أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمان حلاّوي - مسرحية (أحرار )















المزيد.....



مسرحية (أحرار )


جمان حلاّوي

الحوار المتمدن-العدد: 2340 - 2008 / 7 / 12 - 05:54
المحور: الادب والفن
    



الشخصيــــات : 1- كاهن يرتدي جلبابا", لحية طويلة, صليب كبير معلّق بحبل حول عنقه
2- رجل الرأس, قائد عسكري
3- المتهالك
4- جنديّ أوّل
5- جندي ثاني
6- عدة جنود كومبارس
7- الملك
8- خادما الملك
9- حارس السجين


الديكـــــــــــور : بريختي ذي دلالات

الزمن والازياء : القرن الاول الهجري



مدخل المشهد الأول

(خشبة المسرح شبه معتمة)
Spot) وسط المسرح على شيء يشبه الدكّة
يدخل الكاهن من يمين المسرح وسط شبه العتمة حاملا" شيئا" مكوّرا" داخل كيس من الصوف متوجسا" في مشيه ناظرا" إلى الكيس مقتربا" من الدكّة ..
يدخل دائرة الضوء على الدكة . يضع الكيس بوقار . يشعل شموع
يبرك بجانب الدكة أمام محراب صلاة في الجانب الخلفي للمسرح )

الكاهن: لتتبارك الروح في السماء.. ليرقد الجسد بسلام ,
يا رب ادخل أرواح موتانا بملكوتك العظيم ..
يا رب العالمين , أنت الحق.. والحق أنت
أنت الملك صاحب الملك, منك كنا واليك نعود..
أدخله ومن معه في ملكوتك .. يا رب
آمين .....
( يعمل إشارة الصليب ويخلع صليبه ويضعه قرب المحراب )
( ينسحب إلى ركن المسرح وسط شبه العتمة )
( يبكي )
الكاهن ( ينهي بكاءه ) : الكاهن لا يبكي , أنها النزهة العظمى داخل ملكوت الرب , طوبى
للحزانى فأنهم سيعزّون
( مؤكدا" ) توسّلت لأبقيه معي ليلة واحدة, لم يصلِِِّ عليه أحد
كانوا سكارى يتضاحكون
خلعوه من رأس الرمح ورموه عليّ
قالوا: خذه ربما تخطفه الوحوش ونحن نياما , ونريده غدا"
ورجعوا يسكرون
سمعت أنين نساء ليس ببعيد
أردت سؤالهم من الباكيات هناك
لكنني تداركت وأخذت بعضي والكيس
التفتّ الى الخلف , كاد الأنين يقطّعني تلاه بكاء أمرأة مكتوم

( يعود بخطى هادئة إلى الدكة والكيس , يحاول فتح الكيس لكن يديه لا تطاوعاه
يرجع بخطوة إلى الوراء , ثم يعود إلى الدكة بإصرار )

الكاهن ( إثناء فتح الكيس ) : ليتبارك الربّ في العلى , أعطني القوة يا ألله

( يفتح الكيس وقد أعطى ظهره . يرتجف جزعا" رافعا" يديه والكيس فارغا" في إحداها )

الكاهن: ليتبارك أسمك !

( ينهار جاثيا" )
( موسيقى صاخبة مع أضواء متداخلة , ثم ضربات على بيانو كنسي )
( تختفي spot من الدكة وتلاحق الكاهن )
( يتكوّر الكاهن عند أحدى زوايا المسرح وقد وضع رأسه بين ذراعيه )

صوت : ماذا حلّ بالأهل ..
أين مضوا ويكونون ..
هل نام المريض نوما" هنيّا
وداعبت الأخت الرضيع مكركرا" شقيّا
وأعيدت الفرس إلى مهجعها
وكان الفارس شهما" قويا" ؟
أما زال الفرات يجري
ودورة الكون كما هي ّ ؟
أم هي صرخة وزلزلت الأرض زلزالها
ولم يبق فانيا" إلا وجهه الأبدي
أيها الفارس المقتول :
قم وأشفع فالباقون من أترابك جيشا" ثوريّا ..

