أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - تجمع اليسار الماركسي في سورية - طريق اليسار - العدد / 9 /: كانون الأول/ 2008















المزيد.....



طريق اليسار - العدد / 9 /: كانون الأول/ 2008


تجمع اليسار الماركسي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 2495 - 2008 / 12 / 14 - 10:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية /تيم/

في هذا العدد:
1- افتتاحية العدد ص 1
2- نذير جزماتي: المشهد السياسي في تشرين الثاني 2008 ص 3
3- محمد سيد رصاص : بين أزمتي 1929 و 2008 دراسة مقارنة ص 4
4- نايف سلّوم: تحديد المفاهيم في علاقته بطبيعة العصر ص 5
5- عين المحرّر: العراق بعد خمس سنوات من الاحتلال ص 7
6- محمد خضّور: دور الدولة في الخروج من الأزمة الرأسمالية الراهنة ص 8
7- منصور الأتاسي: أزمة الوطن وعجز السلطات ص 10
8- معتز حيسو: ذكرى ثورة أكتوبر في ظل الأزمة الرأسمالية المعولمة ص 12
9- سعيد عبد القادر: بسبب نرجسية المدير ، مهرجان سنوي للسينما بدون سينما ص 16
10- عزمي بشارة: رأس المال ”المريض“ والعقل السليم ص 18
11- مقتطف من كتاب ماركس: ”18 برومير لويس بونابرت“ ، كتبه سنة 1851 ص 20

افتتاحية
استثمار بشرة أوباما في محاولة
لـ تعويم المشروع الأميركي
تأتي أهمية نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز أوباما "الديمقراطي" من كونها تؤشر إلى مسائل عديدة منها:
1- عمق الإشكالات البنيوية للديموقراطية الأميركية التي ساهمت في تأخر إمكانية نجاح شخص غير أبيض لمنصب الرئاسة، فيما استمرار أوباما غير مضمون أمنياً كما تدل ردود فعل عنصرية ظهرت بعد صدور نتائج الانتخابات
2- فشل نهج السياسات الليبرالية اللاإنسانية التي استماتت حكومة بوش في الدفاع عنها ومشت فيها دول أوربية باستسلام . وقد أظهرت الانهيارات المالية الأخيرة حجم الكارثة على الشعوب التي تلحقها المضاربة المالية وحركة رأس المال المضارب المنفلت من عقاله والمتفلت من مسؤلياته الاجتماعية والاقتصادية.
3- كما تؤشر أيضاً إلى ارتداد التمزّقات التي أحدثتها السياسات الليبرالية المتوحشة والحروب العدوانية الأميركية على بنية المجتمع الأميركي . فلأول مرة تظهر مؤشرات على هذا الانقسام تلامس حدود الرئاسة. وليس غريباً أن تحتفل جماعات إفريقية صغيرة بفوز أوباما في الانتخابات الأخيرة
صحيح أن الإمبريالية الرأسمالية الأميركية سوف تستثمر لون بشرة أوباما الأسود لتزيد من سيطرتها العالمية والمحلية ولتراكم المزيد من الثروة والجبروت .
4- إن "الفرح" الذي أصاب بعض النفوس المظلومة دليل واضح على مبلغ العسف الذي ألحقته
حكومة بوش الابن والنظام الأميركي بشعوب البلدان المتخلفة ومنها البلدان العربية.
5- يظهر هذا الفوز أن الولايات المتحدة ليست كياناً متراصاً، وليست صوتاً أحادي الوقع . فهناك العديد من الأميركيين الذين باتوا في حالة تبصّر بالخطر الداهم الذي جاءت به سياسات عدوانية جشعة ومفترية لا رحمة فيها ولا فائدة منها للشعوب المظلومة ، ما يدل على أن أكثر النظم الرأسمالية ثراءً وبطراً لم يعد مقنعاً للعديد من فئات الشعب الأميركي وطبقاته، خاصة بعد التورط في الكثير من الحروب العدوانية المفضوحة وبعد التقصير في مواجهة الكوارث الطبيعية التي حلت بالشعب الأميركي وبعد الأزمة المالية الكبيرة الراهنة التي عصفت بالقطاع المصرفي وارتدت على القطاع الصناعي والتجاري ومستوى الاستهلاك الشعبي في الدول الرأسمالية الرئيسية.
هكذا علينا أيضاً كشعوب وأمم مظلومة التركيز على خطر التعاطي الأحادي والمتعصب مع الولايات المتحدة الأميركية كاقتصاد قائد للاقتصاد العالمي وكشعب متنوع المصالح والأهداف ويتحمل أعباء الكثير من سياسات حكوماته الإمبريالية في الداخل عبر إلقاء الحبل على غارب المضاربة وفي الخارج عبر الحروب العدوانية المستمرة .
ومع الأخذ بالاعتبار جميع هذه المؤشرات إلا أنه يتوجب التنبّه إلى أن هناك نظاماً سياسياً

منضبطاً وفق مصالح رأس المال المضارب والمصرفي ومصالح الشركات الكبرى الاحتكارية الدولية الطابع الأميركية المرجعية، ، وهناك استراتيجيات مرسومة للنظام على أي رئيس الالتزام بالعمل وفقها مهما كان لون جلده والسعي لتحقيقها كمصالح قومية عليا للولايات المتحدة مع أنها في النهاية مصالح قلة محتكرة للثروة والسلطة بالمعنى الفعلي؛ فإسرائيل وعلاقتها التاريخية والعضوية مع النظام الإمبريالي الأميركي واحدة من تلك الاستراتيجيات للنظام ، واستثمار العراق وإخضاعه بعد احتلاله ثم تكبيله بـ"الاتفاقية الأمنية الأميركية-العراقية" أمر ثان من أمور إستراتيجية النظام . وحصار روسيا وإضعافها أمر ثالث من أمور الإستراتيجية الأميركية ودعم النظم الرجعية الملحقة بالنظام الإمبريالي في المنطقة العربية والاستمرار بالعمل على مشروع "الشرق الأوسط الكبير" لدمج إسرائيل بالمنطقة والتطبيع معها أمر رابع ، ومكافحة ما تسميه الإدارة الأميركية بالإرهاب لمكافحة الشعوب أمر خامس ، وضرب المشروع الإيراني للتحديث أمر سادس واستغلال قضايا محقة كحقوق المرأة وحقوق الأقليات القومية والأثنية وتوجيهها توجيهاً مضاداً لمصلحة الأمم الكبيرة وضد مصلحة الشعوب والأمم المظلومة والمتخلفة هو الأمر السابع. وهذه أوامر النظام الأميركي الإمبريالي يتقيد فيها الرؤساء البيض والسود والملونين على السواء.
المشهد السياسي في تشرين الثاني 2008
نذير جزماتي

قال نائب رئيس الأمن القومي والسياسة الدولية في مركز التقدم الأميركي، أن تهديد واشنطن لا يأتي من العراق ولا من إيران بل من باكستان، إضافة إلى تأثير قوى المتشددين الإسلاميين. وتعتبر باكستان أخطر دولة على كوكب الأرض بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية (الحرية12/10) وأعلن ميشال عون أن المشروع الأميركي سقط منذ حرب تموز 2006 برغم إحيائه بالفتن والتفتيت، وبعدم اعتراف فؤاد السنيورة أن ذلك كان نصراً . وأبدى الروس استياءً من اتفاق التعاون الذي وقعته "الأمم المتحدة" و"حلف الناتو" بشكل سري دون اطلاع أي من أعضاء المنظمة الدولية على مسودة الاتفاق..
ومن جهة أخرى، نعى البنك الدولي مجموعة الدول السبع ودعا إلى ضم الصين والهند والسعودية لمواجهة التدهور الشامل للبورصات الكبرى..والخسائر الخليجية الفادحة .. والاهتزازات العنيفة التي شهدها العالم من نيويورك وطوكيو إلى هونغ كونغ (السفير6/10)وبلغت الأزمة ذروتها في 8/10 وتواصلت الخسائر في أميركا وأوربا..ومليارات الدولارات تتبخر من البورصات العربية . وتدفقت المليارات من الحكومات إلى المصارف والبورصات العربية..وبلغ عدد العاطلين عن العمل في الدول التي شملتها الأزمة 210مليون عاطل عن العمل.
وبعد أن كانت الخطة الإيرانية في الرد على العدوان عليها تتمركز على الأهداف الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط والعالم، أصبحت تتمركز على الأهداف الإسرائيلية فقط. وذكر أحد المسؤولين الإيرانيين أن من الأفضل لإيران أن تستبق أي هجوم إسرائيلي أو أميركي بتوجيه ضربة ماحقة لإسرائيل.
وبدأت في تركيا "محاكمة العصر" لمنظمة "أرغينيكون" التي سبق أن كتبنا عنها أكثر من مرة. والتهم الموجهة إليها: محاولة الإطاحة بالحكومة التي يتزعمها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بالقوة العسكرية، والتورط في قتل، أو محاولات قتل متعددة (السفير21/10).

