أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الحزب الشيوعي العراقي - قرار مجلس الأمن الدولي 1409 يبقي على جوهر نظام العقوبات ولكنه يغير أشكاله واليات تنفيذه















المزيد.....



قرار مجلس الأمن الدولي 1409 يبقي على جوهر نظام العقوبات ولكنه يغير أشكاله واليات تنفيذه


الحزب الشيوعي العراقي
(Iraqi Communist Party)


الحوار المتمدن-العدد: 139 - 2002 / 5 / 23 - 08:55
المحور: حقوق الانسان
    


أثار صدور قرار مجلس الأمن 1409 طائفة من التعليقات ووجهات النظر المختلفة. وبهدف تسليط الضوء على هذا القرار، ومعرفة الجديد فيه، وأهدافه الأساسية، ومبررات صدوره، اتصل المحرر الاقتصادي لصفحة الطريق على الانترنيت بالباحث الاقتصادي الدكتور صالح ياسر عضو مجلس تحرير " الثقافة الجديدةوطرح عليه عدة أسئلة أجاب عليها مشكورا

بما يلي :

 المحرر الاقتصادي : هل لكم أن تعطونا نبذة مختصرة عن القرار 1409 ؟

 د.صالح ياسر : بداية لابد من الإشارة الى أنه وتحت شعار تسهيل حصول العراق على الأغذية والأدوية وتشديد الرقابة على السلع ذات الاستخدامات العسكرية نجح الأعضاء الخمس الدائمون في مجلس الأمن الدولي في تمرير قرار جديد عبر مجلس الأمن الدولي وذلك يوم 14/5. وبهذا يخضع العراقيون ابتداء من نهاية شهر مايس/آبار لنظام عقوبات جديد وفقا لقرار جديد لمجلس الأمن برقم 1409 وهو قرار طويل ومعقد. وجاء اعتماد مشروع القرار الذي قدمه الأعضاء الخمسة الدائمو العضوية في مجلس الأمن الدولي بإجماع الدول الـ15 الأعضاء في المجلس بما فيها سورية التي قررت في اللحظات الأخيرة التصويت لصالحه بعدما قدمت اعتراضات أخرت عملية التصويت، حفاظا منها على وحدة مجلس الأمن كما قال المندوب السوري السفير ميخائيل وهبه. وكان وهبه قد وجه انتقادات شديدة الى المشروع، معتبراً أن الوقت قد حان لرفع العقوبات التي يعاني الشعب العراقي نتائجها ولافتا الى ازدواجية المجلس في التعامل مع العراق من جهة ومع إسرائيل من جهة أخرى. وكان دبلوماسيون ذكروا أن سوريا حاولت من دون جدوى إدخال خمسة تعديلات على المشروع المطروح. وكان أحد التعديلات المقترحة يهدف الى أن يتضمن النص إشارة الى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعترف بحق أي دولة بالدفاع عن نفسها في حال تعرضت لهجوم. ولم يخف الوفد السوري انزعاجه من الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة من اجل الإسراع في التصويت على القرار.

 وفي خطوة تعد، بحسب العديد من المحللين والمتخصصين بالشأن العراقي، انتصاراً كبيراً للولايات المتحدة والقوى الأخرى المتنفذة في مجلس الأمن الدولي، وافق المجلس المذكور على أكبر تعديلات تدخل على نظام العقوبات المفروضة على العراق منذ 1990سنة، من أجل تحقيق هدفين في أن واحد : تشديد الحظر على استيرادات النظام العراقي من المنتجات العسكرية مع تسهيل توريد بعض السلع ذات الاستعمال المدني. وبحسب صائغيه ، يسعى القرار للحد من الإجراءات البيروقراطية التي تخضع لها عملية شراء السلع للعراق.

 وكما معروف جاء هذا القرار ثمرة مناقشات استمرت أشهراً بين الولايات المتحدة التي تهدد بالإطاحة بالنظام العراقي وروسيا التي تريد وقف العقوبات المفروضة منذ غزو العراق الكويت عام .1990. وبعد صدور القرار سارع المندوب الروسي السفير سيرغي لافروف الى تذكير الولايات المتحدة بأنها حصلت على تأييد موسكو للقرار في مقابل مراجعة الثغرات الموجودة في القرار 1284 الصادر في كانون الأول .1999 وقال: " نتوقع تنفيذ الجزء الثاني من الالتزام (...) أعني أن يتبنى المجلس أسلوب مراجعة شاملة". وكان رد المندوب الأمريكي السفير نيغروبونتي حاسما وواضحا ومتقاطعا مع الموقف الروسي حين قال: "اعتقد أن علينا أن نتولى هذه الأمور خطوة خطوة".