( يسحب الرأس من فوق الدكة وسط العتمة ويظهر بدله من خلف الدكة رجل يخفيه الظلام )

رجل الرأس ( إلى الكاهن ) : انهض أيها المؤمن وأعلن على الملأ:
ستكون أرضا" ولا أرض
ستكون سماء ولا سماء
ستقيء الأرض أثقالها
وتفيض السماء بمائها
وسيخور المجرمون كالثيران الذبيحة
وسيعلن جيش المضطهدين ثأرا" أبديّا
وأنتن يا ثكالى وباكيات , أدفنوا موتاكم والرضيع
لا وقت للبكاء ..
انّه الطوفان على كل جبـّار باغي .


المشهد ألأول

( إنارة عامّة )
( أمام الكاهن كتلة صخرية مجاورة إلى الكيس )

الكاهن: علمني أبي أن اصنع أشياء من الطين, كان رجلا طيبا" مؤمن.. ثم تعلمت التكوين
كنت نحّاتا".. هبة من الرب . ودخلت الكنيسة حبّا" بالله وروحه. وعشقت النحت
واستعطيت من الرب أن يمنحني موهبة فأعطاني ما أردت. وكنت عبدا" صالحا".

( يبدأ بضرب الحجر بالمطرقة و القاشطة )

الكاهن : الاستعجال.. الاستعجال فالملامح في تلاشي والموت جائر لا يبقي ولا يذر ..
والساعات في تآكل , والفجر في انبلاج..
لكن !! يا ألله الدمّ في الوجه جاري والدمع عالق في الرموش لم يجف
هل المسيح عاد بدمه ولحمه, أم هو الدم الذي لا ينضب في عروق الصالحين ؟

صوت : ....أن قوموا يا عبيدا" في الأرض يتقدمكم الثائرون ..
ألم يكن المسيح ثائرا" ؟!

الكاهن: بلى كان.. وكان رسول لأمم نامت وملوك طغت

صوت : وهل يهم إن مات الجسد أو كان ؟!

الكاهن : لكنه خرج بدمه ولحمه .. خرج جسدا" حيّا" !!

الصوت : ليمت الجسد إذ لابد من تضحية..!!
لا تجزع وأنت الكاهن الورع
إنها الثورة الدائمة والدم الجاري في عروق الأحرار
وسيخرج الصالحون بعد طوفان دم , وسعير ثورات من نار وحديد
ولابد من شفاعة من ثائر ومكان ثأر !!!

( يدخل شخص متهالكا" ممزق الثياب , والدماء تنزف منه )

الكاهن : من أنت ؟!

المتهالك ( مخاطبا" الكيس ) : لا تأت يا حبيب فالقفار موحشة ورائحة الخيانة تفوح
الكاهن : ما حصل يا رجل , وكيف دخلت ؟

المتهالك : بيوت الداعين مفروشة بأسلاب الطغاة وموائدهم فتات الباغين , محيت أخلاق
المنافقين, سحقت آدمية المتخاذلين ..
ومسالك الحارات مظلمة موحشة ..
والخيانة تلاك بأفواه الأقرباء .. تبّا" للأقرباء
( يتهاوى ) وكان جدار القصر عاليا" .
( للكاهن ) قل لحبيبي لا يأتي

الكاهن : والكتب التي جاءته أن أقدم إلينا .. عشرات الألوف ........
والكتب ؟؟!!

( يرمي المتهالك بيأس أوراقا" تملأ الأرض )
( نباح كلاب وعويل ذئاب )
( ينحني الكاهن ويأخذ بعضا" من الأوراق المرمية ويقرأها .. يرميها )
( ينحني فوق الرأس ويغطيه . انفعالات تقمصيه )

الكاهن ( لجمهور وهمي ) :- من يريد العودة فلا تثريب عليه ...
- لكننا معك يا حبيب ..
- والرضيع , أعطوه ماءا". أسمعه يصرخ تحت النقاب
فأمامنا وضع عصيب
ومشيأة أزلية و طفوف !