وتضم المنظمة المذكورة مروحة واسعة من الأسماء المنتمية إلى قطاعات متنوعة من المجتمع، من قادة عسكريين إلى أساتذة جامعات وصحافيين ونقابيين وتجار وصولاً إلى فنانيين ..ويبلغ عدد المتهمين 86 شخصاً بينهم 46 معتقلاً بينهم الضابط المتقاعد ولي كوتشوك، وناشر صحيفة "جمهورييت" ايلهان سلجوق، ورئيس حزب "العمال" دوغو بيرينتشك. ومن الاتهامات التعاون مع "حزب العمال الكردستاني" وأن بعض قادة الجيش باعوا سلاحاً للحزب المذكور، ومنحوا أوجلان مالاً لتأسيس الحزب الكردستاني.
وعربياً، من المؤسف أن تتواصل الدعوة إلى اصطدام السنة والشيعة إن كان بدفع من الامبريالية والصهيونية أو من قبل العملاء الرجعيين هنا وهناك، وقد قتل في أول يوم من أيام عيد الفطر في العراق 26عراقياً وأصيب 61 في هجومين انتحاريين استهدفا مصلين شيعة. ومن المستغرب أن تقف السلطة الكردية في العراق(الطالباني والبرزاني) موقف المدافع عن المعاهدة الأمنية المقترحة مع أميركا، ويرفضها الشيعة، ويتردد السنة.
وبسبب مواقف الطالباني المخجلة وغير المبدئية ، حدثت هزة في داخل حزب"الاتحاد الوطني الكردستاني" في خريف وشتاء عام 2006 كادت تطيح به. وكان نوشروان مصطفى نائبه من حزب "كادحي كردستان" قد طالبه بالاستقالة. واستقال الأخير بعد أن قضى الطالباني أكثر من شهرين يعالج الوضع في السليمانية. وفي صيف هذا العام تحدثوا عن سرقات وخلافات في مكتب لندن للحزب المذكور. وذكرت الصحافة قبل أيام عن انشقاق في"الاتحاد الوطني الكردستاني" ثم أعلن الحزب المذكور عن طرد أربعة من الحزب في 13/10 كانوا قد أعلنوا في 10/10 إقامة "تيار التغيير والديموقراطية" وهو شورش حاجي، وملاخدر، وهوشيار عابد، وهفال كريستاني. والاتهام الموجه إليهم . هو مطالبتهم باستقالة الطالباني .
وفي مصر صعد متعهدو الصفقات السرية مع أجهزة أمن الدولة إلى قمة الأحزاب ما جعل الحركة السياسية تحت السيطرة. ومع غياب شيوخ العمل الوطني- حسب وائل عبد الفتاح في"الأخبار"
4/10- واعتزالهم، لم تظهر رموز جديدة تلف حولها شرائح المجتمع وطوائفه. ويبدو أن السياسة قد تحولت في مصر إلى صحراء لا يملكها غير الحزب الحاكم بوضع اليد. ولعبت وتلعب المواقع الالكترونية مثل "فيس بوك" دوراً في تفتيح عيون وأذهان الشباب الذين يشتركون اشتراكاً نشيطاً في مواجهة حكومة نظام فاسد جداً..
وفي لبنان وقف نجاح واكيم منذ البداية ضد قانون الانتخابات لعام 1960 الذي يستند إليه زعماء الطوائف في ضمان بقائهم فوق كراسي الحكم إلى أبد الآبدين. و شكل واكيم رئيس "حركة الشعب" هيئة علمية مع الأحزاب التقدمية الأخرى لعدم تطبيق هذا القانون في الانتخابات القادمة. وطلب مؤخراً من رئيس الجمهورية رد قانون الستين إلى المجلس الدستوري. واقترح "حزب الله" قانوناً للانتخابات يتيح لأبناء الـ 18 سنة وما فوق التصويت وفلسطينياً لم تخرج فصائل"المؤتمر الوطني الفلسطيني" بعد اجتماعها في دمشق، بموقف موحد من الورقة المصرية للمصالحة الفلسطينية، وإن أجمعت على "ملاحظات"ومطالبة بتعديلات على الورقة.
وقال أحمد جبريل أنهم ذاهبون إلى القاهرة وهم مع أي جهد لرأب الصدع، ولكن شعرنا بأن بعض الأطراف الفلسطينيين، متمسكون بإعادتنا إلى مربع التسوية، الذي يسيرون فيه.."وشددت حركة "الجهاد الإسلامي" على ضرورة إشراك فصائل "فتح الانتفاضة، والحزب الشيوعي الثوري الفلسطيني، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية، ألوية الناصر صلاح الدين، لجان المقاومة الشعبية، لجنة المبادرة الوطنية" في الحوار. وقيل أن الجانب المصري يزعم أن الفصائل التي لم تدع هي فصائل منشقة، إلا أن من المرجح أن الجانب المصري يسعى إلى تحشيد الفصائل المؤيدة لأبي مازن ("الأخبار"23/10)
وداخلياً تسارعت الأحداث المخلة بالأمن. فبعد حادث"سجن صيدنايا" الذي لازال الغموض يكتنفه، اغتيل محمد سليمان في طرطوس وارتبكت المحادثات من الهيئة النووية الدولية لأنه كان مسؤولاً عن ذلك. وحدث انفجار سيارة مفخخة في 27/9 في منطقة القزاز بدمشق ذهب ضحيتها 17قتيلاً و14 جريحاً. ثم حدثت مواجهات بين إسلاميين وقوات الأمن في مخيم اليرموك بدمشق.
ويتساءل الناس: كيف يتم رفع أسعار النفط رسمياً وتنفتح أبواب جهنم الغلاء، وغلاء النفط ظاهرة مؤقتة؟ وهاهي أسعاره تنخفض، فما العمل؟ هل بالإمكان إعادة أسعار آلاف المواد إلى ما كانت عليه بما في ذلك سعر النفط؟ .
على الفهم الديمقراطي للتعددية السياسية وحقوق المواطنة وحرية التعبير ، والحفاظ على حقوق الأقليات القومية والإثنية في ظل نظام ديمقراطي يقوم على التعايش السلمي القائم على الإقرار بالتنوع الاجتماعي والسياسي .

بين أزمتي 1929 و 2008/ دراسة مقارنة
محمد سيد رصاص

تكتسب الأزمة الرأسمالية الراهنة البعد العالمي من خلال شمولها للمركز المالي – الاقتصادي للعالم، فيما لا نراها كذلك عندما تشمل بلداناً محددة ذات مكانة اقتصادية متوسطة مثل أزمة "النمور الآسيوية" عام1997 ، أو قطاعات اقتصادية معينة مثال ذلك حين انفجرت فقاعة التكنولوجيا العالية (high-tech) في مؤشر(ناسداك) بين عامي 2001- 2002.
نشبت أزمة عالمية واحدة، في تاريخ النظام الرأسمالي ،هي أزمة1929، شملت المركزين: الصاعد؛ نيويورك عام1929، ثم القديم ؛ لندن ، عام1931. وقد كانت الأزمات الاقتصادية الكبرى ناجمة عن التصادم بين هذين المركزين، مثل أزمة 1837الأميركية الناتجة عن رفع بنك انكلترا لنسبة الفائدة على الودائع بالبنوك الإنكليزية ما أدى إلى هجرة كثيفة للذهب الأميركي إلى البنوك الإنكليزية بالتزامن مع إصدار الرئيس الأميركي جاكسون مرسوماً يفرض شراء الأراضي المملوكة للحكومة الفيدرالية عبر مدفوعات ذهبية،أو أزمة 1893الأميركية التي نتجت عن انخفاض معدل شراء الدولار في السوق البريطانية ما أدى إلى استنزاف الموجودات الذهبية الأميركية التي استخدمت للتبادل التجاري مع بريطانيا (بعد أن رُبط الدولار بمعادل ذهبي عام 1879 ).
في أزمة 1929 لا يمكن عزل عوامل الأزمة عن النتائج الاقتصادية للحرب العالمية الأولى ، حيث استنزفت مصروفات الحرب معظم الموجودات الذهبية للدول الصناعية المتحاربة، ماعدا الولايات المتحدة وفرنسا، المالكتان بالعشرينيات لثلثي الموجودات الذهبية العالمية.هذا أدى إلى أن العاصمة الاقتصادية-السياسية-العسكرية للعالم (لندن) قد وجدت نفسها في وضع مزعزع.
بدأت مؤشرات أزمة 1929 مع استعادة بنك انكلترا في نيسان1925لمستوى الغطاء الذهبي للجنيه وقدرة الأخير التحويلية للذهب كما كانتا عام 1913، مع قيمة جنيه عالية أمام الدولار، ما كان كارثة على الصناعة البريطانية وكافة السلع التصديرية، وبالتالي على قطاعي المناجم والزراعة، بعكس وضع المصارف ودوائر المال، وشركات التأمين، والملاحة. أنتج هذا حركة مالية قوية في السوق الأميركية، نتجت أولاً عن حركة الشراء البريطانية الكثيفة للذهب الأميركي بالعشرينيات، ثم تضاعف هذا مع هجرة قسم كبير من الرأسمال المالي البريطاني للضفة الغربية من الأطلسي. قاد ذلك كله إلى حركة إقراض كبرى للمال في السوق الأميركية تجاوزت دفترياً حجم المعروض النقدي من الدولار في شهر آب 1929 ( 8,5 مليار) ما أدى إلى ارتفاع في قيمة الأسهم لم تكن واقعية بالقياس للاقتصاد الفعلي. وعملياً، فإن الأزمة المالية الكبرى في وول ستريت ، بين يومي الخميس24 أكتوبر والثلاثاء "الأسود" في 29أوكتوبر1929، قد بدأت نذرها قبل شهر في 26سبتمبر مع رفع بنك انكلترا لمعدل الفائدة على الموجودات البنكية بما يتجاوز معدل بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي، ما قاد إلى هجرة كثيفة للموجودات المالية بأميركا نحو انكلترا، وإلى حركة مرعوبة من بيع الأسهم في ذلك الأسبوع داخل السوق الأميركية، وهو ما أوصل انخفاض قيمة مجمل الأسهم الأميركية نهاية ذلك الأسبوع إلى 37%.
إن أزمة1929 قد بدأت على شكل أزمة مالية أميركية بسوق نيويورك، حيث اعتبرت"الإيكونوميست" البريطانية، بعدد2نوفمبر1929بأن"انفجار البالون المنفوخ المتمثل في قيمة الأسهم الأميركية سيكون جيداً لبقية العالم لحد كبير" ثم انتقلت إلى شكل كساد اقتصادي أميركي كبير.لم ينهار قطاع البنوك الأميركية التقليدي إلا في الربع الأخير من1931مع شمول الأزمة المالية-الاقتصادية الأميركية للعالم وامتدادها للعاصمة الاقتصادية-المالية للعالم (لندن) ما اضطر بنك انكلترافي21سبتمبر1931لفك ارتباط الجنيه بالذهب، وهو ما أثَر كثيراً على الدول المرتبطة عملتها بمعادل ذهبي، مثل أميركا وفرنسا، حيث أدى هذا إلى اغلاق1860مؤسسة مالية أميركية خلال الأشهر الثلاث اللاحقة كانت تحوي خزائنها ودائع بقيمة1,450مليار دولار من أصل الموجودات البنكية الأميركية البالغة آنذاك 1,692 مليار بعد أن حصلت بتلك الأشهر حركة مذعورة من المودعين ساحبة للذهب من البنوك الأميركية، أو لتحويل الموجودات الدولارية إلى ذهب، ثم لاختفاء قسم كبير من الذهب من السوق.
كان القرار البريطاني إعلاناً عن وصول الأزمة إلى مرحلة أزمة اقتصادية عالمية كبرى، و إسدالاً للستار على حقبة طويلة من النظام المالي العالمي كان مركزه لندن، ليتحول الوضع بعد ذلك إلى جزر اقتصادية متصادمة ما كان إيذاناً بالحرب العالمية الثانية،التي نتج عنها نظام (بريتون وودز)عام1944المحدد للدولار كعملة رئيسية للعالم مربوطة بمعادل ذهبي حتى فكَت واشنطن ارتباطهما عام1971.
هنا،كان الاقتصاد الغربي، بفرعيه الأميركي والأوروبي ، مربوطاً بعد 1933بإسم مينارد كينز ووصفاته الاقتصادية: / تدخلية الدولة،التخطيط،الرعاية الاجتماعية والصحية،الضرائب العالية/ حتى جاءت الثورة اللاكينزية مع ميلتون فريدمان، الذي كان يرى أن"الكساد الكبير" لم يحصل عام1929بل بالربع الأخير من 1931مع انهيار النظام البنكي الأميركي، معتبراً الاقتصاد ظاهرة نقدية أساساً؛ كان الانتعاش الاقتصادي الأميركي مبنياً على وصفات فريدمان لإدارة ريغان بالثمانينيات التي قالت برفع معدلات الفائدة على موجودات البنوك الأميركية و ما نتج عن ذلك لاحقاً من هجرة كثيفة للرأسمال المالي العالمي للغرب الأميركي، وإلى قوة اقتصادية أميركية كانت قادرة على حسم الحرب الباردة عبر طرح سباق تسلحي جديد اسمه (حرب النجوم) ما كان السوفييت باقتصادهم المأزوم بمقدورهم مجاراته. كان هذا الانتصار السياسي- العسكري، المرفق مع نجاحات اقتصادية، مؤدياً إلى حالة مدّ لـ (الليبرالية الجديدة)، التي أدلجت بداية طغيان الاقتصاد المالي على الاقتصاد، من خلال ظاهرة البنوك الاستثمارية وبدئها باحتلال حيز غير مسبوق في الحركة الاقتصادية الكلية بأميركا، لتكون هناك فورتان: واحدة في (الهاي تكنيك)، انتهت فقاعتها عام 2002لتعود لقيمتها الاقتصادية الفعلية بخلاف ما كان موجوداً على شاشات البورصات، ثم (العقارات)، لتعبر الاثنتان، وخاصة الثانية، عن حركة مالية دفترية ، ممثلة في أسهم البنوك الاستثمارية أو شركات التأمين،لا تعبر عن قيمة الاقتصاد الفعلي.
تكبد القطاع العقاري الأميركي الخسارة الأولى في أيلول2006، لتحصل بعدها الملامح الأولى لأزمة البنوك الاستثمارية في آذار2008 (بنك بير سترنز) وصولاً لانفجار الأزمة في الأسبوع الثاني من شهر أيلول مع بداية انهيار قيمة أسهم البنوك والمؤسسات المالية الاستثمارية الكبرى المنخرطة في التغطية المالية لنشاطات القطاع العقاري الأميركي.
كاستنتاجات مقارنة، يمكن القول بأن أزمة 2008 تكتسب بعداً عالمياً من خلال شمولها وبدئها بـ المركز المالي-الاقتصادي للعالم،امتدت تأثيراتها الفورية إلى كافة الأسواق العالمية. هذا يضعها في وضع يوازي أزمة 1929. أيضاً هي مثلها بدأت في القطاع المالي، وإن كانت لم تتأثر بها كثيراً حتى الآن البنوك التقليدية. هناك ملامح، يمكن تسجيلها من خلال خمسة أسابيع من عمر أزمة 2008، بأنها أسرع من أزمة1929في شمول الخارج غير الأميركي، وفي التأثير على الاقتصاد الأميركي الكلي عبر بدء الأخير في الدخول في"مرحلة كساد"،كما عبرت حاكمة فرع البنك الأميركي الفيدرالي بكاليفورنيا، ومن خلال مؤشرات تراجع مبيعات وأسعار التجزئة بالسوق الأميركية بشهر أيلول. ربما يكون انخفاض سعر برميل النفط الكبير في أوكتوبر2008علامة أولى على بدء الكساد الأميركي، وعلى تأثر اقتصاديات "الدول الأسرع نمواً"، كالصين والهند، من خلال كون السوق الأميركية هي الأكبر في استيعاب منتجاتهما.

