أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - انتصار الميالي - قصة قصيرة... الوجهة الاخيرة














المزيد.....

قصة قصيرة... الوجهة الاخيرة


انتصار الميالي

الحوار المتمدن-العدد: 2414 - 2008 / 9 / 24 - 06:28
المحور: الادب والفن
    


كانت تجمعنا سيارة واحدة ، ونسير نحو وجهة واحدة ، كانت تجلس بجواري، هادئة رقيقة الملامح ،شاردة الذهن.
وكان صوت مذياع السيارة يحمل لمسامعنا الكثير، الأخبار والأغاني والإعلانات ، يكسر الصمت القاتل.
وما أن لاحت أمامنا حدود الوطن، حتى ارتسمت ابتسامة هادئة حائرة على وجهها النحيل، اغرورقت عينيها بالدموع.
لكن كبرياؤها كان يمنعها من أن تنهمر على مساحات وجهها.
فتحت نافذة السيارة ، وأغمضت عينيها وهي تحاول أن تملأ جوفها بالهواء، كانت تستنشقه بطريقة مذهلة، حتى امتلأ صدرها بآلاف التنهدات العميقة التي تكاد أن تتفجر في أعماقها.
كم أدهشني ذلك الإحساس المرسوم على ملامح وجهها مرة باللهفة والحنين وأخرى ممزوجا بدموع الفرح والحزن معاً.
وجه نحيل، وجسد أنثوي مليء بالبراءة، وشفاه مبتلة بالفرح والحزن معاً.
بدأ القلق يملأ عينيها الصغيرتين..
فيما كسرت حاجز الصمت بسؤال انبرى من شفتيها وهي تدير بنظرها نحوي،
كم بقي من الوقت ونصل إلى بغداد...؟
لقد أذهلني ذلك الارتجاف في شفتيها المتسائلة ، لم أتمكن من النطق، لقد تصلب لساني.
شيئا ما جمد أوصالي وأنا أرى ذلك اللهف والقلق المخيف في عينيها.
فيما بقيت هي تنتظر إجابتي.
كانت تنظر في عيني ، كانت تقلقني تلك النظرة التي سرقت مني صوتي.
فيما أجابها صوت امرأة عجوز كانت تجلس أمامنا:
لم يبقى الكثير يا ابنتي ،أننا نقترب من بغداد...لا تخافي الطريق أمنة.
وبلهفة اكبر سألت مرة أخرى: كم تبقى من الوقت؟
أجبتها: نعم.. لقد تمكنت أن أتفوه أخيرا، وأجبتها دون أن اشعر...ساعتان لا أكثر.
وأدارت وجهها نحو نافذة السيارة وهي تتمتم بشيء ما.
كان وجهها يتلون بألوان كثيرة تارة يحمر وتملئه ابتسامة ترتسم على شفتيها وعينيها،
وأخرى تراه يزداد شحوبا وقلقا.
أدهشني ذلك المزيج من الألوان الذي يرتسم على ملامح وجهها البريء.
في أعماقي تثار التساؤلات ويزداد الفضول......
لم اعتد أن أكون فضوليا يوما ما..
سؤال وسؤال يدوران في رأسي،أنا نفسي لا اعرف لماذا؟؟؟؟
إلى أين تتوجه؟

