أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حصاد العمر(3)















المزيد.....

حصاد العمر(3)


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 2362 - 2008 / 8 / 3 - 11:04
المحور: سيرة ذاتية
    


لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي الجبر(أبو هادي)
كان العراق يمر بفترة عصيبة ومهمة تلك الأيام وكانت الوزارة القائمة تسعى للتوقيع على اتفاقية مذلة مع الحكومة البريطانية،وعقد أحلاف جديدة مع الدول المرتبطة بالتاج البريطاني،منها حلف الشرق الأوسط والهلال الخصيب وحلف بغداد،وكان قد توجه الى بغداد في تلك الفترة وزير خارجية تركيا(عدنان مندريس)فكانت المظاهرات العاصفة في بغداد قد استقبلت الوزير التركي استقبالا يليق بجنابة الكريم حيث هوجم من قبل الجماهير الغاضبة بقشور الطماطم والبيض الفاسد وكنا وقتها في إعدادية الزراعة فشاركنا الجماهير العراقية في مظاهراتها،وقد أصبح انتمائي رسميا للحزب الشيوعي العراق،فكان الحزب يكلفنا بمهام كثيرة منها الكتابة على الجدران أو توزيع البيانات ولصق المنشورات فكنت مع أخي ورفيقي وزميلي وأكبر قيمة في حياتي حميد مجيد الذي رافقته لسنين طويلة واشتركت معه في كل شيء وكنا نتقاسم الدينار ولقمة الزاد بيننا سواء عندما كنت طالبا أو بعد أن أصبحت موظفا،،وكانت هناك لجنة عليا لإدارة عمل الخلايا الموزعة على الأحياء البغدادية،كنا نرتبط بها مباشرة وذات مرة كلفت أنا والأخ حميد بمهمة كتابة شعارات وطنية على الجدران في منطقة العوينة،وأثناء قيامنا بالواجب هاجمنا مجموعة لم نكن نعرف هل هي جهات أمنية أم من العناصر المعادية للحزب،فتركنا المنطقة وتوجهنا الى منطقة أخرى بعد أن قام الرفيق حميد برمي علبة الصبغ عليهم مما أعاقهم عن اللحاق بنا،وقد قام الحراس الليليين بإطلاق صفاراتهم لتنبيه الآخرين بوجود طارئ يستدعي التحرك والإمساك بالموجودين في ذلك الوقت،ولكنا تمكنا من الإفلات منهم لمساعدة الأهالي لنا حيث اختفينا في أحد الدور ثم عدنا الى منطقتنا بعد انتهاء الأزمة.
وبقيت في بغداد للسنوات من 1951 الى 1954 أمارس عملي النضالي مشاركا في التظاهرات والفعاليات الأخرى ،وعندما حدثت ثورة تموز في مصر عام 1953 نشطت الحكومة البريطانية وعملائها في المنطقة لتشكيل الأحلاف للقضاء على الثورة المصرية وتطويقها فكانت بغداد مركز الثقل في المؤامرات الساعية لإجهاض الثورة المصرية بما يتمتع به نوري السعيد من ثقة كبيرة من قبل أسياده الغربيين،وخشية امتداد الثورة باتجاه الدول الأخرى،وكانت تحركاتنا تنصب للوقوف بوجه الأحلاف البغيضة التي تخطط لها الدوائر الاستعمارية،وذات يوم من أيام تشرين الثاني 1952 وبمبادرة من طلبة كلية الصيدلة خرجت تظاهرات حاشدة شارك فيها الآلاف من طلبة الكليات والمعاهد والثانويات الى جانب العمال والطبقات الشعبية الأخرى،وقد تحركت المظاهرة من باب المعظم باتجاه شارع الرشيد وقد تصدت لها الشرطة وقوى الأمن في محاولة لتفريقها إلا أنها استمرت بالمسير حتى وصلت الى ما يسمى حاليا بساحة الرصافي،فقامت الشرطة السيارة التي استعانت بها السلطة آنذاك بمهاجمة المتظاهرين،وقامت الجماهير بالهجوم على مبنى الاستعلامات الأمريكي وبعثرت محتوياته وقامت بإحراق ملصقاته الإعلامية،وكنت من ضمن اللذين هاجموا المركز المذكور،وصعدنا الى الطابق الثاني من المبنى ،وكانت هناك خطة لإحراق المبنى،قامت بها بعض العناصر غير المنظمة وقام البعض بسرقة محتويات المبنى من الطارئين على المظاهرة،ولعلهم