إنتفاضة عمالية في الكويت ... عمال وافدين ام عبيد مُستغَلّين ؟

جهاد عقل
(Jhad Akel)

الحوار المتمدن-العدد: 2359 - 2008 / 7 / 31 - 10:56
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

منذ عدة أيام تتواصل إنتفاضة آلاف العمال الآسيويين الوافدين في الكويت ، هذه الإنتفاضة التي إنفجرت ضمن الغضب العمالي المُحتقن في نفوس العمال من بنغلادش وغيرها من الدول الآسيوية ،ممن يعملون في سوق العمل الكويتي ، عن طريق ما يُسمى بنظام الكفيل .

الغضب العمالي المنفجر تعرض يوم امس الأول الى قمع عنيف من قبل وحدات القوات الخاصة الكويتية التي إستعملت الغاز المسيل للدموع والهراوات والقنابل الصوتية لال هجومها على العمال المتظاهرين ، وفق ما اكدته وسائل افعلام الكويتية ، وقامت بإعتقال اكثر من الف عامل معظمهممن العمال القادمين من بغلادش ، والذين قاموا بغنتفاضتهم هذه على خلفية تعرضهم للإستغلال الفظيع من قبل أصحاب شركات القوى العاملة الناشطة في الكويت تحت إسم نظام الكفيل . الصور التي نشرتها الصحف الكويتية والتلفزيون الكويتي والتي نقلت من خلالها عمليات القمع البوليسي ضد العمال المتظاهرين تقشعر لها الأبدان لفظاعتها ، حيث سال دم العمال المتظاهرين جراء الضرب بالهراوات ن حتى بعد القاء القبض عليهم وتم زج اكثر من الف عامل بنغالي وآسيوي في إحدى السجون العسكرية في إنتظار ترحيلهم على متن طائرات الى بلادهم .

الأسباب لهذا الإنفجار ل "بني – بنغال " كما عنونت إحدى الصحف الكويتية خبرها الذي جاء على الصفحة الأولى وتناولت فيه خبر الإنتفاضة الكبرى التي قام بها العمال الوافدين ، وقد لمسنا شبه إجماع فيما نشرته وسائل الإعلام الكويتية ومنذ إنطلاق الإنتفاضة العمالية نهاية الأسبوع الماضي ،بأنها جاءت على خلفية ظاهرة الإستغلال الفظيع الذي تقوم به شركات القوى العاملة التي تنشط وفق نظام الكفيل ،ويتمحور هذا الإستغلال في عدة امور منها حشر العمال في أماكن سكن لا تليق بالبشر ، والقيام بإستغلالهم من خلال فرض نظام الحصار عليهم وإجبارهم على تلقي النزر القليل من الحاجيات المعيشية من مراكز البيع التي يملكها أصحاب تلك الشركات وتشغيلهم ساعات عمل تتعدى ال-12- 16 ساعة .

لكن السبب الأهم لهذه الإنتفاضة يكمن في عمليات القمع التي يتعرض لها هؤلاء العمال ن وفي مقدمتها عدم دفع الأجر الذي يستحقه العمال في موعده ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر يتضح ان شركات السمسرة وأصحابها يقومون بسلب العمال اكثرية الأجور التي يستحقونها وفق عقد العمل الذي تم توقيعه في مكاتب الشركة ببلادهم قبل القدوم الى الكويت . حيث يجري الإتفاق مثلاً على دفع أجرة شهرية للعامل الذي يعمل في النظافة بالبلديات او المكاتب الحكومية وغيرها من المؤسسات تبلغ ما بين 20 – 50 دينار كويتي وهو مبلغ زهيد إذا ما اخذنا بعين الإعتبار الرسوم التي يدفعها العامل للشركة والسماسرة من اجل الحصول على عقد عمل والتي تصل الى مبالغ طائلة يقوم العامل بالحصول عليها كقرض أو مقابل رهن بيته أو أرضه ، والمفاجأة تكون أن العامل لا يخصل على الأجر المذكور بل يحصل على 8 دنانير أجرة شهرية ، هذا إذا دفعها الكفيل في الموعد . وبذلك يتحول العمال الى رهائن بأيدي تلك الشركات وأصحابها.