تحديد المفاهيم في علاقته بطبيعة العصر
نايف سلّوم

إذا كان عصرنا يتميز بهيمنة الإمبريالية عليه وعلى إعادة إنتاجه الموسع على كافة المستويات، فإن المرحلة التي تمر بها البلدان العربية هي مرحلة التحرر الاجتماعي /الوطني وذلك لكون بلدان عربية محتلة بالكامل ، وبلدان أخرى محتلة جزئياً وثالثة مهددة بالغزو والاحتلال.
وإذا كانت سيطرة الإمبريالية على العصر تجعل منه عصراً إمبريالياً فهذا يقتضي من الناحية الإستراتيجية هيمنة التحرر الاجتماعي على التحرر الوطني بالمعنى الضيق والحرفي للكلمة الأخيرة، وهذه الهيمنة تعني التوجه نحو فك الارتباط مع الاقتصاد الإمبريالي ومع النظام الإمبريالي عبر توجيه شعبي للاقتصاد الوطني وعبر نظام سياسي ديمقراطي حق بعيداً عن الاحتكار والاستبداد والالتحاق. ويجب ألا يفهم من فك الارتباط قطيعة مع الاقتصاد العالمي لأن هذا ضرب من الوهم ، بل المقصود هو شكل توجيه العملية الاقتصادية المحلية ذات الهدف الشعبي ونضرب فنزويلا مثلاً فهي تبيع نفطها للولايات المتحدة الأميركية وتمارس سياسات اقتصادية ذات توجه شعبي أصيل وهي ذات نظام سياسي ديمقراطي و منتخب .
مع العصر الإمبريالي تكون البورجوازية الكبيرة في البلدان الرأسمالية الطرفية قد فقدت دورها التقدمي بالمعنى التاريخي ؛ أي فقدت قدرتها على انجاز المهام الديمقراطية في التصنيع والتحديث الاجتماعي والذي كانت البورجوازية الأوربية قد أنجزتها فجر صعودها ؛ في المرحلة الديمقراطية 1600-1870. لم تعد البورجوازية الكبيرة الطرفية قادرة على مواجهة التبعات الاجتماعية والسياسية والقومية للسلوك الإمبريالي كالاحتكار وإلحاق الأمم الضعيفة والمتخلفة وأحياناً الاحتلال المباشر، إضافة إلى الاختلالات الكبيرة والهزات العنيفة في السوق الدولية التي يحدثها الانعطاف المفاجئ في حركة رأس المال المضارب والذي يأتي خطره من حجمه الفلكي ضمن حركة الاقتصاد العالمي. وقد بلغ الخطر لدرجة بات يهدد النظام المصرفي العالمي في المراكز والأطراف الرأسمالية.
إذاً سوف نشخّص المرحلة التي تمر بها الأقطار العربية كدول رأسمالية طرفية بمرحلة التحرر الاجتماعي / الوطني نظراً لانغمار هذه المرحلة في عصر إمبريالي يهيمن عليه رأس المال المضارب. وبناء على ذلك يتوجب ضبط عدة مفاهيم أكثر من شائعة في التداول السياسي:
1- مفهوم الوطنية: إذا افترضنا أن المرحلة الراهنة مرحلة تحرر وطني بالمعنى الحرفي للكلمة فهذا معناه أن الوطنية هي التشبث بالجغرافية السياسية المعنية والدفاع عنها ضد الغزوات والتهديدات الأجنبية. والوطني من يدافع عن هذه الجغرافيا السياسية ويصونها من أي تهديد أو احتلال أو انتهاك، الخ.. دون النظر إلى طبقته أو فئته أو دينه أو اثنيته ، ودون النظر إلى موقع الجماعات المدافعة عن الموطن في العملية الإنتاجية والاقتصادية.
أما إذا كانت الهيمنة للاجتماعي على "الوطني" كما هو حاصل اليوم بفعل الطبيعة الإمبريالية للعصر فهذا معناه أن مفهوم الوطنية قد اكتسب بعداً جديداً أعطاه سمة التركيب . لم يعد ينظر إلى الوطني من موقع المدافع عن الموطن ضد الغزاة فحسب، بل بات ينظر إليه من جهة الطبقة التي ينتمي إليها وموقع هذه الطبقة في العملية الإنتاجية ووعيه بهذا الموقع ودور هذا الموقع في تجذير الدفاع عن الموطن. وتغدو أي مقاربة لمفهوم الوطنية من دون المرور بهذا الموقع ضرباً من الخداع الأيديولوجي المضلل . أو تعني وضعاً انتقالياً يتم خلاله التحول باتجاه الكومبرادور والالتحاق بالنظام الإمبريالي كبنية رأسمالية احتكارية مضاربة رجعية في السياسة والأيديولوجية عنيفة غازية ومحتلة لبلدان رأسمالية طرفية، أو ملحقة إياها بسياساتها ضاربة عرض الحائط بمصالح شعوب تلك البلدان.
2- وهذا القول يقودنا إلى مفهوم آخر، وهو مفهومك المقاومة (مقاومة المحتل) ؛ مقاومة المحتل في العصر الإمبريالي وفي مرحلة التحرر الاجتماعي /الوطني.
فإذا كانت مقاومة المحتل مقاومة مسلحة أمراً جليلاً وخطراً فإنها غير كافية في العصر الإمبريالي وفي مرحلة يهيمن فيها الاجتماعي على الوطني ويقوده ، وعلينا في رصد الجماعات المقاومة أن نرى إلى الطبيعة الاجتماعية للجماعات المقاومة وإلى برنامجها السياسي والاجتماعي ، لآن انتصار المقاومة بالمعنى الضيق للكلمة قد يقود الوطن إلى التفتت الطائفي والإثني والأقوامي والقومي. لم يعد النضال التحرري الوطني مقبولاً ومبرراً تاريخياً من دون وجود مرجعية برنامجية اجتماعية/سياسية تدفع باتجاه برنامج اجتماعي اقتصادي ذو توجه شعبي أصيل وديمقراطي حق ، ومن دون ذلك سوف يكون التحرر الوطني مجهضاً وعقيماً ومثاله السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس في فلسطين .
3- يدخل في الإطار ذاته مفهوم الأقليات القومية والأثنية . إن كفاحاً وطنياً صرفاً قد يفجر المجتمع المعني ويخرج عفاريت الإثنيات والأقوام الخامدة من الرماد . إن وجود برنامج اجتماعي/ سياسي ذو توجه شعبي وديمقراطي ومقاوم مقاومة مسلحة ضد قوات الاحتلال هو الوحيد الكفيل بـ تحويل الإثنيات والأقوام والقوميات والطوائف في البلد الواحد إلى مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات وهو الكفيل بإزالة الطوائف والإثنيات لتحل محلها المواطنة والمشاركة في الثروة والسلطة وهو الكفيل بإعادة إنتاج انتماء وطني حق انتماء لكامل الوطن؛ وطن لجميع السكان .
العراق بعد خمس سنوات من الاحتلال
عين المحرّر