من ينتظرها هناك؟
ولماذا كل هذه الألوان المتغيرة التي تغطي ملامح وجهها.
وفجأة...
قطع أفكاري صوت شرطي المفرزة وهو يحدثني: هويتك أخي؟؟
أدركت حينها أننا نقترب من مداخل بغداد.
وثمة شيء يتولد في أعماقي، يتمنى أن لا نصل، إن لا تنتهي رحلتنا، إن لا تغيب ملامحها عن ناظري.
كنت أتمنى إن تطول المسافة ، أن نعود لرحلتنا منذ البداية.
هانحن نصل إلى وسط العاصمة.
ابتسمت وهمست هذه ساحة التحرير، نعم أنا في بغداد ألان.
أجبتها : نعم لقد وصلنا، وأنا احترق في أعماقي، هناك ما يدفعني للجنون بأن امنع رحلتنا من الوقوف.
وعندما وصلنا ساحة كهرمانة، قالت للسائق أرجوك أنزلني هنا.
وتوقفت السيارة..
نزلت...كانت مرتبكة، فرحة، قلقة، شاحبة، جميلة، كانت مزيجا غريبا يتكون في عيني.
لم امنع نفسي من النزول معها، كنت أتصيد الحجج كي اتبعها، كي اعرف وجهتها، ساعدتها في حمل حقائبها...
وسرنا قليلاً..كنت أتوق لمعرفة مكان سكنها. وأين تعيش؟
لم نتحدث سوى ببعض الجمل القليلة.
قالت وكأنها تتحدث إلى نفسها :انك جميلة مهما حدث ستبقين جميلة.
كانت تتحدث إلى بغداد، كانت تتمتم بأشياء وأشياء.
أجبتها : نعم أنها جميلة بما فيها وبما تحمله من ألوان مختلفة، حتى دخان الانفجارات كان يزيد ها جمالاً.
كانت هناك فسحة من الأمل لأتعرف إليها أكثر،لكنني خشيت أن افقدها، لا اعرف سببا لما أفعله؟
لكنني أدرك أن شعورا تولد في أعماقي وهو يركض خلفها، يتبعها.
وأخيرا.
توقفت، والتفتت نحوي قائلة، شكراً لقد وصلت إلى المكان الذي أريد، يمكنك أن تذهب،
كان صوتها ممزوجا بالألم وهي تشكرني وتودعني.
لم نتعرف على بعضنا، حتى أننا لم نتبادل الأسماء.
لم أشأ أن ارحل بعيداً...
بقيت أراقبها من بعيد، تحت ظل شجرة.
وهي اختارت أن تجلس تحت افياء شجرة أخرى.
لم يكن هناك من ينتظرها.
كانت تنظر يمينا وشمالا والى ساعتها بين الحين والأخر.
وانحنت لتفتح حقيبتها الكبيرة، وأخرجت شيئا مغلفا ينم عن ذوق رفيع في اختيار الألوان والأشرطة التي غلفته.
كانت تنظر إلى ذلك المغلف كأنه هدية للذي تنتظره ..؟
وضعتها في حجرها وهي تداعب أشرطتها الملونة بأناملها الصغيرة المرتجفة.
لقد انتظرت لساعات ولم يأتي إليها احد.
لم تبالي بأشعة الشمس وهي تلفح وجهها،ولا بصوت الطائرات الأمريكية التي تملأ سماء بغداد، ولا بنظرات المارة وهم يرمقونها.
وفجأة لمحتها ترفع رأسها للسماء وهي تغمض عينيها، وتبكي وتتنهد وتختنق ألاف الحسرات في أعماقها.
زمت شفتيها، ومسحت سيل الدموع من فوق خديها،
وأخفت عينيها خلف نظارتها السوداء.
وأعادت ذلك المغلف ليستقر في حقيبتها.
ونفضت ملابسها،ولملمت أشلائها وبقايا كبرياؤها،وحملت حقائبها واستدارت تغادر المكان،
وظل السؤال يدور ويدور في رأسي:
من كانت تنتظر؟
ولماذا لم يأتي إليها؟
من يكون..؟ هل هو رجل أم امرأة..؟
وهل ستعود إلى هذا المكان، وهل سأراها مرة أخرى.
أسئلة.....وأسئلة......وأسئلة
لم أصحو منها إلا وقد اختفى طيفها بين مساحات المكان دون إن اعرف وجهتها الأخيرة.



#انتصار_الميالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرهاب
- المرأة العراقية...بين الإكراه وحرية التصويت في الانتخابات
- حكاية قصيدة
- صباح تموزي في عينيك
- المدرسة...الحيز الوسيط بين الاسرة والمجتمع
- المرأة .....بعيداً عن ثقافة العنف
- همسة في عمق الليل
- لقّاء
- اكتشاف أمرأة
- فنجان قهوة
- بحر عينيك
- محاولة
- الوجع اللذيذ
- تأملات أمرأة
- تهنئة الى الشيخ الذي لا يشيخ( الحزب الشيوعي العراقي ) في ذكر ...
- عاشت الذكرى 56 لتأسيس رابطة المرأة العراقية
- إلى الرجل الذي أنتظرته أن يهنئني في عيديَ الآذاري
- في عيدها الاذاري لاأدري أي شيء اهديها غير الاماني تلو الامان ...
- عاش الثامن من اذار رمزاً للتضامن ووحدة الحركة النسائية من اج ...


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - انتصار الميالي - قصة قصيرة... الوجهة الاخيرة