هذا مع العلم أن فكرة القرار قد وردت للمرة الأولى، منذ عدة شهور، على لسان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول والمسؤولين البريطانيين في إطار خطة لـما سمي في حينه بــ "العقوبات الذكية" لمواجهة " الثغرات " التي رافقت الحصار والتي أدت الى إلحاق أضرار فادحة بالشعب العراقي، ومن دون أن تضعف النظام الديكتاتوري، وتساعد على إسقاطه. وطالب باول في حينه بان تكون هناك رقابة على حدود العراق، لكن جيران العراق احتجوا فأسقطت الفكرة التي لم تكن نابعة من رغبة حقيقية للولايات المتحدة وحلفائها لرفع الحصار عن الشعب العراقي، بل أنها كانت تدخل في لعبة توازنات وصراعات إقليمية ودولية أخرى تشكل مقدمات لتحالفات إقليمية ودولية جديدة.

 المحرر الاقتصادي : ولكن ما هي، باعتقادكم، الأسباب الحقيقية الكامنة وراء صدور القرار ؟

د.صالح ياسر : إذا تفحصنا القرار ومبررات الدول التي تقف ورائه، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار تجربة القرارات السابقة لمجلس الأمن، أمكن الاستنتاج بأن النظام الجديد والقرار الجديد إنما يهدف في الجوهر الى  تحقيق طائفة من الإجراءات والأهداف، سأشير وباختصار شديد الى البعض منها :

أولا : السعي لترميم جدار الحصار الذي تعرض للتداعي في السنوات القليلة الماضية، بفعل طائفة من القضايا. إذ أنه وفي الوقت الذي كانت آثار القرارات الأممية الصادرة بهذا الشأن ذات طابع تدميري بالنسبة للشعب العراقي، إلا أنها  لم تؤد الى إيذاء النظام الديكتاتوري بنفس القدر الذي تعرض له شعبنا، بل أن النظام على العكس من ذلك نجح هو الآخر في التكيف مع الوضع، وتوظيف النتائج الكارثية للحصار لصالح خروجه من أي مسائلة عن ما أل إليه الوضع، وتعليقه لكل مشكلاته على شماعة الحصار.

ثانيا : ويعني ذلك أن  تمرير هذا المشروع، في مجلس الأمن، يأتي استجابة وتكيفا للضغوطات و الانتقادات القائلة بان العقوبات تضر بالشعب العراقي. وقد بحثت الولايات المتحدة وروسيا التي تريد وقف العقوبات وضع نظام يوفر السلع المدنية للشعب العراقي بشكل أسرع مع إبقاء الحظر على السلع العسكرية. وفي الوقت الراهن تخضع كل السلع باستثناء الغذاء والدواء للتدقيق من جانب لجنة العقوبات التابعة للمجلس، حيث عرقلت القوى المتنفذة في مجلس الأمن وبيروقراطية مؤسسات الأمم المتحدة ذات الشأن وصول سلع تبلغ قيمتها خمسة مليارات دولار للعراق تحت ذرائع مختلفة.

ثالثا : تجادل الولايات المتحدة وبريطانيا على أساس أن القرار الجديد سيخفف من أزمة العقود المعلقة من قبل لجنة مجلس الأمن للعقوبات ضد العراق. لكن مكتب برنامج النفط مقابل الغذاء والحكومة العراقية ترى أن قيمة العقود المعلقة منذ بداية البرنامج عام 1996 قد بلغت حوالي 8 مليارات دولار و90 في المائة من العقود المعلقة بسبب الولايات المتحدة ونسبة 10 في المائة بسبب بريطانيا. علما بأن هذا التخفيف لنظام العقوبات الذي غالبا ما واجه انتقادات بسبب عواقبه ونتائجه على السكان المدنيين، هو الأول منذ دخول برنامج "النفط مقابل الغذاء" حيز التنفيذ في كانون الأول/ديسمبر 1996.
رابعا : اعتبر معظم الدبلوماسيين أن هذا النظام الجديد يهدف أساسا الى منع الحكومة العراقية من مواصلة التأكيد بأن العقوبات الدولية على العراق تؤثر على حياة الشعب العراقي وتحول بينه وبين استيراد المواد الغذائية والأدوية.

هذا مع العلم أن هذا التخفيف لنظام العقوبات الذي غالبا ما واجه انتقادات بسبب عواقبه ونتائجه على السكان المدنيين، هو الأول منذ دخول برنامج "النفط مقابل الغذاء" حيز التنفيذ في كانون الأول/ديسمبر 1996.

المحرر الاقتصادي : عشية صدور القرار 1409، كثر الحديث عن مناورات وتسويات جرت خلف الكواليس سبقت صدوره، مما ولد الانطباع لدى أوساط عديدة بأن هذا القرار كان محصلة لتسويات تتجاوز الشأن العراقي. هل لكم أن تحدثوننا، إذن، وبمزيد من التفصيل عن المواقف الدولية، وخصوصا مواقف الدول المقررة في مجلس الأمن، من القرار 1409 ؟

 

د.صالح ياسر : بداية لا بد من القول أن القرار المذكور قد حظي بالموافقة والقبول من طرف مختلف مجموعات البلدان وأن تباينت خلفيات القبول ودوافعه السياسية المباشرة، والبعيدة المدى، وكل منها له قراءته الخاصة للقرار ومبرراته. وسأستعرض هنا مواقف بعض البلدان المقررة في المجلس بهدف إتاحة الفرصة للقارئ الكريم لتكوين صورة حقيقية عن دوافع كل طرف من أطراف الصراع.

 ففيما يتعلق بالولايات المتحدة أشاد وزير الخارجية كولن باول الثلاثاء 14/5 في ريكيافيك بقرار مجلس الأمن الدولي لتخفيف نظام العقوبات ضد العراق، متوافقا مع الموقف الذي أعرب عنه وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف الذي أبدى "ارتياحه" بعد تبني الأمم المتحدة قرارا يخفف نظام العقوبات المفروضة على العراق.
وقال باول في بيان على هامش اجتماع الحلف الأطلسي وروسيا " أن القرار يظهر عزم المجلس المستمر تلبية حاجات الشعب العراقي". وأضاف "هذه الخطوة المعبرة ستحسن قدرة النظام العراقي على تلبية حاجات شعبه إلا إذا استمرت بغداد في تحويل برنامج النفط مقابل الغذاء كما تفعل حاليا على حساب الشعب العراقي.

 من جانبه أشاد البيت الأبيض الذي يبحث خططا لضرب العراق، بقرار مجلس الأمن هذا ووصفه بأنه " خطوة الى الأمام بالنسبة الى الشعب العراقي ". غير أن المتحدث باسم البيت الأبيض اري فلايشر قال أيضا انه " حتى يساعد هذا النظام الجديد بنجاعة العراقيين لا بد من التزام حقيقي من قبل الحكومة العراقية في الاتجاه نفسه ". وأضاف فلايشر انه " أمام الحكومة العراقية فرصة لإثبات أنها تسعى الى الحصول على الامتيازات ذاتها لكافة مواطنيها ".

هذا وكان السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة جان نيغربونتي قد رحب  بالقرار ووصفه         بـ" الإنجاز " من الناحية الفنية والسياسية، وقال " انه سيسهل بشكل كبير حركة المواد الإنسانية والمدنية الى الاقتصاد العراقي من خلال تسهيل نظام التصدير بالتركيز على المنتجات والخدمات التي قد تساهم في برامج أسلحة الدمار الشام "، ومضى يقول " اعتقد أن النظام سيكون اكثر فعالية ".

 

وبعيدا عن العبارات العمومية فإن قراءة متفحصة للأطروحات الأمريكية المثبتة أعلاه تسمح بتسجيل القضايا التالية :

1.      يبدو أن جوهر الفكرة الرئيسية في الموقف الأمريكي، الذي طرح من طرف العديد من الشخصيات والمؤسسات المشار إليها أعلاه، هو أن هذا القرار قد اتخذ وان الكرة الآن في ملعب النظام العراقي وليس في ملعب الأمم المتحدة والدول المتنفذة فيها.

