أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - الرسم بالكلمات














المزيد.....

الرسم بالكلمات


ثائر العذاري

الحوار المتمدن-العدد: 2488 - 2008 / 12 / 7 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


قد تكون الصورة واحد من أهم عوامل سحر شعر، أو ربما تكون الشعر كله، فالصورة ليست عملا تزيينيا يكشف براعة الشاعر في بناء علاقات مبتكرة حسب، فهي أيضا طريق لبناء المزاج النفسي للمتلقي والتسلل إلى وعيه لإغرائه بالدخول في علبة النص.
في مجموعتها (من مذكرات طفل الحرب) تقدم الشاعرة وفاء عبد الرزاق أسلوبا متميزا في الاعتماد على الصورة لبناء الفعل النفسي الانعكاسي لمتلقيها، وهي تفعل ذلك ببصمة شخصية واضحة تنطلق من إرث عراقي متراكم في مخيلتها الشعرية لا ينظر إلى العالم الا عبر تراب العراق.
في قصيدة النثر جرت العادة على أن يعمد الشاعر إلى اعتماد الانزياحات اللغوية وسيلة لتوليد شعرية نصه، إذ يبدو أن الشاعر المعاصر ضاق ذرعا بالبناء التقليدي للصورة الشعري القائم على المادي من مرئي أو مسموع.
غير أن وفاء عبد الرزاق تلعب لعبة يمتزج فيها خيال الطفل بمرارة الكبير وهما يرتبطان بالفعل الشعري.

أُعطي نفسي طينها
أنفخ ُفيها صورتكَ
كي تـُحاذرني الدبابات
ألقتلُ يصرخ
والدباباتُ كلام
ماذا أقول حين تمحوني أنت؟

إن نظرة عجلى إلى هذه الأسطر تكفي لنتبين اعتماد الشاعرة على المادي في بناء صورها، فالصورة هنا تتألف من طين وصورة ودبابات، غير أن هذه العناصر المادية تحركها ستة أفعال هي:
أعطي، أنفخ، تحاذرني، يصرخ، أقول، تمحوني على التوالي.
وكان لهذه الأفعال الدور الأساس في بناء الأثر النفسي بطريقة خفية، إذ يمكننا أن نلاحظ أن ثلاثة منها مسندة إلى ضمير المتكلم (أعطي أنفخ أقول) وثلاثة مسندة إلى الآخر (تحاذرني يصرخ تمحوني)، وهكذا تقتسم الفعل الشعري مناصفة بينها وبين الآخر، لكن فعلها يتسم بالخلق وفعل الآخر يتسم بالإلغاء:
أعطي × تحاذرني
أقول × يصرخ
أنفخ × تمحوني
لم أختر هذا المقطع اختيارا عشوائيا، بل قصدت أن أبدأ به رحلتي في ذاكرة طفل الحرب لأنه يوجز أركان فضاء وفاء عبد الرزاق الشعري، فهي (أنا) دائما محور العالم المادي لكنها المحور المحاصر السجين بالأشياء، المهزوم والمأزوم. (أنا) دائما في مقابلة مع العالم المادي، لكنها مقابلة تصور مواجهة محسومة النتيجة، فـ(أنا) مهزومة دائما:
لا ياسمينَ في شرايين النهر
لا نهرَ في جيوبِ أولاد الحارة
نظـّفتُ الأسبوعَ من أيـّامه
وكأنني أستجيبُ للضوءِ المغسول
خرجتُ أغيظ براعـُم َ تلعبُ ( الغـُمّيضة)
إنهُ اللعبُ ،،،، إنهُ اللعب
أللعبُ يا أطفال
شقاوة ٌملطّخة ٌبدشاديشكم

الإحساس بعدوانية المادي هو الذي دفع إلى بناء هذا النص انطلاقا من مثل هذه البداية التي تُستهل بمحاولة بائسة لإلغاء المادي كله عبر إلغاء المكان (لا ياسمين....لا نهر...) والزمان (نظفت الأسبوع من أيامه)، غير أن بؤس المحاولة وفشلها هو الذي يؤدي إلى تصوير فعل الطفولة بأدوات تصوير القتل (شقاوة ٌملطّخة ٌبدشاديشكم) فكلمة (ملطخة) لا تستخدم الا في وصف دم القتيل خاصة في العراق المعاصر.
ينطوي عنوان المجموعة على مفتاح مهم لفهم بناء نصوصها، فكلمة (طفل) تشير إلى الحياة، وكلمة (حرب) تشير إلى الموت الإجباري (القتل)، والمجموعة كلها تسجل صراعا مريرا بين الحياة والقتل، عبر النظر إلى صور المادي المعادي، ووضعه في مقابلة مع (أنا) المصرة على الحياة:
لستُ بحاجةٍ لأب
كما لستُ بحاجةٍ لجمال الفصول
أو لأمّ بردائها تفتحُ الدروب .
الدائرةُ كما تصورِها الجغرافي
تكرهُ التحايا صباحا ً
وتكرهُ أن أُُدعى حُلماً مثلا ً
ممتنٌ لها جداً
تلك الرصاصة ُالتي
ستـُصبح أسرتي القادمة
حقـّاً لستُ بحاجة ٍ
إلاّ لمزاج ِالدويّ .