تضغط إدارة بوش بكلّ قدرتها كي توقّع الحكومة العراقية اتفاقيّة الإذعان مع الحكومة الأمريكيّة0 محاولة، أي الولايات المتحدة، الاستفادة من الوقت المتبقي لبوش في البيت الأبيض0 ويتم الضغط على الحكومة بأشكال شتّى منها التهديد بانقلاب عسكري في العراق يفرض توقيع الاتفاقية قبل رحيل بوش0
وهكذا تحاول الإدارة الأمريكيّة الهروب من الفشل الّذي بدأ يلاحقها رغم كل الاضطهاد الذي مارسته بحق العراقيين
و تعرِض التّقارير الصّادرة عن هيئات دوليّة مختلفة حجم الخسائر الّتي يتعرّض لها الشعب العراقي و خصوصا الرجال . و تشير هذه التقارير الّتي نُشرت و أذيعت في عدد من الصحف العربية و العالمية و العديد من القنوات الفضائية . إلى وجود أكثر من 50 ألف مُعتقَل عراقي في السجون والمعتقلات الأمريكية و العراقية معظمهم لم يتقدم إلى المحاكمة ، و على صعيد القتل فقد تراوح مؤشر الجثث مجهولة الهوية التي تحصى يوميا خلال السنوات الماضية مابين /15/ إلى /100/ جثة الأمر الذي أدى - حسب دراسة أعدتها الأمم المتحدة- إلى انخفاض عدد الرجال عن النساء إلى نحو 20%
و بلغت أرقام العاطلين عن العمل اعلي مستوياتها و وصلت إلى نحو 50% من القوة العاملة و ارتفعت نسبة أعداد المعوقين ووصلت إلى 30% عما كانت عليه قبل عام 2003 (عام الاحتلال)
وقدرت أعداد القتلى العراقيين خلال السنوات الخمس الماضية بحوالي 2,5 مليون قتيل غالبيتهم من الرجال
وأما النساء فقد أشارت الأرقام الصادرة عن وزارتي التخطيط و شؤون المرأة العراقية عام 2007 إلى أن عدد الأرامل و المطلقات بلغ نحو مليون امرأة من أصل 8.2 مليون امرأة عدد نساء العراق التي تتراوح أعمارهن ما بين /18-80/ سنة
ويعلن بعض المسؤولين العراقيين أن أكثر من /90/ امرأة تترمل يوميا بسبب أعمال العنف و ارتفعت معدلات الطلاق بنسبة 22% و تراجعت نسبة الزواج إلى 50% . و بلغت إعداد النساء المعتقلات في السجون الأمريكية و العراقية /500/ امرأة و تعيل المرأة أسرة من أصل كل 10 أسر أطفالها بسبب فقدان الأب أو راعي الأسرة الناجم عن قتله أو أسره أو اعتقاله . بينما يعمل حوالي 14% من النساء في سن العمل في العراق بما يؤشر على انخفاض كبير في نسبة العمالة بين النساء و تؤكد الإحصائيات على زيادة عدد النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب من قبل الجنود الأمريكيين و اللواتي يقتل بعضهن بعد تعرضهن للاغتصاب
ويتعرض الأطفال للكثير من المشاكل الناجمة عن الحرب و تداعياتها ويعتقد الكثير من المهتمين أن هذه المشاكل سترافقهم إلى مراحل متقدمة من حياتهم
و قررت منظمة اليونيسيف أن عام 2008 هو عام الطفل العراقي ، و أن هناك ما يقارب/6/ ملايين طفل يتيم في العراق خلال السنوات الخمس الماضية و تشير المنظمات الدولية -الحيادية-إلى أن معدل الأطفال النازحين جراء أعمال العنف الطائفي يبلغ نحو /25/ ألف طفل شهريا تراوحت أوضاعهم بين الهجرة الداخلية و الهجرة إلى دول الجوار .ونبهت خمس منظمات دولية إلى ارتفاع نسبة جرائم الطفولة والتشرد والاعتداءات الجنسية وتفشي الأمراض النفسية، وتشير تقارير المنظمات نفسها إلى أنه رغم تباين أسباب التشرد إلاّ أنهم يفتقدون للحد الأدنى من حقوقهم فلم يستطع حوالي مليون طفل عراقي من الالتحاق بمدارسهم ومن التحق من الأطفال بالمدارس يعاني من فقدان المدرسين والكتب المدرسية والبناء المدرسي الصالح للتعليم و ذلك في كل مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي و الجامعي .
وبسبب انتشار سموم الحروب ارتفع عدد الأطفال المصابين بالسرطان بنسبة 20% بالمقارنة مع عددهم عام /2003/أي ، قبل الاحتلال، و أصبح الأطفال دون سن الخامسة يشكلون56%من المصابين بأمراض السرطان وبعودة لمحاولة الإدارة الأمريكية فرض الاتفاقية المذكورة نذكر أن مجلس الشيوخ الأمريكي قد أصدر قرارا قبل أكثر من عام يقضي بتقسيم العراق إلى ثلاثة دول سنية و شيعية و كردية . و أن عددا من الضباط البريطانيين والأمريكان قد قبض عليهم وهم يرتدون الزي المدني و يقومون بأعمال القتل بهدف زيادة التأزم بين الفئات الدينية والقومية المتعايشة في العراق ، وفي إحدى الحالات اقتحمت القوات البريطانية أحد السجون في الموصل لتختطف ثلاثة من جنودها كانت قد اعتقلتهم الشرطة العراقية و هم يمارسون القتل و بلباس مدني
إلاّ أن العراق لن يتقسم ولن يتجاوب مع قرار الكونغرس الأمريكي, والآن فإنه ورغم التضحيات لن يخضع لاتفاقية الإذعان بفضل مقاومته الوطنية الباسلة و سياسييه الشرفاء الذين يحرصوا على وحدته وحريته .

دور الدولة في الخروج من الأزمة الرأسمالية الراهنة
محمد خضّور

حين يتهدد النظام الرأسمالي بفعل أزمة اجتماعية – سياسية أو بفعل أزمة اقتصادية عامة ( دورات الكساد المتكررة بين 1873- 1886 و أزمة 1929 – 1933 تميل دولة الرأسمالية الاحتكارية لأن تلعب دوراً أبرز في العملية الاقتصادية ويميل اتجاه الحركة نحو المزيد من التأميم.
فكلما زاد التهديد الذي يواجه النظام الرأسمالي عامة – وكلما ظهرت أزمته العامة على السطح – أي كلما زاد إفلاس الأسلوب الرأسمالي للإنتاج ( شكل الملكية الخاصة الرأسمالية ) اجتماعياً وسياسياً زاد شأن الدولة الرأسمالية الاحتكارية لحماية نشاط شركاتها الاحتكارية وسلامة هذا النشاط وفعاليته.
السوق الرأسمالية الراهنة هي " سوق – زوبعة " بكل ما تحمل هذه الكلمة من طاقة مجازية وما يرافق ذلك من تخلع للبنى الاجتماعية والاقتصادية الطرفية ومن تحلل اجتماعي وتفسخ للنظام الاجتماعي السياسي الرأسمالي مع الازدياد المريع لجيش العاطلين عن الشراء – فارتفاع الطاقة الكلية للسوق من ناحية – بفعل الصفقات الوهمية و الاسمية وبفعل المضاربات والبيع أكثر من مرة لنفس السلعة وهي في طريقها من المنتج إلى المستهلك والبيع بالدين و بيع البنوك سندات مالية لعملائها مباشرةً متخطيةً بورصة الأوراق المالية – كلها سمات ظاهرة للعيان للسوق الرأسمالية العالمية الراهنة
هذه المفارقة في السوق الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية تشير وبشكل منهجي إلى أفول المشروع البرجوازي الليبرالي كمشروع تحرر اجتماعي – إنساني ، وقد بدأ ذلك مبكراً وذلك بدءاً من ثورة 1848 في فرنسا – أي تصدع العقلانية البرجوازية التي رافقت صعود الطبقة البرجوازية في أوربا 1500- 1800 وانكماشها إلى مجرد عقلانية تقنوية متموضعة في أقطار قليلة العدد.
على أثر التقدم التقني المحرز مع الحرب العالمية الثانية تقدم استثمار الشركة الاحتكارية المباشر

