أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - أغنية - الكليب - وحقوق الإنسان















المزيد.....

أغنية - الكليب - وحقوق الإنسان


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 737 - 2004 / 2 / 7 - 05:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس أشق على النفس من تذكر مأساة الإنسان في هذا الزمان المليء بكل المشهيات المغرية التي توحي بأننا وصلنا برج السعادة التامة، أو أننا قاب قوسين أو أدنى من مدينة أفلاطون. لكن هيهات، فليس أضيع من الإنسانية على مآدب هذا العصر العولمي.
ربما أن علينا أن نستعيد أرسطو: الإنسان حيوان متعقل. وبالعودة إلى تقاليد أرسطو، فإن ذلك ربما يعني على وجه الدقة قدرة الإنسان على التفكير التجريدي المتماسك والمتجاوز بالضرورة لمستوى الحس المباشر. ربما أن الحسية المباشرة هي مستوى ما قبل الإنسانية بكثير. أحياناً يمكن لنا أن نتخيل أن الشمبانزي نفسه يعلو مستوى الحس الحيواني الأولي. مثلاً عندما يغازل فإنه يتقدم بشيء من الموز " لحبيبته " فإن أخذته وأكلته فهو عنوان الحب والرضا والقبول ,وإلا فإنه يتركها . إن درجة من العقل واحترام قرار " الآخر " وحريته هي محتوى سلوك الشمبانزي إذا شئنا استعارة لغة البشر أبناء جنسنا المساكين.
ماذا يحدث إذا سلبنا الكائن الإنساني القدرة على التفكير الحر، والاختيار المبني على العقل لا الغريزة؟ الإجابة طبعاً ودون مواربة هي: الإنسان ينتفي فعلاً، وإن بقي هناك كائن منتصب القامة وقادر على الكلام. فالكلام العاقل هو المعيار وليس أي كلام. يجب أن نسجل مرة بعد مرة أن البشرية تظهر فقط عندما تتراجع الأسطورة عن التحكم بالموقف لمصلحة الاختيار العقلاني. وحيثما توجه الغرائز المسيرة لا يوجد إنسان، مهما بدا أن التفاصيل مثيرة وجميلة. لنتذكر مثلاً أن النحل يمتاز بالنظافة والنظام الشديدين، لكنه لا يستطيع إلا ذلك. أما الإنسان فإنه قادر على أن يكون نظيفاً أو لا يكون. إن بإمكاني أن أترك فنجان القهوة يجف ويصبح تنظيفه مما علق به من بقايا البن عملية شاقة، لكن بإمكاني تنظيفه أولا، أما النحل فلا يستطيع إلا أن يبعد عود الثقاب الملقى داخل الخلية فوراً ودون أدنى تأخير لأنه ببساطة عبد للغريزة، أما نحن فلسنا كذلك.
لكن إذا أخذنا هذه المقاييس شروطاً لبزوغ الإنسانية الحقة فهل نستطيع الزعم بأن عصرنا هو خير العصور؟ الحق أن حرية الإنسان الداخلية اليوم هي  في أسوأ أوضاعها. وبغض النظر عن مزاعم الليبرالية واللبرالية الجديدة بحريات الرأسمالية وطبعتها المعولمة، فإنها في الواقع حرية دستورية شكلية لا علاقة لها باستعباد الإنسان من قبل قوانين السوق ووسائل الإعلام الجمعي التي تسلب قدرته الأهم على أن يكون ما هو: كائناً مفكراً وعاقلاً. وانطلاقاً من ذلك، يصعب القول أن البشر اليوم أحرار أكثر مما كانوا أيام الإغريق أو أيام الحضارة العربية الكلاسيكية.
حضرني هذا كله وأنا أستمع للمبدعة ماجدة الرومي وهي تبكي تقريباً جمهوراً غير قادر على الاستماع إلى الأغنية. وقد لاحظت ماجدة بكل اقتدار ودقة أن الأغنية التي تبث على مدار الساعة عبر سيل الفضائيات الذي لا ينقطع هي في الواقع أغنية تشاهد ولا تسمع. إذ أنها تخلو من الكلمات ومن الموسيقى ومن الصوت، ولكنها تمتلئ بالغنج والنساء المثيرات جنسياً والشبان الوسيمين. في الأغنية كل شيء ما عدا الأغنية؛ فيها كل مظاهر الاستهلاك العولمي: ملابس وسيارات ومطاعم ورقص وعطور ومكياج ومأكولات. دعوات لا تنتهي للاستهلاك بكافة أشكاله. وغني عن البيان أن الأغنية الراهنة تتمتع بإيقاع غربي أو بلدي بسيط ويتلاءم مع الرقص ومع الإثارة، وهذا هو كل ما هنالك. لكن ذلك ليس من فن الأغنية في شيء. وأود أن أؤكد أنه عملاً بقواعد السوق يمكن لنا أن نقول " إن الجمهور عايز كده ". لكن تدمير ذوق الناس مع التذرع بأن هذه رغبته هي أمر غير جائز فيما نزعم. ونظن ذلك اعتداء على واحد من أهم حقوق الإنسان، وذلك حقه في أن يكون إنساناً، إذ بعد سحب سمة العقل من الإنسان واللعب على غرائزه، ماذا بقي من فائدة في الكلام على الحريات بما فيها حرية الاختيار عبر مؤثرات السوق ومغرياتها الهائلة؟