من عملاء السلطة وأمنها لغرض تشويه سمعة المتظاهرين،وبعد إحراق المبنى خرجنا باتجاه شارع الرشيد وكانت النسوة تزغرد للمتظاهرين وتحمل أوعية الماء لتوزيعها عليهم،وقطع القماش ليقوموا بمسح أوجههم من الدخان وإزالة آثار الغازات المسيلة للدموع التي قامت الشرطة السيارة بإطلاقها على المتظاهرين،وواصلنا مسيرتنا بحشود كثيفة منتظمة وقد شارك بالمظاهرة ألاف مؤلفة من الطلبة والعمال والكسبة،وهتفت بسقوط العائلة المالكة ولكن الجماهير لم تردد هتافي الذي يبدوا أنه خارج ما خطط له وأتفق عليه،واستمرت المظاهرة حتى وصلنا الى الباب الشرقي ثم انعطفنا الى شارع الشيخ عمر،وهناك حدثت الطامة الكبرى حيث تجمع المتظاهرون أمام مخفر شرطة باب الشيخ،وقد خرج الشرطة وسمحوا بمسير المظاهرة ولكن كانت هناك أيدي خفية تعمل وفق تخطيط لم يكن ضمن ما خطط له المتظاهرين،ففيما كنا متحلقين حول المركز جاء رجل في العقد الثالث من العمر يرتدي بنطلون خاكي فدعا مجموعة من المتظاهرين للحاق به ونادى علي طالبا مني اللحاق به،ودخلنا الى دار خلف مركز الشرطة،فوجدت هناك مجموعة من الناس وقد هيئوا صحيفة مملوءة بالنفط الأبيض،فصعد الى السطح ونحن معه وطلب منا أن نخفض رؤوسنا حتى لا يرانا الشرطة القناصة المختبئين في مكان ما ويطلقون النار على المواطنين من مرقد الشيخ الذي يقع مقابل مخفر الشرطة،فأحنينا رؤوسنا وأصبحنا فوق سطح المركز فوجدنا سلة فيها أوراق وكارتون فسكب فوقها النفط وأشعلها ورماها في وسط المخفر وسكب فوقها النفط فاشتعلت النار في المخفر،وقام الناس برمي ما يقع في أيديهم من أخشاب وقماش وكارتون فازداد لهيب النار وأتت على غرف المخفر التي التهمتها النيران،وانسحبنا نحن المجموعة المنفذة من طريق آخر،وتفرقت المظاهرة،فانسحبت الى منطقة أخرى ،وفي المساء صدرت أرادة ملكية بإسقاط الحكومة المدنية وأعلن عن تشكيل حكومة عسكرية فأعلنت حالة الطوارئ والأحكام العرفية.
ولم تثني هذه الأمور الجماهير الثائرة ففي صبيحة اليوم التالي نزلت الجماهير الى الشوارع توجهنا الى مستشفى المجيدية لاستلام جثامين الشهداء الذين استشهدوا برصاص الشرطة في اليوم الماضي لتشييعها وفعلا دخلنا الى الطب العدلي وأخذنا من نعرفهم من الشهداء،وكانت هناك جثث لأفراد من الشرطة قتلوا من قبل المتظاهرين وهي متيبسة ومحروقة،وضعنا الشهداء في التوابيت،وبدأت المسيرة الكبرى التي أرعبت الحكومة فاستعانت بالجيش الذي نزل الى شوارع العاصمة لإيقاف التدهور ومنع التظاهر،وهذا ما ليس في طاقة المتظاهرين،وكنا نسير دون توقف ونحمل توابيت الشهداء المغطاة بالورود،وتسير خلفنا مدرعات الجيش،واجتزنا شارع الرشيد ثم الباب الشرقي وتوجهنا باتجاه شارع الشيخ معروف،حتى وصلنا الى مثلث ساحة باب المعظم،وهناك قامت قوات الحكومة التي أخذت من سطوح البنايات العالية مواضع لها بإطلاق النار على المتظاهرين،وقد سقط العديد من القتلى والجرحى،وتفرقت المظاهرة،فأصدرت الحكومة بياناتها التي أوقفت فيها الدراسة في الكليات والمعاهد والمدارس الأخرى،وقد توجهت الى إعدادية الزراعة في أبو غريب ودخلت الى القسم الداخلي وقد تستر زملائي الطلبة ولم يصل الأمر الى المدير.