المتهالك : أما أشراف الناس فقد عظمت رشوتهم وملئت غرائزهم فهم ألب الناس عليك ,
وأما سائر الناس بعدهم فأن قلوبهم تهوي إليك وسيوفهم غدا" مشهورة عليك(1)
لا تأتي يا حبيب !
( يخرج المتهالك )
الكاهن : هل هو السعير يتلظّى أم جنان عدن نبتغيها
فالسكون المجتبى لا يليق بثائر مصطفى ..
تقدّمي يا قافلة وتبّا" لهذا ( العقر ) القريب ( 2 )
فالمسطّر معلوم
ولابد من تضحية

( يندفع عرش يجلس علية الملك يسوقه خادمان . ثم يقفان وراءه )

المـلك : أتبايع ؟

الكاهن : أبايع ؟! أبايع من ؟

المـلك : أتبايع ؟

الكاهن : لا أبايع من لا أعرف

المـلك : أتبايع وإلا قطعت نسلك !!
الكاهن : لا أبايع باغيا" سكيرا" أبن طليق , أحلّ حرام الله , نهى عن المعروف وأمر
بالمنكر !
اتخذ من السلطة ملكا" موروثا" , ومن الدولة لهوا" ولعبا" , ومن الناس عبيدا"
ومنافقين.

الملك : إذن لتمت تحت أسوار الكعبة وأنا احتسي كأسي فوق سطحها فالجو رائق والسماء
مطيّبة بعطر ومجون !!

الكاهن : عند جبل ذي حسم(3) نلتقي , وسيقسم القاسم الحقَ الحرَ عن الباطل المتجبّر !
وعند صلاة الظهر أن أيها الناس أنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أن
أقدم علينا فليس لنا إمام لعلَ الله يجمعنا بك على الهدى والحق ..
فقد جئتكم لا طالبا" ولا مطلوب ; ما خرجت إلا نصرة للمظلومين ,
وسيمشق الحرّ السيف معي ..........
-هل تصلّي بصلاتي أم كل فريق بصلاة ؟
- بل نصلّي بصلاتك !!
وسيختلط دمّي بدمك
يا حبيب .......

( يسحب العرش خارج المكان . الكاهن ينهمك بالنحت متكلما" )

وكانت مذبحة وجثث القتلى مشمّرة عند طفوف الفرات وحريق خيام وصراخ نساء
لم يسمع لهن صوت داخل البيوت من قبل..
هل آدمي من فعل هذا ؟!!
أيّ فارس شهم هذا ؟!!
وكانت الصحراء مقفرة قاسية
والسبايا حفاة ........
والرأس فوق الرمح .........
من فعل هذا ؟!!
متى تفتح أبواب جهنّمك يا رب لتتلقف المجرمين ؟
يا رب سامحني على ما بدر منّي , فأنت العالم العليم
لكني فاقد الصبر حانق على ظلم وضيم ......
فنساء هناك تسبى ......
وسكارى يهزأون ,
ورأس يسأل من بقي من أهلي ؟
أ مازالوا يعّذبون ..............
(يبكي و ينحـــت )
( ظلام , ثم ضوء فجر يبزغ من إحدى زوايا العتمة )
( الكاهن متكور أمام الرأس منهك ومتعب )
_________________________________________________
( يقتحم المكان جنديان )
الجندي الأول : أين الرأس .. لقد حلّ الصباح ولم تأتنا به يا رجل ؟
الكاهــــــــــن : هذا هو , خذوه !!
الجندي الثاني : ماذا فعلت به , وما هذا الذي بقربه ؟!
الكاهــــــــــن : رأس منحوت من الحجر !
الحارس الثاني: لتجعل منه صنما" تتعبّد فيه !!
الكاهــــــــــن : أتعبّد لله وحده ........
خذوا الرأس وامضوا .. لم يعد يعني شيئا" مادامت تتلقّفه الأيادي
فالروح في مكان آخر من هذا الوجود ....
والله ما أنتم ببشر بما تفعلون !!

الجندي الأول : نحن جنود مأمورين ..
الكاهــــــــــن : إذن لتدفنوه وتصلّوا عليه ..

الجندي الأول : يريده من أرسلنا .. نحن مأمورون !

الكاهــــــــــن : لا يأمركم سوى الله وحده ..
ادفنوه إن كنتم مؤمنين , أو أخرجوا عصاة أمر رب العالمين

الجندي الأول : لا تحمّلنا يا أب ذنبا" لم نقترفه !!

الجندي الثاني ( للأول ) : أسكت و إلا شكوتك . ما هذا الذي تقول هل أثر عليك هذا الساحر ؟

الجندي الأول : أقرأ في عينيه نحن ملعونون . سأدفن الرأس وأهرب !!