وإذا جاز لأحد أن يقول أن الكبار هم أحرار في مواجهة آليات السوق الضخمة، فإن الصغار بالطبع لا يمكن أن يكونوا أحراراً في ذلك. وإنني حقاً أود أن أتساءل: كم فرصة الطفل والمراهق وحتى الشاب والكبير على الاستماع لفيروز عبر الفضائيات؟ وما هي فرصتهم في الاستماع لماجدة الرومي التي تهتف للخير اللي كان. ولكن هل يمتلك العربي المعاصر طفلاً أو راشداً أي خيار لاكتشاف وجود مارسيل خليفة أو ظاهرة الشيخ إمام. وهل هناك من طريقة للاصطدام برقصة سالومي أو بحيرة البجع أو ضربات القدر ؟ الإجابة طبعاً لا تحتاج إلى أي إضاءة. ونحن ندرك كم هو هامش الحريات الليبرالية ضيق عند التساؤل عن الفن الجاد الملتزم أو حتى الفن الغربي الراقي الذي لا تحظره الرقابة من حيث المبدأ لكنه محظور في الممارسة الفعلية.
إن من حق الإنسان وهذا بعض ما يخبرنا به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن يتلقى تعليماً وتربية تسهم في نموه من كافة النواحي وتطور قدراته العقلية وقدرته على تذوق الحياة والجمال والأخلاق .الخ وإن من الواجب حماية الأطفال مما يفسد احتمالات نموهم السوي كائنات إنسانية عاقلة وخيرة ومبدعة وذواقة. لكن علينا أن ندين دون هوادة انطلاقاً من هذه المبادئ ذلك السيل المجنون من الفضائيات ووسائط الإعلام الجمعي التي تقوم بكل ما يجب لتحويل الإنسان " روبوت " شهواني مسيراً وعبداً لشهواته وغير قادر مطلقاً على مواجهة جاذبية المعروض في السوق مهما كان نوع السلعة أو اسمها أو مستواها. إنه تدمير منظم لإنسانية البشر من أجل مصلحة الاستهلاك. وهكذا يتضح لنا ربما مثلما كان قد اتضح لرجال مثل ماركس منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً أن الرأسمال يصنم الاستهلاك مضحياً بالإنسان في مصلحة تحقيق الربح. وواضح أن ذلك لا يحدث بالعرض، وإنما هو مرافق ضروري إذا جاز القول للرأسمالية: فالربح هو سيد الموقف، ولذلك فإن كل القيم يمكن التضحية بها على ذلك المذبح وحتى لو كان ذلك إنسانية البشر ذاتها حيث يتحولون إلى أدوات طيعة لا نواة لها ولا قدرة على  التفكير والاختيار. إن مواجهة ذلك تتطلب على رأي الجملية ماجدة الرومي اصطفافاً واسعاً لكل القادرين على مواصلة الحلم الإنساني والهتاف باسم الإنسان وحقوقه في زمن الماكينة العولمية الصماء.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الفرق بين الإرهاب والمقاومة إلى إبراهيم وبقية الضحايا
- حقوق الإنسان لا تكون إلا اشتراكية
- العقيد القذافي
- في فلسطين شهادة عليا لكل أسرة نظرة إلى التعليم ما بعد أسلو
- الليل وآخره
- العولمة، المتوسطية، والشرق أوسطية
- رحلة البحث عن المعنى
- حساب الأجيال
- تصفية المقاومة غايتها الأسمى: قراءة في النص الرسمي لخريطة ال ...
- الجماهير هي الخندق الوحيد الجماهير هي الخندق الأخير
- أمريكا تواصل حروبها التحريرية
- وأخيراً: أمريكا لا تمثل المسيحية
- تطويع المنطق في خدمة - عملية نهب العراق
- من يوقف هتلر الجديد؟
- الميلودراما العراقية الفلسطينية
- السيرك العربي وخروف العيد العراقي
- حقوق الإنسان بين الخصوصية والعالمية
- العراق وأوروبا وخروج العرب من التاريخ
- السيف والنار في فتح السودان
- حول تأسيس المجتمع مدني


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - أغنية - الكليب - وحقوق الإنسان