أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - تاج السر عثمان - النفط السوداني وآثاره علي الصراع الاقليمي والدولي















المزيد.....


النفط السوداني وآثاره علي الصراع الاقليمي والدولي


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2422 - 2008 / 10 / 2 - 09:14
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


بتوقيع اتفاقات السلام في نيفاشا في 9/1/2005م دخلت البلاد فترة جديدة مشحونة بصراع معقد داخلي وخارجي، وإذا كان القطن قد شكل محور السياسة الاستعمارية بعد احتلال السودان وتوقيع اتفاقية يناير 1899م، فإن البترول ضمن عوامل أخرى سوف يشكل القوة الدافعة للسياسة الأمريكية في السودان في الفترة القادمة، وهذا ما نلمسه فيما ورد في التقرير الإستراتيجي الثاني لمركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن (يناير 2004م)، أشار التقرير بعنوان "استراتيجية عمل لما بعد النزاع في السودان" إلى البترول ودوره في توقيع اتفاقية السلام في مشاكوس وإلى آثاره على الصراع السياسي والإقليمي والدولي، أشار التقرير إلى أنه بالنظر إلى الجهود الضخمة الحالية في أفغانستان والعراق، على المرء أن يقدر لماذا تلتزم الولايات المتحدة أيضاً بتحقيق السلام في السودان؟
أولاً: الاهتمام الجاد وسط الدوائر الأمريكية المختلفة بمصير جنوب السودان، مما نجم عنه تقديم مساعدات إنسانية ضخمة للسودان تقارب مليا ري دولار منذ العام 1983، كما أن الرغبة في وجود سودان مستقر ومسالم بعد الحرب سيساعد في الاستثمارات الأمريكية.
ثانياً: إن السودان يشكل بلداً رئيسياً في الحرب الأمريكية ضد الدول الفاشلة والنزاعات المتصلة والإرهاب في القرن الإفريقي ومنطقة البحر الأحمر، وإذا قدر للولايات المتحدة أن تفشل في اتخاذ الخطوات الكفيلة بمنع السودان من الانزلاق في إطار الدول الفاشلة، فإن عدم الاستقرار في الأقليم سوف يواصل تهديد المصالح الأمريكية في هذه المنطقة المهمة في أفريقيا، وبما أن لدى السودان ثروة نفطية، هنالك احتمال بفشل تجربته في السلام والتحول الديمقراطي، وهذا الأمر أيضا يحتم على الولايات المتحدة الاهتمام بأن تعالج المسائل النفطية بشفافية وحكمة.
ثالثاً: يعتبر السودان قطراً مهماً لتطبيق دعوة الرئيس بوش لإدخال الديمقراطية و الانفتاح في الشرق الأوسط وبين المجتمعات المسلمة.
يواصل التقرير ويشير إلى ضرورة تطوير آليات إشراف ذات شفافية للثروة النفطية والعائدات القومية والإقليمية، يقول التقرير:
توصل الطرفان (الحكومة والحركة الشعبية) في الآونة الأخيرة لاتفاق مبدئي حول ترتيبات قسمة الثروة، لكن المتوقع أن تبدأ الحركة الشعبية في استلام مئات الملايين من الدولارات من العائدات النفطية سنوياً بعد توقيع الاتفاقية، ومعلوم أن السودان ينتج حوالي: 250.000 – 300.000 برميل من النفط يومياً، ومنذ العام 2002م كانت عائدات الحكومة السودانية من النفط حوالي بليون دولار سنوياً، وسيضاف لهذا العائد مئات الملايين من الدولارات في شكل دعم منح خارجية سوف تنساب لكل من حكومة الوحدة الوطنية والحكومة الإقليمية