أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صالح سليمان عبدالعظيم - ثقافة -الإيمو-














المزيد.....

ثقافة -الإيمو-


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 2450 - 2008 / 10 / 30 - 01:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


انزعجت السيدة العربية من وجود كلمة "إيمو" المكتوبة على ذراع ابنتها، وتخيلت أن الاسم لحبيب لها. وهو الأمر الذي أشعل غضبها، وأثار حنقها. لم تكن الكتابة بالقلم، لكنها كانت بآلة حادة خلفت وراءها جروحا غائرة وبقايا دماء متخثرة. وبعد شد وجذب وعراك بين الأم وابنتها بينت الفتاة المراهقة أن الإيمو مجرد نمط حياة، "ستايل" جديد يتبناه المراهقون ويتعايشون معه. وأنها لم تحب أحدا بعد، ولم تقع في شباك مراهق آخر. كان على الأم التعسة أن تهدأ وأن تحاول أن تفهم ما لم تفهمه، وتدرك تلك التحولات التي أصابت ابنتها، بل أصابت الكثيرين ممن هم في مثل عمرها.
الإيمو ثقافة فرعية ضد ثقافة الجماعة المتعارف عليها، ترتبط بالمراهقين دون سن السابعة عشر. وتفرعت ثقافة الإيمو من موسيقى البانك الأكثر انتشارا في بريطانيا، والتي ترتبط بالأساس بأشكال موسيقية صاخبة وحزينة ومضادة للمتعارف عليه من الكلمات والألحان. كما أنها ترتبط أيضا بموسيقى الروك والميتال البالغة الصخب. وكما تعني كلمة البانك في أصولها اللغوية المواجهة والمعاداة لثقافة الجماعية السائدة، فإن الإيمو تمثل نوعا من الانسحاب والعزلة عن السياق العام المحيط وعدم التعامل معه. فالإيمو حالة تمرد بالسلب على الآخرين والانسحاب عنهم، تظهر سماتها من خلال ممارسات كثيرة ومتعددة.
أولى الجوانب المرتبطة بثقافة الإيمو ما يتعلق بالمظهر. فالإيمو غريبوا الشكل، يرتدون الملابس القاتمة السوداء. سروايل ضيقة جدا، يكاد المرء يرى من خلالها تفاصيل أجسامهم، أو فضفاضة جدا لا يمكن من خلالها التعرف على ملامحهم الجسدية. وهم يفضلون الشعر الأسود الداكن جدا أو الأحمر اللون. ويميل ذكور الإيمو إلى قلب شعرهم إلى الأمام الأمر الذي يغطي تقريبا نصف وجوههم. وتميل فتيات الإيمو إلى وضع الكحل بكثافة حول منطقة العينين، الأمر الذي لا ندري معه المساحة الحقيقية للعين، إضافة إلى وضع المساحيق الكثيفة والداكنة التي تحيلهم إلى حالة من التوحش الساكن والمريب. وغالبا ما يرتدي الإيمو كل ما هو غريب من أشكال الزي التي تتعارض في الغالب الأعم مع السائد والمتعارف عليه من أشكال الزي التي يرتديها الأفراد العاديون. وربما لا يغيب عن الذهن هنا ما نراه من أشكال غريبة تتعلق بارتداء الجينز هذه الأيام، إلى الحد الذي يشعر فيه المرء في بعض الأحيان أن السروايل الجينز سوف تسقط ممن يرتدونها، ناهيك عن تلك المشاهد الشاذة المتعلقة بإبراز الملابس الداخلية لكلا الجنسين.
لا يتعلق الأمر فقط بارتداء تلك الملابس الغريبة التي تلفت النظر بدرجة أو بأخرى، لكنها تتعدي ذلك إلى الكيفية التي يتعامل بها الإيمو مع جسده وملامحه. ففي ظل الرغبة في الانسحاب من الثقافة العامة المحيطة، لا يجد الإيمو سوى جسده كفضاء ذاتي يمكنه أن يتعامل معه كما يحب وكما يريد. من هنا تظهر ثقافة الوشم التي أصبحت سائدة بدرجة كبيرة بين الكثير من المراهقين والشباب على السواء. كما تنتشر تلك الثقافة المتعلقة بوضع حلقات معدنية في الشفتين أو الأذنين، إضافة إلى العديد من مناطق الجسم الأخرى. يتحول الوجه إلى ساحة من المعادن المختلفة التي تخترق الجلد، وتشتبك مع تفاصيله لتخلق حالة بشرية جديدة تستدعي التأمل والتفكير.
