موجة نضال عمالي ... في المناطق الصناعية الحدودية في فلسطين

جهاد عقل
(Jhad Akel)

الحوار المتمدن-العدد: 2093 - 2007 / 11 / 8 - 12:14
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

يتعرض العمال الفلسطينيون في أماكن العمل الحدودية الى إستغلال فظيع ، بل يواجهون مظاهر العبودية البشعة من قبل أصحاب العمل الإسرائليين ممن يملكون هذه المصانع والذين يبحثون عن أيدي عاملة رخيصة التكاليف ، وذات مهارات عالية .

مناطق صناعية ... إستغلالية

وضع العمال في هذه المناطق غير مُحتمل ، خاصة وان أصحاب المصانع والشركات ،يستغلون الضائقة التشغيلية القائمة في الأراضي الفلسطينية ونسبة البطالة المرتفعة ، هذا إضافة الى الفقر المُدقع القائم هناك . ولا نكشف سراً لأحد عندما نقول أن العامل الفلسطيني الذي تتوفر له فرصة عمل وتصريح عمل في هذه المناطق الصناعية الحدودية يشعر أنه عامل محظوظ وجد سبيل السعادة ، والسعادة بالنسبة له ولعائلته دخل ما يضمن على الأقل الحد الدنى من العيش الكريم .

هذه الحالة تؤدي في أكثر الحالات ، إن لم يكن جميعها . الى رضوخ العمال الى شروط عمل بالإمكان إعتبارها عبودية أليمة ، مثل العمل 12- 14 ساعة عمل يومياً ، عدم الحصول على حد ادنى من الحقوق الإجتماعية ، أجور مُتدنية جداً ..جداً.... والأنكى من ذلك العمل في مصامع تتعامل مع مواد خطيرة للصحة والسلامة وتعريض حياة العمال للخطر الصحي والبيئي .

ظاهرة المصانع القائمة في المناطق الحدودية الفلسطينية بدأت منذ سنوات طويلة ، بعد إنطلاق الإنتفاضة الأولى في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، في ظل فرض سياسة الحصار ومنع العمال من التوجه الى أماكن عملهم داخل اسرائيل ، البعض من اصحاب العمل بادر الى إنشاء مصانع وورشات عمل على أراض قريبة من الحدود وفي بعض الحالات على الأراضي الفلسطينية ، وبذلك ضمن وصول العمال الى العمل . المر الهم من ذلك هو تشغيلهم بشروط عمل متدنيّة وأجور منخفضة مما أدى الى تقليص تكاليف العمل وزيادة الأرباح أو كما قال أحدهم :" الأجر الذي أدفعه للعمال يكاد يكون نفس الأجر الذي يُدفع في الصين والهند وبذلك أستطيع عرض المنتوجات بأسعار تضمن المنافسة والربح العالي ."

تحرك نقابي هام

في ظل هذا الإستغلال الفظيع الذي يتعرض له العمال في هذه المصانع الحدودية وغيرها من الورشات التي تقع داخل المستوطنات الإحتلالية . بدأ العمال يشعرون بعمق وفظاعة الإستغلال الذي يتعرضون له ، وكان لي شرف المشاركة وزملاء آخرين في لقاءات مع العمال في البعض من هذه المصانع ،لدى الإتحاد العام لنقابات عمال فلسطين ، قمنا خلالها بعرض ما يستحقه العمال من حقوق ، وضرورة المبادرة الى تشكيل لجان عمالية وتنظيم العمال والسهر على وحدتهم . كل ذلك كخطوة أولى نحو الخطوات النضالية التي سيبادر لها لاحقاً بهدف مواجهة هذا البطش الرأسمالي . وتمكن الزملاء النقابيين الفلسطينيين من تنظيم أول نضال وإضراب عمالي شامل في مصنع لإنتاج أجهزة خاصة لشبكات الري يجري تسويقها في جميع دول العالم في شهر ايلول الماضي رافعين المطالب العمالية العادلة .

المفاجأة كانت قوة الوحدة العمالية والإلتحام العمالي بين أكثر من 80 عامل يشكلون قوة العمل في هذا المصنع ، على الرغم من قيام صاحب المصنع بالتهديد والوعيد والترغيب أيضاً ، لكن الرد العمالي كان لجنتنا العمالية هي التي تمثلنا جميعا . ومع ممثلينا فيها يجري التفاوض فقط ، إستمر الإضراب في المصنع فترة تقارب الشهر وصمود العمال يزداد قوة . مما إضطر إدارة المصنع الى التفاوض مع اللجنة والتوصل الى إتفاقية عمل جماعية يضمن تحسين أجور العمال وشروط عملهم والأهم من ذلك هو إعتراف صاحب العمل بلجنة العمال وفشله في تفسيخ وحدتهم .

