أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادر قريط - إنشاءالله














المزيد.....

إنشاءالله


نادر قريط

الحوار المتمدن-العدد: 2359 - 2008 / 7 / 31 - 08:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قالت محدثتي المستعربة: يبدو أن لغتكم تعاني من ضمور في صياغة المستقبل، مقارنة بالفرنسية مثلا، التي تعجّ بتصاريف عديدة لتحديد المستقبل(مباشر، قريب، بعيد، بسيط، شرطي..) فلولا "سوف وإبنها سين التسويف" لأصبح المستقبل العربي في خبر "كان" ثم أضافت بدعابة ساخرة: وماذا تفعلون بالمستقبل، مادمتم تملكون "إنشاء الله".
لا أنكر أن هذا الحوار الطريف إستفزني، وبدأت أقلب الذاكرة عن تصاريف لغوية لزمن المستقبل، وعلى العموم كان الأمر عبثيا وسخيفا، أما في لهجاتنا المحكيّة!! فتبدوالحالة أشد بؤسا ومرارة، و كأن تلك اللهجات، تبرأت حتى من"سوف وإبنها سين"!! فاللهجة المصرية إبتكرت دينامية خاصة للتعبير بإدغام "حـ " (حـ نقول، حـ نمشي، حـ نأكل..) والشامية ألزمت الفعل ب"راح نأكل " راح نروح..إلخ وماعدا هذه الصيغ البدائية تصبح لغتنا خرساء. حتى عبارة (إنشاء الله)التي تملك شحنة مستقبلية للتعبير، فدلالتها، متلوّنة وحربائية، وذات طبقات دلالية مركّبة؟
إنشاء الله، تعني الهيمنة اللاهوتية على المستقبل، والإيعاز بتركه إلى مقدِّر الأقدار، الذي لن يُصيب إلا بما كتب. أما الحديث عن المستقبل فهو مادة للمنجمين وراجمي الغيب، والتحكم فيه وتقريره هو إعتداء سافر على المشيئة الإلهية!! من هنا تقول كتب الرياضيات الوهابية: الخطان المستقيمان المتوازيان لا يلتقيان إلا بمشيئة الله؟
لكن الحياة العملية، والتكرار، جعل من هذه العبارة، لازمة لغوية، تعني في أحسن الأحوال: (لاشيئ). وأحيانا تعني الرفض المؤدب، أوالتهرب من المسؤولية، وهنا تمارس لغة الضاد، وظيفتها كأداة للتمويه والمخادعة، وتتستر على الكسل والعشوائية، بمزيد من التوكّل والتثاؤب.
هذا عن الطبقات الأركيولوجيا القديمة " لإنشاء الله " ، أما الطبقة الأخيرة، فقامت بتسييس العبارة، ومنحها مسبحة صلاة، وزجّها ضمن مفردات الصحوة وفي قواميس بنوك النهب الحلال.
لقد صعقت في زيارتي الأخيرة للقاهرة، فإنشاء الله أصبحت تحشر نفسها في كل مكان، وأذكر أني سألت صاحب كشك لبيع الصحف والكتب عن مكان الفندق الذي أضعت طريقه. إجابني (بعد أن مسح لحيته بيده، وصلّى وسلم وتعوّذ وشكر وحمد): على اليمين إنشاء الله؟
لا أدري قلت في نفسي سأتذرع ببعض البلاهة، كوني سائحا غريبا، وأثرثر معه، ما إستطعت سبيلا قلت:
لماذا على اليمين إنشاء الله؟ إما أن يكون على اليمين أو لايكون! تلك هي المسألة ( كما يقول شكسبير) ولا أظن أن الله سينقل الفندق إلى شارع آخر؟
إبتسم الرجل بمكر، وحدس من هندامي وبحلقتي المستمرة في عناواين كتبه، بأني زبون إفتراضي(وصيد ثمين) ومهما بلغت التقوى والعفة والورع، فإن الإنسان لايريد أن ينام بمعدة خاوية، والدين الذي يدل على تجارة تنجي من عذاب أليم ، أصبح دكانا لتجارة تنجي من أمور أخرى.
قال الرجل (بعد أن إختصر إبتسامته وأعاد زبيبته المزدوجة إلى مكانها الطبيعي):
إن الله قادر على كل شيئ يا أخي، ولو أراد أن ينقل الفندق لفعل؟
قلت له بخبث: أنت متأكد أن الفندق على اليمين؟ أم أن الله نقله إلى شارع آخر !؟
أجاب: بالتأكيد هوعلى اليمين، ولم ينقله أحد
قلت له: وما أدراك أن الله لم ينقله إلى شارع آخر! أليس في قولك تدخلا بمشيئته وعلما بما لايعلمه إلا قدير عليم
شيئا فشيئا، إزدادت أريحية الرجل، وإزداد ثقة، ومرحا، وأخذ يعرض أمامي بعض الكتب المفقودة في الأسواق، وما يخفيه الباعة من كتب الملاحدة الملاعين، وبالصدفة وقع نظري على عنوان فقررت أن أشتريه، وعندما سألته عن السعر قال لي:
ستون جنيها إنشاء الله؟؟




#نادر_قريط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحوال الأديان في بلاد العربان
- ثقافة ثقيف بين القرضاوي والعفيف
- إله الغزو ( وفاء سلطان وشاكر النابلسي وتزوير التنوير)
- المؤامرة والضحك على الذقون
- ثرثرة حول الأديان
- في التاسع من نيسان
- غزة وشجرة البلوط
- فرانس وترجمة القرآن
- غرانيق البحث القرآني
- آراء في نشأة الكتاب المقدس
- تاريخ بدون تاريخ
- غونتر لولينغ- واكتشاف محمد
- الرضاعة من المهد إلى اللحد
- آراء وإنطباعات حول نشأة المسيحية والإسلام ؟
- لغز الإسلام المبكر 2
- الخديعة ( نشأة المسيحية )2
- الخديعة ( نشأة المسيحية )
- التقويم الميلادي مرة ثانية
- لغز الإسلام المبكر
- قناة السفنكيرة


المزيد.....




- الجيش الأمريكي: هجمات حوثية بـ5 طائرات دون طيار وصاروخين بال ...
- البيت الأبيض: بايدن يدرك عواقب السماح لكييف باستهداف أراضي ر ...
- أول إجراء إسرائيلي ردا على حظر المالديف دخول الإسرائيليين إل ...
- عناق الوداع.. لقطة مأساوية لـ3 شبان قبل أن يبتلعهم النهر
- مصدر رفيع يكشف شروطا وضعها الوفد الأمني المصري خلال اجتماع ث ...
- محلل سابق في CIA: أوكرانيا قد تفقد السيطرة على مدن كبرى بينه ...
- موقع مصري: -محاكمة الحكومة- تثير أزمة في البرلمان
- كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية بــ 600 بالون قمامة
- بالفيديو.. فرار جماعي لمجموعة مستوطنين قرب الحدود اللبنانية ...
- وسائل إعلام تكشف وجود طيار يوناني في أوكرانيا لتدريب قوات كي ...


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادر قريط - إنشاءالله