|
لا لأي تدخل سوري في لبنان
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2410 - 2008 / 9 / 20 - 10:27
المحور:
كتابات ساخرة
راجت في الآونة الأخيرة أخبار كثيرة ومتواترة، صيغت بأسلوب فيه الكثير من التودد والطلب لسوريا للقيام بتدخل عسكري ما في أكثر من بؤرة مستعرة ومشتعلة في لبنان "الحضاري" الشقيق، لوضع حد للاقتتال الأهلي في غير مكان داخل لبنان وإعادة الأمور إلى نصابها، وإطفاء الحريق. ( لقد بينت مواجهات نهر البارد والمعالجات الأمنية للجيش اللبناني لبعض الحوادث عن ضحالة معرفية وعدم خبرة مهنية جلبت كوارث وهزت صورة لبنان "الحضاري" أمام العالم). فسورية هي الدولة الوحيدة التي أثبتت بأنها القادرة على ذلك، من بين كل اللاعبين الإقليميين والدوليين، وتعرف دواء لبنان الناجع الحقيقي وحتى من دون إراقة قطرة دم واحدة، وذلك بعد أن فشلت إسرائيل وأمريكا وفرنسا في ذلك. هذا اللبنان لم يعرف أبناؤه طعم الأمن والأمان، ونعيم الاستقرار إلا في ظل الوجود العسكري السوري. ولكن هل بات هؤلاء لا يعرفوا كيف يتعايشون من دون السوري؟ وهل قدر السوري أن يحل مشاكل لبنان دائماً، وهل ستقع على سورية في كل مرة، مستقبلاً، مهمة حفظ الأمن اللبناني، رغم وجود تيار طويل عريض في لبنان، وما شاء الله عليه، واسمه تيار المستقبل اللبناني؟ لا شك، إنه عبء ثقيل. ولكن "معليش" يا لبنانيين ويا سوريين، و"حط بالخرج" السوري الذي يبدو أنه، والحمد لله، يتسع للكثير.
لقد شهد لبنان منذ وجود هذا الكيان المسخ الصغير، على حد تعبير البروفيسور اللبناني أسعد أبو خليل، عدة حروب أهلية مدمرة وفتاكة، ومعيبة جداً، في نفس الوقت، أتت على أزعومة فرادة الأنموذج اللبناني وقضت عليها وجردتها من أية صوابية ومصداقية على أرض الواقع، ونسفت معها كل الإشاعات والأقاويل عن رسالة لبنان الحضارية. هذا اللبنان يجب عليه أن يعلن توبته وهزيمته الحضارية الكبرى ويستقيل ويترجل عن الكثير من العروش المزيفة والأوهام والألقاب التي حملها وأسبغت عليه. فإذا كانت رسالة "لبنان الحضارية"، كما يزعم البعض، تنطوي على هذا الكم الهائل من التناحر والقبلية والحروب والصدام التنافري الدموي القبيح، فماذا ستكون عليه عندئذ، رسالة لبنان اللاحضارية، هذا إذا بقي أية حضارة أو أي شيء يقتتلون عليه؟ ( فطاحلة إعلان دمشق – بيروت، ما غيرهم، أصدروا بياناً دعوا فيه إلى ضرورة تصحيح العلاقة السورية اللبنانية، هكذا!!! ولا أدري، أولاً، ما هو شأنهم، وما هو محلهم من الإعراب، وما مدى ثقلهم السياسي، ومن هم أولاً وأخيراً، ومن فوضهم أصلاً، لفرض رؤاهم وحشر أنوفهم في قضايا وطنية وإستراتيجية هامة تستلزم إجماعاً وقبولاً شعبياً حيالها. ورغم ذلك، فنحن نشد على أياديهم، ونشكرهم جزيل الشكر على هذا الفتح السياسي والفكري المبين، وسنعلن انضمامنا لمشروعهم "الحضاري" الكبير، فوراً، لكن بشرط أن يقول لنا هل يستطيع اللبنانيون، أولاً، أن يصححوا العلاقة فيما بين أنفسهم، وفيما بين بعضهم البعض قبل أن يطلبوها من أي أحد آخر؟ وهل أتقنوا وتعلموا فن التعايش والتسامح فيما بينهم قبل التعايش مع الآخرين؟ فإذا كان اللبنانيون لا يعرفوا، حتى اليوم، كيف يتعايشوا مع بعضهم البعض، كأبناء بلد واحد ولغتهم هي التخوين والحروب والتهديد والوعيد فكيف سنطلب منهم أن يتعايشوا مع آخرين، هذا إذا اعتبرنا السوريين "آخرين" من أصله، أليس ذلك مطلباً تعجيزياً ومبالغاً فيه؟ ولله في معارضيه شؤون. من قادر أن يجمع اللبناني مع اللبناني، قبل أن نجمع اللبناني مع السوري يا فطاحلة الإعلان العجيب؟؟ أفيدونا أفادكم المولى العلي القدير. واللبنانيون حتى اليوم غير قادرين على إدارة بلدهم بالطريقة المثلى رغم الحروب المتتالية الدموية الفتاكة التي خاضوها ضد بعضهم البعض. ولا حاجة بنا، هنا، لتأكيد حقيقة ماثلة وهي أن فترة الوجود السوري في لبنان كانت واحدة من أزهى الفترات والمراحل الأمنية التاريخية التي عاشها اللبنانيون في عمرهم الزمني القصير، انخفضت فيها الحوادث والخروقات الأمنية إلى حدودها الدنيا التي تكاد لا تذكر، إلا ما رحم ربي، وما قام به بعض من ملوك الطوائف من اغتيالات ضد زعماء لبنانيين بارزين، غير أنهم، وياللعجب العجيب، يتصدرون اليوم زعامة "الرسالة الحضارية" اللبنانية. هكذا!!! المهم وما علينا، لبنان الحضاري، والحمد لله، اعتاد أن يخرج من حرب أهلية، لا لشيء، كلا وحاشا لله، إلا ليدخل في حرب مدمرة أخرى، تأتي على أخضره ويابسه، وتحصد أرواح أبنائه، من أجل أن تنشغل به سوريا لا غيرها، ومن أجل أن يبقى نفس ملوك الطوائف ولوردات حربه، على صدره ورقبته، يتاجرون برسالته الحضارية ويطنطنون بها أمام العالم المذهول من بؤس الحالة اللبنانية. فسوريا، وهذه الحال، وكلما دق "الكوز بالجرة"، و"علقت بلبنان"، ليست "فاضية"، أبداً، ولا وقت لديها لتصرفه على قضايا عبثية وإشكاليات خلافية جذرية، ولا طائل منها، وستبقى ما بقى هذا الكيان،. فمصلحة سوريا وشعبها واستقرارها وأمنها يتقدم، اليوم، على أية قضية إقليمية أخرى. والجهد والاهتمام، والمال، والتضحيات بالنفس والروح لخيرة أبناء سوريا وضباطها وجنودها الأبطال لم يفد في شيء، ولم يفلح في لبنان، وكله كان بلا شكر ولا جزاء، ويجب أن توجه كلها للصالح والداخل السوري. ولم يستطع لبنان "الحضاري" رغم كل ذلك أن يتعايش ويتعلم كيف يعيش مثل بقية خلق الله وشعوب الأرض التي تتعايش فيما بينها حتى في الأدغال، وظلت لغة الحرب والتهديد والوعيد والترصد هي اللغة السائدة في هذا المناخ السياسي.
ويعتبر لبنان بشكله، وتركيبته الحالية، وصيغته التوافقية، وهشاشة وضعه الأمني أنموذجاً مغرياً للفوضى الخلاقة والسعار الطائفي والمذهبي الذي سعى بوش وزمرته اليمينية المتصهينة والمتطرفة لتحقيقه. هنا، فقط، ويا لمحاسن الصدف، تصدق نبوءة لبنان الريادي، فيا لريادة اللبناني، ولله در هذا الوطن اللبناني الضعيف!!!( فالحضارة والفهم الحضاري، والاعتبارات الحضارية، هي وحدها، التي ألهمت، وألهبت قائداً عسكرياً مسؤولاً عن قطاع حربي لتقديم الشاي لجنود الاحتلال الإسرائيلي ويالخسارة الحاسدين والشامتين!!!). نعم لقد سبق لبنان مشروع المحافظين الجدد بعشرات السنين؟ هل ستتدخل سوريا لتخريج مزيد من "غراسين الشاي"؟ وهل هذا هو الأنموذج السياسي الذي يطلب البعض أن تحتذى به دول المنقطة؟؟؟ بذمتكم، هل هناك هراء وهذيان سياسي أكثر من هذا؟
إن استقرار لبنان هو في المجهول، ويدخل في باب الغيب السياسي، ولا يمكن التنبؤ، البتة، بما سيؤول إليه وضعه النهائي طالما بقي على هذه الدرجة من "الحضارة" والضلال السياسي. ومن هنا لا جدوى إلا من البقاء في موقف المتفرج على هذا السيرك الحضاري العجيب، ولتذهب إلى الجحيم كل دعاوي واعتبارات الأخوة، ونصرة الشقيق، التي لم تنفع يوماً، ولم يقدرها بعض اللبنانيين. وليعلموا، بعد ذلك كله، أن الله حق، ومعنى وأهمية دولة إقليمية كبرى كسوريا بالنسبة لجار صغير. ولا ننسى أن هناك فرصة مؤاتية الآن، ومع احتمال أن "يخلـّصوا" على بعضهم البعض هذه المرة.
ومن هذا الباب فقط، لا، بعد الآن، لأي تدخل سوري في لبنان "الحضاري" الذي لا يعرف لا كيف يتصرف، ولا كيف يعيش دون معونة ومساعدة مجند ، ومجرد عسكري سوري بسيط. . و"فخار يكسر بعضه".
ملاحظة هامة: لن تروا أيا من هذه المراثي السياسية والموشحات الوطنية في أي من مواقع المعارضة، ولا المخابرات السورية.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقلانية العرب: عبد الرزاق عيد أنموذجاً
-
تصريحات جنبلاط وإعلان دمشق للتغيير الديمغرافي
-
لماذا صوم رمضان فقط؟
-
مهند ونور، وهشام وسوزان
-
11/9 جديدة: اللهم شماتة
-
المعارضة السورية وسياسة التضليل
-
هل يكرهوننا حقاً؟
-
هل انتهت مغامرة خدام؟
-
لماذا سيخافون من الإسلام والمسلمين؟
-
الحقيقة وطلاب الحقيقة في سوريا
-
لبنان الكرامة والشعب العنيد: عذراً فيروز ومعذرة
-
العرب وغربة الأولمبياد
-
مذهب زغْلول النجّار
-
موريتانيا: عودة حليمة لعاداتها القديمة
-
الهروب إلى إسرائيل
-
قراصنة الخلف الطالح
-
فضائية خدّام
-
الحوار مع القردة والخنازير: فاقد الشيء لا يعطيه
-
التطبيع العربي العربي أولاً
-
نعم لاتحاد من أجل المتوسط
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|