الجنوبية. ثروات السودان مع سوء الإدارة قد تدخله في دائرة لعنة الموارد، والانفصال يجب أن يعنى وجود دولتين تعيشان في سلام، إن كل من الحكومة السودانية والحركة الشعبية تعوذهما القدرات الإدارية والبني التحتية المؤسسة لإدارة الأموال الضخمة، والحكومة السودانية لها تاريخ تعوذه الشفافية في استغلال وتخصيص الموارد، بما في ذلك الصرف خارج الميزانية الذي لا يخضع للمحاسبة العلنية فيما يتعلق بعائدات النفط، إن معالجة هذا الخلل وسوء استغلال أو إهدار عائدات النفط والعائدات الأخرى تتطلب المساعدة في بناء قدرات إدارية في الجنوب وتطوير آليات لضمان شفافية إدارة وتخصيص الموارد في كلا الشمال والجنوب، بما في ذلك إدخال طرف ثالث من المراقبين، فالمانحون قرروا تقديم الأموال على الأقل جزئيا – عبر البنك الدولي أو صناديق المراقبة من قبل الأمم المتحدة، وعليهم أيضا أن يركزوا مباشرة على بناء المؤسسات والقدرات في الجنوب التي يمكن أن تدير مصادر العائدات وتحاسب عليها، ومبدأ الشفافية مطلوب بالأخص في التعامل مع قطاع النفط، واضعين في الاعتبار تعلل الحكومة السودانية بالجهد الحربي في استغلال أموال النفط، وهناك خطر كامن في أن السودان سيتعرض لما يسمي "بلعنة الموارد"، فثروته الطبيعية ستزيد من احتمالات الصراع والنمو الاقتصادي المتدني ومؤشرات التنمية البشرية الضعيفة وسوء الحكم وانتهاكات حقوق الإنسان. ولتجنب ذلك، على المانحين التركيز على إنشاء آليات ذات شفافية للإشراف على قطاع النفط السوداني وتشجيع السودان على إنشاء صندوق موارد طبيعية مثل تلك التي توجد في السكا، النرويج، تشاد وشيلي، ويجب على المانحين أن يركزوا بالأخص على شفافية قنوات العائدات النفطية باعتبار ذلك شرطاً للمساعدات، ويجب أن تضم آليات الرقابة طرفاً ثالثاً محايداً، وتكوين هيئة استشارية للنفط بعضوية يتفق عليها الطرفان ومجموعة المانحين من شأنها أن تعين الجنوبيين بالمساعدات الفنية المطلوبة. حول قضايا مثل تسعيرة الإنتاج، إدارة قطاع الحياة النهرية، تسويق النفط ووضع الاستراتيجيات فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي لطرق النقل الجديدة (مثل خط أنابيب إلى كينيا والذي توافق عليه الحركة الشعبية).
يواصل التقرير: "والسودانيون أيضاً في حاجة لنصح معقول وإشراف دولي حول كيفية صرف ثروتهم النقطية، وللمساعدة على تجنب أساليب الانقسام والمشاريع المموهة وأساليب الفساد، ويمكن للمانحين أن يشترطوا تقديم المساعدات مقابل الإصلاح وفحص المشاريع المحتملة التي ستصرف عليها عائدات النفط"
وإذا كتب لصندوق الموارد الطبيعية النجاح، فإنه يمكن أن يساعد على إقرار سياسية مالية في السودان، وأن يمثل رابطاً سياسياً من الأجهزة الشمالية والجنوبية على الشفافية حيال العائدات النفطية والصرف المالي. ونسبة لنقص رأس المال في السودان، يمكن لمثل هذا الصندوق أن يعمل كصندوق ائتمان لكل الثروة النفطية قبل توزيعها على الميزانية القومية وميزانية الحكومات الجنوبية أو للجهات الأخرى، ويمكن أن يشرف على الصندوق ممثلون للحكومات القومية والإقليمية والولائية إضافة لأعضاء دوليين.
