أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - القرآن دستورهم















المزيد.....

القرآن دستورهم


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2461 - 2008 / 11 / 10 - 09:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدساتير في البلاد العربية، مثل رمالها، لا تثبت لأكثر من عقد من الزمان. فالرمال تغيرها الرياح والدساتير يغيرها الرئيس لتتناسب ومتطلباته أو متطلبات عائلته. وهناك بلاد عربية دساتيرها لا تحدد الفترة الرئاسية التي لا يجوز للرئيس بعدها ترشيح نفسه، كما يحدث في الديمقراطيات الغربية. وحتى إن ملّ الرئيس من الرئاسة، تطالب الجماهير بترشيحه مرة أخرى، كما حدث في اليمن، عندما أشاع الرئيس علي عبد الله صالح أنه لا ينوي الترشيح لفترة رئاسية أخرى، فنظّم الحزب الحاكم مظاهرات ضخمة طالبت بترشيح الرئيس لفترة خامسة وربما سادسة. وقريباً سوف نرى مظاهرات تطالب بتوريث ابنه الحكم. وبعض البلاد تفصّل الدستور على مقاس الرئيس، فمثلاً في سوريا كان الدستور القديم يحدد ألا يقل عمر الرئيس عن أربعين عاماً، وعندما أرادوا اختيار بشار الأسد ليرث الحكم من والده، عدلوا الدستور ليسمح له بالترشيح وهو لم يكن قد بلغ الأربعين وقتها. وفي الجزائر تجري الآن التحضيرات لتغيير الدستور حتى يستطيع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشيح لفترة رئاسية ثالثة وربما رابعة، وهناك الدساتير التي تسمح للرئيس أن يكون رئيساً مدى الحياة مع إجراء انتخابات صورية من وقت لآخر، مثل مصر وتونس. ولا ننسى البلاد التي يصبح دستورها كتاباً يؤلفه رئيسها مثل ليبيا وكتابها الأخضر، وفي بعض بلادنا يركب ضابط من الجيش دبابته ويعلن نفسه رئيساً ويلغي الدستور الذي لا فائدة منه أصلاً. وهناك طبعاً البلاد العربية التي لا تعرف الدساتير إطلاقاً مثل دول الخليج. وما دام الأمر كذلك فلماذا لا نترك الإسلاميين يخدعونا بدستورهم الإسلامي؟ السبب طبعاً هو أن الإسلاميين يزعمون أن المسلم لا يكذب، ويقولون لنا: من غشنا ليس منا. فهل قرآنهم دستور، كما يزعمون أم هو غش؟
مع بداية ما يُسمى بالصحوة الدينية في الثمانينات من القرن المنصرم كنتيجة حتمية لتدفق البترودولارات الوهابية في المنطقة، تبنى الإسلاميون شعار "دستورنا القرآن" ليخدعوا به العامة من الناس. وهم يزعمون أن القرآن هو الدستور العام، والسنة النبوية هي القوانين التي تشرح وتكمّل الدستور. ولكن القاريء للقرآن يعلم أن القرآن لا يحتوي على أي شيء يمكن أن نسميه دستوراً، ولذلك اعتمد الفقهاء على مرتزقة الإسلام (أهل الحديث) ليفصلوا لهم أحاديث يمكنهم أن يسموها دستوراً. والمشكلة الرئيسية في هذا الدستور أنه جامد لا يتغير ليجاري العصر لأن أهل الحديث كلهم قد ماتوا، ولا يُضاف إليه لأن كل إضافة بدعة وكل بدعة في النار. وعليه يصبح دستورهم ممثلاً للجانب الآخر من عملة الدساتير العربية. فيبدو أننا لا نعرف الوسطية، فأما دساتير نغيرها بدون ضوابط، ونلغيها متى ما شاء الضباط الأحرار، وإما دستور جامد كالصخر لا تعديل فيه.
وسوف أناقش هنا مادة واحدة من هذا الدستور المزعوم، وهي التي تخص السرقة. السرقة طبعاً ممارسة غير أخلاقية يقوم السارق بموجبها بالاستيلاء على مجهود الآخرين الذين كدحوا وكدوا لجمع المال أو لاقتناء شيء ثمين، فيأتي السارق ويأخذ ما عمل الآخرون على جمعه. وللسرقة أنواع، منها ما يحدث في الخفاء، ومنها السرقة المدعومة بقوة السلاح وهي ما تعارف العرب على تسميتها بالنهب أو قطع الطريق. وهناك السرقة بالاحتيال.
وللسرقة أسباب عديدة يجب أن يأخذها المشرعون في الاعتبار عندما يصوغون القوانين، منها الحاجة وعدم مقدرة السارق على توفير الغذاء أو ضروريات الحياة لنفسه أو لأهله. وهناك من يسرق لأنه مدمن على المخدرات، مثلاً، ولا يستطيع شراءها من مجهوده الفردي. وهناك من يسرق لأنه كسول ويبغض العمل ويستطيع أن يسرق ليأكل. وبعض السارقين، خاصة موظفي البنوك يدفعهم الجشع للسرقة. وهناك حالات نادرة تكون السرقة فيها مرضاً نفسياً يُسمى كليبتومانيا kleptomania. ولا يختلف اثنان بأن السارق يجب أن يُردع بالعقاب، ولكن كل القوانين الوضعية الحديثة تستثني المرضى النفسيين من العقاب لأنهم مرضى ويحتاجون العلاج. وبقية السارقين قد يسجنون أو تحكم عليهم المحاكم بالعمل لعدة أيام أو أسابيع في المجال الاجتماعي في نفس المدينة Community service إذا كان الشيء المسروق ذا قيمة بسيطة أو للسارق ظروف خاصة جعلته يرتكب الجريمة. أما السارق الذي يستعمل السلاح فعادةً يُسجن لسنوات طويلة.
عرب ما قبل الإسلام لم يفرّقوا بين أنواع السرقات أو كمية المسروق وحكموا، في الغالب، على السارق بقطع اليد. ويقال إن الوليد بن المغيرة كان أول من ابتدأ القطع. وجاء الإسلام وتبنى محمد هذا العقاب للسارق، وقال في القرآن (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم) (المائدة 38). والنكال هو معاقبة الشخص بعقاب صارم يكون عبرةً لغيرة. وربما أنه من باب المصادفة أن تكون آية السرقة في سورة المائدة لأن أغلب الذين يسرقون يفعلون ذلك ليوفروا قوتاً لهم ولأطفالهم، وذلك القوت نستحضره في مخيلتنا عندما نسمع كلمة "المائدة".
ولأن الأحاديث التي يعتمد عليها دستورهم أغلبها غير متفق عليه من كل المذاهب، يصبح الاعتماد على المذهب الذي يتبعه القاضي مهماً للغاية في تطبيق هذا الدستور. فالأحاديث التي يعتمدها مذهبٌ ما، يكذبها ويضعّفها مذهب آخر. ولأن أهل الحديث اعتمدوا على السند دون المتن، يصبح تفسير المتن هو العامل الرئيسي في فهم ذلك الدستور. ولكن عندما ألغت المحكمة الدستورية في تركيا في الأسابيع القليلة الماضية القانون الذي أجازته حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، والذي سمح للطالبات بارتداء الحجاب في الحرم الجامعي، قال السيد رجب أردوغان، رئيس الوزراء في مؤتمر صحافي: (ينبغي ان اقول علنا ان المحكمة الدستورية ليست فوق الدستور ووفقا لدستورنا فان الحقوق والحريات الاساسية تتحدد وفقا للقانون وليس بالتفسيرات.) (الشرق الأوسط 24/10/2008) انتهى. وشبه جملة (ليس بالتفسيرات) هي بيت القصيد. فهل يمكن أن نطبق الدستور القرآني المزعوم بدون تفسيرات، كما طالب السيد أوردوغان؟ دعونا نرى إمكانية ذلك في الفقرات التالية.
قالوا إن أول رجلٍ قطعه محمد في الإسلام كان الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأول امرأة قُطعت كانت مُرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزرم. ولم يذكر لنا المفسرون الأشياء التي سرقها الخيار أو التي سرقتها مرة فأدت إلى قطعهما. وظاهر الآية لا يفرّق بين السارقين إطلاقاً، فالحكم عام ويقطع يد من سرق دجاجة أو سرق بعيراً، و يساوي بين مجرم متمرس ومريض نفسي. ولكن أهل الحديث (مرتزقة الإسلام) أتوا بحديث عن محمد يقول (لا تُقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا) (أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة)
وهذا هو الرأي الأول. فقد قال عمر بن عبد العزيز والليث والشافعي ومالك: تقطع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم (يعني أن الدينار به اثنا عشر درهما). ولذلك قالوا: إذا سرق درهمين، وهو ربع الدينار نسبةً لانحطاط الصرف (أي صار الدينار يساوي ثمانية دراهم نسبةً للتضخم في الأسعار) لا تقطع يده. فإذاً القطع محدد بثلاثة دراهم ، سواء ارتفع الصرف أو نزل بالنسبة للدينار. فالقانون الإسلامي لا يأخذ تضخم الأسعار inflation في الحسبان. ولكن لأننا لا نتعامل بالدينار الآن، وبما أن قيمة الدينار في ذلك الزمان غير معروفة لنا الآن، نجد أن فقهاء اليوم لا يتفقون على قيمة الدراهم الثلاثة التي تؤدي إلى القطع. هذا بالنسبة للعملة المعدنية، أما بالنسبة للعروض، أي ما هو غير عملة كالبضائع أو المجوهرات، فلا يٌقطع السارق إلا إذا بلغت قيمة المسروق ثلاثة دراهم، مهما كانت قيمة الصرف. وقد يكون هذا مفهوماً حتى نأتي إلى التطبيق. يقول القرطبي إن رجلاً سرق مِجَنّاً (المجن هو ما يُحتمى به من السلاح مثل الدرقة) فقطع النبي يده. ولكن المشكلة تأتي في تقييم ذلك المجن إذ أنه لم يكن عملة معدنية ولا ذهباً. ولا نعرف إن كان جديداً أو قديماً متهالكاً. أبن عمر قال إن المجن قُيّمه محمد بثلاثة دراهم، وابن عباس قال بعشرة دراهم بينما قال أنس بن مالك إن قيمته كانت خمسة دراهم. فيبدو أن التخمين هنا كان سيد الموقف ولم يعرف أي منهم بكم قيُّم ذلك المجن الذي من أجله قطع محمد يد ذلك الرجل.
أما الرأي الثاني فيتزعمه أبو حنيفة الذي قال لا تقطع يد السارق إلا في عشرة دراهم كيلاً أو دينار ذهباً وزناً. وحجة أبي حنيفة أن ابن عباس قال إن المجن كانت قيمته عشرة دراهم. والرأي الثالث قال به الدارقطني الذي قال عن عمر: "لا تُقطع الخمس إلا في خمس" وأيده أنس بن مالك الذي قال قطع أبوبكر في مجن قيمته خمسة دراهم (يبدو أن أهل المدينة كانوا مغرمين بسرقة المجن لأن النبي قطع به وكذلك أبو بكر). والرأي الرابع أتى به أبو هريرة وأبو سعيد الخضري إذ قالا تقطع اليد في أربعة دراهم فصاعداً.
والرأي الخامس قال به عثمان البتي الذي قال: إن اليد تُقطع في درهم واحد فما فوقه. وقال الطبري إن عبد الله بن الزبير قطع في درهم واحد. والقول السادس أن اليد تُقطع في كل ماله قيمة، وهذا قول الخوارج عن حسن البصري. أما قتادة فقال: تذاكرنا القطع في كم يكون على عهد زياد فاتفق رأينا على درهمين، وهذا هو الرأي السابع. وطبعاً لا يمكن أن نتحدث عن أي حكم شرعي دون أن نذكر البخاري ومسلم، فقد قالا عن أبي هريرة إنه قال: قال رسول الله "لعن الله السارق يسرق البيضة فتُقطع يده ويسرق الحبل فتُقطع يده". فهذا هو الرأي الثامن. ويتضح لنا هنا أن القانون الإسلامي مائع ميوعة الزئبق، فيقطع السارق في بيضة أو في درهم أو في درهمين أو ثلاثة دراهم أو أربعة أو خمسة أو عشرة أو بعير أو حتى سيارة. ويكون السارق تحت رحمة صاحب المذهب الذي يتبعه القاضي الذي يحاكمه. فالقانون هنا يعتمد كلياً على التفسيرات التي رفضها السيد أوردغان.
ورغم كل هذا الاختلاف يقول أهل الشرع إن الجمهور قد اتفق على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج الشيء المسروق من الحرز. والحرز هو الخزينة أو الدولاب أو المبنى وكل ما يُحفظ فيه المال ويكون عليه قفل. أما الحسن البصري وأهل الظاهر فلم يشترطوا الحرز.
وهنا يظهر اختلاف الفقهاء جلياً. فماذا يحدث إذا اجتمع أكثر من واحد واشتركوا في إخراج المال من حرزه كما يحدث هذه الأيام عندما تسرق العصابات من البنوك؟ قالوا: إذا اجتمع جماعة فاشتركوا في إخراج نصاب من حرزه (ولاحظ قولهم "نصاب" وهم لم يتفقوا على قيمة النصاب)، فلا يخلو إما أن يكون بعضهم ممن يقدر على إخراجه منفرداً أو بتعاونهم جميعاً. فإذا كان منهم من يستطيع إخراج الحرز بنفسه، اختلف الفقهاء فيه على قولين: الأول أنه يُقطع فيه والثاني: لا يقطع فيه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وعليه إذا استطاع واحد من أفراد العصابة إخراج المال من حرزه، قال بعضهم يُقطع وقال البعض الآخر لا يُقطع. أما إذا كان لا يمكن إخراجه إلا بتعاونهم جميعاً، فإنه يُقطع جميعهم بالاتفاق من العلماء. وتغيب عنا الحكمة في هذا القانون.