الجندي الثاني : هل جننت ما الرأس إلا لخارجي !

الجندي الأول : لا والله ما سمعت القائد إلا وكنّاه بابن النبي ..

الجندي الثاني : هذا الكاهن معتوه , يجوب الصحراء ويتخيّل أشياء ..
خذ ألرأس ولنذهب فقد حلّ الصباح والقائد في الانتظار
صــــــــــوت : انه قدركم المحتوم , ستلعنكم الأجيال ; ملعونون ..
الجــنديــــان : ماذا ؟ ! لمن هذا الصوت !!
الصــــــــوت : خذوه ليكون شاخصا" لظلمكم وجبروتكم
هو الجسد ما تبحثون
لكن الروح هناك ..هي نور من كنه العليّا ..

( يخرج الجنديان مع الكيس متعثرين خائفين )
( يجثو الكاهن أمام الرأس المنحوت )

الكاهـــــــــــن : انطق .. أنطق يا حجر !!


مدخل المشهد الثاني

( الجندي الأول فوق منصّة وأمامه عدة جنود )

الجندي الأول : والله ما صنعنا غير الخطأ والتهوّر !
ما قتلنا خارجيّا" بل سليل أنبياء
وهذا رأسه ينطق ونوره يشعّ

الجندي الثاني : اسكت وانزل ..
ما تعمله إلا إثارة للفتنة
( إلى الجنود )
لقد سحره الكاهن اللعين,
إننا نقاتل الخوارج وبأوامر خليفة المسلمين
لا تسمعوا كلاما" مثل هذا !!

الجندي الأول : لم أنطق الاّ بالحقّ
استغفروا ربكم وتعوّذوا به
إننا مخطئون ..
وما دمّ هذا القتيل إلا معقود برقابنا
وما أهله السبايا هناك إلا من صنع ظلمنا ..
إنهم أبناء من أوصانا بهم الله ورسوله..

الجندي الثاني : سأشكوك إلى القائد
ما تفعله إلا تمرّد في الجيش
انزل وإلا سترى ما لا يحمد عقباه !!

الجندي الأول : ادفنوا الرأس أيها المؤمنون
وأطلقوا سراح السبايا والأسرى
ما فعلناه سوى الظلم بعينه ......

( يهجم الجندي الثاني على الجندي الأول ويسحبه من على المنصة ويسقطه أرضا")
( ضجّة بين الجنود )


المشهد الثاني

(قاعة جلوس الملك بما فيها من إكسسوارات)
( الرأس مغطى بقماش نظيف في ماعون فضي كبير , وقربه الرأس المنحوت)
( يدفع الكاهن إلى داخل القاعة مكبّلا" بالسلاسل.. في يديه ورجليه, يقتاده حارس)

الكاهن : لتكن مشيئتك يا رب ...
أن يكون القاتل هو القاضي , والجاني هو فيصل الحق عن الباطل !!
( يجول بنظره في القاعة )

لماذا جاؤوا بي إلى هنا ؟
ولمن هذا المكان ؟!
انه كما في قصص الأقدمين
لا غبار على الأرض ولا صحراء..
لا شمس قاسية, ولا وحوش ..
إنها رياش وجواري حور العين..
أيجوز أن نكون مخطئين ؟!!
و إلا فلم كل هذي الرياحين
لملك معبود وشعب عابد مسكين

( يجوب المكان مدققا" مقتنياته , يتبعه الحارس )

( مع نفسه )
لماذا اتخذت الكهف مأوى"
والصحراء فراشا"
والسماء غطاءا" ؟
لماذا الإنجيل والقرآن تنقّعا من كثر ما بكيت
ورمدت عيناي وارتجفت أصابعي
وأنا اقلّب الصفحات تلو الصفحات
ونبشت الأرض وبحثت بين النجوم
عن خيط نور من اله ربما أضاء
في عتمة السماء وغور الكهوف
لمن هذا المكان
ذي الرياش والعبيد والغلمان
لا شمس قاسية ووحوش ولا هم يحزنون !!
ربما كنت مخطئا" .. ربما كنّا مخطئين !

( يدفع العرش وفوقه الملك بواسطة الخادمين , ويوضع في محله . يقف الخادمان خلفه )

المــلك : هو أنت إذن ؟

الكاهن : ما الجرم الذي اقترفته أيها الملك حتى البّس هذه القيود ؟
المــلك : ألم تعرف بعد !

