أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جعفر هادي حسن - الاحتفاء بحضارة بابل















المزيد.....

الاحتفاء بحضارة بابل


جعفر هادي حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2478 - 2008 / 11 / 27 - 10:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يحتفي المتحف البريطاني من هذا الشهر(تشرين الثاني –نوفمبر) إلى بضعة أشهر قادمة بحضارة بابل كإحدي الحضارات القديمة المتميزة التي كان لها تأثير في التطور المعرفي للإنسان .وهذا المقال هو مشاركة متواضعة مني بهذه المناسبة.
لم تكن بابل حتى القرن التاسع عشر معروفة إلا ببرجها وحدائقها المعلقة وبعض ملوكها.وفي القرن المذكور بدأ الآثاريون بالكشف عن جوانب حضارتها وتقدمها في مجال العلوم والمعرفة في ذلك العصر السحيق.وكان من الأمور المهمة التي لعبت دورا في بقاء هذه الحضارة هو اهتمام البابليين بالكتابة والتدوين واعطائهما أهمية كبيرة حتى أنهم جعلوا للكتابة إلاهة اسموها "نيسابا" مهمتها الإشراف على الكتابة وفنها.كما أنهم أنشأوا دارا للعلم أسموها "بيت مومي" وكانت هذه الدار مركزا للتعليم في بابل.كما كان للكتبة الذين أيضا كانوا علماء منزلة رفيعة عند الملوك وفي المجتمع حيث قام هؤلاء بدور حضاري في منتهى الأهمية خصوصا في المرحلة الأولى من المملكلة البابلية القديمة(في بداية الألف الثاني قبل الميلاد) حيث تمكنوا من اتقان اللغة السومرية(التي هي غير سامية) وألآلاف من رموزها وأعطوا معانيها باللغة الأكدية السامية والفوا قواميس بهاتين اللغتين. وجهود هؤلاء الكتبة- العلماء تثير اليوم الكثير من الإعجاب. ولولا هذه الجهود التي بذلها هؤلاء لما تمكن العلماء المختصون من معرفة اللغة السومرية وفك أسرارها.
وتعتبر هذه القواميس عملا جديدا ومن أولى المحاولات في تاريخ المعرفة الإنسانية. ومن المكتشفات الأولى التي عثر عليها الآثاريون هي ماعرف بشريعة حمورابي التي تعتبر من أقدم القوانين في الحضارات القديمة وأكثرها شمولا وتفصيلا إذ تحتوي على أكثر من مئتين وثمانين فقرة شملت الكثير من مناحي الحياة.كما تميزت شريعة حمورابي خاصة بجمال اللغة ودقتها.وقد جاء في بعض ديباجتها التي تعطي بعض أسياب تشريعها "إنه من أجل أن يسود العدل في البلد ويقضى على الشر والظلم وكي لايضطهد القوي الضعيف".
وكما برز البابليون في تشريع الشرائع فقد اشتهروا أيضا في مجالات أخرى كالطب وكان للطبيب الذي يسمى "أسو"(وهو آسي في العربية وآسيا/اسا في السريانية) منزلة رفيعة في المجتمع وكان يعد من أبناء الطبقة العليا وكانت مهنته متميزة لاعلاقة لها بالدين أو السحر إذ كان يتعلم مهنته بالدراسة وبعد الانتهاء منها يبدأ بممارستها مع من هم اقدم منه.وقد وصلنا عدد كبير من الألواح التي تضم قوائم بالأعراض والوصفات الطبية التي كتبها أطباء.وهي تحتوي على تشخيص لأسباب طبيعية للأمراض. كما أنهم عرفوا العدوى وشخصوها وعثر على رسائل مرسلة إلى أطباء فيها الكثير من التفاصيل لحالات مرضية كما احتوت على بعض اسماء الأطباء أيضا.وكان بعض هؤلاء الأطباء قد أرسل من بابل لمعالجة ملوك معاصرين للبابليين مثل الملك الحثي هتوسيلس في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.وممايدل على انتشار الطب هو وجود سبع مواد على الأقل في شريعة حمورابي تتعلق بعمليات جراحية.وقد استعمل الأطباء في علاج هذه الأمراض ليس الأدوية فحسب وإنما استعملوا الأدوات للعمليات الجراحية.(ويعتقد أن أقدم وصفة طبية هي تلك التي وصلتنا من بلاد الرافدين من الألف الثالث قبل الميلاد).ويرى بعض الباحثين أن البابليين قد مارسوا حتى العلاج النفسي الذي يعتقد أنه من نتاج العصر الحديث.
