أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق - انتصار الميالي - الديمقراطية وبناء الدولة المدنية في العراق















المزيد.....

الديمقراطية وبناء الدولة المدنية في العراق


انتصار الميالي

الحوار المتمدن-العدد: 2468 - 2008 / 11 / 17 - 08:18
المحور: ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
    



ما فتىء مبدأ القيادة يُهيكل تنظيم المجتمعات السياسي طوال قرون. وعلى التلازم، ظلت طاعة الأفراد للسلطان- سلطان الأب والزعيم والأمير والملك- أساس الرباط الاجتماعي الذي يضمن وحدة الجماعة. من جراء هذا، وجد الفرد نفسه محروما من استقلالية حقيقية، فالمجتمعات لم تُتحّ لكل مواطن أمكان أن يصبح حرا وسيدا، أن يحكم نفسه بنفسه، إلا في غضون سيرورة تاريخية طويلة- وهذه السيرورة تتطابق وبزوغ الديمقراطية.
واليوم، وغدا من المسلم به عموما أن الديمقراطية هي المشروع السياسي الذي يتوافق ومشروع مجتمع عدالة وحرية كأحسن ما يكون التوافق. لكن مفهوم الديمقراطية نفسه مازال يكتنفه غموض أساسي. تعني كلمة (ديمو- قراطية)، بحسب معناها الاشتقاقي" حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه".غير أن كلمة ديمقراطية تعني في صور أكثر أساسية، حكما يحترم حريات الكائن الإنساني وحقوقه: حريات كل إنسان وحقوقه وحريات جميع البشر وحقوقهم. هذان المعنيان ليسا متناقضين، لكن لتحقيق الديمقراطية على الشعب أن يعتنق الفريضة الأخلاقية التي تؤسس للمثال الديمقراطي. الديمقراطية رهان على حكمة الشعب، بيد أن حكمة الشعب هذه تواكب الحدث السياسي دوما، إذ يمكن للشعب أن يصير جمهور عوام – وسيطرة الهوى على العوام أسهل بكثير من سيطرة العقل.
في الواقع، ليست الديمقراطية الحقيقية شعبية، بل مواطنية – citoyenne، تتطلع الديمقراطية إلى أن تكون حكم المواطنين أنفسهم بأنفسهم ولأنفسهم. أن المواطنة كل امرأة وكل رجل في المدينة هي التي تؤسس للديمقراطية.وان ممارسة المواطنة هي التي تضفي على حياة الفرد بُعدها العمومي. فالإنسان كائن علائقي أساسا، قادر على الائتلاف مع البشر الآخرين عبر الكلام والعمل. وهو لا يحقق وجوده إلا عبر هذه العلاقة القائمة على الاعتراف والاحترام المتبادلين. وهذا الاعتراف والاحترام يتيحان بناء مجتمع قائم على الحرية والمساواة . ينطوي المثال الديمقراطي على التوزيع " بالتساوي" للسلطة والأموال والمعرفة جميعاً بين المواطنين قاطبة. هذا المثال مثال كامل، لكن سيئته الكبرى تكمن في انه لا يتحقق. ومع ذلك، فهو يدل على اتجاه ويتيح وجود تربية ويخلق دينامية.
في مجتمع مؤلف من ملايين الناس إذا كانت "الديمقراطية المباشرة" قابلة للتصور فكريا، فأنها غير قابلة للتحقق، عند ذاك، فان على المواطنين أن يختاروا ممثلين عنهم يفوضونهم سلطتهم عبر تنظيم انتخابات. غير انه ليست لرأي المواطنين في "ديمقراطية تمثيلية". أهمية تذكر إلا لحظة الانتخابات، وربما الاستفتاءات. فالمجال العام الذي يمارس فيه المواطن حقه في الكلام يختزل إلى مقصورة الاقتراع. إذا كان جوهر الديمقراطية هو القرار العام، فلا شيء إذ ذاك اقل ديمقراطية من مجتمع ليس للمواطن فيه واقعيا من أمكان للقرار سوى في عزلة مقصورة الاقتراع. لا يجوز لنا بالطبع الاستهانة بالدور الحاسم لتنظيم الانتخابات الحرة في مسيرة الشعوب الطويلة نحو تحررها من الطغيان والاستبداد. لكن إذا كانت الانتخابات الحرة اللازمة للديمقراطية فأنها غير كافية لها. فلبناء "ديمقراطية تشاركية" يتعين على المواطنين تنظيم أنفسهم لممارسة" رقابة ديمقراطية" حقيقية على سلطة القرار المخولة لممثليهم المنتخبين.
تدعي الديمقراطية إسناد شرعيتها إلى قانون العدد. إلا أن "قانون العدد" هذا لا يتوافق واحترام الحق. فقانون الأكثرية لا يضمن احترام الفريضة الأخلاقية التي تؤسس للديمقراطية، إذ يمكن لدكتاتورية الكثرة أن تكون أشرس استبدادا من استبداد الفرد الواحد. ماذا ينبغي أن يحدث عندما تتعارض أرادة الجمهور، أي "أرادة الشعب"، مع العدالة وترتضي الطغيان؟ في نظر المواطن الديمقراطي، لا مجال لأي شك، على الفريضة الأخلاقية أن تعلو على أرادة الأكثرية، والحق يجب أن يغلب على العدد. ففي الديمقراطية الحقيقية، احترام الحق ملزم أكثر من احترام الاقتراع العام.
لا يجوز للمواطنة أن تقوم على الانضباط الجماعي للجميع، بل يجب أن تقوم على مسؤولية كل فرد، ومن ثم على استقلاليته الشخصية. يعلمنا التاريخ أن الديمقراطية تهددها، في الأعم الأغلب، طاعة المواطنين العمياء أكثر مما يهددها عصيانهم. يمكن لكل مواطن، بل ويجب عليه، باسم ضميره، أن يعارض قانون الأكثرية عندما تتسبب هذه الأكثرية في إيقاع ظلم مخصوص. كذا فهناك " مواطنة مخالفة" أو انشقاق مواطني يرفض، باسم المثال الديمقراطي، الانصياع لقانون الأكثرية.
عندما يتطلع جميع الأفراد في المجتمع الواحد إلى حكم أنفسهم حكما حرا، مغلبين حقوقهم المشروعة، سرعان ما تظهر النزاعات حتما. فالديمقراطية نزاعية ينبغي إذ ذاك إلا تتدهور النزاعات التي تنشب بين المواطنين إلى مواجهات عنيفة. أن غرض الديمقراطية هو إدارة النزاعات عبر السيطرة على العنف، وأحدى مهماتنا الرئيسية ابتكار مؤسسات لتسوية النزاعات تسوية بناءة عبر مناهج لا عنفية، وبهذا فإن السيطرة الديمقراطية على العنف هي أحدى العناصر الرئيسية لثقافة لا عنفية.
أن ما يضمن الديمقراطية ليس دولة قادرة، بل دولة قانون. فالتهديدات التي تعوق النظام الديمقراطي سببها أولا الأيديولوجيات المرتكزة على التمييز والإقصاء، سواء القومية أو العنصرية أو كره الأجانب أو الأصولية الدينية أو اللبرالية الاقتصادية القائمة حصرا على طلب الربح. إذا ذاك، فإن النهوض بالديمقراطية والدفاع عنها- وهاتان الخطوتان تعزز أحداهما الأخرى، لذا يجب القيام بهما معا- يعنيان أولا مكافحة هذه الأيديولوجيات التي تتكاثر جراثيمها داخل المجتمع وخارجه على حد سواء، إذ هي لا تعرف في الواقع حدودا.
ترتبط جميع الأيديولوجيات اللاديمقراطية بإيديولوجيا العنف، فهي لا تتردد أبدا في إشهار ضرورة العنف ومشروعيته مادام في خدمتها. لذا فان الخطر الذي يواجه الديمقراطية، في المحصلة، هو دوما خطر العنف، وبالتالي، يكون الدفاع عن الديمقراطية دوما كفاحا ضد العنف، وتاليا، ضد الأيديولوجيات الحاملة له.