الكاهن : أنا أحد رعاة الرب وخادميه . ونحن أصحاب الكتاب قد أوصى بنا محمّد الرسول
الأمين أن يا أسامة إن رأيت كهنة يتعبّدون في صوامعهم دعهم يمارسون صلاتهم
فهم أصحاب الكتاب
" قولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيّون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون.
صدق الله العظيم " (4)
ونحن آمنّا بالله ورسله أجمعين

المــلك : أتعلمنا كتابنا يا رجل ؟

الكاهن : لا يعلّم المؤمن إلا بقدر ما أعطاه الله من معرفة وحق في القول ..

المــلك : لقد تسببت بانتحار أحد جنودنا , والذعر بين صفوف الجيش بعد أن تكلم المنتحر
كلاما" مسحورا"!!
وحين أقتحم جنودنا كهفك وجدوا هذا الصنم تتعبّد به !!
أنت ساحر مشعوذ . أعترف بجرمك إذ ربما نخفف عنك وإلا سيقطع رأسك
وتصلب كساحر ملعون !

الكاهن : نعود إليه نحن المؤمنون
بماذا أعترف ؟ إلا بعمل أقترفه ..
ما هو جرمي أيها الملك ؟

المــلك : أنا لست ملكا" , أنا خليفة الله على الأرض , وخليفة المسلمين أمام الله

الكاهن ( بسخرية مبطنة ) : أنت الخليفة وأنا الفقير تحت رحمتك .. افعل ما شئت
لكني لم أنل من جنودك إلا خيرا"
وما هذا المنحوت إلا تبرّكا " بصاحبه
ما عرفته إلا رجلا" صالحا وفارسا" صنديدا"
وسليل أنبياء !!

المــلك : سليل أنبياء , صدقت والله يا هذا, لكنه خارجيّ متآمر لم يبايع خليفة بايعه ألأجمعون
الكاهن : أيستحق من لا يبايع الموت والتمثيل , إذن لماذا المبايعة ؟!!
أيستحق من لا يبايع أن تسبى نساءه في الصحارى كاشفات الرأس حفاة الأرجل ؟
أتعرف أيها الخليفة كم الرحلة مابين كوفة العراق ودمشق الشام ؟؟
إنها مسيرة ثلاثين يوما بلياليها !!
وكان رأس الأب يتقدمهم معلّقا" على الرمح أمام أعينهم .. أتتخيل ذلك أيها الخليفة؟

( يحني الملك رأسه مفكرا" )
(يبكي الكاهن بصوت مسموع )

الكاهن : أنا ابكي مجرد التفكير بما حصل
فكيف عاشت النساء والأطفال هذه الأيام المريرة بلياليها يا خليفة المسلمين !
لماذا لم تأمر بدفن الرأس بعد أن رآه والي الكوفة وتيقن من صاحبه علّك تخفف من
جرمك المشين !!
أم إنها لذة القتل والتنكيل بالند الحقّ, وطمس الثورة الكبرى على الجبروت

المــــــلك : اسكت لقد تماديت .. أخرجتني من لحظات تفكيري بما حصل
أقطعوا لسان هذا الساحر سليط اللسان

الكاهــــن : والرب لو قطع لساني فهناك ألاف ألاف الألسنة والأيادي .. لن يسكت مظلوم !!

المــــــلك : قلت أسكت , أسكتوا هذا المجنون .. لا يعلم مع من يتكلّم !!

( يركض خادما الملك ويضربا الكاهن بقسوة حتى يغمى عليه )

( يدخل قائد عسكري )

العسكري : مولاي

المــــــلك : ما هناك ؟

العسكري : هل أتكلم

المــــــلك : تكلم

العسكري : جيوش الروم تهدد جزرنا وساحل طرابلس !!

المــــــلك : ألا يوجد غيري في هذه البلاد يفكر كيف يقاتل الروم . أتريدون لي الموت وأنا
ابن الثلاثين !!
متى أتمتع بحياتي وهذا الجيش من الجواري ..!!

( ينهض الملك )
. خذوا هذا الساحر دون أن تعملوا له شيئا", وارموه في زنزانة حتى أنظر في أمره
أريد استنطاقه !!