في هذا النص خدعة شعرية ماهرة، فـ(أنا) تحاول إغاظة المادي من خلال التظهر بعدم الحاجة إليه، بل هي تحاول أن تبين له أنها ستهجره إلى اللامادي عبر الرصاصة القادمة.

دون قلم ٍ يـُشاكس أوراقي
أو استئذان ِ حائط ٍمُغـفـّلٍ
تحت شجرةٍ لا فصولَ لها
جلستُ على فؤاد التراب
أكتبُ بأصابعي
عن مدرسةٍ تعرّت للهواء
وانتقي من النجوم امرأة ًواحدة ً
تتـّسعُ لـِمناخِ استهزائي ببطاقةٍ رعناء
مخدعُها جيبُ أ بي الذي كساني بالجراح
كما كسته الحروق
هلْ سبقَ انْ شبعتم بـِدُخـانٍ
أو رقصتم على قفزاتِ الشظايا ؟
هكذا رقصت زينبُ إ بنةُ جارنا
وأهدتني عينـَها الممتلئة بالدخان لأشبعْ .

في هذا النص تبني وفاء عبد الرزاق مفارقة بارعة بين الفعل والاسم، أو بين المتحرك والساكن، أو بين (أنا) والمادي المعادي)، فالمفروض أن النص يرمي إلى تصوير الموت المجاني الذي يحدث في العراق بالتفجيرات أو المفخخات، لكن لننظر إلى الأفعال التي استخدمت في هذه الجمل:
يشاكس جلست أكتب تعرت انتقي تتسع كساني كسته شبعتم رقصتم رقصت أهدتني لأشبع
هذه الأفعال كلها أفعال حياة مفعمة بالبهجة والاسترخاء، غير أن الأفعال ذاتها بإسنادها إلى المادي المعادي أنتجت صورة في غاية البشاعة والإيغال في معنى الموت:

وأهدتني عينـَها الممتلئة بالدخان لأشبعْ

هذه المفارقة التي يشير لها عنوان المجموعة بطريقة خفية تكاد تتغلغل في كل نصوصها. غير أن التكنيك يتغير:
قبلَ أن تـَـنحني
أو تـعـدّ خطوتكَ
قبلَ أن يَـفـُـرّ جسدُكَ كالمجنون
أو زنداكَ ينفيانِ نـفسيـْهُما عـنـك
قبلَ أن يسيــحَ الطفلُ مـِن عليك
سـَيلتـَهمـُكَ البَعـوُض
ويبقى ظـِلـّكَ الطفلُ
مقطوع اليدين
يُحارُ
كيف يجمع حُلمَه المتفتت.

فهنا نجد العكس، فالأفعال كلها تدل على الهزيمة والنكوص:
تنحني تعد يفر ينفيان يسيح يلتهم
بينما تحرك هذه الأفعال أسماء مفعمة بالحياة:
خطوتك جسدك الطفل زنداك .......
لكن النتيجة واحدة، صورة متحركة للمادي المعادي الذي يريد إيقاف الحياة.



#ثائر_العذاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هكذا كنا... فكيف أصبحنا....
- الفن والتاريخ / حول مسلسل الباشا
- الموت والحياة في شعر محمود درويش
- تقديم لمجموعة القمر المنشور القصصية
- بلند الحيدري وأزمة الإنسان المعاصر
- القافية.. حقيقتها ووظيفتها - القسم الأول
- شعراء الكيس
- قطار محمود درويش الساقط من الخريطة منذ ستين عاما
- مقتل سحر وموهبة ميسون أسدي
- الواقعية الشعرية في النص المفتوح – إشارات أولية / أشرعة الهر ...
- مناحة نبيل ياسين على بلاد الرافدين
- الفضاء الفاعل في نصوص خالدة خليل
- علم الأدب
- في البلاغة الرقمية
- البطولة في الوعي العربي /حول مسلسل (باب الحارة)
- من أجل توضيح التباس القصد في عصر المعرفة الرقمية
- عصر المعرفة الرقمية
- سوق النساء أو ص.ب 26
- في التشكيل الشعري
- (السرد الخفي وتنميط العالم) تأملات في أدب الأمثال


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - الرسم بالكلمات