وغير المباشر في الخارج بشكل لافت للنظر. وظهرت قيادة الولايات المتحدة للنظام الرأسمالي واختزالها لهذا النظام عبر تركز الثروة والقوة فيها وعبر ازدواج القانون الدولي كقانون قومي أميركي وعالمي وكذلك الدور المزدوج للدولار كعملة قومية أمريكية وعالمية في نفس الوقت .
وعلى أثر فترة الكساد في منتصف السبيعينات من القرن العشرين وإثر ارتفاع أسعار النفط بفعل حرب تشرين اندفعت الشركات الاحتكارية نحو المزيد من الليبرالية الاقتصادية فيما يخص نشاطها كالدعوة إلى الخصخصة وتقليص دور الدولة التدخلي ، والتخفيف من الاستثمارات المنتجة في الصناعة كي يفسح المجال للنشاط المضارب لرأس المال والذي يحقق مكاسب سريعة وهو ما يسمى بـ ( الميل لنزع التصنيع ) والذي ترافق مع صعود حكومات يمينية ذات نزعات ليبرالية جديدة ( حكومة تاتشر في بريطانيا – حكومة ريغان في الولايات المتحدة الأمريكية ) فهذه الهيمنة للرأسمال الاحتكاري والدولة الرأسمالية الاحتكارية المندمجة معه والنزوع إلى السيطرة بدلاً من النزوع إلى الحرية واستثمار عدد من الأمم الصغيرة أو الضعيفة من قبل قبضة صغيرة من الأمم الغنية أو القوية – كل ذلك خلق السمات المميزة للإمبريالية ... ومن الخطأ الظن أن هذا الميل إلى المضاربة ونزع التصنيع ينفي نمو الرأسمالية بسرعة، لكن هذا النمو يغدو أكثر تفاوتاً وهذا التفاوت يتجلى كذلك بوجه خاص في تعفن البلدان الأقوى بالرساميل .
وجاءت الأزمة المالية الأخيرة لتشير إلى هذا السير المضارب لرأس المال الذي بات يضارب ويقامر بحياة ملايين البشر في مراكزه وأطرافه. لقد كان رجع الأزمة المالية أزمة اقتصادية عالمية.
وهذه الأزمة الاقتصادية نتاج عملية إعادة هيكلة كلية ومالية بدأت في مطلع الثمانينات – إنها نتاج بنية سياسية هي إصلاح التجارة والقطاع المالي في ظل منظمة التجارة العالمية – فقد أدت أزمة ديون مطلع الثمانينات إلى موجة من اندماج الشركات وشراء الأسهم والإفلاسات. وبدورها عبدت هذه التغيرات طريق تعزيز جيل جديد من الممولين المتجمعين حول كبرى المصارف السلعية والمستثمرين الدوليين وشركات سمسرة الأسهم وشركات تأمين كبيرة ، الخ ...
في هذه العملية انضمت وظائف المصارف التجارية إلى وظائف مصارف الاستثمار وسماسرة الأسهم مما أدى إلى تقوية حفنة من التكتلات المالية . فقد أدى الاستخدام غير المقيد لأدوات مضاربة معقدة إلى تزويد وول ستريت بوسائل بسط امبرطوريتها المالية – ولا يتمثل الهدف الرئيسي لهذه العملية في مراقبة سوق البورصات بذاته بل التحكم بالأسواق الرابحة عبر أدوات مضاربية حيث تكون إمكانية التلاعب والتجارة الداخلية أكبر بكثير .
في العام 1999 تبنى الكونغرس الأميركي قانون عصرنة الخدمات المالية وفي إطار مفاوضات طويلة شطبت كل التقييدات المالية على التجمعات المصرفية القوية في وول ستريت .
ففي ظل القواعد الجديدة التي صادق عليها مجلس الشيوخ الأميركي وأيدها الرئيس كلنتون أصبح بإمكان المصارف التجارية وشركات السمسرة والمستثمرين وشركات التأمين، الاستثمار التحرك بحرية في أعمال بعضها البعض وكذلك دمج عملياتها المالية .
فبعد أن أبطل التشريع قانون السقف الزجاجي لعام 1932 - أحد أسس العقد الجديد للرئيس روزفلت الذي جرى وضعه رداً على مناخ الفساد والتلاعب المالي وتجارة النفوذ وهي عناصر أدت إلى إفلاس أكثر من خمسة آلاف مصرف في السنوات التالية لأزمة 1929 ، حيث تغلب النظام الرأسمالي على أزمة الثلاثينات- نسي أرباب العمل الأمريكيون لماذا اتخذ الرئيس روزفلت إجراءات غير مسبوقة لنجدة الاقتصاد وأخذوا يعبرون عن استخفافهم بتدخل الحكومة بأعمالهم . فهذا التهافت لدعوات تقليص دور الدولة الرأسمالية يشير إلى أن المقصود من الدعوة إبعاد الدولة عن النشاط الاقتصادي ؛ ويظهر لاحقاً أن الاستهداف الأساسي هو نشاط دولة المحيط الرأسمالي والتي بإزاحتها من الطريق ينفتح الطريق كلياً أمام نشاط رأس المال المضارب في هذه البلدان.
يقول توماس سنتش: " وجاء تدخل الدولة وانبثاق رأسمالية الدولة الاحتكارية وتطورها في أغلب البلدان الرأسمالية المتطورة بالارتباط جزئياً مع الثور العلمية – التكنولوجية ليوسع فرص الاستثمارات الفردية المربحة في النطاق الوطني ويضمنها " .
و ارنست ماندل يقول: " فأول ميزة لهذه المرحلة الجديدة لنمونا الاقتصادي هو دور الهيمنة الذي دعيت الدولة للقيام به , فلا يستطيع النظام الاجتماعي – الاقتصادي الرأسمالي أن يبقى على قيد الحياة دون تدخل متزايد من الدولة، فالدولة إذاً هي أفضل ضامنة لأرباح الاحتكارات " .
ويرى سنتش أن الدافع لتصدير رؤوس الأموال في مرحلته الاحتكارية دليل على الربح يقول: " قد يكون انخفاض معدل الربح الذي يلازم التزايد المستمر لرأس المال العضوي ( الثابت ) كقانون في الرأسمالية الدافع الأصيل والأول لتصدير رأس المال في مرحلته الاحتكارية " . فاتجاه المعدل الوسطي للربح إلى الانخفاض يزيد حدة تناقضات الرأسمالية وهو دليل على الحدود التاريخية لنمط الإنتاج الرأسمالي .أي لم يعد تطور القوى المنتجة يدخل في تناقض مع أحد أشكال الملكية فحسب بل بات في تناقض مع الملكية الخاصة بشكل جوهري .
وبما أن الملكية حكراً على أصحابها دون الآخرين تشكل الركن الأساسي للاقتصاد الرأسمالي عموماً حتى أن العالم العجائبي الخيالي لوجود سوق رأسمالية تامة ومنافسة حرة وحركة غير محدودة لعوامل الإنتاج لا يمكن أن يقوم من دون هذا الاحتكار .
فالشركات العملاقة خاضعة لتقلبات السوق ومخاطر المضاربات والتوسع في الاقتراض إلى جانب المخاطر التجارية الأخرى – لذا لا بد من أن تضع في حسابها مسائل الإفلاس في الظروف الحرجة وفي هذه الحالات أيضاً لا بد لهذه المؤسسات من أن تتطلع إلى عمليات إنقاذ من قبل الدولة. والدولة لا تقوم عادةً على عمليات الإنقاذ هذه لأن للشركات نفوذ عليها فحسب، بل لأن الدولة بحاجة للمحافظة على استقرار الاقتصاد ، وهي حامية النظام .
فالدولة تصبح أكثر أهمية في حماية النظام الاجتماعي الرأسمالي ككل وفي إعادة توزيع الدخل القومي لصالح رأس المال الاحتكاري عبر ميزانية الدولة والطلبات الحكومية العسكرية . أي تصبح المصلحة القومية معادلاً لمصالح أولئك الأفراد وتلك الشركات . ( مصلحة طبقة تريد أن تظهر أنها مصلحة جميع الطبقات ) . وكما يقول ماجدوف: " الدرس المهم الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياًً ( اقتصادياً ) , إن مصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات النشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال آلية النظام القائم " .
المراجع:
1- د. نايف سلوم "في القول السياسي - 2" دار التوحيدي 2002
2- توماس سنتش: "الاقتصاد السياسي للتخلف" ترجمة فالح عبد الجبار ، دار الفارابي 1978 الجزء الأول ، أيضاً سنتش : "نقد نظريات الاقتصاد العالمي" في مجلدين 1991
3- ارنست ماندل : "الرد الاشتراكي على التحدي الأميركي " وهو رد على كتاب الاقتصادي الفرنسي سرفان شرايبر "التحدي الأمريكي" منشورات دار دمشق
4- هاري ماجدوف: الإمبريالية من عصر الاستعمار إلى اليوم " مؤسسة الأبحاث العربية 1981
أزمة الوطن وعجز السلطات
منصور الأتاسي

تظهر في كل بلدان العالم أزمات وصعوبات تحد أو توقف التطور0 تبحث القوى السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى هذه الصعوبات من وجهة نظر ومصالح كل منها وعندما تجمع كل القوى والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني على أهمية تجاوز هذه الصعوبات تصبح هذه الأزمات وطنية أي أنها تؤثر على تطور الوطن وتدفعه نحو مشاكل خطيرة إذا لم تحل. قد تنطلق الحلول من وجهات نظر متعددة تعكس تعدد الآراء وتعدد المصالح في الوطن فيتم الصراع حول أية وجهة نظر ستنفذ. أما إذا اجتمعت الآراء حول شكل التنفيذ فيطلب من السلطات اتخاذ الإجراءات اللازمة للدفع باتجاه التنفيذ. وعندما تعجز هذه السلطات عن التنفيذ تتقدم باستقالتها ويتم تشكيل حكومات تكون قادرة على تنفيذ ما اتفق عليه وطنيا. وفي مثال بلادنا فإن هناك الكثير من القضايا المختلف عليها بين القوى الوطنية العاملة داخل الوطن.. وأيضا الكثير من القضايا المتفق عليها.
فالجميع سلطة ومعارضة متفق على إصدار قانون للأحزاب يلحظ جميع القوى السياسية العاملة ويقونن الحياة السياسية في الوطن.
والجميع في سورية متفق على تعديل قانون الانتخابات المعمول به حاليا
والجميع في سورية متفق على مكافحة الفساد المختلف والمتعدد الأوجه.
والجميع في سورية متفق على تأمين حل عادل لمطالب الأكراد المحقة والمتمثلة في منحهم الحقوق الثقافية وإلغاء نتائج إحصاء 1962 المشؤوم .
والجميع في سورية متفق على التخفيف من حدة البطالة ونسبتها المتصاعدة بوتائر مخيفة.
والجميع في سورية متفق على زيادة الرواتب والأجور لجميع العاملين في الوطن من عمال قطاع خاص وعام بعد أن التهمت زيادات الأسعار نسبة كبيرة جدا من القدرات الشرائية لرواتبهم. والجميع في سورية متفق على إصلاح القضاء ومنحه السلطات المحددة في القانون والتي تساهم في تأمين حالة من الاستقرار الاجتماعي.
ولكن السلطات المعنية في التنفيذ لم تستطع تنفيذ أي من هذه المهام المنتصبة أمامها والتي يطالب بتنفيذها المجتمع السوري بكل قواه الوطنية ونقاباته المختلفة عماليه و مهنيه.
ولكن هذه السلطات لم تحرك ساكنا وتقف عاجزة أمام تنفيذ أي من التوجهات المجمع عليها وطنياً مما يزيد ويفاقم من تأثير هذه الأزمات ويدفع البلاد برمتها نحو أزمة شاملة تؤثر بشكل مدمر على الوطن وجميع أبنائه بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
وعجز الحكومة عن إصدار قانون للأحزاب تنفيذا لقرارات مؤتمرات حزب البعث المتتالية ومؤتمرات الجبهة الوطنية وقرارات الجبهة ذاتها, والمطالب المتكررة لجميع أحزاب وقوى المعارضة.
وأدى عجز الحكومة في تنفيذ المطالب الوطنية ، واعتقال الحياة السياسية إلى زيادة انتشار العلاقات الما قبل سياسيه التي أعلنت عن نفسها في الكثير من المواقف والأحداث. ودخلت وتغلغلت حتى داخل الأحزاب العلمانية والتقدمية0 وأعادت تشكيل ذهنية الصراع عند المواطنين من صراع سياسي واجتماعي إلى صراع طائفي وقومي وأثني وعائلي وأسري وديني ومذهبي، الخ.. مما ينذر بتفجيرات خطيرة لا يمنعها سوى نشر الحريات السياسية واعتماد قانون للأحزاب يلحظ جميع القوى السياسية العاملة في الوطن... وإذا بقيت السلطات عاجزة عن تنفيذ هذه المهمات الوطنية وعاجزة عن تحقيقها، فإن الوطن مندفع نحو المجهول.
وما قلناه عن قانون الأحزاب ينطبق تماما على قانون الانتخابات0 إن الوطن أصبح حسب رأي كافة قواه السياسية يتطلب إدخال تعديلات على قانون الانتخابات وبشكل تستطيع هذه التعديلات تمثيل كافة التيارات والقوى السياسية في المجالس التشريعية والمحلية بهدف التفاعل وعرض مواقفها .
من القضايا المختلفة. في ضوء هذا وهذا وحده نستطيع منع ظهور ونشوء التطرف.
ولأن السلطات المختلفة لم تستطع حتى الآن تنفيذ مطالب الأكراد السوريين والمعترف بها من قبل الجميع فإن الاحتقان والشعور بالاضطهاد القومي يتفاعل في وسط الأكراد السوريين ويدفع أقساما منهم نحو اليأس والتطرف وتصبح المسألة برمتها قابلة للانفجار في أية لحظة. ويمكن أن تتحكم ببعضها قوى خارجية..كل ذلك بسبب تقاعس السلطات عن التنفيذ .
وبدلا من أن تتراجع نسبة الفساد في سورية فهي تزداد بشكل ملحوظ لتشمل جميع مؤسسات الدولة و"تتقدم" سورية في قائمة سلم الفساد الذي تصدره مؤسسة الشفافية العالمية التابعة للأمم المتحدة لتصبح ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم..وهذا الفساد ساعد ويساعد على إعادة توزيع الدخل الوطني حيث تتكدس الثروات الأسطورية بيد الفاسدين ويفتقر المنتجين صناعيين كانوا أو حرفيين أو فلاحين أو عمال ،الخ.. أي تتضرر كافة طبقات الوطن وشرائحه0
وبسبب الفرق الواسع بين الأجور والأسعار وزيادة نسبة العاطلين عن العمل.. نمت وانتشرت الدعارة وزادت جرائم الشرف وتغلغلت الاتجاهات الأكثر ظلامية في صفوف العاطلين عن العمل. وزادت حالات الإجرام والسرقة. وزادت نسبة تعاطي المخدرات والحبوب المخدرة عند الشباب خصوصا. وابتعد الشباب عن التعامل مع الحياة السياسية والاجتماعية. وتزداد تأثيرات أخلاق المجتمع السفلي في الوسط العام. فما كان عيبا ومرفوض اجتماعيا منذ عقود قليلة أصبح طبيعيا الآن...
وتهرب الحكومة من الإعلان عن عجزها عن طريق زيادة القمع الموجه للقوى السياسية والنقابات والاتحادات المختلفة المناضلة والعاملة على إخراج الوطن من أزماته الخانقة.
وأثبتت التجارب إن القمع إذا كان يعبر بشكل واضح عن عجز القوى التي تمارسه في تنفيذ المهام الوطنية الملقاة على عاتقها. فهو غير قادر على إلغاء أو دفن هذه المطالب. بل على العكس تزيد من حدتها وتدفعها نحو التفجر، إن الحياة تفرض بقوة على السلطة وأحزابها الإسراع بتنفيذ القضايا المتفق عليها وطنيا ونحن نشاهد بأم أعيننا الأوضاع التي وصلت إليها الأحزاب المشاركة في السلطة والساكتة عن عدم التنفيذ.. ونعتقد أن أوضاع هذه الأحزاب والقوى ستزداد تفاقما إذا بقيت على صمتها. إن تعاون جميع المنادين بالخروج من هذه الأزمات أصبح ضرورة وطنية. وهو وحده القادر على إزاحة عوامل عدم التنفيذ أو المعرقلة لتنفيذ هذه المطالب والذي يشكل بسبب عرقلتها أو عدم تنفيذها أحد المكونات الرئيسية لنشوء واستقرار الأزمات في الوطن والذي تتطلب الحياة إضعاف هذه العوامل ومسببيها...عبر تشكيل تيار وطني قادر على تنفيذ هذه المهام التي ستشكل المستقبل القادم والآمن
ذكرى ثورة أكتوبر في ظل الأزمة الرأسمالية المعولمة
معتز حيسو

