أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صالح سليمان عبدالعظيم - صورة الذات














المزيد.....

صورة الذات


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 2366 - 2008 / 8 / 7 - 04:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يمكن القول بأننا في حياتنا اليومية نتعامل من خلال الصور المختلفة التي نرسمها لذواتنا ويرسمها الآخرون لأنفسهم. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه يتعداه إلى تلك الصور التي نرسمها للآخرين ويرسمونها لنا أيضا في مجال الفعل ورد الفعل الاجتماعي. فالتفاعلات اليومية تتم من خلال مواجهة هذه الصور وما يجري في محيط السلوكيات اليومية. واللافت للنظر هنا أن الحياة تبدو كما لو كانت ساحة للرسم تتفاعل من خلالها أعداد هائلة من الصور بما تشتمل عليه من جوانب فردية واجتماعية على السواء.
ونعني بصورة الذات تلك الصورة التي نتصورها عن أنفسنا وتحدد مجال تعاملنا وتفاعلنا مع الآخرين. وقد تتسم تلك الصورة بالذاتية المفرطة التي نسقطها على أنفسنا فنضفي على أنفسنا سمات لا تمت لها بصلة، وقد تتسم بالموضوعية التي تتحدد من خلال الفهم العقلاني للذات والوعي بالجوانب المختلفة المرتبطة بها في ضوء التأثيرات المختلفة للواقع الاجتماعي والسياسي المحيط. كما أن هذه الصورة قد تكون معلنة أو قد تنطوي على بعض الجوانب الخفية التي يحرص أصحابها على عدم إشهارها أو البوح بها.
فصورة المرأة عن ذاتها تختلف اختلافا كبيرا عن تلك الصورة التي يرسمها الرجل لذاته. وهذه الصورة تختلف من مجتمع لآخر في ضوء درجة الحرية التي تتمتع بها المرأة وتمنحها القدرة على تشكيل صورة الذات بشكل يجمع بين الذاتية والأطر الاجتماعية المنفتحة. وهو ما يجعل المسافة في النهاية بينها وبين الرجل تكاد تنمحي. أما في المجتمعات التي تزداد فيها لائحة الفروض والواجبات والأوامر والنواهي على الأفراد بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص فإنها تشكل صورتها بشكل مشوه لا يستند إلى أي وعي حقيقي بالذات والشروط المجتمعية المحيطة.
إن أهم جانب من جوانب تشكيل صورة الذات يستند بالأساس إلى امتلاك درجة ما من درجات الوعي التي توفر القدرة على الإلمام بإمكانياتنا المختلفة ودرجة تأثيرنا في الواقع الاجتماعي المحيط. فالوعي بالذات يخول لنا القدرة على التقييم المستمر لأنفسنا بشكل موضوعي قادر على التناول النقدي للذات. وبدون هذا التناول النقدي للذات في حاضرها النفسي والاجتماعي على السواء فإن كل منا يخلق عالمه الخاص به مسقطا ما يريد على ذاته وجماعته ومجتمعه بدون أي قدر من التناول الموضوعي والفهم الحقيقي لما تشتمل عليه الذات وتنطوي عليه مجريات الواقع.
وفي ظل حالة التخلف التي تواجه الكثير من المجتمعات العربية يشكل كل منا صورته في ضوء ما يعن له، وفي ضوء مساحة القوة والسلطة التي يمتلكها. فالرجل مثلا يشكل صورته في تعاملاته مع الآخرين من خلال وضعية الرجولة التي تهيمن عليه ومن خلال الفضاء المجتمعي الذي يسمح له بسلوكيات عديد تدفع المرأة غالبا ثمنا باهظا لها. تزداد تلك الصورة في حالة الحصول على مساحة ما من السلطة والقوة. وربما تظهر هذه الصورة في أشد تجلياتها خطورة بالنسبة لبعض الحكام الذين تسلبهم الصورة التي يرسمونها لأنفسهم إحساسهم بالآخرين، كما يساعدهم المحيطون بهم على تكريسها وتجذيرها. ولعل ظهور الكثير من الحكام المستبدين في عالمنا العربي يبرز من خلال تلك الصورة المفروضة على الآخرين اجتماعيا وسياسيا.
وإذا كانت صورة الحاكم هي الصورة الأبرز والأشد وضوحا في عالم تشييد الصور عن الذات، فإن هناك العديد من الصور الأخرى المرتبطة بفضاء القوة والسلطة والهيمنة. فصورة المدرس والأستاذ الجامعي ورجل الأمن كلها نماذج تمنحنا الكثير من الأمثلة لهذه النوعية من الصور التي يشيدها البعض عن أنفسهم بدون أن يمتلكون ذلك القدر من الوعي الذي يعيدهم إلى دائرة الصواب. وبدون أن يمتلك المجتمع أية قوى حقيقية تعييد تشييد تلك الصورة وفقا للأطر الاجتماعية والسياسية القانونية الشرعية المتعارف عليها.
وإذا كانت النماذج السابقة تمتد للأطر الاجتماعية والسياسية بتنويعاتها الكثيرة فإن الساحة الاجتماعية تمتلأ بالكثير من الأفراد الذين يشكلون صورهم الذاتية وفقا لأهوائهم وليس وفقا لأي معايير أخرى موضوعية. وعلينا أن ننظر حوالينا لنجد العديد من النماذج التي ترسم صورها على غير الواقع الحقيقي، والتي تخلق صورا وهمية لا تمت للواقع الحقيقي بصلة. ومن الغريب في الأمر أن المجتمعات المتخلفة تقبل تلك الصور وتتماهى معها بل وتتقبلها. وهو ما يؤدي في النهاية إلى أن يصدقها كلا الطرفين، من شيدوها ومن تلقوها.
وفي عالم الثقافة توجد العديد من النماذج التي تشيد الصور وتجعلنا نصدقها. ويمكن لأي منا أن ينظر حواليه ليجد كم من الأفراد قد أقنعونا بأنهم مثقفون، يكتبون ويقرؤون ويفهمون، لكن الواقع الحقيقي لا يظهر ذلك ولا يؤكده. ويمدنا عالم النساء بتلك الصور الوهمية التي ترسمها النساء وتشيدها لأنفسهن، وهى لا تمت للواقع بصلة. فبعضهن يتيه فخرا بجماله ورقته، بينما الواقع الحقيقي لا يشير إلى أي شيء جميل أو رقيق سواء على مستوى الجانب الفيزيقي أو حتى على مستوى الجانب الروحي. لكننا نتعامل مع واقع الصور المزيف ونقبله، لأننا سنبقي دائما وأبدا نشتمل على جزء من الزيف نترك للآخرين قبوله كما نقبل منهم زيفهم؛ فعالم تشييد الصور يرتبط بقدر ما من الزيف، وهنا تكمن خطورته كما تكمن جاذبيته.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعنى العميق للثقافة
- المعارك الصحفية في عالمنا العربي
- حالة القوات العسكرية الأمريكية اليوم
- آليات العزل وحكايات الكلب الأجرب!!
- سيناريو انهيار الأقصى
- التمييز العنصري ضد المسلمين في أمريكا
- بنية التواطؤ
- الاتساق الفكري
- أحوال مصرية
- عالم بدون إسلام
- مُعضلة التدين في العالم العربي
- تقرير حالة السكان العالمي 2007 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة ...
- -جَوْجَلة- المعرفة
- نحو سلام واقعي
- أزمة علم الاجتماع في العالم العربي
- الأغنية العربية المعاصرة
- -الحرية والخوف- التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية 2007
- ثقافة التمثيل
- عزمي بشارة والملاحقات الإسرائيلية
- التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2007


المزيد.....




- فرنسا تبدي استعدادها للمساهمة في توزيع المساعدات الإنسانية ب ...
- إسرائيل تعلن اغتيال مسؤول عسكري في حزب الله
- صور مفبركة تثير الجدل حول عودة عادل إمام
- صحف عالمية: إسرائيل تستخدم المساعدات لتهجير سكان غزة ولا يجب ...
- خبير عسكري: المقاومة في غزة تتفوق وتربك جيش الاحتلال
- مفتي القاعدة السابق: بي بي سي والدولارات ساهمتا بإسقاط طالبا ...
- فيديو يُظهر لحظة القبض على -فيتو- أخطر المطلوبين في الإكوادو ...
- ظهور قائد إيراني كبير بعد شائعات عن مقتله في غارات إسرائيلية ...
- بسبب اعتدائهم على جنود في الضفة الغربية.. الشرطة توقف ستة إس ...
- تفاعل واسع مع مقال لتركي الفيصل -يدعو ترامب إلى تدمير المفاع ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صالح سليمان عبدالعظيم - صورة الذات