ويمكن أن يراقب الدخل والمنصرفات، ويقدم المشورة في هذا الصندوق وأن يرغم الكيانات الحكومية على أن تكون أكثر استجابة للمواطنين، ويشرك المواطنين والمجتمع المدني في إعادة البناء والأولويات القومية والإقليمية والمحلية الأخرى، كما سيساعد على توحيد مواطني الشمال والجنوب على هدف مشترك، وبرغم أن النموذج المستعمل لخط أنابيب النفط الرابط بين تشاد والكاميرون غير قابل للاستعمال في السودان مباشرة، إلا أن ربط لجان المجتمع المدني بمراقبة -استغلال الأموال وتوجيه الموارد والاستراتيجيات للحد من الفقر أمر تحت دراسته، وربما يمكن إعادة تشكيله بما يلائم السودان بهدف إشراك السودانيين مباشرة في تخصيص ومراقبة عائدات نفطهم، وعلى كل السودانيين أن يفهموا أن العائدات المتحصلة من النفط خاضعة تماماً للمحاسبة، وبالتالي، فإن الثروة المقسمة بين القادة الشماليين والجنوبيين لابد أن تقابل الاحتياجات القومية والإقليمية والمحلية ذات الأولوية) (التقرير الاستراتجي الصحافة: 13/ فبراير/ 2004م).
• وكان النفط من ضمن القضايا التي وردت في تقرير مبعوث السلام الأمريكي السانتور
دانفورث (2001م) والذي أشار إلى الآتي:
- التوزيع العادل للنفط هو المدخل لحل الأزمة.
- السودان يملك احتياطياً نفطياً يقدر بمليار برميل مع احتمال أربعة مليارات أخرى.
- إقبال الشركات النفطية العالمية والمستثمرين الأجانب إذا ما توفر السلام.
- كما وصى التقرير بضرورة الاستعانة بخبراء في توزيع العائد من النفط.
• أما الخبير الاقتصادي بصندوق النقد الدولي الدكتور / التجاني الطيب إبراهيم فقد أشار على أن الحزام السوداني الممتد من غينيا إلى انقولا من البترول في القارة الأفريقية يمثل 15% من إيرادات أمريكا البترولية، كما أشار إلى أن اهتمام أمريكا بالبترول السوداني والتشادي والليبي ركن أساسي في الاستراتيجية الأمريكية في حالة عدم استقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وكشف أن القطاع الأمريكي الخاص يستثمر حوالي 3.7 بليون دولار من البترول التشادي حفاظاً على أسواق جديدة يمكن الاستفادة منها في حالة الوصول إلي مرحلة الذروة في تناقص العرض والطلب بعد عشرين عاماً (الأيام الثلاثاء :24/8/2004م).
• أما د. الصادق عوض بشير فقد أشار في صحيفة الأيام بتاريخ 25/3/2003م وتحت عنوان "بترول أفريقيا وموقع السودان من ذلك"، أشار إلى الآتي:
- أصبحت منطقة خليج غينيا (نيجيريا، غينيا الاستوائية، تشاد، الكاميرون، الجابون، انقولا) منطقة اهتمام حيوي لأمريكا حيث يقدر إنتاج البترول بهذه المنطقة بأنه يتعدى 4.5 مليون برميل يومياً.
- يقدر ما تستورده أمريكا حالياً من بترول أفريقيا جنوب الصحراء بحوالي 16% من جملة وارداتها، وهي كمية مساوية للكمية التي تستوردها أمريكا حالياً من السعودية، وطبقاً للتقديرات المقدمة من مجلس الأمن القومي الأمريكي فسوف تصل تلك النسبة إلى 25% مع عام 2015م. أي أكثر من واردات الولايات المتحدة البترولية من كافة دول الخليج العربية.
وعن خطط وزارة الطاقة الأمريكية استثمار 10 بليون دولار في صناعة البترول الأفريقية عام 2003م (يدخل ضمن هذا الرقم استثمارهم في السودان).
- الشركات العاملة على الساحل الأفريقي المطل على الأطلنطي (من جنوب الصحراء إلى جنوب أفريقيا) هي: شركات البترول الأمريكية العملاقة مثل: أكسون،موبيل، وشيفرون، تكساكو تقوم بالأعمال الفنية اللازمة لتحديد المناطق التي يجري فيه التنقيب عن البترول.