واهتم البابليون بالرياضيات وقد عثر على آلاف الرقم والألواح التي تضم أعدادا رتبت بطرق مختلفة وعمليات طرح وجمع ومسائل حسابية تتعلق بالعمارة ومساحة الأرض والسقي .كما عثر على ألواح كثيرة تحوي تمارين رياضية بعضها مع حلول لها والبعض الآخر بدون ذلك وبعض هذه التمارين بمستوى متقدم.وكان تصنيع المعادن شائعا واعطوا لمن يمتهن ذلك اسما عاما يدل على اختصاصه وهو"نفاخو"(بالأرامية نفاخا وبالعربية نفاخ).ثم خصصوا ذلك بإضافة اسم المعدن اليه فسمي الحداد "نفاخ فرزيلو" والذي يعمل بالذهب "نفاخ خوراصي".ويقول جورج روكس في كتابه العراق القديم.ليس من شك في إن البابليين (والآشوريين) كانوا يعرفون أكثر مما عثر عليه في كتاباتهم فنقل الصخور الهائلة ونصبها مثلا أو انشاء ممرات مائية طويلة يدل على معرفة متقدمة بقوانين الفيزياء.وكذلك معرفتهم ببعض مبادئ الكيمياء التي كانت قد طبقت بشكل ناجح في الأدوية والأصباغ وعمل الزجاج الملون وتزيين اللبن بالمينا"
.واهتموا كذلك بعلم الفلك وكانوا يراقبون القمر والشمس والنجوم بشكل دقيق وكانوا يقومون بهذه المراقبة من على المعابد الدينية.وفي ضوء علم الفلك قسموا السنة إلى اثني عشر شهرا(ومازالت اسماء الأشهر البابلية تستعمل عند اليهود وكذلك النظام الشمسي-القمري) وقسمواالشهر إلى ثلاثين أو تسعة وعشرين وهذا النظام القمري هو المعمول به إلى اليوم.وقسموا اليوم إلى أربع وعشرين ساعة والساعة إلى ستين دقيقة .وقد وردت اسماء علماء فلكيين في بعض الرسائل البابلية التي عثر عليها.وقد سجلوا حالات كسوف وخسوف بشكل دقيق كما يقول بطليموس.وظل الناس يستفيدون من خبرة البابليين في هذا المجال بعد زوال دولة البابليين إذ نقرأ أن نابو- ريماني (القرن الخامس ق.م؟) وكدينو والكاهن بل أشور(القرن الثالث ق.م) كان اليونانيون يستفيدون منهم في علم الفلك وأطلقوا عليهم أسماء يونانية.فالأول سمي نابوريانوس والثاني سديناس والثالث بيرسوس.ولذلك اختلط على بعض الباحثين أصلهم ونسبوهم إلى اليونان.وعرف عن الكاهن بل أشور أنه كان له حلقة دراسية يدرس فيه طلاباً يونانيين. وبل أشور هو نفسه الذي كتب تاريخا لموطنه بابل ولملوكها باليونانية حيث ذكر في هذا الكتاب الذي وصلتنا منه أجزاء قليلة أن نبوخدنصر بنى الحدائق المعلقة لزوجته أميتس. كما إن بعض علماء الفلك من القرن السادس الميلادي قد اعتمدوا على ملاحظات البابليين في التنبؤ بكسوف الشمس.ويرى الباحث المعروف جان بوتيرو "إن علم الفلك لابد أن يكون قد نشأ عند البابليين وليس في مكان آخر كما يرى البعض".كما ابتكر البابليون الساعة الشمسية وقال المؤرخ اليوناني هيردوتس عن ذلك "إن علم المساحة والساعة الشمسية وتقسيم اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة لم تأت من اليونان أو مصر ولكن من بابل". واهتم البابليون كذلك بالجغرافيا وقد عثر على نصوص تتضمن قوائم لأسماء البلدان والجبال والأنهار والمدن بل وحتى للمسافات بين هذه المدن وهي قضية جداً مفيدة للمؤرخين في العصر الحديث. وكانت هناك مخططات( وليست خرائط بالمعنى الحديث) لبعض المدن وقد اكتشف مخطط لمدينة نيبور وهو يتفق مع مااكتشفه الآثاريون في العصر الحديث.بل لقد عثر على خريطة للعالم كذلك تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد.وكتب على أقصى الشمال "الأرض التي لاترى فيها الشمس أبدا".