( ظلام )
( spot الكاهن مقرفص يفكر داخل الزنزانة )

الكاهن : أيجوز أن نكون مخطئين ؟
كفى تفكيرا"
التقيّة .. التقيّة بابني الإنسان
ما تقول يا مسيح ,لم بعد صلبك مصلوبين ؟
الست أنت آخر المظلومين ؟!
وبعدها الناس في رخاء ونعيم
أليس هكذا علّمنا الصالحون !!
لماذا تعذّب عبيدك يا ألله
لماذا المسيح قد صلب وأنت العليم؟
لماذا الأحرار يقتلون
لماذا يقطع رأس هذا الفارس ويداس جسده بسنابك الخيل ؟
هل هناك من قانون ؟! هل هناك خطأ في القانون ؟!
أستغفرك ربّي على جدفي فأنا مجنون !!

( إنارة عامة داخل السجن )
( يدخل الحارس )

الحارس : يريدك مولاي

( ينهض الكاهن بقيوده)
أيها الأب , أنا مصدّق لما تقول, لكنه واجبي

الكاهــن : لا تبتئس يا بني , قم بواجبك عسى الله يقوّيني ويقويك على عمل الخير..
خذني ألان إلى الملك

الحارس : بإمكاني تهريبك أيها الأب !!

الكاهن : أتريد أن أعيش أنا وتموت أنت ..لا , خذني فأنا ابن الثمانين

( ظلام )
( إنارة , الملك جالس . يدخل الكاهن والحارس)

المـــلك : ما تقول بجرمك ؟

الكاهن : مذنب ومجنون !!
وسأتسبب في تمرّد الكثيرين وموت من لا ذنب لهم مع أطفالهم والنساء , وحرق
قرى ومليء سجون !!
إنهم المساكين الحفاة عراة الصدور , وأنتم آلة الدمار والقتل والإبادة !!

الملك ( بفارغ صبر ) : إذن تعترف بجرمك

الكاهن : ليست هناك موازين أيها الخليفة
ولا أدري إن كنت مخطأ" وكنّا مخطئين ؟!!
ولكني على يقين من شيء واحد :
أنتم قتلة باغون , سرقتم سلطة" , وسلبتم عذريّة" , واشتريتم ذمما" , ونهبتم بيت
مال المسلمين !!
لكني في النهاية مذنب ...............
لقد تسببت في انتحار جندي مسكين , وربما سيتمرّد غيره ويقتل !!
وأنتظر بفارغ الصبر أمركم بإعدامي يا ملكـا" !!

المـــلك : إذن ستصلب عند مدخل الشام وتقطع يداك وقدميك , ثم يلحقهما رأسك ...
وسيعرض منحوت الرأس في قاعة استقبالي فهو نحت جميل ..خذوه !!

( يسحب الحارس الكاهن خارج القاعة )

واجلبوا الخمر من أجوده , والمستيقظات من الجواري فقد تعبن من الانتظار !

( ينظر تجاه الرأس . ينهض ويقترب منه , يرفع القماش وينظر إليه بتمعن )

أنت إذن من تمرّد علي ولم يبايع
أنت من وصلت أخبارك أقاصي الأرض قبل أن يصلني رأسك !!

( يضع قضيبا" معدنيا" صغيرا" كان يحمله وينكت به فم الرأس )

و لو لم أفعل هكذا لانقلبت الدنيا
وعاش الأعاجم كأسيادهم العرب
والأمات سيدات
والزنوج يصيرون حكاما"
والمعدمون يملكون الإبل والضياع
و نضحى في الآخر رعاة لمواشينا
لكني فعلت ما عليّ فعله .............
قليل من الدهاء وكثير من القسوة :
اشتري ذمم السادات بالأموال .. أموال المسلمين نفسها !!
وأطيح برؤوس من يمتنع
وأجعل الولاة من لقطاء المجتمع
ليرسلوا جيوشا" وأنا هنا البعيد عمّا يجري !
فأبكي أمام شعبي لما حصل , وألوم قسوة من فعل ما فعل !!
وأمتلك العرش والجبروت والجواري
وأكون ملكا" على الأقاصي والدواني ...........