- أما أكبر المشروعات التي يجري تمويلها حالياً في أفريقيا فهو خط أنابيب يضخ البترول مابين تشاد والكاميرون والذي أنفق عليه 3700 مليون دولار بالفعل الآن.
- كما أشار الكاتب إلى أن منطقة السدود بجنوب السودان تجلس على بحيرة ضخمة من البترول (هل هذا يفسر تكالب أمريكا على بترول السودان؟).
- من المعلومات السابقة يتضح لنا أهمية البترول كعامل جديد في الصراع السياسي والإقليمي والدولي حول موارد السودان في ظل العولمة (أو الرأسمالية المعاصرة)، فالسودان بالإضافة إلى ثروته النفطية يزخر بثروات زراعية وحيوانية ومعدنية، إضافة لموقعه الهام مما جعله هدفاً للتدخل الأمريكي في شئونه والصراع للسيطرة على هذه الثروات في إطار مشروعها حول الشرق الأوسط الكبير.
عندما تم إعادة احتلال السودان عام 1898م، كان العالم قد شهد بداية الثورة الصناعية الثانية التي ارتبطت باكتشاف النفط والكهرباء والتي أدت إلى صناعة السيارات والطائرات والصناعات الاستهلاكية الكهربائية...الخ، وفي الوقت نفسه كان النظام الرأسمالي العالمي قد دخل مرحلة الاحتكار (الإمبريالية) وأشتد الصراع بين الدول الرأسمالية الكبرى حول اقتسام الموارد والمواد الخام ونهب شعوب المستعمرات، وكان من ضمن ذلك الصراع أن تم الاحتلال البريطاني للسودان، وتم إلغاء نظام الرق وتمهيد الأرض لتحويل السودان إلى مزرعة قطن كبيرة، وقام خزان سنار عام 1925م، ومشروع الجزيرة ومشاريع القطن الأخرى (القاش، طوكر، جبال النوبة، مشاريع النيل الأبيض،...الخ)، وقامت السكك الحديدية وميناء بورتسودان ومؤسسات التعليم المدني الحديث، وهكذا ارتبط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي بعلاقة تبادل غير متكافئة مستورداً للسلع الرأسمالية، ومصدراً للمواد الخام والتي كان أهمها القطن، كما تطورت الحركات السياسية والاجتماعية وتطور الصراع ضد الاستعمار حتى تم توقيع اتفاقية 1953م التي مهدت للتحول الديمقراطي الذي كرسه دستور الحكم الذاتي 1953م الانتقالي والذي كفل الحقوق والحريات الأساسية، وثم إعلان استقلال السودان عام 1956م.
وبعد خمسين عاماً من الاستقلال والفشل في إنجاز مهام النهضة الوطنية الديمقراطية في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يستدير الزمان دورته ونواجه بوضع جديد ومتغيرات عالمية دخل فيها النظام الرأسمالي مرحلة العولمة والتي اشتدت فيها ضراوة الصراع من أجل اقتسام الموارد والسيطرة الاقتصادية والعسكرية على العالم بواسطة أمريكا.
هذه الأوضاع الجديدة تتطلب أوسع تحالف من أجل التحول الديمقراطي، والصراع من أجل تحويل عائدات النفط للتنمية الزراعية والصناعية والتعليم والصحة والخدمات وتحسين حياة المواطنين المعيشية وتوفير فرص العمل، وتحقيق الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، باعتبار أن ذلك هو الشرط لتوحيد البلاد على أسس طوعية وديمقراطية والشرط للسيادة الوطنية، إضافة لتحقيق الحكم الذاتي والتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة.
وكما أشرنا سابقاً أصبح النفط يشكل عاملاً هاماً في الصراع الدولي والإقليمي، فعلى سبيل المثال عندما احتل صدام حسين الكويت في أغسطس 1990م، شكل ذلك الاحتلال تهديداً مباشراً للمصالح الحيوية لأمريكا وحلفاءها الأطلسيين واليابان، ولعل أصدق تعبير عن تلك المصالح ما ورد في مقال كاسبر واينبرغر في صحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادرة بتاريخ الأحد: 12/8/1990م عن الاحتلال العراقي للكويت ورد الفعل الأمريكي والذي عبر فيه عن الأفكار الآتية:
- احتلال العراق للكويت يشكل تهديداً مباشراً للمصالح الحيوية لأمريكا.