ولتعطيل الدراسة في عموم العاصمة توجهنا الى أهالينا،وهناك اختفيت عن الأنظار خشية الأخبار عني بعد أن أخذت القوى الأمنية باعتقال المشاركين في المظاهرة رغم أني في القرية وعدم احتمالية إلقاء القبض علي،ولكن هكذا الخوف يعمل عمله،وقامت السلطة الملكية بإصدار قوائم بأسماء الطلاب المشاركين في المظاهرة ،وصدرت القرارات بفصلهم نهائيا من الدراسة،وهنا أخبرت والدي بأني من المشاركين في التظاهرة،وطلبت منه التوجه الى الإعدادية لمعرفة هل أسمي من بين المفصولين،وفعلا توجه والدي الى إعدادية الزراعة في أبو غريب،واخذ معه أحد معارفه الأستاذ خليل الذي له علاقة بمعاون المدير،والتقى به وكلمه حول الموضوع ،فاشترط عليه أن لا أشارك في أي تظاهرة أو إضراب في المستقبل،فقبلت الأمر ظاهرا،وعندما بدأت الدراسة عدت الى الإعدادية ،ولكن بعد أيام علمنا أن الحكومة قد منحت الطلبة إكرامية قدرها ستة دنانير لشراء ملابس شتوية،وعندما راجعنا الإعدادية التابعة لوزارة الزراعة أخبرتنا الإدارة بعدم شمولنا بهذه المكرمة لأنها تخص وزارة التربية فقط،وكنت حينها في الصف الثاني،وكان الطلبة يدا واحدة فأستقر رأينا على القيام بإضراب عن الدوام لحين شمولنا بالمكرمة أسوة بالطلبة الآخرين،وقد اتفقت جميع الأطراف على ذلك وكان بيننا الطالب محمد سعيد السامرائي من الأخوان المسلمين،وطلبة أكراد وآخرين قوميين ونحن الشيوعيين الذين نشكل الأكثرية،فقررنا القيام بالإضراب عن الطعام،وعندما دخلنا الى المطعم وجلسنا على المائدة جيء لنا بالطعام فرفضنا تناوله،عندها جاء المدير والمدرسين متسائلين عن سبب الامتناع عن تناول الطعام،فأخبرناهم بضرورة شمولنا بمخصصات الملابس أسوة بالطلبة الآخرين وفي المساء التقينا بطلاب الصف الأول وكان يقود مجموعتهم هاشم قدوري،ويقود صفنا كاظم السعيد الذي كان الأبرز بين الطلبة فاتفقوا على مشاركتنا الإضراب وتضامن معنا طلبة كلية الزراعة أيضا،وألقيت كلمات حماسية وقصائد،وفي اليوم الثاني أضربنا جميعا عن الدراسة،وكنا أنا وبعض الرفاق منهم إبراهيم الحاج علي نذهب الى بغداد لجلب الصمون مع الدبس والراشي ونأتي بها سرا الى المدرسة بدون علم الإدارة،حيث نقوم بتوزيعها سرا على الطلاب فيما كان إضرابنا العلني معروفا للإدارة،وفي اليوم الثالث استجابت الإدارة لمطالبنا حيث حصلت الموافقة على صرف المنحة أسوة بطلبة وزارة المعارف وبذل حقق الطلبة انتصارهم الأول على أدارة الكلية،مما حفزنا على الوحدة ،والعمل يد واحدة لتحقيق مطالب الطلبة وسائر المواطنين،وقد شكلنا وفدا من الطلبة لمختلف المراحل لتقديم الشكر الى الإدارة على تجاوبها معنا وسعيها لتحقيق مصالحنا،وبذلك تمكنا من كسب الإدارة الى جانبنا في القادم من الأيام.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصاد العمر..(2)
- من هو الأخطر ..البعث أم القاعدة (2)
- حصاد العمر..(1) لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي(أبو هاد ...
- من هو الأخطر..البعث أم القاعدة (1)
- (لو كل يوم جلمة جا ختمنه القاموس)
- أكذب أكذب حتى يصدقك الناس/2
- إلى أين تمضي القافلة بالصحفيين العراقيين
- نفق سجن الحلة ملحمة الملاحم في مسيرة الشيوعيين العراقيين
- أكذب ..أكذب حتى يصدقك الناس
- وعند جهينة الخبر اليقين (حول مجزرة قصر الرحاب)
- مجزرة قصر الرحاب صورة للعراق عبر التاريخ(3)
- مجزرة قصر الرحاب صورة للعراق عبر التاريخ (2)
- مجزرة قصر الرحاب صورة للعراق عبر التاريخ(1)
- عيش يا...لمن يجيك الربيع
- الحاج سعود المشهد...المضيف والراية الشيوعية 1
- عائلة علي قنبر الشيوعية
- تصورات يائسة
- 14 تموز الخالد انقلاب تحول إلى ثورة
- الشهيد محمد النعمان (أبو نجاح)
- باق وأعمار الطغاة قصلمناسبة الذكرى(45) لانتفاضة الرشيد الباس ...


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حصاد العمر(3)