إضراب عمالي ... ورد رادع..

أمس الثلاثاء باشر عمال مصنع "سلئور" الواقع على المنطقة الحدودية نفسها ، بالقرب من مدينة طولكرم الفلسطينية الإضراب المفتوح بعد رفض إدراة المصنع الدخول في مفاوضات مع اللجنة العمالية التي إنتخبها العمال بخصوص تحسين شروط عملهم ووقف الإستغلال الذي يتعرضون له منذ سنوات عدة.

يصل عدد العمال المضربين الى 90 عاملاً –أي جميع عمال المصنع الفلسطينيين ، وفي حديث مع حسين ابو زهرة رئيس اللجنة العمالية المُنتخبة قال :" إننا نعمل بشروط عمل قاسية وفي ظروف بيئية وصحية خطيرة ، ويكفي ان نذكر اننا فقدنا ثلاثة عمال في حوادث عمل قاتلة في المصنع خلال السنوات الماضية جراء الإهمال القائم بخصوص الصحة والسلامة والأمان . " وأضاف :" قمنا بإنتخاب لجنة عمالية تسهر على مصالحنا وعندما توجهنا الى إدارة المصنع بطلب الجلوس والتفاوض فكان الرد من قبلها ،لا نعترف باللجنة ، الحديث سيتم مع كل عامل على إنفراد ." من جهته قام مدير عام المصنع بدعوة العمال شخصيا لمقابلة كل واحد منهم على إنفراد، الا ان العمال رفضوا الدخول اليه ومقابلته ، وردهم كان التوقف عن العمل وإبقاء اللجنة في المصنع قائلين "هذه لجنتنا وهي المخوّلة بالتفاوض معك فقط ." وأعلنوا الإضراب الفوري . ومرة اخرى واصلت الإدراة تعنتها واعلنت رفضها الجلوس مع اللجنة ، بل أعلنت ان اعضاء اللجنة مفصولين عن العمل .

من جهته أكد النقابي الفلسطيني محمد بليدي أن نضال العمال سيستمر ولن يتوقف :" لأن الوضع لم يعد يُحتمل ، خاصة بعد الخطوة المُستهجنة التي قام بها صاحب العمل ضد العمال .على خلفية تشكيل العمال لجنة عمالية منتخبة من قبلهم ، وقيامه بفصل اللجنة العمالية ."

شروط عمل ...هي العبودية الحديثة...

" طالبنا التفاوض مع صاحب المصنع من أجل تحسين شروط عملنا ، فنحن لا نحصل على أجر الحد الأدنى ولا نتلقى إجازات عمل سنوية أو مرضية أو تكاليف السفر .حتى قسائم رواتب لا نحصل عليها ... .إننا نتعرض لإستغلال فظيع يتعارض وقوانين العمل ، رضخ العمال للتهديدات طيلة سنوات طويلة ، لكن الوضع لم يعد يُحتمل واليوم كلنا نقف بحزم ووحدة حتى نحقق مطالبنا ." أكد أبو زهرة في أقواله . بينما أضاف عامل آخر حبّذ الا نذكر إسمه :"يكفي ان نذكر هنا ان الأجر اليومي للعامل يصل حوالي 50-60 شيكل فقط عن عشر- ثماني ساعات ( ما يعادل:12-15 دولار امريكي)، هذا إستغلال بشع لنا مع مثل هذا الأجر وفي ظل الغلاء الفاحش للحاجيات الأساسية نضطر للعيش بفقر مُدقع نحن وعائلاتنا ." هذا ولا يحصل العمال على تعويضات مختلفة عن ساعات العمل الإضافية ومكافئات مختلفة عن عملهم الدؤوب ومهاراتهم الإنتاجية .

خطر صحي وبيئي.. وفقدان ثلاثة عمال

وكشف عامل آخر عن حقائق مُذهلة بخصوص الوضع الصحي والبئيي في المصنع وقال :" إننا نتعامل مع مواد كيماوية ونتعرض لإشعاعات خلال عملنا ، لكن وسائل الصحة والسلامة والوقاية البيئية مفقودة في المصنع ، ولم نشاهد أي مسؤول او مفتش مختص خلال سنوات عملنا التي تصل الى عقد من الزمن."