- أمريكا تستورد أكثر من 50% مما تستهلكه من النفط.
- تمتلك كل من العراق والكويت والسعودية حوالي 40% من الاحتياطي النفطي العالمي.
- احتفاظ صدام حسين بالكويت يعنى أنه سيتحكم بحوالي 20% من الاحتياطي النفطي العالمي، وبالتالي، فان أمريكا لن تقبل هذا الوضع، وسوف تسعى بكل السبل لإخراج العراق من الكويت. وقد عبر مسئول أمريكي آخر عن المصالح والأهداف الأمريكية حين قال:
"إن احتلال العراق للكويت لا يشكل بحد ذاته تهديداً للمصالح الأمريكية، فالتهديد الحقيقي يكمن فيما سيحصل عليه العراق الذي يمتلك 20% من الموارد النفطية في العالم، من قدرة حين سيسيطر على منظمة الدول المصدرة للنفط وعلى الشرق الأوسط مهدداً إسرائيل وساعياً للحصول على القنبلة الذرية".
هذه هي المصالح والدوافع للتحرك الأمريكي السريع، وقبل ذلك بسنوات، كان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ولم تتحرك أمريكا بالسرعة اللازمة، هذا إضافة لانتهاك أمريكا نفسها قبل شهور من احتلال صدام للكويت شرعية دوله أخرى وهي بنما حينما تدخلت عسكرياً فيها، هذا فضلاً عن أن الكويت أغنى دولة في العالم بفضل النفط ويصل عائد ناتجها الخام إلى 20 مليار دولار.
هذه هي الدوافع الأساسية لحركة أمريكا، رغم استنكار المجتمع الدولي لاحتلال صدام للكويت باعتباره ضد الشرعية الدولية.
ومثال آخر، بعد الهجوم على مركز التجارة في سبتمبر 2001م، أشار الرئيس بوش في خطابه الموجه إلى الأمة في 20/9/2001م إلى "أن الولايات المتحدة ستشن حملة طويلة تختلف عن كل ما رأيناه تنطوي على ضربات عسكرية دراماتيكية ونشاطات سرية، وسيجري استخدام قوات برية ولابد من وقوع خسائر في الأرواح وستستخدم الولايات المتحدة" كل أسلحة الحرب الممكنة" لم يستبعد الخطاب استخدام " الأسلحة النووية" ضد هؤلاء الأعداء."
أوضح بوش وإدارته دون لبس أو غموض أن حرباً سيتم خوضها، وأنها ستجري في بلدان عديدة مختلفة، وتطال أمماً بأسرها، ستكون أهدافاً أفضل من الإرهابيين الذين يصعب العثور عليهم".
أيد الكونغرس هذه السياسة (عدا صوت عضوه مجلس النواب عن كاليفورنيا باربرالي).
والواقع كان هدف أمريكا من تلك السياسة هو السيطرة على اقتصاد العالم ككل الذي يحتل النفط فيه موقعاً متقدماً.
وبدأت أمريكا حربها ضد أفغانستان وأسقطت نظام طالبان، وكان الهدف الرئيسي لتلك الحرب هو التركيز على مصادر بترولية أخرى بسبب عدم الاستقرار في منطقة الخليج الفارسي العربي، وبالتحديد في منطقة بحر قزوين والتي يقدر الخبراء قيمة البترول المتوفر فيها بنحو أربعة تريليون دولار (التريليون يساوى 1000 مليار).
ولكن بترول منطقة قزوين المحصور براً بين روسيا وإيران وجمهوريات سوفيتية سابقة يشكل تحديات هائلة بالنسبة لعملية النقل، وتحتل أفغانستان موقعاً استراتيجياً بالقرب من بحر قزوين.