2.      وهذا يعني بطبيعة الحال مسعى أمريكي لتخليص نظام العقوبات والقوى التي تقف ورائه وتدافع عنه، من أية دعوات وانتقادات كانت تؤشر الى آثاره التدميرية على الشعب العراقي. وهو اعتراف غير مباشر بأن نظام العقوبات، الذي كان مطبقا قبل القرار 1409، اعترته ثغرات جدية أثناء تطبيقه، وبدا متعارضا مع الهدف الذي وضع من اجله وهو : إجبار النظام العراقي على الانسحاب من الكويت ومعاقبته بسبب إقدامه على عملية الغزو، وليس معاقبة الشعب العراقي بجريرة جرائم النظام الحاكم.

3.      ومن جهة أخرى يلاحظ أن التصريحات أعلاه تشترك في مسألة واحدة هي التأكيد على أن القرار 1409 يستهدف " تلبية حاجات الشعب العراقي "، وإن إنجاز ذلك مرتبط بتحقيق " التزام حقيقي من قبل الحكومة العراقية ". والرسالة التي يريد صانعو القرار في الولايات المتحدة إيصالها هنا هي أن هذا القرار يشكل نقطة فاصلة في نظام العقوبات، وان مصيره مرتبط بمدى التزام الحكومة العراقية به وبتطبيقه !.

 والخلاصة بسيطة وواضحة : منذ هذه اللحظة لا توجد مشكلة مع نظام العقوبات، بل المشكلة تكمن في كيفية تعاطي حكومة بغداد مع القرار المذكور ! وهكذا يدخل قرار 1409 ضمن الآليات التي تستخدمها الولايات المتحدة لتبشيع النظام  الديكتاتوري أمام الرأي العام الدولي فقط. ولهذا يمكن الاستنتاج بأن دعم الولايات المتحدة لإصدار هذا القرار لا يتعلق بالأساس بتخفيف معاناة الشعب العراقي من الآثار المدمرة التي تركها الحصار الظالم، ولكن الأمر على ما يبدو مرتبطا بإعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، إقليميا ودوليا وبما يضمن تعظيم هيمنتها وآليات إعادة إنتاجها " دون أي عوائق ".

 من جانبها رحبت بريطانيا بالقرار، وقالت إن التعديل "يعني إبقاء القيود الصارمة على السلع العسكرية مع رفع القيود عن السلع الإنسانية المدنية فقط"، وأشارت على لسان وزير خارجيتها جاك سترو إلى " أنه يزيل الأعذار الزائفة التي يسوقها صدام بشأن المعاناة التي يلحقها بالشعب العراقي ويضع مزيدا من الضغط على النظام " و "يخفف بشكل كبير بيروقراطية الأمم المتحدة ويفسح في المجال لشحنات للبضائع الى العراق اكثر سرعة "0 وقالت أن هذه المبادرة " تشير مرة أخرى الى أن مجلس الأمن لم يواجه على الإطلاق مشاكل مع الشعب العراقي، وإنما مع النظام العراقي ".

 ويعني ذلك أن الموقف البريطاني يمتاز بالخصائص التالية :

 أولا : إنه يتطابق مع الموقف الأمريكي في تحميل النظام العراقي مسؤولية " الآلام  التي يعانيها الشعب العراقي " وليس نظام العقوبات أيضا، أي أنه نفس المسعى الأمريكي الهادف لتخليص نظام العقوبات الذي طبق لحد هذه اللحظة من أية دعوات وانتقادات تطول جوهر النظام ذاته وليس آليات تطبيقه، والتي كانت تؤشر الى آثاره التدميرية على الشعب العراقي اساسا.

 ثانيا : الاعتراف بوجود بيروقراطية في إجراءات الأمم المتحدة المعتمدة خلال الفترة الماضية والتي ساهمت في تأخير وصول شحنات البضائع في مواعيد مناسبة الى مستهلكيها من أبناء الشعب العراقي.

 ثالثا : محاولة توضيح أدق لهدف نظام العقوبات الذي اقره مجلس الأمن الدولي قبل 11 سنة، والتمييز بين النظام العراقي والشعب العراقي. حيث يؤكد الموقف البريطاني هنا على أن قرارات مجلس الأمن كانت ولا تزال موجهة للنظام العراقي، وبالتالي ليس هناك للمجلس " مشاكل مع الشعب العراقي ، وإنما مع النظام العراقي ". ولكن يبدو أن السادة في الخارجية البريطانية يعيشون في كوكب آخر ولا يتابعون ما يعانيه الشعب العراقي من آثار مدمرة للحصار الذي يقال أن هدفه ليس لإيذاء الشعب، بل النظام. ولكن تجربة السنوات الماضية التي طبق فيها نظام العقوبات قد بينت حقائق معاكسة أولها بقاء النظام واستمراره من جهة، وإلحاق آثار مدمرة بالنسيج الاجتماعي في بلادنا بـ " فضل "  النظام الديكتاتوري ونظام العقوبات الدولية في أن من جهة أخرى.