علي أنقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر"
( البيان الشيوعي).
من دون شك إن عام / 2008 / سوف يؤسس لمتغيرات بنيوية عميقة تمس جوهر الفكر والواقع الإنساني . إذ إن الحلم الذي بقيت تعيش عليه شرائح اجتماعية واسعة ، أولها المضطهدين والمظلومين من العمال والفلاحين والمثقفين كان يتراجع مع تقدم المدحلة الرأسمالية المعولمة. ومع عودة الحلم الاشتراكي على قاعدة الأزمة الرأسمالية الراهنة ، نرى من الضروري أن نقف على تساؤل أولي : هل يجب أن يعاد إحياء الذاكرة ونبش تراثها لإنجاز تصورات مفترضة لآليات تجاوز الرأسمالية تحقيقاً للاشتراكية بعيداً عن الأزمة الموضوعية التي يعانيها اليسار والأحزاب التي ما زالت تدعي أنها تقوم على القاع المعرفي الماركسي ؟؟؟ أم أن آليات ومهمات العمل السياسي، ومنطلقات وآليات العمل المعرفي يفترض أن تكون تعبيراً عن سيرورة وآفاق الواقع الموضوعي والذاتي،و بالتالي من المفترض عدم القفز من قاعدة الحاضر الرجراجة غير المستقرة في هواء المستقبل المجهول ؟؟؟ .
من المؤكد بأن ثورة أكتوبر ما زالت تحمل الكثير من العبر والدروس التي يجب الوقوف عليها ، لكن مما لا شك فيه بأن الإنسان المعاصر شب عن الطوق وأصبح قادراً على قطع حبله السري والاعتماد على قدراته وتجاربه وقراءته لواقعه الراهن ، من دون أن يعني هذا التنكر للماضي أو رجمه بحجارة الحاضر ، ذلك لعلمنا بأن التاريخ / الماضي /التراث لا يمكن استعادته،أو نقله ميكانيكياً، ولكي لا يبقى الماضي ممسكاً بتلابيب الحاضر، يجب قراءته بضوء ودلالات ومعطيات الحاضر،لأن الواقع الإنساني بسيرورته المتطورة والمتغيرة يبقى مفتوحاً على التجارب الإنسانية الجديدة والمتجددة وقدرات العقل البشري غير المحدود ــ إذا بدأنا من المفكر العظيم ماركس ، نرى بأنه أكد على أن البرجوازية في سيرورتها المتجاوزة للحدود القومية ، سوف تدك بمدافع صناعاتها المتقدمة أعتى قلاع الإقطاع ، مما يؤكد بأنه كان مدركاً بأن الرأسمالية في مراحل تطورها المتلاحقة سوف تخترق وتتجاوز الحدود القومية ، بمعنى أن حركة رأس المال عابرة للقوميات و متعددة الجنسيات ، ويتجاوز في لحظات محددة قوانينه التي يفرضها على البشرية ليصل في لحظة معينة إلى مرحلة الجنون التي توصله إلى حبل المشنقة ، الذي طالما لُفَّ على رقبة الرأسمالية جراء سيرورتها المتناقضة . أما الجانب الآخر هو تأكيده على أن الانتقال إلى الاشتراكية سوف يكون من المراكز الصناعية ، إدراكاً منه بأنها سوف تمثل قاطرة الدول المتخلفة ، لأن البنى الداخلية للدول الرأسمالية المركزية تكون مشبّعة بتناقضات رأس المال المنتجة موضوعياً لنقيضها الطبقي، إضافة إلى إن درجة تطورها الاجتماعي والصناعي ومستوى تراكم رأس المال وارتفاع حدة التناقضات الطبقية تساهم في تشكيل البديل الموضوعي للرأسمالية ، لتكون الاشتراكية مرحلة تتحقق فيها العدالة الاجتماعية التي تمثل جوهر الفكر الاشتراكي . وقد نقل ماركس اهتمامه إلى روسيا نتيجة لجملة من المتغيرات الدولية آنذاك متوقعاً أن تكون البوابة التي يمكن العبور من خلالها إلى الشيوعية، ويجب ألا ننسى إقراره لقوانين التجارة الحرة رغم إدراكه بأنها مجحفة بحق الشعوب لكنه كان مدركاً بأنها من أسباب اختراق الحدود القومية للوصول إلى تحطيم قلاع الإقطاع في الدول المتخلفة.
ومع انتصار ثورة أكتوبر التي رأى فيها لينين شرطاً موضوعياً لإقامة القطع الاقتصادي والسياسي مع الدول الرأسمالية ، وتحقيقاً لديكتاتورية البروليتاريا التي تحمل إمكانيات الانتقال إلى الاشتراكية بفعل قواها الذاتية وبفعل قيادة الحزب الشيوعي، مقتنعاً بقدرة التجربة الروسية على حرق وتجاوز مرحلة التطور الرأسمالية ، لنراه في عام / 1918 / ونتيجة لجملة من المعطيات المادية يعمل على إنجاز شيوعية الحرب التي ثبت فشلها لاحقاً ليعلن على أثرها الانتقال إلى سياسية "النيب" التي مثلت أول شكل من أشكال رأسمالية الدولة . وقد تخلي خلفاء لينين عن التوجهات الاقتصادية التي أسس لها لينين وعملوا على تكريس الاشتراكية التي هي بالعمق شكل من أشكال رأسمالية الدولة بأشكال سياسية شمولية اتسمت بتكريس مظاهر عبادة شخص الحاكم وقمع المعارضين السياسيين والتنكر لحقوق الشعب في الديمقراطية وتراثه الروحي ، وتكرست هذه الميول مع هيمنة النزعة البيروقراطية التي ساهمت في تنامي مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي على مستوى القيادات العليا للدولة ، وتفاقمت هذه الحالات بترابطها مع عمل القيادة السياسية على القضاء على أي مظهر من المظاهر الديمقراطية السياسية وحرية التعبير، إلا ما كان يخدم رغبات وميول الرمز الأعلى ، وقد تزامنت هذه القضايا مع زيادة حدة التناقضات الدولية الناجمة عن توسع دائرة هيمنة الرأسمالية المعولمة التي كانت تعمل على تشديد حصارها على المنظومة السوفيتية مما دفعها لزيادة حدة التسلح، لتنعكس بأشكال سلبية على الواقع المعاشي للشعب السوفيتي ... وقد ساهمت مجمل التناقضات الداخلية / السياسية والاقتصادية والاجتماعية / والدولية في إجهاض مجمل التجارب / الاشتراكية المحققة / ، وقد تمثلت هذه التجارب على مدار عقود بأشكال من الرأسماليات المتباينة في مستويات تطورها وشدة تبعيتها السياسية والاقتصادية للمركز السوفيتي . ليتضح لاحقاً بأن معظم النسخ السوفيتية عانت من أشكال سياسية شمولية بيروقراطية ومن تدني في مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي كان من نتيجته التراجع أو الانهيار أمام التطور الرأسمالي المعولم ، هذا إضافة إلى اندماج أو ارتباط كثيراً من دول المنظومة السوفيتية السابقة أو من دار في فلكها بالنمط الرأسمالي المهيمن . وهذا لا يعني بأن السوفيت لم يحققوا نهضتهم الصناعية ومشروعهم الوطني، أو أننا نتناسى دعم السوفيت لحركات التحرر الوطني .
/ 1918 / ونتيجة لجملة من المعطيات المادية يعمل على إنجاز شيوعية الحرب التي ثبت فشلها لاحقاً ليعلن على أثرها الانتقال إلى سياسية "النيب" التي مثلت أول شكل من أشكال رأسمالية الدولة . وقد تخلي خلفاء لينين عن التوجهات الاقتصادية التي أسس لها لينين وعملوا على تكريس الاشتراكية التي هي بالعمق شكل من أشكال رأسمالية الدولة بأشكال سياسية شمولية اتسمت بتكريس مظاهر عبادة شخص الحاكم وقمع المعارضين السياسيين والتنكر لحقوق الشعب في الديمقراطية وتراثه الروحي ، وتكرست هذه الميول مع هيمنة النزعة البيروقراطية التي ساهمت في تنامي مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي على مستوى القيادات العليا للدولة ، وتفاقمت هذه الحالات بترابطها مع عمل القيادة السياسية على القضاء على أي مظهر من المظاهر الديمقراطية السياسية وحرية التعبير، إلا ما كان يخدم رغبات وميول الرمز الأعلى ، وقد تزامنت هذه القضايا مع زيادة حدة التناقضات الدولية الناجمة عن توسع دائرة هيمنة الرأسمالية المعولمة التي كانت تعمل على تشديد حصارها على المنظومة السوفيتية مما دفعها لزيادة حدة التسلح، لتنعكس بأشكال سلبية على الواقع المعاشي للشعب السوفيتي ... وقد ساهمت مجمل التناقضات الداخلية / السياسية والاقتصادية والاجتماعية / والدولية في إجهاض مجمل التجارب / الاشتراكية المحققة / ، وقد تمثلت هذه التجارب على مدار عقود بأشكال من الرأسماليات المتباينة في مستويات تطورها وشدة تبعيتها السياسية والاقتصادية للمركز السوفيتي . ليتضح لاحقاً بأن معظم النسخ السوفيتية عانت من أشكال سياسية شمولية بيروقراطية ومن تدني في مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي كان من نتيجته التراجع أو الانهيار أمام التطور الرأسمالي المعولم ، هذا إضافة إلى اندماج أو ارتباط كثيراً من دول المنظومة السوفيتية السابقة أو من دار في فلكها بالنمط الرأسمالي المهيمن . وهذا لا يعني بأن السوفيت لم يحققوا نهضتهم الصناعية ومشروعهم الوطني، أو أننا نتناسى دعم السوفيت لحركات التحرر الوطني .
أن على قوى اليسار الماركسي تحديداً مهمات مرحلية تفترض منها العمل على استعادة دورها السياسي في الأوساط الاجتماعية الحاملة لمشروع التغيير الديمقراطي الذي يمثل البديل الموضوعي لهيمنة رأس المال بأشكاله السائدة . وهذا يستدعي من القوى الوطنية الديمقراطية اليسارية الماركسية إعادة قراءتها لواقعها ولواقع مجتمعاتها ، والعمل على تحديد مهماتها الراهنة والإستراتيجية على ضوء التطورات التي تؤكد سمة الترابط ، وفق منهجية معرفية وفكرية وسياسية علمية موضوعية .
إن من الدلائل التي يمكن أن تكون مصدراً للتفاؤل هي تجدد الاهتمام بالفكر الماركسي الذي ما زال حتى اللحظة يمثل الأساس المعرفي / النظري لقراءة وتحليل النظام الرأسمالي، والذي من خلاله يمكن إيجاد آليات مناسبة لتجاوزه . وهنا لا بد من التنويه من أن العودة إلى فكر ماركس يجب أن ترتبط بالوعي الديمقراطي والممارسة الديمقراطية ، والعمل الفكري لإنضاج مفاهيم سياسية يتحدد من خلالها الموقف من : دكتاتورية البروليتاريا ، التعددية السياسية ، أشكال تجاوز الرأسمالية ، وتحديد شكل ووظيفة ودور الدولة المستقبلي ..... كل هذا وغيره يجب أن يتأسس على الفهم الديمقراطي للتعددية السياسية وحقوق المواطنة وحرية التعبير ، والحفاظ على حقوق الأقليات القومية والإثنية في ظل نظام ديمقراطي يقوم على التعايش السلمي القائم على الإقرار بالتنوع الاجتماعي والسياسي .