بعد أفغانستان وأصلت أمريكا تهديداتها لنظام صدام حسين الذي كانت ترى فيه أنه على رأس أكثر الأنظمة الاستبدادية في التاريخ الحديث، وقد سعى خلال 25 عاماً إلى اكتساب أسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية، وقد نجح في مسعاه في عدة حالات موثقة ، كما سمم بالغازات 60.000 نسمة من شعبه عام 1986م في حلبجه وشن حربين مأساويتين مضحياً بنحو مليون عراقي ومودياً بحياة أكثر من مليون إيراني أو إصابتهم بجراح، فضلاً عن ذلك ضرب عرض الحائط بـ 16 قراراً صادراً عن الأمم المتحدة على مر السنوات الـ 12 ماضية.
وقبل ذلك كانت واشنطن بعد 11 سبتمبر 2001م قد أعلنت أنها ستزيد نحو 50 مليار دولار إلى موازنة الدفاع، وواصلت أمريكا تهديداتها لنظام صدام حسين وضرورة نزع أسلحة الدمار الشامل، حتى تم احتلال العراق. بالشكل المأساوي الذي نتابعه الآن،
والواقع كان هدف أمريكا الرئيسي هو السيطرة على نفط العراق الذي يبلغ حجم الاحتياطي المكتشف منه نحو 112 مليار برميل، ويمتلك العراق أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية.
كما بدأت أمريكا تهتم بأفريقيا وثروتها النفطية، وكما أشرنا سابقاً، تقوم دول غرب أفريقيا حالياً بإمداد الولايات المتحدة بحوالي 15% من الاحتياجات البترولية الأمريكية، إلا أن مجلس الاستخبارات القومي قدر بإمكانية ارتفاع هذه النسبة إلى 25% بحلول عام 2015م (مجلة النفط والغاز، سبتمبر 2004م). هذا إضافة لعمل الشركات الأمريكية في حقول النفط التشادي.
ومن المتوقع أن تبلغ حصيلة الصادرات النفطية التشادية – عبر خط أنبوب شاد – الكاميرون خلال العشرة أعوام القادمة حوالي 3.5 مليار دولار أمريكي (مجلة النفط والغاز، مارس 2005م)، والجدير بالذكر أن البنك الدولي قام بتمويل خط أنبوب شاد – الكاميرون والذي يقدر عمره الفني بحوالي 25 إلى 30 عاماً ولحصول البنك الدولي على ضمانات لإنشاء هذا الخط، ومن ثم جعل تصدير البترول التشادي ممكناً، كان لابد للحكومة التشادية من أن توافق على تخصيص 80% من عائدات الحكومة النفطية لمحاربة الفقر، وهذا يتضمن تحسين هياكل البنية التحتية والخدمات الصحية فضلا عن المحافظة على البيئة وخدمات اجتماعية أخرى، ورغم ذلك استمر الفساد وعدم الاستقرار السياسي والنزاع العرقي الذي وقف عائقاً أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية (مجلة النفط والغاز، مارس 2005م).
كم أشرنا سابقاً، أن ثروات السودان النفطية هي وراء اهتمام أمريكا بالاستقرار في السودان، وبعد اكتشاف البترول بدأت أمريكا تولى اهتماماً كبيراً بالسودان بغرض السيطرة على الموارد النفطية والتي ترى أحقيتها فيه لأن شركة شيفرون الأمريكية هي التي اكتشفته، ومارست أمريكا ضغوطاً على حكومة الخرطوم لإبرام اتفاق السلام مع الحركة الشعبية، وتسعى أمريكا إلى التدخل في السودان كما تم في العراق ولكن من غير حرب ولا احتلال عسكري سافر (مجلة النفط والغاز: مارس 2005م)، إضافة للبترول هنالك موارد السودان الأخرى مثل المساحات الصالحة للزراعة، والثروة الحيوانية التي تشكل 40% من مساهمات القطاع الزراعي و 20% من حجم الإنتاج المحلي الإجمالي، وكما أشرنا سابقاً فان ثروات السودان النفطية والمعدنية والزراعية والحيوانية هي السبب وراء تدخلات أمريكا في شئون السودان، فهي ببساطة تريد السيطرة على هذه الثروات، في إطار مشروعها حول الشرق الأوسط الكبير.
قانون مشروع الجزيرة والبترول:
جاء في الأنباء أن مجلس الوزراء برئاسة المشير عمر البشير أمس (الأحد) أجاز مشروع قانون الجزيرة بعد إدخال تعديل عليه بتمليك الأراضي للمزارعين ملكية منفعة طويلة مدتها 99 عاماً ، (الأيام: الاثنين 20/يونيو/2005م).
وقبل ذلك، كان قد رشح في الأخبار عن التنقيب عن النفط بشمال ولاية الجزيرة، على سبيل المثال جاء في الأضواء بتاريخ الأحد: 19/6/2005م ما يلي:
"أعلن الفريق الأول ركن عبد الرحمن سر الختم والى ولاية الجزيرة عن بداية التنقيب عن البترول بشمال الولاية خلال شهر يوليو المقبل، وقال لمركز الخدمات الصحفية أن الحفار الخاص بالشركة المنفذة قد وصل منطقة كتير العوامره تمهيداً لبداية التنقيب عن البترول بولاية الجزيرة، مشيراً إلى أن الاختبارات الجيوفيزيائية قد اكتملت بكل من مناطق الكاملين، الحصاحيصا والمناقل، وقال إن عمليات الحفر ستبدأ وفق برامج الدراسات الموضوعة. وأكد الوالي أنه لن يتم تهجير أي قرية تقع بمناطق التنقيب، وقال أن التعويضات ستخصص فقط للمواطنين الذين تقع أراضيهم بمنطقة البئر شمال الجزيرة".
وفي صحيفة الأيام بتاريخ الاثنين 20/6/2005م جاء "حول مشروع قانون جديد لمشروع الجزيرة" في مقال للأستاذ/ معتصم محمد عثمان في إجابته على السؤال : ما الداعي لهذه العجلة غير المبررة حول مشروع القانون؟
أشار الكاتب "إلى أن السودان يقعد على بحيرة من النفط...الجزيرة خير دليل... نتائج التنقيب في منطقة أبوجن ليست مكان اختلاف، التفكير في ترحيل المواطنين في منطقة : الحلاويين ،الحصاحيصا، أبو عشر غرباً حتى أبوجن شاملة طابت والمناقل) مشروع ووارد، التعويض للملاك حق، وعدم اشتراك وزارة الطاقة في الأمر الآن ومركز دراسات المستقبل تقصير، أو ربما لم يرد على البال، ولكن تبقى الحقيقة بأن تعويض شركة البترول رقم يختلف تماماً عن تعويضات سد مروي لأنها زراعة زراعة).
والجدير بالذكر "أن شركة سوداباك المكونة من ظافر الباكستانية وسودابت في القطاع (9) الممتد من ولاية نهر النيل مروراًَ بالخرطوم وحتى وسط الجزيرة، شهد هذا القطاع نشاطاً مكثفاً خلال العام 2004م، حيث تم مسح 700 كيلومتراً مسحاً زلزالياً ثنائي الأبعاد، وسيتم مسح ما لايقل عن 500 كيلومتر أخرى خلال شهر يونيو القادم، المعلومات المتوفرة تشير إلى أن النظام البترولي موجود في منطقة الجزيرة (مجلة النفط والغاز: مارس 2005م).
وهذا يفسر العجلة في إجازة قانون مشروع الجزيرة بعد تعديله في مجلس الوزراء، كما أشرنا سابقاً.
وتشير المعلومات التي رشحت حتى الآن أن السودان يسبح في بحر لابحيرة من النفط، فبالإضافة لمناطق إنتاج البترول الحالية في حقول هجليج والوحدة في القطاع 4، 2،1 ومنطقة الفولة في القطاع (6)، كما تم توقيع اتفاق مع شركة ظافر الباكستانية للتنقيب في مربع (أ) كما تم تجديد الاتفاق مع شركة توتال الفرنسية للعمل في القطاع (ب)، كما تعمل شركة صحاري في إجراء المسوح الزلزالية في القطاع (ج) التابع للشركة المتقدمة للبترول.