التصريح الذي صدر عن عميد جامعة الكويت لوسائل الإعلام خلال هذه الإنتفاضة العمالية يؤكد تلك المآسي التي يتعرض لها العمال الوافدين وعلى راسهم العمال من بنغلادش ، حيث قال بأنه قام بفحص الموضوع لأن خدمات النظافة تقوم بها مجموعة من العمال المضربين والمتظاهرين من بنغلادش ، وإضح له ان الشركة التي تقوم بتشغيلهم وهي كويتية وصاحبها كويتي ، لم تدفع للعمال اجورهم منذ عدة أشهر ، رغم انها تتلقى مبالغ طائلة من غدارة الجامعة مقابل خدمات النظافة في الجامعة ، ونفس الأمر صرح به عدد من المسؤولين في المجالس البلدية والحكومية حيث يعمل هؤلاء العمال الذين يصل عددهم الى اكثر من 150 الف عامل وعاملة بنغالي ممن يعملون في خدمات النظافة من أصل 233 الف عالم وافد الى الكويت من بنغلادش وفق ما أكدته صحيفة "الوطن" الكويتية.

التقارير الصادرة عن مختلف الهيئات والمؤسسات داخل الكويت وخارجها ن تؤكد على حقيقة واحدة ،الا وهي ان ما يجري في الكويت بخصوص العمالة الوافدة من الدول الآسيوية والعربية عامة ومن بنغلادش خاصة هو عبودية فظيعة لا يكاد يوجد لها مثيل في العالم سوى لدى البعض من الدول الخليجية الخرى وعلى راسها المملكة العربية السعودية . وحتى مجلس الوزراء الكويتي وخلال بحثه موضوع إنتفاضة العمال البنغاليين ، إضطر أن يعترف ان ما يقوم به أصحاب شركات القوى العاملة – العمالة الوافدة – وما يُسمى بنظام الكفيل ، تخطى كافة الخطوط ، وهو أصبخ ظاهرة تأتي بالضرر على سمعة الكويت الدولية ، لكن مجلس الوزراء لم ينحاز الى جانب العمال وأن إضرابهم ومظاهراتهم وإعتصامهم ، جاء بسبب هذا الإستغلال ، بل إعتبر ما قام به العمال من إحتجاج هو "أعمال شغب وإخلال بالنظام العام" لذلك قرر قمع العمال بالحديد والنار.

عمليات السمسرة التي يقوم بها أصحاب الشركات من الكويتيين ، تخطت كافة الحدود والأنظمة والقوانيين والمواثيق الدولية ، وأصبح ما يقومون به لإتجاه العمالة الوافدة الى دولة الكويت عامة وعددها يزيد عن المليون ونصف المليون عامل ، تحول الى ظاهرة عبودية وإستغلال ،بل تجارة بالبشر . وما تعرض له ال-150 الفا عامل نظافة الوافدين من بنغلادش من إستغلال وحرمانهم من الحصول على حقهم الأساس ،الا وهو أجورهم كاملة ،يؤكد ان ما يقوم به أصحاب تلك الشركات من ممارسات وإنتهاكات للحقوق إتجاه هؤلاء العمال جرى ويجري تحت سمع وبصيرة الحكومة الكويتية ومختلف مراكز القوى التي تسيطر على الحكم في الكويت .

