أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - الاتساق الفكري














المزيد.....

الاتساق الفكري


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 2206 - 2008 / 2 / 29 - 01:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تخيل عزيزي القارئ لو أنك سمعت أم كلثوم التي غنت الأطلال تغني شخبط شخابيط، أو أنك سمعت عبد الوهاب الذي غنى الجندول يغني العنب العنب، أو أنك سمعت فيروز التي غنت أعطني الناي تغني بوس الواوا. ماذا سوف يكون رد فعلك تجاه هذا التناقض؟ إن أول سؤال يتبادر إلى ذهنك في هذه الحالة العبثية هو ما الذي يفعله هؤلاء المطربون بأنفسهم؟ وهل نسوا تاريخهم أو تناسوه؟ وما هي الأسباب التي دفعتهم للقيام بمثل هذا الفعل؟ من حسن الحظ أن أيا من هؤلاء المطربين العظام لم يفعل ذلك ولم يغني تلك الأغنيات التي تخرجه من زمرة العظام إلى زمرة الصغار أو أشباه الصغار.
بالطبع هناك حالة من التطور ترتبط بهؤلاء المطربين الكبار، فما غنته أم كلثوم في بداية حياتها يختلف عما غنته في نهايتها. فالتطور شيء طبيعي سواء أكان في الغناء أو الموسيقى أو الأفكار. لكن هناك فرق بين التطور الطبيعي الذي تمليه تحولات الواقع المختلفة واختلاف الأزمنة وبين تلك القفزات الحادة التي تنتقل بين فكرة وأخرى بدون أي متطلب اجتماعي أو أي أسانيد منطقية. الحالة الأولى ترتبط بالتطور الطبيعي بينما الحالة الثانية ترتبط بالعبث الفكري وانعدام الاتساق. وحولنا العديد من الأمثلة لهذه النوعية من المفكرين الذين ينتقلون من تيار فكري لآخر ومن توجه أيديولوجي لآخر بدون أن تطرف لهم عين أو يشعروا بأي خجل تجاه القراء أو المتابعين لهم.
ويُروى أن أحد الصحفيين كان يكتب مقالا يمتدح فيه العهد الاشتراكي وأثناء الكتابة إذا بأحد زملائه يخبره بنهاية هذا العهد والتحول نحو العهد الرأسمالي، فما كان منه إلا أن شطب كلمة اشتراكي واستبدلها بكلمة رأسمالي، وكأن شيئا لم يحدث. هكذا بجرة قلم انتقل الرجل من المعسكر الاشتراكي إلى المعسكر الرأسمالي بدون أي معاناة فكرية أو التزام أيديولوجي. وتبرز مخاطر هذا التحول العبثي السريع عند صنع السياسات العامة التي يستهدي بها صانع القرار، وبشكل خاص بالنظر للجوانب الحيوية في المجتمع التي ترتبط بشؤون وأحوال العباد مثل التعليم أو الصحة أو الاقتصاد أو الإسكان. إن هذا التناقض في صوغ السياسات العامة يؤدي إلى كوارث جمة وهائلة يدفع ثمنها في النهاية المواطن العادي الذي لا حول له ولا قوة في صياغة تلك الأفكار أو قبولها أو رفضها.
ومن أسف أن البعض يعلن عن آرائه بشكل يختلف عما يعلنه وهو ضمن أروقة السلطة وضمن صناعة السياسات العامة. على سبيل المثال كيف يمكن أن يعلن البعض عن أهمية الرقابة الحكومية على التعليم ومراقبة الجامعات الخاصة الجديدة وتحري طبيعة المقررات التي تطرحها والاستراتيجيات التي ترتأيها، ثم يعلن بعد ذلك مؤازرته التامة والمطلقة للقطاع الخاص في التعليم. كيف يمكن الجمع بين هذين الرأيين هكذا ببساطة ودفعة واحدة، كأن هناك شخصين داخل الشخص الواحد، أحدهما يقول ما يحلو له في تعارض وانفصال تام عما يقوله الشخص الآخر. كيف يمكن الدعوة لوضع التعليم تحت أعين ورقابة الحكومة والدعوة لدور فاعل ومركزي للقطاع الخاص في العملية التعليمية؟ وكيف يمكن الدعوة لدور فاعل ومهيمن للقطاع الحكومي والدعوة لفتح الأبواب للاستثمارات الأجنبية ودور فاعل للقطاع الخاص؟ لسنا في معرض تقييم السياسات الاشتراكية أو الرأسمالية، ولسنا في معرض تقييم الجوانب الإيجابية والسلبية للقطاع الحكومي والقطاع الخاص على السواء. لكن المهم هنا هو تلك التضاربات الحادة في الآراء التي يصوغها بعض المفكرين والتي تصل حد التعارض التام وتفقد صانع القرار أية مصداقية فيما حوله من مفكرين ومثقفين ومستشارين.
يرتبط عدم الاتساق الفكري بدرجة كبيرة من السيولة تتيح للفرد أن يقول الشيء وعكسه في الوقت نفسه بهدوء وببرود تام. وفي ظل لعبة التوازنات الهائلة والمفرطة التي يمارسها الكثير من المثقفين تحقيقا لمصالحهم الخاصة الضيقة تبلغ حالة عدم الاتساق الفكري مستويات هائلة إلى المدى الذي نتوقع فيه من هذه النوعية من المفكرين تغيير آرائهم عند أول مناسبة اجتماعية أو سياسية تستدعي هذا التغيير.
تقود حالة عدم الاتساق الفكري المثقف إلى أن يصبح سلطة قمعية أمام قرائه. فما يقوله في أية مناسبة يصبح مقرونا بالقبول والموافقة وعدم الاعتراض. وتخلق هذه النوعية من المثقفين قدرا كبيرا من الاهتراء في السياق الفكري والثقافي من حيث أن سلوكهم ينقل القراء من الاندهاش والرفض إلى القبول والانصياع. وخطورة هذا الأمر أنه يصبح نموذجا يحتذيه الكثيرون وبشكل خاص الأجيال الجديدة التي لا تجد أمامها من مثال تحتذيه سوى عدم الاتساق الفكري الذي يحقق الكثير من المكاسب المختلفة، وإن ارتبط في بعض الأحيان ببعض المتاعب السياسية. فعدم الاتساق الفكري لا يرتبط فقط بكل ما يرضي السلطة، ففي بعض الأحيان ترتبط تلك الحالة ببعض ما يغضب السلطة ويثير حفيظتها، وهو ما يؤدي فيما بعد إلى العودة مرة أخرى إلى ما يرتبط برضاء السلطة وعطاياها. لا يعني ذلك أن حالة عدم الاتساق الفكري ترتبط فقط بالسلطة وبهيمنتها، وبرضاها أو غضبها، لكنها حالة أعمق من ذلك بكثير، ترتبط بالمفكر أو المثقف ذاته، الذي لا يعي تماما مسئولياته وأدواره الاجتماعية المنوطة به في المجتمع، والذي يبادر بابتذال نفسه أكثر مما تطلب منه السلطة، وفي أحيان كثيرة أكثر بكثير مما يتوقعه السياق الاجتماعي المحيط به.
لا تنجح حالة عدم الاتساق الفكري بدون تواطؤ اجتماعي محيط، فالقبول الاجتماعي أو إدعاء القبول الاجتماعي بتلك الأفكار المتناقضة التي يقول بها البعض، يمكن ترجمتها بشيوع بنية تواطؤ عامة تشمل الجميع، وتشجعهم على ابتذال أفكارهم وآرائهم وتغييرها بسهولة. تلعب بنية التواطؤ هذه دورا محوريا في الكثير من المجتمعات العربية على كافة الصعد المختلفة، وهو الأمر الذي يستدعي توصيف وفهم وتحليل عناصر هذه البنية والتأثيرات المختلفة المصاحبة لها.




#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحوال مصرية
- عالم بدون إسلام
- مُعضلة التدين في العالم العربي
- تقرير حالة السكان العالمي 2007 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة ...
- -جَوْجَلة- المعرفة
- نحو سلام واقعي
- أزمة علم الاجتماع في العالم العربي
- الأغنية العربية المعاصرة
- -الحرية والخوف- التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية 2007
- ثقافة التمثيل
- عزمي بشارة والملاحقات الإسرائيلية
- التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2007
- المثقف والعاصمة: هل من علاقات متبادلة؟
- رواية -شيكاجو- وتنميط العربي المسلم
- !!زواج من أجل الطلاق
- فورا بوش، جرينجو بوش
- عن الحب والرومانسية وأشياء أخرى
- ثقافة النكد في العالم العربي
- حرب الأفيون الأمريكية
- إثنان وثلاثون عاماً على رحيل أم كلثوم


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - الاتساق الفكري