 أما بصدد الموقف الروسي، فلابد من الإشارة، بداية، الى التباين في موقف هذا البلد تجاه نظام العقوبات، مقارنة بمواقف الولايات المتحدة وبريطانيا في هذا الشأن. وبغض النظر عن المنطلقات والاعتبارات السياسية والاقتصادية والعسكرية فإن لروسيا موقف محدد في هذا الشأن والمتمثل بعدم جدوى نظام العقوبات ودعوتها لرفعه. وطبيعي أن الموقف الروسي يعتبر محصلة للصراع الدائر داخل مراكز صناعة القرار ومصالح الكتل المتصارعة. وكما أشارت " المتابعة السياسية " الصادرة عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي المنعقد في 16/4/2002 فإن موقف الحكومة الروسية من هذه القضية يتأثر بجملة من العناصر الضاغطة لصالح النظام العراقي انطلاقا من اعتبارات اقتصادية وسياسية وعسكرية …الخ. ومقابل ذلك يتأثر موقف الحكومة الروسية بالضغوطات والاغراءات الأمريكية لتليين موقفها من النظام العراقي وبالتالي من نظام العقوبات كذلك. وتأخذ روسيا بنظر الاعتبار مصالحها الأشمل/العالمية البعد وما تستطيع الحصول عليه من تعويض عن بعض أو كل ما تستنفذه المصالح الروسية جراء أي تعديل أو تغيير في نهجها إزاء القضية العراقية.

  ويمكن ملاحظة هذا التمايز واختلاف المواقف الأمريكية – الروسية تجاه القضية العراقية من خلال ملاحظة الموقف الروسي من القرار 1409 وكيفية تقيمه. فمن جهة اتفق السفير الروسي لدى الأمم المتحدة سيرجي لافروف مع نظيره الامريكي في اعتبار أن القرار المذكور سيسهل نظام استيراد المواد الإنسانية والمدنية، ولكنه من جهة أخرى قال " انه لا يمكن بناء الاقتصاد العراقي إلا من خلال رفع العقوبات ".

 وخلاصة الموقف الروسي واضحة وبسيطة من خلال الإشارة الى القضايا التالية :

-          على الصعيد التكتيكي هناك تطابق بين الموقفين : الأمريكي والروسي، حيث يتفق الطرفان على أن القرار 1409 سيسهل بشكل كبير حركة المواد الإنسانية والمدنية الى الاقتصاد العراقي من خلال تسهيل نظام التصدير، وتخليصه من العوائق والثغرات البيروقراطية التي كان يعاني منها، حسب اعتقاد خبراء وصانعي القرار في البلدين، وان اختلفت مقاربات كل منهما للمشكلة. وقد جاء موقف وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف واضحا على هذا الصعيد إذ قال في ريكيافيك أن موسكو " تشير بارتياح الى تبني هذا القرار " مضيفا أن بلاده "عملت بنشاط" من اجل ذلك. وهو موقف يتطابق مع موقف وزير الخارجية الأمريكي كولن باول عندما تحدث كذلك في ريكافيك بهذا الشأن. وأضاف "سوف نبذل جهودا جدية من اجل تأمين مواصلة الحوار بين الآمين العام للأمم المتحدة والعراق حول تطبيق القرارات المتعلقة بهذا البلد".
وأوضح إيفانوف قائلا : " نأمل أن تؤدي هذه المحادثات الى عودة المفتشين الدوليين" المكلفين التحقق من نزع الأسلحة العراقية بهدف رفع العقوبات نهائيا عن بغداد.
 

