أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسر العدل - غلابة ترسة . . !!














المزيد.....

غلابة ترسة . . !!


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 2389 - 2008 / 8 / 30 - 02:30
المحور: حقوق الانسان
    


يقول فصحاء العربية، أن الغلب ( بفتح الغين وكسر اللام) صفة لمن غلظ عنقه، فيكون الرجل أغلب وتكون المرأة غلباء، والجمع غلب ( بضم الغين وتسكين اللام)، وهو صفة للحديقة التى تكاثفت أشجارها والتفت، فيقولون حدائق غُلبا.

فصحاء العربية لم يكترثوا بالوقوف على أسباب غلظة العنق عند بعض الناس، فقد تكون الغلظة راجعة لتعنت ظالم انتفخت أوداجه وغلظ قلبه، يستبيح رقاب الضعفاء ضربا بالكفوف والنعال، يأكل حقوقهم ويسومهم سوء العذاب، تحشرج حناجرهم بالأنين، وتغلظ رقابهم بالأسى، يدفعون حزنهم فى قرب مقطوعة، ولا سامع لهم ولا مغيث.
يقول بسطاء المصريين عن الغلب ( بضم الغين وتسكين اللام) انه حالة إنسان شكلته طينة الأسى ليواجهه الحياة عاجزا قليل الحيلة، يدفع عن جسده عوامل الفقر المادى فلا تخور قواه، ويستجلب الثقة بنفسه فلا تنهار كرامته، ويصبح الفقير إنسانا داخل دائرة الغلب، ويكون الفقراء هم غلابة مستضعفين فى الأرض.

يقول أهل السواحل عن الترسة أنها نوع من السلاحف البحرية، يشيعون أن لجسدها خصائص فى جلب الحيوية للأجساد المنهكة، ويهيم بعضهم بشرب دمها والتغذى بلحمها، ويرى بعض أهل القرى والجبال أن فى عموم السلاحف أجزاء تصلح لعقد التعاويذ طردا للثعابين ودرءا للحسد وجلبا للذرية.

المعاصرون من أهل مدينة الجيزة اتخذوا من السلاحف عنوانا للصبر وطول التحمل، فأطلقوا اسم ترسة (أو ترسا) على شارع بمدينتهم مواز لشارع الهرم حيث الأهرامات والملاهى الليلية، ومواز لشارع الملك فيصل حيث المطاعم والمشاريع التجارية، وبرغم ذلك تقلصت الخدمات الحكومية فى شارع ترسة ليبقى مليئا بالغلابة والبيوت القديمة.
فى أخر شارع ترسة، على حافة ترعة المريوطية، دفع الغلب عشرات من العمال الفقراء، لأن يقضوا بقية لياليهم جثثا متراصة تنام على قارعة الطريق تحت الأضواء الخافتة لفوانيس الشارع، يرهقهم قيظ كل صيف ويصكهم برد كل شتاء، يتناوبون نعاسهم القلق فى بحار من مثيرات التناقض والأسى، فعلى مرأى من عيونهم المجهدة، تقبع أهرامات الجيزة والملاهى منكشفة ليلا بالأضواء والأصوات، وعلى مقربة من بطونهم الخاوية، تنتشر الفنادق والمطاعم والمقاهى يرتادها بعض المتخمين، ويشهد أبو الهول مزيدا من وقائع المعاناة لكثير من المصريين.

غلابة ترسة عمال تراحيل فقراء يتوافدون من القرى والنجوع البعيدة، هم فى مصرنا ألوف من الشباب والرجال، تغلظ البطالة فى ضرب أعناقهم، يملأون مناطق محددة من شوارع معروفة بكافة المدن، يرتدون أسمالا من الملابس الفقيرة، ينتعلون مراكيب ممزقة، يتراصون صباح كل يوم جثثا منهكة، يقوسها الجوع ويكمشها برد الشتاء، يمطها العطش ويقددها قيظ الصيف، يفترشون الأرض طلبا للعمل وبجوارهم أدوات صناعتهم، قطع حديد وفئوس وأزاميل وأخشاب وجلود من إطارات السيارات القديمة، يعرضون أنفسهم طوال اليوم للقيام بأعمال لا تحتاج إلى مهارات فنية متخصصة، ويتراصون مساء كل يوم جثثا منهكة، يلتحفون السماء فى نواصى الشوارع المظلمة، ويتغطون بالسقوف العارية داخل البنايات غير المكتملة، ينام معظمهم جلوس القرفصاء، تجنبا لرطوبة الأرض وتحسبا لمطاردة المتطفلين، ويتناوبن النعاس دفعات على الأرصفة فئة منهم تحرسها أخرى.

كلنا يرى الكثير من غلابة ترسة منتشرون فى معظم الشوارع دون قوانين تحميهم ظروف العمل العشوائى المؤقت، لا تتولى رعايتهم جمعيات أو نقابات ولا تسعى جهات متخصصة لإعادة تأهيلهم حرفيا ليمكن الاستفادة من جهودهم بدلا من تركهم عرضة لشغل السخرة وانتظار الإحسان من أصحاب البر.
إن غلابة ترسة هم مئات الألوف من قنابل البشر الموقوتة اجتماعيا واقتصاديا وأخلاقيا، غلظت رقاب كثير من المسئولين عن إدراك مشاكلهم، يحتاجون إلى بحوث علمية تدير أزمتهم وتبحث عن حلول لمشاكلهم قبل أن يفجعنا وقوع انفجار كبير.




#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن التحول الدينى
- الباشا . . مليونير
- أولها صحافة
- مرشح حكومى
- تسابيح ثورية
- بلطيم .. القوقعة
- الطريقة .. بَلٌبص
- نصائح سكانية
- فتاوى سكانية
- مقامك يا مكرم عبيد
- حين يصبح الغباء إرهابا
- بلاغ .. عن كتاباتى
- الدمايطة الجدد
- دعوة للثقافة 00 بشروط
- دعوة للثقافة ... بشروط
- أنا عاوز أتجٌوًز
- إنهم يأكلون سذاجة
- أولاد العم تاج
- رجل غراب ..وخُف جمل
- أنا شاهد وكنت يقظا


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسر العدل - غلابة ترسة . . !!