واهتموا أيضا بالتاريخ وقد عثر على قوائم تضم اسماء السلالات الملكية وأسماء الملوك وقوائم بأحداث متزامنة وقوائم باسماء الآلهة إلى جانب تسجيل الحملات
العسكرية التي أفادت الباحثين كثيرا ليس في تأريخ الحدث حسب ولكن أيضا في معرفة اسماء الملوك والبلدان الأخرى.واهتموا بالوثائق والحفاظ عليها والإعتناء بها فقد كانت بعض الرسائل المهمة والوثائق توضع في ظروف من الطين وتختم حتى لايعبث بها أو تقرأ من قبل أناس غير مخولين.وكانت توضع بعض الكلمات على الظرف تشير إلى مابداخل الوثيقة أو الرسالة.وقد عثر على عدد كبير من هذه وهي مازالت بأختامها. كما ترك لنا البابليون تراثا أدبيا مهما شعراً ونثرا يأتي على رأسه قصة الخلق وعشتار في العالم السفلي وملحمة جلجامش.وهي واحدة من أهم الملاحم في العصور القديمة.وقد كان من إعجاب الشعوب الأخرىبهذه الملحمة أنهم ترجموها إلى لغاتهم وقد عثر على ترجمتها إلى اللغة الحورية وإلى اللغة الحثية. وفي العصر الحديث ترجمت الملحمة إلى أكثر من لغة على رأسها الإنجليزية.كما اهتم البابليون بتأليف قواميس لغوية كقواميس معاني الأفعال مثلا وقواميس تضم اسماء الأحجار والنباتات والحيوانات والمعادن بل الفوا قواميس لغوية للأضداد والمترادف.
وقد قيل عن البابليين انهم فاقوا في العلوم معاصريهم من الشعوب الأخرى
وأنهم كانوا يعرفون أكثر مماوصلنا منهم.أما عن بابل في عصرها المتأخر فقد وصفهاالمؤرخ اليوناني هيرودتس في عام 460 قبل الميلاد وصف معجب بها ومنبهر ببنائها وبتخطيطها وببوباتها فقال عنها "لا توجد مدينة تشبهها في روعتهافي العالم الذي نعرفه".وكان أشهر هذه البوابات بوابة عشتارالتي زينت واجهتها باللون الأزرق وزينت بعدد من التنانين(رمز للإله مردوخ) وكذلك بعدد من الثيران( رمز الإله أدد).وكانت البوابة موصولة بشارع سماه الباحثون "طريق المواكب" واطلق عليه البابليون إبور شابو(الطريق الذي لايجتازه العدو).وتوجد بوابة عشتار اليوم في متحف برلين وهي تبهر الإنسان بشكلها وروعة بنائها. وذكر جورج روكس في كتابه "العراق القديم" "إن بابل ضمت أكثر من ألف معبد من مختلف المقاسات".بل ذكر بعض المؤرخين اليونانيين أن الإسكندر الأكبر الذي كان في بلاد مابين النهرين ومات فيها أراد أن يجعلها عاصمته العالمية.
www.dirasaatyahudiya.com



#جعفر_هادي_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التغلب على الصهيونية:إنشاء دولة ديمقراطية واحدة على أرض إسرا ...
- بعد المؤرخين الجدد..ظاهرة الروائيين الجدد في إسرائيل
- اسرائيل واستقلال كوسفو
- السر الذي لاتريد اسرائيل ان تكشف عنه:قضية اختفاء -الاف الأطف ...
- جنرالات اسرائيل يترددون في مغادرتها خشية اعتقالهم بتهمة ارتك ...
- دراسة تكشف عن وجود آلاف العسكريين اليهود خدموا في الجيش النا ...
- المهاجرون إلى إسرائيل والتاركون لها
- المسيحيون الصهيونيون ونظرتهم إلى الناس والعالم
- محاولة من القرن السادس عشر لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين
- اوريل داكوستا ومحنته مع الحاخامين من خلال سيرته الذاتية
- البرنامج النووي الإراني موضوع رئيس في مؤتمر هرتزيليا
- منظمة نطوري قارتا ونقدها لإسرائيل والصهيونية
- باكستان وإسرائيل على طريق التطبيع


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جعفر هادي حسن - الاحتفاء بحضارة بابل