طلال الشريف
الحوار المتمدن-العدد: 2380 - 2008 / 8 / 21 - 01:13
المحور:
القضية الفلسطينية
المتمني من الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة، بحدوث انتفاضة على سلطة انقلاب حماس، وأقول انقلاب حماس، ليس كما يقول الفتحاويون، أن الانقلاب أتى على سلطتهم، أو ضدها، أو كما يصوره البعض، أنه انقلاب على منظمة التحرير، لأن منظمة التحرير، كانت إلي وقت الانقلاب في أدراج السلطة، ولا زالت، رغم ما يحاول البعض من التجمل، أو، الادعاء بغير ذلك. وأنا من المؤيدين بشدة لمنظمة التحرير، و كأي فلسطيني، يعتبر أن هذه المؤسسة، بمثابة الحاضنة للنضال الوطني الفلسطيني، والأهم، هي المرجعية الوحيدة للسلطة الوطنية الفلسطينية، أيا كان صاحب الأغلبية في انتخابات سابقة، أو، لاحقة، جرت، أو، ستجري علي مستوي المجلس التشريعي، وهذه حقيقة، لا مفر منها، مهما جرى من محاولات لطمس هذه المنظمة، من أصحابها، كما حدث بعد أوسلو، أو كما تتمنى حماس، أو أي فصيل آخر، آنياً، أو، مستقبلاً.
أقول انقلاب حماس، الذي انقلب على صندوق الانتخابات، الذي جاء بحماس إلي الأغلبية من خلاله، في انتخابات المجلس التشريعي في يناير 2006م، وحاولت معها أطراف عدة داخلياً، وخارجياً، عربياً، أو، إسلامياً، إقليمياً، أو، دولياً، سواء بالانطلاق من فهم حقيقي لتمثيل الشعب الفلسطيني بشكل عام، أو بدون فهم لتركيبة المؤسسات الفلسطينية، والدليل علي ذلك، هو عدم إجراء انتخابات للفلسطينيين خارج الضفة الغربية، وقطاع غزة، أي أن منظمة التحرير الفلسطينية مازالت هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذه حقيقة ثانية لا مفر منها أيضاً.
إذن انقلاب حماس جاء على صندوق الانتخابات، التي كان عليها، أن تستخدم الأدوات الديمقراطية المكملة للعملية الديمقراطية، التي جاءت من خلالها، وقبلت بمشاركتها بهذه اللعبة المتكاملة الحيثيات والقواعد.
وهنا، مهما قالت حماس من تبريرات، بعدم انصياع الأجهزة الأمنيةـ وكل مكونات السلطة ووزاراتها قبل الانقلاب، فكان عليها التحلي بقدر أكبر من السياسة عما جرى، وعدم الخروج إلى استخدام العنف، والقوة، وبالشكل الذي حدث، وكان على حماس، وخاصة رئيس الوزراء ووزير الداخلية أن يخرجوا للجمهور أنهم بصدد اتخاذ قرارات في مجلس الوزراء، وبعلم الجميع، لكسر شوكة المتمردين على قرارات رئاسة الوزراء، ووزارة الداخلية، بدل الادعاء، بوجود تحضيرات للانقلاب علي حماس، والذي بانت حقائقه واضحة بعد ذلك، من ضعف سلطة هؤلاء التي ادعت حماس بمؤامرتهم، وسيطرة حماس على مقاليد الأمور بسرعة البرق، مما يدل على عدم وجود ما كانت تدعيه حماس من مؤامرة، ولو كان كذلك لأصبحت حماس في خبر كان، وهذه حقيقة ثالثة.
أما، وما حدث قد حدث، من انقلاب حماس علي العملية الديمقراطية وأدواتها، وممارساتها، وقد مر عام ونيف على هذا الانقلاب، ولا زالت حماس، تمسك بقبضتها على مقاليد الأمور في قطاع غزة، وقد كانت هناك أخطاء، وسلبيات، وعنف، وتصفيات للمناوئين بطريقة، أو، بأخرى، وامتدت الأخطاء وردود الأفعال أيضاً إلي السلطة في الضفة الغربية، وليس هنا مجال الرصد، والتوثيق.
ولكن، الحديث عن الحالة، بشكل عام في قطاع غزة، يظهر أن حماس، مازالت متماسكة، رغم وجود الأخطاء، والخلافات، حتى في داخلها، ومازالت، تسيطر على الوضع بقوة، ولم تشكل أية محاولات، حتى الآن، من خطورة علي الوضع هنا في غزة، نحو انتفاضة الناس على حماس، رغم ما يشتكون منه، ويتذمرون، إن على صعيد المعاناة من الحصار، أو، انفلاش الكثيرين، من الذين أيدوا حماس من الجمهور غير الحمساوي في انتخابات التشريعي، أو، وقت الانقلاب، أو بعده.
فالشارع يتحدث كثيرا، ويتذمر، ولكنه منضبط بقوة سيطرة حماس، أو، بعدم القناعة للثورة، أو الخوف من العقاب، رغم إجماع المواطنين جميعاً، بأنهم في مأزق، ويريدون تغيير حالهم، وقد بقيت الحالة الاستاتيكية في نطاق السيطرة من الأجهزة الأمنية الجديدة كلية، ولم تنتج، ما يتمناه، من يتوق إلي ذلك، لأسباب عدة وأهمها على سبيل التركيز:
1- أن قطاع غزة لا يوجد به غير السكان، أي القوي البشرية كما نسميها، والتي أصبحت مصادر دخلهم مرتبطة ارتباطاً حيوياً بعقلية هؤلاء الناس، وظرفهم غبر الطبيعي، بعد أن هوت إلي العمق السحيق كل الشعارات التي كانوا يؤمنون بها حول قضيتهم الوطنية، بفعل التجربة البائسة في إدارة مقاليد الأمور، قبل الانقلاب، وطريقة الانقلاب، وما بعده، من حالة مفجعة، من وضوح للصراع علي السلطة، فجعلهم ينحازون، فقط، للقمة العيش على المدى المنظور، مضافاً إليه غياب العدالة على مر السنوات الخمسة عشر السابقة، منذ أوسلو، والي وقتنا الراهن، والتفاصيل كثيرة، وهذه حقيقة رابعة.
2- ينقسم الناس هنا في غزة، من حيث الدخل حالياً، في غالبيتهم، إلي موظفين، أو، منتسبين إلي العمل الحكومي، أيا كانت الوزارات، والأجهزة، السابقة، أو، الحالية، إلي قسمين، القسم الأول، هم المنتسبين لراتب رام لله، والموالين بصراحة إلي فتح، وهؤلاء لهم رواتب، ومتأخرات، لا زالت، تصرف لهم من رام الله، وهم جالسون، بلا عمل، أو، جهد مطلوب، ومنزوون عن الحياة العامة في معظمهم، من أقعد منهم، أو، من لا يزال، دون تقاعد أو متفرغا للتنظيم. والقسم الثاني، هم المنتسبين لراتب غزة،والموالين لحماس، ويعملون في أجهزتها الأمنية، ووزاراتها، ومؤسساتها، وتنظيمها، وهؤلاء أيضاً، أصبحت لديهم ارتباطات حيوية بالراتب، والوظيفة، وكل هؤلاء جميعا من فتح، أو، حماس، من المنتفعين، ليس، في إستراتيجيتهم، أو تفكيرهم محاولة تغيير الواقع، وتغيير ما هم عليه، رغم أمنيات القسم الأول باستعادة المجد السابق، في مقابل استماتة القسم الثاني للحفاظ على وظائفهم، ولذلك فالقسمين المذكورين، وهم كم كبير معطل من القوي البشرية، التي تحتاجها الانتفاضة على سلطة حماس.
3- وهناك قسمان آخران كبيران، ولكن، ليس بحجم قسمي العمل الحكومي، وهم موظفو المؤسسات غير الحكومية، من موظفي وكالة الغوث، والعاملين بالمنظمات الأهلية المحلية، والدولية، وهؤلاء، لم يتبق منهم، إلا القليل، ممن يهتم بالشأن العام، وأصبح لا يهمهم من يكون في السلطة، ونتيجة للأسباب نفسها، التي ذكرتها مسبقا.
هناك كم، أيضاً، ممن تولدت لديهم مصادر دخل جديدة، مثل تجار الأنفاق، والتهريب عبر الحدود، وشريحة كبيرة من الأطباء، والعاملين في المجال الصحي الخاص، الذين ازداد الإقبال عليهم نتيجة الحصار، وعدم تمكن الجمهور من الحركة خارج القطاع، وشرائح جديدة من التجار الصغار، والكبار للأراضي، والأسلحة، والعقارات، وهؤلاء يحتاجون مثل أجواء الانقسام، وهناك كم لا بأس به من محترفي الحصول على المساعدات، والكوبونات، فهؤلاء يتوالدون حسب الظروف، والسلطة الحاكمة. ولم يتبق إلا العمال الذين يحاولون تدبر رزقهم، وهؤلاء أيضا منقسمون بين السلطتين، ومن يوفر لهم بطالة، أو مساعدة، وحالتهم استاتيكية أيضاً.
هذا كله أدى إلي انقسام بالرغبات، وحتى، التفكير بالتغيير، وكما ترون، فالمصالح الخاصة، هي التي أصبحت تحرك الناس في قطاع غزة، وعلى خلفية اقتصادية بحتة، مضافا إليها، عامل هام، وخطير، يتعلق بغياب التغيير في أداء السلطة في رام الله، والخلافات التي مازالت تعصف بحركة فتح، ولم يشهد الجمهور في قطاع غزة أي خطوات ايجابية للملمة حركة فتح، أو، عقد مؤتمرها السادس، أو ظهور أي بوادر لعقد اجتماعات، ولو طارئة للمجلس المركزي، أو للمجلس الوطني، أو، أي تغييرات علي اللجنة التنفيذية، تقول للناس هنا بأن هناك أمل في التغيير، رغم خطورة الوضع القادم علي خلفية الشرعيات من جديد، ولا حتى بوادر للتوصل إلي نتائج للمفاوضات مع الاسرائليين .
ولهذا لم تحدث، ولن تحدث في المنظور القريب، أية تحركات جماهيرية فاعلة في القطاع، ويبقي أمام القادة مواصلة البحث عن حلول أخرى، وعلى رأسها الحوار الوطني الجاد والسريع قبل تفاقم الوضع الفلسطيني ، أو حل السلطة بمجملها، لكي لا تتواصل الخلافات، التي سوف تطيح بآمال الشعب الفلسطيني، إذا ما كان هناك من أمل بعد هذه الكارثة، التي أحلت بقضيتنا الوطنية.
#طلال_الشريف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