( يخاطب الرأس )
لماذا لا تكلمني .. كلـّمني !!
أنت امتلكت قلوب الناس وضمير العالم .. أنا عارف
وماذا سأجني من ضمير العالم .. طظ !!

أما الناس فيمكن شراءهم وجعلهم خدما" ..
تحت قدمي يزحفون !
وأقطع رقبة كل من يرفع رأسه ليرى لون السماء !

( يأخذ كأسا" ويشرب بعصبية , ويدور في فضاء المكان )
سأشرب , وأشرب .. وأشرب حتى الثمالة !!

( مكلـّما " نفسه )
وان شبعت من الشرب , وماذا بعد ؟
وان مللت من الجواري , وماذا بعد وأنا أرى الكراهية المكبوتة في عيون
من حولي مغموسة بالابتسامات الزائفة والتملـّق وتقبيل الايادي !!

( يرمي الكأس بعصبيـّة )
أرى الخمرة وقد تلوّنت بلون الدم !
ماذا حصل لي !!

( يكلـّم الـــرأس )
صحيح أنّ لك قوّة الكلام وأنت مقطوع !!
هكذا سمعت !!
وتحـّول الخمرة إلى دم ؟!
هكذا أرى !!

( ينظر إلى كفـّيه )
وتحوّل اليدين إلى أكفّ ذئب بمخالبها ؟!
ماذا حصل ليدي ؟ ماذا حصل لأصابعي ؟!
لقد سكرت .. لقد تعبت !
أين انتم يا عبيد ؟
لقد مسخت .. مسخت !!

( يدور في حلقة داخل فضاء المكان )
( يسقط جاثيا" على الأرض )
( إنارة على الزاوية الأخرى للمسرح , أما زاوية الملك فتبقى شبه معتمة بحيث يرى
المتلقـّون الملك وهو جاثي ووجهه على الأرض حتى نهاية المسرحية )

( يسحب خادما الملك الكاهن الى موقع الضوء حيث نصب عمود الصلب )

الكاهن : دعوني أصلّي قبل الموت ..

أحد الخادمين : لا وقت لدينا , نريد اللحاق لتهيئة مائدة مولانا !

الكاهن : دعوني أذكر ربي وأنا راكع ..

أحد الخادمين : لا داعي .. ستصل إليه قريبا" جدا" !!

( يقوم الخادمان بربط الكاهن على العمود )

الكاهن : يا رب , اغفر لي ذنوبي وخطاياي ..
يا رب أنا عبدك الفقير, يا عظيم
الهي أنا قادم إليك .. ضمّني بملكوتك .. يا رب !


( يهمّ الخادمان بقطع يده اليمنى واليسرى , ثم قدمه اليمنى واليسرى )
(يصرخ الكاهن متألما" )

الكاهن : الهي لم أر إشارة منك ..
" الهي.. الهي لماذا تركتني ؟! " (5)

( يتألم , يموت )

صوت : ـ لنجلس هنا ونصلّي فالظهر حلّ والنساء تعبى ..
مالك يا أخت تحدّقين في وأنت تبكين ؟!!
-أرى في لحيتك شيبا" يا ذا الوجه الجميل ..
- قارب عمري الستّين إلا اثنتين , فماذا تقصدين ؟
- أخاف أن يضرّجها دم شريف يا أخي ,يا ابن أمك الزهراء
- لا تبكي ونحن في صلاة ! لا نقابل ربّنا إلا بشر الوجوه باسمين !

( ستــــــــــــــــارة )


(1) جملة مقتبسة من الواقعة
(2)منطقة مابين البصرة والكوفة
(3) ذي حسم : منطقة مرتفعة مابين الكوفة وكربلاء
(4) سورة البقرة , آية 136
(5) صيحة المسيح على الصليب / إنجيل متّى( الإصحاح السابع والعشرين آية46)
إنجيل مرقص( الإصحاح الخامس عشر آية 34)


جمــان حلاّوي
Email/ [email protected]



#جمان_حلاّوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية ( في أنتظار النتيجة ) مسرحية من شخص واحد
- مسرحية ( أبو الزمّير )/ مسرحية من شخص واحد
- مسرحية ( آمال )
- مسرحية ( سلاّبة )
- مسرحية ( رحلة الصالح )
- مسرحية ( المجنون )


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمان حلاّوي - مسرحية (أحرار )