أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صفوت فوزى - هروب














المزيد.....

هروب


صفوت فوزى

الحوار المتمدن-العدد: 2345 - 2008 / 7 / 17 - 07:50
المحور: الادب والفن
    


قتلتها ... قتلتها ... صاح أبونا توما وهو يعدو خارج قلايته المنعزلة في بطن الجبل ... متعثراً في جلبابه الأسود ، والعرق يتصبب من وجهه الممصوص .

*****************

من بذار عرق الصوم ينبت سنبل العفة ، ومن الشبع يتولد الفسق ... هكذا علمنا من سبقونا في الدرب ... اقمعوا البطن عن كل مأكول يبعث داخلنا أشكالاً مرذولة ، وصوراً مثيرة تتشكل منه فتخرج وتظهر لنا في بلد عقلنا الخفي ... من أجل هذا ... ها أنا – في عزلتي الصامتة – أقمع جسدي واستعبده ... صلوات وتراتيل ... سجود وقيام ... كسرات من خبز جاف مع قليل من ماء وملح ... لباس خشن ... فراش غير مريح ... وعينان أذوبهما في ضوء القناديل وصفحات الكتب ... وقلب أريقه زخات زخات أمام مذبح الإله .

*****************

غابت الشمس خلف تلال الغرب ... ليل كفيف أسقط خيمته السوداء الثقيلة ،وثبت أوتادها في الأرض ... آلاف من ذرات الرمل تصدم جدار القلاية ... تنحر في حوائطها ... إنها الريح الهوجاء - فكت قيودها – قادمة من محبسها البعيد ... يتماوج شريط المصباح الزيتي الواهن ... يرسم أشباحاً غريبة علي الجدران ... رائحة الهواء المندي بالرطوبة تتسلل إليّ ... ومن مكان ما ... لم أتبينه ... كانت هناك أنفاس تتردد ... إرتجافة باردة رشت ظهري بمائها ... همست : من ؟ .
يتكسر صوتي علي الجدران ... يتشظي ... وهمس الأنفاس يعلو ... ويعلو .
من قلب الجدار الذي يتساقط طلاؤه الأن ... تتشكل ملامحها أمامي ... هي ... بشرتها الحنطية ... شعرها الخرنوبي منسدلاً علي الظهر ... والعينان اللوزيتان نافذتان يطل منهما العتب ...
" كانت الشمس تولد من كفيها كل صباح ، وفي عينيها يغفو القمر ... تصعد درجات السلم الضيق في تؤدة وأناة ... يتناهي إليّ هسيس أنفاسها ... تصلني رائحة عطرها ... قبل أن تهمس بإسمي أكون بين يديها ... تدخل غرفتي ... لوحة جبران ، وصورة لفيروز الشامخة تنسال منها موسيقي كونية ، والصوت المسكون بالحنين يشدو " ردني إلي بلادي " ... بلوزتها البيضاء ... الزرار العلوي المفتوح كاشفاً المثلث الأبيض الوردي الممتد من الرقبة حتي هضبة الصدر ... نهداها متكوران تامين الإستدارة ... شفتاها قطعتا مخمل دافئ ... وابتسامة تنير الوجه المدور ... نتعانق في صمت صلاة ... تلمس يداي لحم الخصر النحيل ... يصطبغ الكون بالوان قوس قزح ، ويستحيل الجسد إلي سبيكة دافئة من النحاس المصفي " .
احاول فتح شفتي فيغلقهما الجفاف ... أطبقتهما فتعثرتا في الجفاف ... الداخل قرضته اسراب الجراد ، لا أخضر ولا يابس ... سنين وأنا هنا ... كالنبات الشوكي ... جذر قصير ولا ثمر ... لا زرع ... لا ماء ... فقط هو اللون الأصفر سيد الكون الأجرد يسمح بكفيه الجهمتين وجه الكون ... اين الرفاق الأن ... إنهم هناك يقتسمون لحم الإله ، ويفرغون كؤوس دمه في جوفهم ... وأنا هنا ... أقتات الخبز المقدد ، وتقتاتني الوحدة والضجر .
يتواري الشبح المراوغ خلف استار العتمة ... لكنه أبداً لا يغيب ... أعود إلي صلواتي وتراتيلي ... تصعد أناتي في جوف الليل ... ياجامع السحب ... يا منزل المطر ... تشتاق إليك نفسي في أرض يابسة بلا ماء ... ألوذ بك ... أحتمي في ظلك من هجير الصحراء الضاربة في جوفي .
" علي أعتابها كنت أخلع همومي ... آتيها متدثراً بقصائدي ولوحاتي ... وتأتيني بألوان البهجة الطافحة من جسدها الفتي ... واليوم ... عش الحمام فارغ في سقيفة دارنا ...أشعر بالبرد ولا اراه ... وصوت علي الحجار ... شجياً أسياناً يهدر " انكسر جوانا شئ " ... شفتان مزمومتان تتقلصان ... عينان مزرورتان احمرتا حتي غاب لونهما اللوزي ... يدان مضمومتان في توتر ... ارتعاشة تمسح الوجه الممعن في الغياب ، ودمعة محبوسة تأبي أن تسقط ... تأخذ أنفاسها وتزفرها في عمق ... الصدر المتكور مشرئب ... فنجاني فارغ وعصيرها لم يمس ... وصورة لزورق وحيد تتجمع فوقة سحابات داكنة ... تقطعت بنا السبل ، وبان لحم الحقيقة عارياً ... انشق حجاب الهيكل فبدا قدس الأقداس طافياً فوق ماء آسن يتوسطة صنم من طين زلق ... وشيش الورق الأصفر المتساقط من الشجر العتيق يجرح أذني ... يلمس عصباً عارياً ... والقمر نصف رغيف فضي يلقي بضوئه علي مياه ساكنة ...
طال الصمت وعلا وجيب القلب ... قالت في حسم محاولة إنهاء الموقف : إحنا مش لبعض .