وقالوا إن اشتركوا في السرقة بأن نقب (حفر أو ثقب) أحدهم الحرز وأخرج الآخر المال، فإن كانا متعاونين قُطعا معاً، وإن انفرد كل منهما بفعله دون اتفاق بينهما فلا يقطع أي منهما (القرطبي، تفسير آية السارق والسارقة). وهذا يعني إذا ثقب كل واحد منهما من جهة وأخذا المال دون أي اتفاق بينهما، لا يُقطع أي منهما. وسبب عدم القطع هنا هو أن كل واحد من السارقين يجد الحرز مثقوباً بواسطة اللص الآخر، وبالتالي لم يعد الحرز أميناً. ولكن إذا تعاونا في ثقب الحيط أو الخزينة وأخرج المال واحد منهما، فيقطع الذي أخرج المال. ولكن المشكلة ليست بهذه السهولة، فقد قال الشافعي لا قطع على أي منهما لأن أحدهما نقب ولم يسرق والآخر سرق من حرز مهتوك الحرمة، أي مثقوب، وبالتالي لم يعد المال في حرز.
وتزيد المشكلة تعقيداً: فلو دخل أحدهما بعد أن ثقبا الجدار وأخرج المتاع إلى باب البيت أو الحرز، وأدخل الآخر يده وأخذه، فعليه القطع لأنه أخرج المال من الحرز، ويُجلد الأول الذي نقب الحرز لكنه لم يخرج المال منه. وقال أشهب: يقطعان معاً. ولكن إن دخل أحدهما بعد الثقب وأخذ المتاع ووضعه خارج الحرز وأخذه الثاني، يُقطع الأول فقط لأن الثاني لم يأخذ المال من حرزه. ولكن إذا دخل الأول وأخرج المال ووضعه في الثقب فأخذه الثاني والتقت أيديهما في النقب، يقطعا جميعاً.
والمشكلة هنا طبعاً تكون في المحكمة، من الذي سوف يُثبت أن أيديهما التقتا في الثقب؟ لو قال الأول إنهما التقتا وأنكر الآخر، أليست البينة على المدعي وعليه إحضار شاهدين عدلين؟ فمن أين يأتي السارق بالشهود؟
ولا تنتهي المسائل هنا، فشيوخ الإسلام الذين اتخذوا من الحديث والتنقيب فيه صناعة تفوق صناعة التنقيب عن البترول، ناقشوا نبش القبور واختلفوا كالعادة، هل هو سرقة أم لا. فقالوا إن القبر حرز فيقطع النابش، ولكن أبا حنيفة قال لا قطع عليه لأنه سرق من غير حرز، ما هو معرّض للتلف (يعني الكفن) ولا مالك له لأن الميت لا يملك. أما عندما تحدثوا عن المسجد اتفقوا على أن من يسرق حصير المسجد، حتى إن لم يكن للمسجد باب، يُقطع. غير أن أبا القاسم قال: إذا كانت السرقة نهاراً فلا يُقطع لأن السرقة لابد أن تكون في غياب الأعين، ويحدث ذلك ليلاً في الظلام. ولكن سحنون قال إذا كانت الحصر بالمسجد خيط بعضها إلى بعض يُقطع السارق وإلا لا يقطع إذا كانت منفردة (يعني الذي سرق حصيراً واحداً أو كل الحصائر، وهي لم تكن مخيطة إلى بعضها، لا يُقطع، أما إذا كانت الحصائر مخيطة مع بعضها وسرقها جميعاً، يُقطع). وقال أشهب: لا قطع أبداً في شيء من حصر المسجد. فما هو إذاً حكم من سرق حصيراً واحداً من المسجد؟ لا أحد يعلم.
وشروط السارق الذي يجب عليه القطع هي: البلوغ والعقل وان يكون غير مالك للمسروق وألا يكون له عليه ولاية. وعليه لا يُقطع العبد إذا سرق من سيده لأنه غير حر ولا يُقطع السيد إذا سرق من عبده لأن العبد وماله ملك للسيد. ولا يقطع الأب بالسرقة من ابنه لأن الأبن تحت ولاية الأب، لكن يُقطع الابن إذا سرق من والده. ولا قطع على من سرق من ذي المحارم مثل العمة أو الخالة أو الأخت وهو قول الثوري، ولكن مالك والشافعي قالا يُقطع.
ومن المضحك تعريفهم للمسروق بأن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والأعجمي الكبير. ولكن مالا تصح سرقته لا يٌقطع فيه، مثل العبد الفصيح. فالذي يسرق عبداً فصيحاً لا يُقطع بينما الذي يسرق أعجمياً كبيراً لا يعرف العربية يُقطع.
وبعد كل هذا الجدال في الصغائر اتفق الفقهاء أن الذي يسرق من بيت المال لا يُقطع لأنه يملك جزءاً من ذلك المال. ولذلك عندما سرق أبو هريرة من بيت مال البحرين لم يقطعه عمر، وعندما سرق ابن عباس من بيت مال البصرة لم يقطعه علي بن أبي طالب، ربما لأنه هرب إلى مكة التي كانت وقتها قد خرجت من إدارة عليّ، و لكنه لم يصدر حكماً بقطعه. وبنفس المستوى إذا سرق موظف البنك ملايين الدولارات من البنك الذي يعمل به فلا يُقطع لأنه لا يأخذ المال عينة ويخرج به من حرزه وإنما يختلسه عن طريق كتابة شيكات أو تحويل مبالغ من المال إلى حسابه الخاص دون أن يدخل إلى الحرز.
فدستور القرآن يجيز قطع يد من يسرق بيضة ليطعم نفسه لكنه لا يعاقب من يسرق الملايين من المال العام أو من مال زبائن البنوك. فإذا طبقنا دستور الإسلاميين الذي هو القرآن، وقوانينهم من السنة المليئة بالثقوب كالجبنة السويسرية، وقدمنا سارقاً إلى المحكمة فإن القاضي يجد أمامه عشرة آراء مختلفة وعليه أن يختار واحداً منها حسب تفسيره للقانون، وتصبح العدالة كلعبة الروليت الروسية. فربما يحكم أحد القضاة بقطع من سرق حبلاً بينما لا يقطع قاضي آخر من سرق تسعة دراهم لأن ابن عباس قال إن قيمة المجن كانت عشرة دراهم ولذلك لا يُقطع من سرق أقل من عشرة دراهم. فهل هذا الدستور يفي بالشرط الذي قاله السيد أوردغان عندما قال (ووفقا لدستورنا فان الحقوق والحريات الاساسية تتحدد وفقا للقانون وليس بالتفسيرات.)؟
وهل يمكن أن نحكم بلداً في القرن الحادي والعشرين بقوانين وضعها رجال في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، ويصر الإسلاميون على الحفاظ عليها دون أي تعديل لأنها من الثوابت؟ أليس من الأفضل أن نكون مثل ليبيا التي يحكمها الكتاب الأخضر؟ الدين طقوس القصد منها عبادة الإله ولا دخل له في تصريف شؤون الناس، ولهذا السبب يطالب الناس بفصل الدين عن الدولة، لأن رجال الدين يعتمدون على النقل بينما القوانين تعتمد على العقل وتستدعي التجديد من وقت لآخر، ورجال الدين يحاربون التجديد. ورجال الدين يخدعوننا عندما يقولون لنا إن القرآن دستورهم، لأن الدستور لابد أن يكون مكتوباً بلغة واضحة لا تقبل التأويل والتفسيرات الخرافية ولا بد أن تكون الجرائم معرّفة بوضوح وكذلك درجات العقاب المحتمل.. ومن غشنا ليس منا.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدعاء الصلاحية لكل زمانٍ ومكانٍ
- هذا ما فعله بنا الإسلام
- الذين يفسرون القرآن بالفهلوة
- الغيب الذي غيّب عقول المسلمين
- لا ملكية فكرية على الإسلام
- تشريح صورة القيامة
- أيهما أعظم عند المسلم... الله أم محمد؟
- عندما تسرح وتمرح ديناصورات الوهابية
- القرآن والسحاب والمطر
- لو كان من عند غير الله
- تخبط القرآن في خلق الإنسان
- ما وجدنا عليه آباءنا
- نقابة أطباء مصر تتنكر لأبوقراط
- قصص القرآن من صنع الإنسان
- نازية وزارة الصحة المصرية
- موقف اليهودية والإسلام من الأطفال
- حوار الأديان السماوية في شبه الجزيرة الآبيرية
- أيمكن أن يكون عيسى ابن الله؟
- الإسلام والرعب
- أسلوب قصص الأطفال في شرح القرآن


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - القرآن دستورهم