أما في القطاع (8) الواقع جنوب النيل الأزرق لتعمل فيه شركة النيل الأبيض المكونة من اتحاد بتروناس وسودابت كما نفذت شركة وسترن جيكو عمليات المسح الزلزالي نيابة عن شركة النيل الأبيض.
أما في القطاع (14) بالولاية الشمالية فقد تم توقيع اتفاقية بين الحكومة من جانب وكل من شركة الزيت الوطنية الجنوب أفريقية وسودابت من جانب آخر لإجراء دراسات جذبية ومغناطيسية.
هذا إضافة لمواقع محتملة أخرى للبترول مثل مربع (15) في البحر الأحمر، والقطاع (10) الواقع في منطقة القضارف، والقطاع (12) الواقع في دارفور وشمال غرب السودان، والقطاع (13) على البحر الأحمر (للمزيد من التفاصيل راجع مجلة النفط والغاز: مارس 2005م).
هكذا، وكما أشرنا سابقاً، أن السودان سيكون منطقة جذب للشركات المستثمرة في النفط، وسيكون من بؤر الصراع الدولي والإقليمي حول الصراع على الموارد والنفط، كما سيؤدي النفط إلى تغييرات كبيرة داخلية وفي تركيبه السودان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا يحتاج إلى المزيد من الدراسة وتسليط الأضواء.



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداعيات الأزمة العامة للرأسمالية
- ماهي دلالات أزمة النظام الرأسمالي الراهنة؟
- الايديولوجيا
- النفط السوداني : تاريخ الاكتشاف وارهاصات الصراع
- حول الفصل التاسع من مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوداني تجدي ...
- المنهج ونظرية المعرفة الماركسية
- محمد بشير عتيق: من الوعي النقابي الي الخلق والابداع الفني
- الآثار السلبية للجمود النظري علي تجربة الحزب الشيوعي السودان ...
- ديالكتيك هيغل: كل الفلسفات حقة وباطلة
- تجربة الصراع الفكري في الحزب الشيوعي السوداني، الفترة(1952- ...
- حول احداث العنف في العاصمة السودانية
- قراءة في مانفستو الحركة الشعبية، مايو 2008م
- منظمات المجتمع المدني
- الذكري ال 76 لرحيل خليل فرح
- النفط السوداني:الشركات متعددة الجنسية وصراع المصالح
- تعقيب علي ندوة حوار حول التنمية( المفاهيم ومتغيرات العصر)
- حول الفصل الثامن من مشروع البرنامج- قدسية الدين ودنيوية السي ...
- دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني
- تجربة الصراع الفكري في الحزب الشيوعي السوداني، الفترة(1951- ...
- الجذور التاريخية للتهميش في السودان(6)


المزيد.....




- البنك الدولي: توترات الشرق الأوسط تهدد التقدم العالمي بشأن ا ...
- معضلة الديون في فرنسا.. وكالات التصنيف قلقة ونظرتها سلبية
- أرباح بنك -أبوظبي التجاري- ترتفع 26% في الربع الأول من 2024 ...
- البنك الدولي: توترات المنطقة تهدد التقدم العالمي بشأن التضخم ...
- أسهم -وول ستريت- تهبط بعد نتائج ميتا وبيانات اقتصادية سلبية ...
- الأول في الشرق الأوسط.. صندوق النقد الدولي يفتتح مكتبا إقليم ...
- بلينكن يدعو الصين إلى -منافسة اقتصادية صحية-
- أردوغان: نهدف لرفع التبادل التجاري مع ألمانيا إلى 60 مليار د ...
- تكلفة باهظة والدفع بالعملة الصعبة.. كيف يبدو أول موسم للحج م ...
- رغم تضاعف أرباحها.. ما أسباب التراجع الكبير لأسهم -ميتا-؟


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - تاج السر عثمان - النفط السوداني وآثاره علي الصراع الاقليمي والدولي