اما النقابي محمد بليدي فقال :" فقد عمالنا خلال فترة عملهم ثلاثة عمال في حوادث عمل قاتلة ، جراء فقدان وسائل الوقاية والأمان والصحة والسلامة ، منهم عامل واحد اسرائيلي ، ولم تتخذ أية خطوات فعلية لمنع تعرض العمال لهذه الإخطار ." وقال حسين أبو زهرة:"إننا نتعامل مع صهاريج تم تخزين مواد كيماوية فيها لفترات متفاوتة ، حيث نقوم بترميمها ، مما يؤدي الى تعرض العمال الى روائح كريهة ومواد كيماوية ربما تكون سامة ، هذا إضافة الى تعرضنا الى غبار –تحمل مواد سامة- خلال عملية الترميم والتلميع وإزالة المواد التي علقت بهذه الصهاريج وعند قيامنا بعملية الحدادة واللحام لها، لذلك وضعنا في صُلب مطالبنا قضية الصحة والسلامة والحماية البيئية ، من خلال ضمان وسائل عمل واقية للعمال وتقديم وجبات حليب لهم وفق ما تنص عليه شروط العمل في مثل هذه المصانع وضمان التأمين الصحي والعلاج للعمال الذين يتعرضون الى إصابات عمل وفق قوانين العمل والإتفاقيات الجماعية ."

تحرك أصحاب العمل

تشمل المنطقة الصناعية الحدودية في منطقة مدينة طولكرم العديد من المصانع ، التي يملكها أصحاب عمل إسرائيليين ، والقوى العاملة فيها بمعظمها فلسطينية من منطقة مدينة طولكرم الفلسطينية . وبعض المقاولين الثانويين من داخل اسرائيل . حيث يعتمد أصحاب العمل في هذه المصانع على قوة عمل ذات تكاليف زهيدة ، يجري تشغيلها بأجر متدنٍ جداً، مع فقدان الحد الأدنى من شروط العمل اللائق. من جهتهم بادر أصحاب العمل في المنطقة الصناعية المذكورة الى عقد إجتماع مشترك لتنسيق خطواتهم من أجل مواصلة إستغلال العمال ومواجهة التململ العمالي المتواصل في هذه المنطقة .
"هناك بعض المصانع تحافظ على شروط عمل أفضل من مصنع "سيلئور" ، لكن الكثرية الساحقة من العمال تتعرض الى إستغلال فظيع ." قال أبو زهرة .

موجة نضالية قوية

هذا وكانت موجة النضال العمال قد إنطلقت في المنطقة بمبادرة النقابات العمالية الفلسطينية وبالتعاون مع كتلة الجبهة النقابية قبل أكثر من شهر ، حيث تمكن عمال مصنع آخر وبعد إضراب طويل من التوصل الى إتفاقية عمل تضمن شروط عمل أفضل مما هو قائم في المصانع الأخرى :"لقد حافظ العمال على وحدتهم ولم تستطع الإدراة كسرها بتاتاً رغم التهديد المتواصل للعمال ." قال النقابي محمد بليدي وأضاف :" بسبب هذه الوحدة وبفضل دعم الزملاء من كتلة الجبهة النقابية تمكنا من التوصل الى إتفاقية عمل جماعية تضمن شروط عمل أفضل وأجر أعلى للعمال في المصنع وعددهم 80 عاملاً فلسطينياً." كما ذكرنا ذلك أعلاه .

هذا التحرك العمالي الذي يجري في ظل ظروف تكاد تنعدم فيها فرص العمل في الأراضي الفلسطينية بالإمكان إعتباره تحرك بطولي لعمال قرروا عدم مواصلة الرضوخ للبطش والإستغلال الذي يتعرضون له من قبل أصحاب هذه المصانع محطمين حاجز الخوف الغير مبرر ،لأن الوحدة العمالية هي أقوى من أي بطش وظُلم رأسمالي . ونحن على ثقة بأن نضال عمال هذا المصنع سيؤدي الى تحسين شروط العمل والأجورلأن المطالب التي يطرحها العمال عادلة حتى النهاية . ويكفي أنهم قاموا بضمان وحدتهم التي حاول أصحاب العمل التشكيك فيها في البداية.

#جهاد_عقل (هاشتاغ)       Jhad_Akel#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات