أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صالح سليمان عبدالعظيم - مُعضلة التدين في العالم العربي















المزيد.....

مُعضلة التدين في العالم العربي


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 2158 - 2008 / 1 / 12 - 08:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يلعب الدين دورا كبيرا في الحياة اليومية العربية، بحيث لا يمكن للمرء الحديث عن أي سلوك إلا ويشمله التوجه الديني سواء أكان هذا التوجه حقيقيا أو مظهريا، صادقا أو كاذبا. ورغم أن الدين في حد ذاته يشكل منظومة حياتية متغلغلة في صميم الواقع العربي، إلا أن حجم مساحتة ووجوده، وبالتالي انعكاساته وتأثيره على سلوكيات الأفراد، تختلف وتتفاوت من فترة لأخرى ومن مكان لآخر. فبعض الدول يتغلغل فيها التوجه الديني بدرجة تفوق غيرها من الدول، بحيث يصبح رمزا لنظام الحكم، بينما البعض الآخر يرتكن إلى الدين كبنية اجتماعية مثله في ذلك مثل غيره من البنيات الاجتماعية الأخرى.

وبشكلٍ عام، لا يمكن الحديث عن الغياب الديني في عالمنا العربي، أو التحول التام من بنية تغترف من الدين والشعائر المرتبطة به إلى بنية أخرى مفارقة للدين ومبتعدة عنه، لكن ما يمكن الحديث عنه هو حالة الصعود والهبوط للممارسات الدينية من ناحية وللخطاب الديني من ناحية أخرى. وتلعب مجموعة من العوامل المختلفة دورا كبيرا ومؤثرا في هذا الصعود والهبوط، منها على سبيل المثال الحالة الاقتصادية ودرجة الانفتاح المجتمعي على الممارسات الكونية المختلفة وموقف النظام السياسي من التيار الديني إضافة إلى السياق العالمي المحيط. فلم تعد المسألة الدينية، خصوصا في العقود الأخيرة، مسألة داخلية بحتة بقدر ما أصبحت مسألة تمس بنية العلاقات الدولية وما يتمخض عنها من صراعات مختلفة.

إن شيوع وانتشار الممارسات الدينية المختلفة في عالمنا العربي، بشقيها الإيجابي والسلبي، تستدعي الدراسة السوسيولوجية المتعمقة. فلم يعد ذلك التقييم الأخلاقي، الذي يرتبط بممارسات الكثير من رجال الدين، حيث شيوع لغة الحلال والحرام، كافيا لرصد وتحليل المسألة الدينية ومستويات شيوعها في العالم العربي. فالمسألة تتعدى ذلك إلى الوقوف عند الجوانب الاجتماعية المختلفة التي تحلل البنية الدينية بأبعادها وتجلياتها المتعددة. فالتحليل السوسيولوجي يرتبط بالوقوف عند مظاهر الممارسات الدينية المختلفة، وأسباب تصاعدها من فترة لأخرى ومن مكان لآخر. إضافة إلى ذلك، فإن هذا التحليل يقتفي تلك المظاهر والسلوكيات والممارسات الدينية عبر شرائح اجتماعية مختلفة، محاولا الوقوف عند التباينات المختلفة التي تتخذها تلك الشرائح الاجتماعية في ممارساتها الدينية.

ومن أبرز التجليات الهامة المرتبطة بالشيوع الديني في عالمنا العربي هو التدين والانغماس في المظاهر والسلوكيات الدينية. وهى ظاهرة أشمل وأوسع من ظاهرة الانتماء لجماعة دينية بعينها سواء أكانت جماعة شعائرية سلمية أو جماعة حركية عنيفة. فالتدين الذي نقصده هنا هو الذي يظهر من خلال الممارسات الفردية والجماعية المختلفة، حيث يصبح بوصلة توجيهه هو الدين، سواء أتم ذلك عن فهم حقيقي للدين أو عن فهم مغلوط، وغالبا ما يتسم بالتشدد والغلو في الممارسات اليومية والتعامل مع الآخرين. وهى ظاهرة، رغم أنها ارتبطت بمجتمعات عربية بعينها، إلا أنها قد أصبحت تكتسب العديد من الأفراد يوما بعد يوم.

ورغم أن الدين في حد ذاته وفي معناه العميق ينطوي على رحابة إنسانية بالغة وعلى قدرات هائلة في التواصل مع الآخرين، فإنه من الملاحظ أن التدين الشديد والغلو فيه يمثل أداة انقطاع في التواصل مع الآخرين والتعامل معهم. ونحن لا نتحدث هنا عن علاقات المسلمين، بوصفهم الفريق الأغلب في عالمنا العربي، بغيرهم من الشعوب الأخرى غير المسلمة، بقدر ما نتحدث عن علاقاتهم اليومية بغيرهم من المسلمين على مستوى الحياة اليومية. فلقد استخدم البعض الدين كأداة ملاحقة للآخرين، يتم من خلالها تقييم سلوكياتهم وتصرفاتهم المختلفة تحت معيار الحلال والحرام. وهى مسألة تعيدنا إلى أشكال عفا عليها الزمن حيث محاكم التفتيش القروسطية والتفتيش في عقول الأفراد ونواياهم المختلفة.

وخطورة هذه المسألة، أنها وبدون سابق إنذار، تمنح البعض قدسية مفترضة أو متخيلة، حيث يطلقون من خلالها أحكامهم المختلفة على المحيطين بهم، ويتم من خلالها تقييم الآخرين ورصد سلوكياتهم. ولأن أية عملية تقييم لابد وأن تستند إلى معايير محددة يتفق عليها الجميع قبل البدء بها، فإن ما يحدث في الواقع الفعلي هو أن يمنح الشخص المتدين لنفسه قداسة وهمية تمثل، من وجهة نظره، تلك المعايير التي يمكن من خلالها أن يفرض تقييماته على الآخرين، ويصادر سلوكياتهم وممارساتهم المختلفة.

وتنتشر تلك التقييمات عبر معظم ممارسات الحياة اليومية، وعبر معظم مؤسسات المجتمع التي ننتمي إليها. واللافت للنظر هنا أن تلك الحالة من التقييم تظهر بشكل واضح داخل الأسرة الواحدة. ففي أحيان كثيرة نجد داخل الأسرة فرد متدين وفرد آخر غير متدين، وهى مسألة جد شائعة في طول العالم العربي وعرضه. وما يحدث في الواقع أن يبدأ المتدين في ممارسة تلك الملاحقات اليومية لأخيه غير المتدين. ولوكانت تلك الملاحقات تتم في إطار من النصح الحسن اليسير والمتسامح لما مثلت أي مشكلة، لكن ما يحدث في الواقع أن المسألة تتحول إلى نوع من الضبط الاجتماعي الصارم الذي يتبنى الفضيلة التي تنتقص من الآخرين ولا تعلى من شأنهم، فهى تنفر ولا تحبب، تهدم ولا تبني، تفارق ولا تقارب. وفي أحيان كثيرة يفضل الكثيرون البعد عن الشخص المتدين لما يثيره من عداءات وحدة في التعامل.

ورغم أن حالة التدين هذه، بغض النظر عن جوانبها السلبية والإيجابية، هى حالة شخصية بالأساس، لا تعني أن الشخص المتدين أفضل من غير المتدين، فإن ما يحدث في الواقع أنها تنتقل من مستوياتها الفردية المحدودة إلى مستوياتها الجمعية التي تشكل قيودا وأعباء كثيرة على غير المتدينين. ومن أكثر الجوانب السلبية المرتبطة بتلك الحالة أن يتصور الشخص المتدين أنه أفضل من الآخرين، وأن حالة التدين الخاصة به تمنحه الشرعية والقداسة للاستعلاء على الآخرين، وفرض رؤاه وتوجهاته المختلفة عليهم. ويقوم الشخص المتدين هنا، سواء عن وعى أو غير وعى، بتشويه صورة الدين القائم على التسامح والتواصل مع الآخرين، ليحل محله صورة مخيفة من الأوامر والقيود والملاحقات. ومن أسف أن الدين براء من كل هذه الممارسات، لكن تلك الممارسات تنقل صورة جامدة وصارمة إلى الدين ذاته، فينسي الكثيرون تلك الممارسات والقائمين عليها ويوجهون سهام نقدهم إلى الدين ذاته.

وتنقل حالة التدين هذه، في أشد تجلياتها تطرفا، الفرد من مستواه الإنساني النسبي الذي يخطأ ويصيب، ليحل محله شخص مقدس لا تصيبه الخطيئة من قريب أو بعيد. وهى مسألة مخيفة وكريهة في الوقت نفسه. فهى مخيفة من حيث أن الفرد يعلي من شأن نفسه على حساب الآخرين، الذين لا يتصورهم سوى منحرفين وغير أسوياء، تلفهم الخطيئة عن يمين وعن شمال. وهى كريهة من حيث كون الشخص المتدين بمثل هذه السلوكيات يقارب نفسه، بوصفه معصوماً من الخطأ، من مرتبة الأنبياء، غالباً ما يتم ذلك عن غير قصد وعن غير وعى.

إن التدين ظاهرة سلوكية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية، وهو ظاهرة سوف تستمر ما بقي الإنسان يمارس عباداته وشعائره الدينية، لكن خطورة التدين تكمن حينما يصبح مظهريا يركز على توافه الأمور وصغائرها، ويهتم بملاحقة الآخرين وينشغل بتوجهاتهم وأيديولوجياتهم المختلفة. هنا يزداد المجتمع تخلفا، وتزداد حدة وضراوة المعارك التافهة التي تُهدَر من خلالها الطاقات بدون أي إنتاج أو مردود حقيقي. وهي معارك لا تضر في النهاية سوى المعاني المشرقة والمتسامحة للدين، ودعواته المستمرة من أجل التواصل مع الآخرين والحوار معهم. في مثل هذه الأيام المباركة المرتبطة بعيد الأضحى، فإنه من الواجب على الجميع أن يعيد للدين وجهه المتسامح الصافي، بدون أن يفرض البعض توجهاته الأخلاقية التي تكرس عصور محاكم التفتيش المسيحية المظلمة، وتجعل من البعض مقاولي أخلاق يطاردون الجميع، ويفتشون في السلوكيات والنوايا والتوجهات.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقرير حالة السكان العالمي 2007 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة ...
- -جَوْجَلة- المعرفة
- نحو سلام واقعي
- أزمة علم الاجتماع في العالم العربي
- الأغنية العربية المعاصرة
- -الحرية والخوف- التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية 2007
- ثقافة التمثيل
- عزمي بشارة والملاحقات الإسرائيلية
- التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2007
- المثقف والعاصمة: هل من علاقات متبادلة؟
- رواية -شيكاجو- وتنميط العربي المسلم
- !!زواج من أجل الطلاق
- فورا بوش، جرينجو بوش
- عن الحب والرومانسية وأشياء أخرى
- ثقافة النكد في العالم العربي
- حرب الأفيون الأمريكية
- إثنان وثلاثون عاماً على رحيل أم كلثوم
- قصص قصيرة جداً
- مواجهة خطاب التنميط والعنف الغربي بين التناول العلمي والإلتز ...
- !!محافظون وثوريون


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صالح سليمان عبدالعظيم - مُعضلة التدين في العالم العربي