لا يخفي هنا الطابع الحساس للمراهقين، فهم عرضة لكافة التحولات البيولوجية والفكرية المختلفة، كما أنهم أكثر فئات المجتمع تأثرا بتحولاته المختلفة، فكل ما يحدث في الواقع الاجتماعي المحيط سواء أكان أسريا أو مدرسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو حتى سياسيا ينعكس عليهم بدرجة أو بأخرى. ورغم الاهتمام الكبير الذي توليه المؤسسات المعنية بالمراهقين، إلا أنه من الواضح أن المجتمعات العربية مازالت تهمل مسألة التعامل مع المراهقين واحتياجاتهم المعنوية والمادية المختلفة.
فحساسية المراهقين تدفعهم للارتماء في أية تيارات جديدة محيطة بهم سواء أكانت محلية أو وافدة. تبدو ثقافة الإيمو الوافدة وارتباط المراهقين المتزايدة بهم، تعبيرا عن خلل مجتمعي كبير وفادح، إن دل على شيء فإنه يدل على عدم وجود مشروعات حقيقية يمكن أن تجذب هؤلاء المراهقين لها، بما فيها المشروعات الدينية المختلفة.
لا يجب التعامل مع هذه الصرعات بمنطق الحلال والحرام، كما لا يجب التعامل مع هؤلاء المراهقين من موقف الزجر والنهي والامتهان. فالمنطق الوحيد يكمن خلف التقرب منهم، وفهم وجهات نظرهم، والوعي بما يرتمون في أحضانه من أفكار جديدة وصرعات غريبة حتى يمكن مواجهتها والتعامل معها.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -عايزة أتجوز-
- عبء التاريخ
- صورة الذات
- المعنى العميق للثقافة
- المعارك الصحفية في عالمنا العربي
- حالة القوات العسكرية الأمريكية اليوم
- آليات العزل وحكايات الكلب الأجرب!!
- سيناريو انهيار الأقصى
- التمييز العنصري ضد المسلمين في أمريكا
- بنية التواطؤ
- الاتساق الفكري
- أحوال مصرية
- عالم بدون إسلام
- مُعضلة التدين في العالم العربي
- تقرير حالة السكان العالمي 2007 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة ...
- -جَوْجَلة- المعرفة
- نحو سلام واقعي
- أزمة علم الاجتماع في العالم العربي
- الأغنية العربية المعاصرة
- -الحرية والخوف- التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية 2007


المزيد.....




- الناشط الفلسطيني محسن مهداوي يوجه رسالة قوية لترامب وإدارته ...
- -تيم لاب- في أبوظبي.. افتتاح تجربة حسيّة تتجاوز حدود الواقع ...
- كأنها تجسّد روح إلهة قديمة.. مصور كندي يسلط الضوء على -حارسة ...
- المرصد السوري يعلن مقتل 15 مسلحا درزيا الأربعاء في -كمين- عل ...
- الأردن.. دفاع المتهمين بـ-خلية الصواريخ- يعلق لـCNN على الأح ...
- ثلاثة قتلى جراء غارة إسرائيلية على سيارة في جنوب لبنان (صور) ...
- خشية ملاحقتهم دوليا.. إسرائيل تكرم 120 جنديا دون كشف هوياتهم ...
- ماذا تخبرنا الفيديوهات من صحنايا وجرمانا في سوريا عما يحدث؟ ...
- وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر ناهز 116 عاماً
- حاكم خيرسون الروسية: 7 قتلى وأكثر من 20 جريحا بهجوم مسيرات أ ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صالح سليمان عبدالعظيم - ثقافة -الإيمو-