هذه افنتفاضة لم تكن وليدة اليوم ،او المس ، بل هي نتيجة إحتقان لغضب عمالي كبير ، على ما يتعرض له العمال من إستغلال ، منذ فترة طويلة ولذلك نستغرب مختلف التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الرسميين في الكويت ، ومنهم رئيس جامعة الكويت والوزراء المعنيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان في الكويت ،لأنهمجميعاً يقولون بان الظاهرة قائمة والإنتهاكات يعرفها الجميع ،إذن لماذ تكتمتم عن هذه الجريمة بحق عمال بؤساء تركوا البيت والأولاد والعائلة من اجل ضمان فرضة العمل والجر الذي يوفر كأس الحليب ووجبة الأرز لأولادهم . تصريح الوزير الكويتي المسؤول بعد إنفجار إنتفاضة العمال التي إعتبرها وحكومته "أعمال شغب" يؤكد أنهم جميعاً شركاء في هذا الإستغلال حيث قال لوسائل الإعلام :" إننا سنوقف منح تصاريح العمل حتى إشعار آخر بهدف إعادة ترتيب الآلية والنظام الموجود في وزارة والنظام الموجود في وزارة الشؤون لمواجهة ظاهرة العمالة الرخيصة ..." وفي مكان آخر قال ان الوزارة ستعمل "على مراجعة عقود الشركات بهدف معالجة ما ينتج عن عدم التقيد بها وبشكل كامل ،حتى لو أدى الأمر الى فسخ عقود الشركات التي تخالف نصوص العقود."

قد يعتبر البعض هذا التصريح الوزاري تهديد لأصحاب تلك الشركات التي تقوم ليس فقط "عدم التقيد " بالعقود ،بل تقوم بإستغلال فظيع لعمال وافدين يتحولون الى رهائن ، بل عبيد وفق نظام الرق البائد والإستملاك للبشر.
وسايدة الوزير وحكومته لا يمكن ان تكون تلك الممارسات قد جرت إتجاه عمال النظافة من بنغلادش ، وهم يعملون في مختلف المكاتب الحكومية والبلديات والجامعات والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الحكومية الرسمية وغير الرسمية ، وكل هذا الإستغلال يجري وهم لا في العير ولا في النفير ، إننا نعتقد ان تصريحات الوزير ومن بعدها الحكومة ما هي الإ تصريحات تنضوي تحت مقولة "رفع عتب" لا غير ، وتأكيد بعض الخبراء بان أصحاب هذه الشركات لهم شركاء في الحكومة وغيرها من الدوائر الحاكمة وما يجري من عمليات إستغلال بحق العمالة الوافدة يلقى الدعم ممن يقفون على رأس المؤسسات الحاكمة في الكويت .

إنتفاضة العمال الوافدين من بنغلادش في الكويت تتواصل رغم القمع البوليسي وقنابل الغاز المسيل للدموع وحملات الإعتقال التي تقوم بها اجهزة الأمن الكويتية ضد العمال ومحاصرة تجمعاتهم من قبل القوات الخاصة والحرس الوطني وغيره ، قد تنجح تلك القوات في عملية قمعها هذه للعمال وإنتفاضتهم . لكن كنّا نتوقع وعلى ضوء ما جاء من تصريحات على لسان المسؤولين الرسميين في الكويت بخصوص الإنتهاكات التي يقوم بها ضد أصحاب الشركات ومن يدعمهم بأن تقوم تلك القوات بمحاصرة مكاتب تلك الشركات وإعتقال أصحابها ممن يقومون بإنتهاك الحق الأساس للعمال الا وهو دفع أجورهم على الأقل ، وبدل ان تقوم تلك السلطات بترحيل "العمال المشاغبين" على حد تعبيرها ، كان يجب تقديم من قام بإتغلالهم الى القضاء وأن يبقى هؤلاء العمال في الكويت ليقدموا شهادتهم ضد كل صاحب شركة إنتهك حقوقهم.

وأخيراً لا بد وان نتساءل أين هو صوت الهيئات النقابية الدولية؟ وعلى رأسها الكنفدرالية الدولية ومقرها بروكسل ؟ أين هو موقف الإتحاد الدولي للعمال العرب ؟؟ وأين هو موقف الإتحاد العام لعمال الكويت ، الذي يقوم بنشاط ثقافي نقابي واسع هذه الأيام من خلال الدورات التثقيفية التي ينظمها للقيادات النقابية؟ كنّا نتوقع ان يقف النقابيين في الكويت الى جانب العمال المنتفضين وان يكون لهم دور مركزي في وقف ظاهرة الإستغلال والقمع التي يتعرضون له وبذلك يكون ذلك النشاط الدورة النقابية المثالية للنقابيين في الكويت وغيرها من دول المنطقة.

#جهاد_عقل (هاشتاغ)       Jhad_Akel#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل