أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - صورة الفيلسوف















المزيد.....

صورة الفيلسوف


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 2444 - 2008 / 10 / 24 - 09:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


صورة الفيلسوف
خارج مقولتي النسق والمنهج

"ينظر الفلاسفة إلى الأهواء التي تختلج في صدورنا على أنها رذائل نقع فيها بمحض إرادتنا ولذلك فقد تعودوا مقابلتها بالسخرية والعتاب واللوم بل وباللعن أيضا حتى يظهروا بمظهر الطهارة والعفة... وفعلا فإنهم لا ينظرون إلى البشر على حقيقتهم وإنما على نحو ما يرغبون."

ربما لاحت صورة الفيلسوف زمن العولمة مفارقة لما كانت عليه في الماضي القريب والبعيد على السواء، فهو لم يعد ذلك النسقي الذي يتدرج من منزلة إلى أخرى ولا ذلك المفكر الذي يتبع منهجا ويقود فكره بنظام، انه خارج مقولتي النسق والمنهج وقريب من تجربتي الحرية مسطح المحايثة، كما أنه لم يبق ذلك المربي الذي يملئ الدنيا ويقعدها وعظا ونصحا وإرشادا ولا رجل العلم الزاهد في استنباط القانون والمختص في إنقاذ الظواهر ولا ذلك الفنان عاشق الطبيعة والحريص على إظهار مسحة من الجمال في جميع آثاره ولا ذلك الناسك المتصوف الغارق في تأملاته والمبحر في موج اعترافاه بل أصبح هذا الطبيب السياسي المنقب عن العلل والمفتش عن الأمراض والشاعر الذي ينهمك في قص الوضعيات الحدية التي يعاني منها النوع الآدمي.
ربما يوجد هذا السارد المتفجع بالقرب من المدينة ويجعل من فكره شكلا من التجذر والالتزام بقضايا عصره، انه يفكر أكثر من كونه سيد تفكيره أو سيد التفكير بالنسبة للأجيال المتعاقبة وينزل إلى الشارع ويقابل الغرباء والمهمشين ويتفحص المارة ويشخص الأحوال ويلتفت إلى الأشياء المعروضة على قارعة الطريق ويهتم بالتجارب اليومية متلقطا المعنى وظافرا بالدلالة ومحددا المقصد، انه الباحث دوما عن الحقيقة المتخلي عن أكوام الأجوبة القديمة المفلسة عن الأسئلة الجديدة والباعث من الرماد للأسئلة الجديدة طالما أنها أسئلة الكينونة.
ليس المطلوب من المرء اليوم أن يرد على موجة التكفير ويواجه تحريض الفقهاء وأن يحل معضلة الأزمة المالية العالمية ولا أن يجد تفسيرا للغز الثقب السوداء ومثلث برمودا وأن يحدد بدقة بالغة أصل الحياة ومصير الإنسان والغاية من وجوده لكي يصبح فيلسوفا بحق، ان المطلوب منه لكي يبلغ درجة معقولة من التفكير الفلسفي هو أن يسرد حياته للآخرين بأي طريقة اختار ويبحث عن السبل التي يكون بها إنسانا والشروط التي يتخلص بها من اللاانسانية من تمركز على الذات وجنون عظمة وبربرية. في هذا السياق يصرح ماركس:" الناس هم الذين يصنعون التاريخ ضمن ظروف لم يصنعوها" .
والحق أن ديدن الفيلسوف هو في الوقوف عند العتبة بين المكان المعزول الذي يدفن فيه الفرد صمته والساحة العامة التي يجمع فيها الأغلبية على تكلم أحدهم باسم الرأي العام ويصدح للجميع بالحقيقة الجمهورية المشتركة، ان انشغاله هو بناء عمارة جديدة بأحجار قديمة وتكوين نسق من المعارف توقظ الوعي وتقطع مع البداهة وتنتصر إلى السؤال وتهتم بالمنهج.
ينتمي الفيلسوف إلى نمط جديد من البشر فكروا داخل الأفق الذي فتحته الذات للتوجه نحو العالم وعلى عتبة المشرع الذي اكتشف به الفكر وطنا جديدا للسؤال عن الكينونة غير المشرع الذي يحيل إلى الكائنات وغير الذي يمر عبر الأشياء الموضوعة تحت اليد، انه ينتمي إلى نمط من الكائنات الآدمية المترحلة والرواة السرديين الذين لم يملوا من ذكر قصص الناس العاديين في الحياة ومن ضرب الأمثال عن سيرة الحكام والذين يجعلون في النهاية من تدبير المدينة شغلهم الشاغل.
ينتمي الفيلسوف الحقيقي إلى فكر الوجود الذي قد غطى زمانية بأكملها ويتعرض ويلتقي مع العديد من التيارات والاتجاهات ويلقي شهرة عالمية ويطرح نفسه كمرجع في النقاشات الفكرية المعاصرة ورغم ذلاك فان فلسفته تظل مستعصية على الفهم في وحدتها التي تخصها بحيث يشك البعض في تأثيرها في الدراسات الإنسانية، لكن منهجه الفلسفي قد يبلغ الآفاق ويصل مداه حد التطبيق في اختصاصات مختلفة مثل الألسنية والتاريخ والعلوم القانونية ولم يقتصر على النصوص الدينية والآثار الفنية والأساطير، ورغم ذلك فانه من الصعب أن نستخرج شيئا ما اسمه الفلسفة الريكورية من مجرد مطالعتنا لكل ما تركه هذا الرحالة من مؤلفات وأطروحات ومقابلات ومشاريع وبرامج خصوصا وأنه في سيرته الذاتية لم يصرح بوجود وحدة نسقية لفكره واكتفى بالأسلوب السردي الذي يأخذ بعين الاعتبار التطورات التي تلحق بالسؤال مع الإبقاء عليه في انفتاحه وشرعته ومنهاجه.
إننا يمكن أن نتحدث عند ريكور عن وحدة في السؤال والمنهج أكثر منها وحدة في المواضيع خصوصا وأن فكره يتميز بالطابع الباحث الحائر الذي يحبذ الإقامة عند المضيقات وبلورة الاحراجات وتفكيك الألغاز واقتحام المناطق المهجورة وينأى عن التصريح الدغمائي بامتلاك الحقيقة وتأسيس أرضية أرخميديسية تقول الكلمة الختامية.
يبحر الفكر في هذا الطريق إلى الحدود القصوى وملامسة التخوم دون أن يتفادى الصعوبات التي تعترضه في الطريق متسلحا بالقدرة على مهاجمتها وبالحذر والحيطة من كل المفاجآت والأمور الطارئة. لكن لا ينبغي أن نعتقد أن هذا الامتحان الصبور والمتأني وهذا الحوار المتمدن والعاطفي هو علامة اختزال وانتقاء لأن الفيلسوف يرفض منذ البدء كل الادعاءات الوثوقية المعممة من جهة وكل ريبية مزلزلة من جهة ثانية ولكنه لم يكن منقطعا عن تقديم جدة نظرية تسمح له بمواجهة كل الأسئلة الجذرية بعيون تدبيرية فاحصة.
لا يتعلق الأمر عند الفيلسوف بالخلوص إلى نتائج وتحصيل مكاسب نظرية وزاد معرفي بل فقط بتجذير دائم للتناقضات وتكثيف الالتباسات، والأسلوب الذي يميزه هو الانخراط في تجربة من التوجه نحو الفكر وتحويل الألغاز إلى واحراجات وصعوبات طالما " أن اللغز صعوبة ابتدائية بينما الإحراج هو صعوبة نهائية ينتج عن انشغال الروح بنفسها".
فيلسوف القرن الواحد والعشرون ليس له أعداء حتى في ظل سيطرة الداعية والفقيه والمنجم والساحر بل له أصدقاء وأخلاء أوفياء معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ والمجانين ولا يهتدي بمنهج ولا يسعى إلى بناء نسق معرفي ووجودي وفيمي متكامل يحل فيه كل معضلة ويجيب عن كل استفسار بل هو شخص يكتفي بالكتابة الشذرة وبالمشهد اللمحة وبالعبارة الصرخة وبالواقعة الصدمة ويستبدل المنهج بالأسلوب والمذهب بالنزعة والمرجع بالإيقاع والتوقيع بالبصمة ويرى نفسه معنى بالتوقف عن الحكم من أجل الانقطاع عن التوتر وتحصيل الطمأنينة في قلب صخب العالم.
من هنا تنصح الفلسفة الجمهور بأن يمسك نفسه عن إتباع الرأي وأن يبتعد عن الحكم المسبق والعادة الفكرية "لأن هذه الكيفية في الحكم تشبه إلى حد بعيد، تلك الطريقة التـي تروم التعرف على ماهية الأسماك وأصولـها من خلال القدرة التي لـها على العيش في اليابسة. وقد أبان الفكر عن فشله في اليابسة هذه منذ زمن بعيد وبعيد جدا." وآن الأوان له لكي يحلق في الأعالي وينطلق إلى المدى الذي يبدو جميلا دون أن يحمل معه أي نور يهتدي به ودون أن يأسر نفسه في نسق مرجعي أو أن يتسلح بمنهج منظم ،أليس حفنة من الممكنات المفرحة خير له من عربة مليئة باليقينيات المحنطة؟ وألا يعبر بذلك أحسن تعبير عن تشبثه بممارسة الحرية ونيته إنتاج المعنى بغير تكلف؟
المراجع:
اسبينوزا ، كتاب السياسة، ترجمة جلال الدين سعيد، دار الجنوب للنشر، تونس ، الطبعة الأولى 1999.
بول ريكور، من النص إلى الفعل، أبحاث التأويل، ترجمة محمد برادة وحسان بورقية، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، الطبعة الأولى 2001.
مارتن هيدجر، رسالة في النزعة الإنسانية، مقال ترجمه عبد الهادي مفتاح ونشر في المجلة الفلسفية المغربية مدارات عدد4.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تؤدي عقلنة الدين إلى تدين العقل؟
- وول ستريت الثانية نهاية ايديولوجيا العولمة
- المسألة الوطنية: طريق جورج عدة من اليهودية إلى الإنسانية الت ...
- ترشيد ثقافة الافتاء
- منطق الاختراع العلمي عند العرب
- ملتقى فلسفي عالمي حول -الكلي ومصير الإنسان-
- موقف ميشيل فوكو من صعود الروحانية السياسية في إيران
- عودة من الباب الكبير
- استحالة التعايش بين باكستان والحكم الشمولي
- كان الشاعر محمود درويش ما سوف يكون
- علمنة الدين شرط امكان قيام الديمقراطية
- غرامشي والفيلسوف الديمقراطي
- عندما يزف المقاوم واقفا المسيري يترجل


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - صورة الفيلسوف