أن المخاطر التي تهدد الديمقراطية لا تعبر عن نفسها من خلال الأفكار الفاسدة التي يسبب نشرها تفويض مبادىء الديمقراطية وحسب، بل تتجلى، أيضا وخاصة، من خلال تنظيم أعمال تهدف إلى زعزعة استقرار المؤسسات الديمقراطية، وأذن فلا يجوز لمقاومة هذه الأيديولوجيات أن تقتصر على سجال أفكار، بل يجب أن تكون صراعا، وعليه، ينبغي على المواطنين الباقين على وفائهم للديمقراطية أن يستنفروا طاقاتهم ويحتشدوا وينتظموا للمقاومة. غير أن من الضروري، هاهنا أيضا، أن تنسجم وسائل النضال ذودا عن الديمقراطية ومبادئها، أي أن تكون لا عنفية.
لإقامة الديمقراطية، ينبغي الرجوع إلى مبادىء شاملة تعترف بحقوق كل كائن أنساني وبحرياته التي لا يجوز التصرف بها وتضمنُها. لكن مادام بعضهم يرجع، لتأسيس المواطنة، إلى معايير خاصة، سواء العرق أو الايديولوجيا أو الدين، فان الديمقراطية مرذولة سلفاً، لأنه بهذا يختلق انقسامات ومعارضات ونزاعات تنذر جدا بأن تتدهور يوما ما إلى أعمال عنف. المواطنة غير ممكنة إلا بين بشر يقرون، فيما يتعدى جميع اختلافاتهم، بأنهم متساوون وأنداد. في المجتمعات المتعددة الأعراق والثقافات التي أضحت مجتمعاتنا، ليس ثمة ديمقراطية ممكنة إلا إذا توفقنا إلى أيجاد مرجعيات أخلاقية من شأنها أن تؤسس لمواطنة مشتركة. ووحدها الفلسفة تستطيع الإتيان بهذه المرجعيات الأخلاقية المشتركة.كلنا ندرك أن عملية بناء الدولة المدنية في العراق واجهت الكثير من التحديات التي انعكست سلبا على العملية السياسية وكان نتاجها الارباكات الأمنية والتصدعات في النسيج الاجتماعي والبنيان الموحد للمجتمع وغياب العدالة،والقانون،وأي تقدم ملموس على جميع الصعد،الأمن والخدمات،ومحاربة الفساد الإداري،ومعالجة قضايا المهاجرين،وحل العقد في العملية السياسية،ومهام حقيقية تستلزم أن تنطلق الكتل السياسية كافة لتحقيقها موحدة موقفها من مصالح الشعب والوطن بعيدا عن المصالح الضيقة،والانقسامات،والمنافسة الغير شريفة في العملية الانتخابية،هذه وغيرها من القيم التي تشترط البناء السليم لصرح الديمقراطية،معتمدة على المشاركة في السلطة،ومؤمنين بأن الدولة المدنية في ابسط مفاهميها هي دولة القانون والعدالة..



#انتصار_الميالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصر للحب
- الطفولة...ضحية العنف المبررْ للأهل والمجتمع
- كامل شياع بعد 60 يوماً
- قصة قصيرة... الوجهة الاخيرة
- الأرهاب
- المرأة العراقية...بين الإكراه وحرية التصويت في الانتخابات
- حكاية قصيدة
- صباح تموزي في عينيك
- المدرسة...الحيز الوسيط بين الاسرة والمجتمع
- المرأة .....بعيداً عن ثقافة العنف
- همسة في عمق الليل
- لقّاء
- اكتشاف أمرأة
- فنجان قهوة
- بحر عينيك
- محاولة
- الوجع اللذيذ
- تأملات أمرأة
- تهنئة الى الشيخ الذي لا يشيخ( الحزب الشيوعي العراقي ) في ذكر ...
- عاشت الذكرى 56 لتأسيس رابطة المرأة العراقية


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق - انتصار الميالي - الديمقراطية وبناء الدولة المدنية في العراق