بسبب نرجسية المدير
مهرجان سنوي للسينما بدون سينما
سعيد عبد القادر

شهدت دمشق مؤخرا افتتاح مهرجان السينما الذي تحول منذ عامين من مهرجان كل سنتين إلى مهرجان سنوي....
شاركت في هذا المهرجان العديد من الدول العربية وغير العربية ما عدا سوريا التي جاءت مشاركتها ضعيفة جدا تعكس ضعف صناعة السينما السورية مما دعا العديد من المهتمين والسينمائيين والنقاد السوريين للبحث عن جدوى إقامة المهرجان إذا كان لا يساعد على تطوير السينما السورية. و هذا المهرجان هو السادس عشر.. ونحن نذكر الرقم لنؤكد أن المهرجانات وحدها غير كافية لتطوير صناعة السينما بسبب وجود عقبات كبيرة تحول دون تطوير هذه الصناعة منها:
1- عدم وجود دور للعرض ففي دمشق البالغ عدد سكانها أكثر من /4/ ملايين نسمة يوجد من 3 إلى 4 دور عرض... وكان يوجد في سورية عندما كان عدد سكانها /4/ملايين نسمة أي ما يقارب عدد سكان دمشق أكثر من /150/ دار لعرض الأفلام. وإن العودة لانتشار السينما تتطلب من الدولة خصوصا بناء دور عرض أو التشجيع في بنائها أو لحظ دور لعرض الأفلام السينمائية في المباني الضخمة التي تشاد في مراكز المدن.
2-النقطة الثانية ضعف الاعتمادات الملحوظة في ميزانية وزارة الثقافة والمخصصة لإنتاج الأفلام. وعدم اقبال المنتجين المحليين على إنتاج أفلام سينمائية بسبب عدم وجود دور عرض لهذه الأفلام. وهذه المعيقات وغيرها ناقشها كل المهتمين والعاملين في المجال السينمائي.
إذا كان الواقع بهذه المأساوية فما هو السبب الذي يدعو المؤسسة العامة للسينما على إقامة هذا المهرجان السنوي رغم النفقات الهائلة التي تصرف لإقامته. والتي لو وظفت في مجال ثقافي آخر لأدت إلى إنعاشه. ولو وظفت في إنتاج الأفلام لزاد إنتاج الأفلام فلماً سنوياً على الأقل.
وفي بحثنا عن السبب الرئيسي للدعوى لهذا المهرجان لم نجد سوى مصلحة المدير العام في إقامته سنويا. فهو يقيمه في يوم ميلاده...وافتتح المهرجان هذا العام بقصيدة كان قد كتبها جده الشاعر بدوي الجبل يوم ميلاده والتي ألقتها في بداية الافتتاح الممثلة سوزان نجم الدين. وهكذا عرف السبب وبطل العجب. ونحن إذ نحمد الله أنه لا زال مدير المؤسسة العامة للسينما لأنه لو ترقى بمنصبه أكثر. فإن يوم ميلاده سيكون "عطلة الميلاد" والقصيدة ستكون النشيد الرسمي للمكان الذي هو مسؤوله. لقد أساء لجده "بدوي الجبل" المعروف جدا في الوسط الثقافي السوري ومن قبل أوساط واسعة من الشعب السوري والمحترم جدا أيضا.
ونحن نقترح على وزير الثقافة الجهة المسؤولة عن مؤسسة السينما أن تخصص مبالغ كافية لإقامة حفل عيد ميلاد لائق للسيد المدير العام للسينما وتخصيص المبلغ المتبقي لدعم صناعة السينما السورية. أو لدعم الثقافة.

رأس المال ”المريض“ ، والعقل السليم
عزمي بشارة

حين يقرأ إنسان مثقف متوسط الملاحق الاقتصادية عن أزمة البنوك ولا يفهم ما يقال فإن ذلك لا يعود لكون هذا المجال مقصورا على العباقرة، مقفلا على غيرهم، فهو ليس حتى بعلم. وهنالك شك فيما إذا كان الاقتصاد وإدارة الأعمال أصلاً علوماً. ولا شك أنها مجالات معرفية مهنية تستخدم شذرات من عدة علوم بما فيها الإحصاء والرياضيات ونظرية الاحتمالات، ولكنها لا تكفي لفهم ما يجري، ناهيك عن التوقع والتنبؤ العلميين.. وهي على كل حال لا تستطيع الاستغناء عن العقل السليم. وهذا الأخير يفضل أن يفهم ما يقال ويقرأ.
ولكن هذه اللغة المطلسمة المستخدمة في الملاحق الاقتصادية والمؤلفة من تعابير لا تشكل مصطلحات علمية بل تسميات لمسميات متفق عليها واختصارات غير معروفة الأصل تخفي جهل المراسل الاقتصادي أحيانا، وهي مسخَّرة كعدة تعبيرية مهنية لسماسرة البورصة لا يفهمها حتى المستثمرون عندهم، فهي أشبه بلغة ناد مغلق أو لغة كهنة في معبد الاقتصاد.
طبعا يمكن تعلم هذه اللغة، ولكنها مغلقة على من لم يتعلمها ولم ينضم بعد إلى النادي في أي لحظة معطاة، ويبرر احتكار معرفتها وجود المهنة والمختصين.. وعلى كل حال ليس هذا الاستحواذ على تعابير لا يهتم أحد بشرحها للقارئ منفصلا عن الأزمة بل هو من التعبيرات الرئيسية عن الواقع الذي أدى إليها.
إنه واقع نخبة من المديرين والسماسرة ووكلاء أصحاب رؤوس الأموال والمتصرفين بصناديق التقاعد وغيرهم، تعيش عالما منفصلا قائما بذاته.
أولا، يبدو في هذا العالم وكأن النقود تفرخ نقودا خارج عملية الإنتاج المادي الذي يراكم قيما مادية حقيقية، وتنفصل فيه مراكمة المال عن الثروة الحقيقة القائمة في الاقتصاد والنشاط الاقتصادي والاكتشافات العلمية وغيرها، حتى يبدو كأنه إذا عرف الراغب في الإثراء أين يضع النقود في الوقت المناسب فسوف تضع هي بيضا من ذهب.
هذا السلوك المؤدي إلى الاستثمار في المال دون معرفة شيء عن النشاط الاقتصادي الذي هو الأصل ومنه تنتج الأرباح، وما يترتب على هذا الجهل وهذا السلوك المقامر المعتبر مناقب في هذه الثقافة، كلها ليست محايدة في الأزمة بل هي أصلها وأساسها.
وثانيا، ينفصل هذا العالم غير المنتج ليعيش في قوانينه الخاصة وتعابيره وأنماط سلوكه والمجازفات والأرباح بعيدا عن الرقابة المجتمعية. فالناس وحتى المشرعون حين يستدعون للتشريع بالكاد يفهمون ما يدور في الأيام العادية، ولكن حين تقع أزمة داخل هذا العالم المركب من واقع وخيال يتضرر الجميع لأن هذا العالم يتحكم في قنوات أو أنابيب تتدفق عبرها العمليات الاقتصادية المترجمة إلى مال. يربح الناس في هذا القطاع أكثر مما يربحون في الإنتاج والخدمات، مع أن الإنتاج والاستثمار والاقتراض لغرض الاستثمار هو أصل ربحهم، والباقي خيال. ويتحول رأس المال المالي إلى قوة غير ديمقراطية في كافة المجتمعات ليس فقط لأنه يشكل قوة ضغط هائلة على الحكومات عبر حركة رؤوس الأموال، بل لأنه أبعد اللوبيات الرأسمالية عن عملية الإنتاج المادي وعن حياة المجتمعات، ولأن قوته وسيطرته لا تقفز عن القطاعات الاقتصادية الأخرى، فتأثيره عليها عبر الفوائد والإقراض لا تضاهيها قوة أي قطاع اقتصادي، ولأن السيطرة على الشركات التي تصدر إعلاما وتملك وسائل إعلام وتؤثر على أفكار الناس هو من مكونات قوته.
لا يعيش نظام رأسمالي متطور دون منظومة مالية بنكية. وتتلخص الخدمة التي يبيعها في بيع الزمن. يقرض البنك الإنسان الحقيقي أو الاعتباري زمنا ثمينا، أو للدقة يبيعه إمكانية استخدام المال لفترة من الوقت. إذ لا يوجد تزامن بين الاستثمار ومردوده، وبين شراء البضاعة وبيعها، وحتى بين العمل والراتب. فالمستثمر يقترض جزء من رأس المال المستثمر على الأقل حتى تثمر العملية فيسد جزء من الاستثمار، والتاجر يشتري البضاعة ولكنه ينتظر بيعها.. وهكذا. وفي جميع الحالات، البنك يبيع مالاً ماله ومال الآخرين المودع عنده) ولكن الزيادة في قيمة المال التي تؤدي إلى الربح لا تنتج عن عملية تفريخ أو تفقيس أو انقسام خلايا مالية كالأميبا، بل مصدر زيادة المال هو زيادة القيمة في العمل: عملية الإنتاج النقل وإيصال البضاعة وتسويقها.. وكل ما يضاف من قيم. وتتركب من هذه العمليات البسيطة مع تعقد الحياة آلاف العمليات التي ينسى فيها الأصل، ويبنى عالم رأس مال مالي قائم بذاته، يقترض لكي يقترض، ويبيع الدين، ويبيع احتمالات مستقبيلة مشروطة بتحقق صفقة وهكذا..
لكي نفهم قليلا علينا أولا أن نعيد الأمر إلى العقل السليم والبسيط فهو أهم أداة في فهم العمليات الاقتصادية.
يعرف أي مواطن يملك رأس إنسان، وليس بالضرورة رأس مال، أنه يمكنه أن يعيش على الدين من البنك من انتهاء السيولة بين يديه وحتى وصول معاشه أو أجرته أو دخله.
يجسر الحساب المدين في البنك هذا العجز مرة واحدة وقد يحمله المواطن معه، يستنسخه، عدة سنوات ما دام يدفعه كل شهر فتتجدد الحاجة في نهاية كل شهر دون أن يتغير مبلغ العجز. ولكن لا يجوز أن يتراكم ويتضخم مبلغ الدين، أي أن يكون عجزا شهريا متكرراً وليس لمرة واحدة. ففي مثل هذه الحال مثلا حين لا يكفي الدخل كله لتغطية العجز، قد يتوقف البنك عن الإقراض ويحجز على ممتلكات المواطن أو يستخدم غيرها من الأدوات التي خطرت ببال المشرع بما فيها الغرامة والسجن.
ولنتخيل للحظة أن شعبا كاملا يعيش أعلى من مستوى إنتاجه خلال العام، إن كان ذلك في الاستهلاك أو المصاريف العسكرية، أو "البَطَر" والثقافة الاستهلاكية عموما، وذلك في نظام ديمقراطي تتملق فيه الأحزاب الناخب ولا تقول له الحقيقة. لا بد أن تتحول دولته إلى دولة مدينة لكي تمول الفرق بين ما ينتج هذا الشعب وما يستهلك. وينطبق على دينها وتراكمه ما ينطبق على المواطن، ولأنه لن يحاسبها شرطي دولي (خاصة إذا كانت هي الشرطي الدولي) فهي تستمر على الدرب هذا حتى وقوع الكارثة.
يبدو الأمر واضحا في أن أغنى دولة في العالم هي أيضا أكثر الدول دينا للدول الأخرى.

