم نساء عصور صدر الاسلام، اتي اوباما ليكون علي راس العالم وهو ما لا تتفق معه شرائع فقه الجواري والعبيد. عالم العرب به فئات اخري بجانب العبيد هم اهل الذمة ممنوعون من حقوق طبيعية لانهم من خارج الملة او باعتبارهم مسلمون مؤجل اعترافهم بالشهادة او من المرتدين او من ساروا عكس اتجاه طريق الايمان مثل اوباما. كابوس العرب والاسلام السياسي ان اوباما اتي بطريق ديموقراطي واختاره كثيرين يتنوعون بين من كانوا ساده او عبيدا او اهل ذمة، اختاروه طواعية وليس بالاذعان او بعد التمكين من كرسي الحكم بحق السيف. الولاء له مفقود انما التزامه ببرنامج وضعي هو ضمان بقائه والبراءة منه مقرونة بصندوق اقتراع بعد اربع سنوات كاملة غير منقوصه. صدمة اوباما اتت كالصاعقة علي القوي السياسية الفاعلة عند المتحدثين بلغة الضاد، اتت من المجتمع الامريكي حيث يكيل له الاسلام السياسي ومعه عروبته وقوميته الاتهام بانه مجتمع علي وشك الانهيار بفعل دعاءا مستجاب مرة وترصد له من الله ورسوله لانها ديار حرب او ضعف وانهيار داخلي مرة أخري. اما اليسار فله حججه المادية بان انهيار المجتمع الامريكي كان حتما مقضيا في كتاب محفوظ هو قاعده انهيار النظام الراسمالي بعد نمو قواعده العمالية الانتاجية لتصبح هي المالكة كل شئ. المشترك بين الفصائل الثلاثة هو الانتظار لقدر مكتوب سلفا لن يتحقق الا بالتاريخ وحتميته.فحركته في عرف اليسار تحكمها حتميات اقتصادية أما في عرف الاصولية فهو تحقق لما هو منقوش في لوح محفوظ بان الارض ومن عليها سيرثها عباده الصالحون دون تحديد لمعني الصلاح في عالم متغير. مجئ اوباما ضرب الثلاثة ايديولوجيات بحجر واحد ضربة رجل واحد بينما هم علي قلب رجل واحد ملئ بالكراهية للديموقراطية والحريات وحق اختيار الحكام حتي ولو كانوا يوما من اهل الذمة او ممن ملكت ايمانهم.





#محمد_البدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحذاء .. الانتصار الاخير لبوش
- لغتنا وسيلة وليست من مقدساتنا
- البعث من الصراخ الي التسول
- اسرائيل بين الدولة والاسطورة
- الأمة انجاز بشري وليست هبة من السماء
- إفلاس القمم بين عروبتها واسلامها
- معركة القبح والجمال
- حسن ومشعل وكوهين
- الاستشراق هدم وبناء لو كنتم تعلمون
- بين خداع اللغة وخداع الفكر
- كيف اصبح الجهاد قذارة؟
- هزيمة الارهاب
- ثقافة عربية ذات مضامين جاهلية
- بين عالم الأسوار والحواجز وعالم الاتصال والتواصل
- الحرملك زمن الفرنسيس
- الفتنة والسلطة في الإسلام
- بين بابا روما والعقل العربي
- حرب الرموز بين أبناء العم
- في البدء كانت العلمانية
- الديموقراطية والخيانة الزوجية


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد البدري - تاريخنا الحديث وبؤس حاضرنا