*****************

ريح عفية تضرب الباب بعنف ... تلطم الجدران الكابية وتهيل عليها الرمال ... مصاريع الباب تئز ... ينتصب الشبح المراوغ فتياً ... عنيداً ... خيول جامحة تصهل في المدي البعيد ... رائحة الأنثي المشتهاة تغمر المكان ... تلهبني الشهوة ... توخز الجلد بأبر حادة مسنونة ... يفور الدم في العروق ... تنتصب الرغبة عارمة عاتية ... يلسعني فحيحها ، وصوت شيخي الجليل يرن : من مات عن الدنيا ماتت الدنيا عنه ...اشدد حقويك كرجل ... أطفئ لهيب الشهوة بندي صلواتك ودموع تراتيلك ... استدعي كلماتك يا شيخي ... استنجد بصلواتي وتراتيلي ... تهزمني انكساراتي ... وكزيت صدأ تطفو علي سطح الذاكرة ... أخور ... أنتصب ... أعدو ... الهث ... اتعثر ... اسقط ... اقوم ... اليدان تطبقان علي العنق ... اضغط ... استنفر كل ما فيّ من قوة ومرارة ... اضغط ... اضغط ... حتي أسمع صوت العظام ... خلتها تصرخ ... تطلب النجدة ... تستجدي الرحمة ... تقبل يداي ... شفتاي ...قدماي ... لا شئ ... لا شئ سوي صوت طقطقة العظام ... والعينان مغمضتان كأنما تبتهل ... تقدم نفسها قرباناً لإله وثني عجوز ... والجسد المرمري يتهاوي بين يديّ ... يتكوم علي الأرض ... والريح تعوي بالخارج .



#صفوت_فوزى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زحمة
- مرآة
- رفع الحصير
- سمكة -قصة قصيرة
- الفرحة
- انسحاق -قصة قصيرة
- الغائب الحاضر - قصة قصيرة
- كبرياء -قصة قصيرة
- جدى
- انحناء -قصة قصيرة
- فاصل للحلم - قصة قصيرة
- سلبية الأقباط بين مسئولية الدولة ودور الكنيسة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صفوت فوزى - هروب