فالشعب الأميركي يعيش بمستوى المعيشة الأوروبي ولكن بأسعار العالم الثالث في النفط والمأكل والملبس والسكن..ولا يمكن أن يستمر هذا الأمر لفترة طويلة دون أزمات، لا بد أن يسد أحد هذا الفارق، وليس كله مؤلف من بيوت تم شراؤها ولم يتمكن الناس من سد ثمنها ويمكن الحجز عليها (نظريا فقط) مثلا، بل إن جزء كبير من الفارق، أو العجز، استهلك وذهب مع مياه الصرف الصحي أو حلق إلى طبقة الأوزون مساهما في ثقبها. والتضخم لا يحل هذه الأزمة إلا على المدى القصير، وكذلك بيع سندات الخزينة إلى دول أخرى، ولا حتى تخفيض سعر الدولار.. لا بد أن تتجلى الأزمة في النهاية على شكل تقليص المصاريف العامة ووضع قسم من عبء الدين على المواطنين على شكل سياسة ضرائبية معقولة كما في بعض الدول الأوربية.
وما فعله بوش هو عكس ذلك إذ خفف الضرائب على رأس المال، وشجع البنوك على سياسة إقراض غير مسؤولة.
ولنتخيل أيضا أن تتصرف البنوك في هذه الدولة بموجب هذه الثقافة الاقتصادية، إذا صح التعبير، فتسعى للإقراض بشكل غير مفحوص، ولتحقيق الأرباح من الفوائد العالية على القروض الطويلة المدى بتشجيع الناس على شراء البيوت وبنائها بمنح التسهيلات على تلقي قرض بنكي. أي أضف هنا الفوضى في سياسية الإقراض البنكية وجشع البنوك ورغبتها في تحقيق الأرباح باستخدام الودائع المتوفرة لديها. (وما دام موضوع قروض الإسكان قد ذكر فإن هذه السياسة بدأت بتشجيع من الإدارة عام 1998 في مرحلة كلينتون وحوَّلها بوش إلى سياسة رسمية). أشارت الإحصائيات عشية انهيار بنك "ليمان بروثرز" واتضاح عمق وشمولية الأزمة البنكية أن البنوك الأميركية أقرضت 94 سنتا على كل دولار في حوزتها (يجب أن نضيف أنه في حوزتها نظريا)، وأن البنوك الأوروبية أقرضت 1.4 يورو على كل يورو. أي أن البنوك الأوروبية معرضة لأزمة عدم السداد أكثر من غيرها. ولكن من أين تقرض البنوك؟ تسجل البنوك أرباحا خيالية كل عام، وهي على رأس القطاعات الاقتصادية الرابحة. ومن هنا ربما يصعق المواطن العادي من إفلاس أي بنك أو إغلاقه. والبنوك حين تقرض المال فإنما تتصرف بأموال ليست ملكا لها، وهي تحصل على حصة الأسد من الفائدة الناجمة عن عملية الإقراض.
خذ مثلا بنك ليمان بروثرز الذي سجل قرار عدم إنقاذه من قبل الخزينة الأميركية بداية الانهيار، لقد وجد هذا البنك مدينا بنحو 613 مليار دولار منها 160 مليار لزبائن خارج الولايات المتحدة أودعوا أموالا فيه، أفرادا وصناديق، ومنها صناديق تقاعد أوروبية.
حين تبدأ أزمة السيولة نتيجة لعدم تمكن المدينين من سداد قروضهم أو حساباتهم البنكية المدنية،

ويبدأ الناس بالمطالبة بودائعهم تحصل أزمة قد تؤدي إلى الإفلاس، فالبنك لا يجد ما يعيد به النقود. وليس كل قرض يذهب إلى الاستثمار في الصناعة والتجارة والصناعة ولشراء العقارات رغم ما فيها من مجازفة، فقسم من القروض يذهب للاستثمار في سوق المال ويتحول بذاته إلى الإقراض أحيانا، فيضاعف المجازفة وآثارها. في حالة فقدان السيولة تقوم البنوك بالاقتراض من بنوك أخرى، وهذه الرغبة في الاقتراض من بنوك أخرى ترفع الفائدة البنكية، وبرفعها تقل قدرة الناس العاديين على سد القروض.. وحين تتفاقم الأزمة تبيع البنوك أوراقا مالية للناس، ثم حين تقفز الأزمة درجة أعلى تفقد هذه الأوراق جاذبيتها وتبيع البنوك ديونها لمضاربين مكتفية بنسب أقل من الربح.
يجري هذا التراكم الذي يضخم الأزمة ولا يحلها طوال سنين دون أن يصل إلى الملاحق الاقتصادية ناهيك عن نشرات الأخبار. ويسمع الناس بالأزمة عندما تستنفذ هذه الوسائل ويصبح على الدولة أن تقرر أن تكفل الديون أو البنك برمته، أو تسدد ديونه؟ هنا يسمع الجمهور بالأزمة.
وبإمكان المرء أن يتخيل ماذا تعني أزمة بترليونات الدولارات.. وماذا يعني نقص السيولة وانسداد مجرى المال في عروق الاقتصاد. فانهيار ليمان وتهديد زملائه بالانهيار أدى إلى عدم ثقة بالبنوك وسحب ودائع وتفاقم أزمة السيولة، ولا شك أن أزمة مالية حقيقية ضربت وسوف تضرب في أوروبا واليابان وفي السوق المالي الرأسمالي العالمي برمته. وهنالك سوق عالمي من هذا النوع. تتعقد الصورة أكثر بسبب وجود ما يسمى بالمشتقات التي تهدف إلى تقليل مجازفة طرف في تعاقد على شكل (فيوتزر، اوبشنز، سوابس وغيرها، منها أيضا مشتقات خاصة بتقليل مجازفة الدين ديبت ديرافتفز القائمة على ممتلكات حقيقية أو وهمية.. دعك عزيزي القارئ من هذه التعابير فلن تحتاجها)، ولكنها تزيد المجازفة لمجمل السوق المالي والمجتمع برمته .

مقتطف من كتاب ماركس "18 برومير لويس بونابرت":
” الثورات البورجوازية ، كتلك التي حدثت في القرن الثامن عشر، تتقدم بسرعة واندفاع من نجاح إلى نجاح ؛ تتغلب تأثيراتها الدراماتيكية الواحدة على الأخرى؛ بحيث يقحم الناس والأشياء في تألقات مذهلة ومشرقة؛ النشوة هي روح كل يوم ؛ لكن هذه الثورات قصيرة العمر؛ عاجلاً تكون قد بلغت ذروتها، وبعدها يمسك بالمجتمع إحباط طويل وعسير قبل أن يتعلم باقتصاد أن يستوعب نتائج اندفاعاته وفترات الشدة . من جهة أخرى، الثورات البروليتارية كتلك التي حدثت في القرن التاسع عشر[و القرن العشرين]، تنتقد ذاتها دائماً، وتقاطع ذاتها بشكل متواصل في سيرها الخاص، وترجع إلى ما أنجزته بوضوح في سبيل أن تشرع به من جديد، لتهزأ بـلا رحمة تامة بنواقصها، مواطن ضعفها، ورداءة محاولاتها الأولى، تبدو أنها تطرح خصمها أرضاً فقط في سبيل أنه يمكن أن يتلقى قوة جديدة من الأرض وينهض ثانية، أكثر ضخامة، أمامها، و تنكص مرة تلو الأخرى، عن تحقيق أهدافها الخاصة غير الواضحة الهائلة ، حتى يكون قد خُلق وضع جديد يجعل العودة إلى الوراء مستحيلة، ويصرخ الحال الجديد (الشروط الجديدة) :
هنا رودوس، اقفز هنا! Hic Rhodus, hic salta!
من كتاب كارل ماركس: ” 18 برومير لويس بونابرت“





#تجمع_اليسار_الماركسي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق اليسار - العدد الثامن: تشرين الثاني 2008
- طريق اليسار - العدد السابع- سبتمبر/ أيلول2008
- جدل - مجلة فكرية سياسية ثقافية العدد 3 : آب 2008
- طريق اليسار - العدد السادس:أغسطس/آب/2008
- طريق اليسار - العدد الخامس: حزيران 2008
- طريق اليسار - العدد الرابع: أيار 2008
- جدل مجلة فكرية- سياسية – ثقافية العدد 2 : نيسان 2008
- طريق اليسار - العدد الثالث: نيسان 2008
- طريق اليسار العدد 2 : شباط 2008
- طريق اليسار جريدة سياسية - العدد الأول : أواسط كانون الأول 2 ...
- جدل - مجلة فكرية- ثقافية- سياسية : العدد الأول: أواسط كانون ...
- بيان عن أعمال اجتماع القيادة المركزية لتجمع اليسار الماركسي ...
- بيان
- الوثيقة التأسيسية
- بيان اعلان تجمع اليسار الماركسي في سوريا - تيم


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - تجمع اليسار الماركسي في سورية - طريق اليسار - العدد / 9 /: كانون الأول/ 2008