-          لكن الخلاف بين الطرفين يبرز على الصعيد الاستراتيجي. فالولايات المتحدة تنطلق من فكرة أن استراتيجية نظام العقوبات ستضعف بشكل تدريجي النظام العراقي، وبالتالي تساعد على تغييره، ولهذا يلاحظ طيلة السنوات السابقة أنها تتمسك باستمرار نظام العقوبات بغض النظر عن آثاره المدمرة على الشعب العراقي. أما الموقف الروسي فيشكك في كون الحصار يمكن أن يكون استراتيجية ناجعة للإطاحة بنظام سياسي ما، ويضرب أمثلة ملموسة في هذا المجال، وبالتالي فهو يدعو الى رفع الحصار أصلا، والبحث عن وسائل أخرى لحل " المعضلة العراقية ".     


المحرر الاقتصادي : ولكن ما هو بالملموس موقف النظام العراقي من القرار الجديد ؟

 د. صالح ياسر : بداية، وبغض النظر عن تضارب تصريحات المسؤولين العراقيين، لابد من الإشارة الى أن الحكومة العراقية لم ترفض الاتفاق كما كانت تفعل في المرات السابقة، ولكنها لم تخف اعتراضاتها على بعض بنوده، لأسباب عديدة.

 ولكن بمقابل ذلك، رغم أن مشاورات مع النظام العراقي وممثليه تمت وراء الكواليس قبل إصدار القرار، والتي حصلت على تأكيدات رسمية بقبوله لعدم وجود خيارات أخرى بيد النظام تتيح له المناورة أمام زوبعة اكبر تتمثل بتهديد الولايات المتحدة لضربه، إلا أن النظام الديكتاتوري كعادته يمارس سياستان : واحدة للاستهلاك المحلي والعربي والأخرى  للعالم يريد من خلالها توجيه رسالة للمراكز العالمية المتنفذة بـأنه يتعامل مع القرارات الأممية بمزيد من " المرونة والحكمة " التي لجأ إليها في الفترة الأخيرة. ويمكن البرهنة على هذه الملاحظة من خلال متابعة تطور الموقف العراقي من هذا القرار.

فمن جانبه وفور صدور قرار 1409 حتى وصفه سفير العراق لدى الأمم المتحدة محمد الدوري بـ " المنحاز ". وقال في حديث لجريدة «الشرق الأوسط»: " أن القرار الجديد فيه أذى لمستقبل العراق ولا يساهم في تطوير وتنمية الاقتصاد العراقي ". وأضاف الدوري " انه لا يمكن أن نكون سعداء إلا برفع العقوبات عن العراق ولا يمكن أن نكون سعداء بهذا القرار ". واعتبر الدوري في تصريح لقناة الجزيرة أن " الطريقة التي وضع بها هذا المشروع هي طريقة أميركية، المشروع وضعته أميركا وناقشته أميركا مع الدول الأعضاء الأخرى".

وأضاف أن "ما يسمى بقائمة السلع ذات الاستخدام المزدوج هي قائمة طويلة ومضرة بالاقتصاد العراقي ومستقبله كما تضر مباشرة بالشعب العراقي". واعتبر السفير العراقي أيضا أن الإجراءات التي ألحقت بالقرار هي إجراءات معقدة وطويلة وتستهدف فقط عرقلة وصول المواد الإنسانية خصوصا والمواد الأخرى على وجه العموم.

 وطبقا لمعلومات تسربت عن المشاورات التي سبقت إصدار القرار المذكور فإن الوفد العراقي، من خلال روسيا وفرنسا، أصر على دمج الفقرات الخاصة بالمواد ذات الاستخدام المزدوج بقرار تمديد برنامج النفط مقابل الغذاء، في الوقت الذي كانت تسعى فيه أمريكا الى التصويت على قائمة المواد بقرار منفرد، ومن ثم التصويت على قرار آخر خاص بتجديد برنامج النفط مقابل الغذاء. وفسّر الوفد العراقي إصراره على الدمج بحرصه على أن يكون القرار الجديد بهدف تحسين البرنامج، وان لا يعتبر تعديلا لنظام العقوبات.

 ومقابل ذلك أراد النظام العراقي أن يعطي انطباعا بأنه شديد التمسك بـ " ثوابته الأساسية " من الحصار، إذ أشار الى أن موافقته على القرار 1409 كانت ناجمة عن " تحريض " دول كبرى " صديقة " للعراق بقبول النظام الجديد للعقوبات ومن ثم اتباع " أساليبه الخاصة " في خرقه والحصول على الممنوعات التي حددها مجلس الأمن و" بطرق شتى ". ويكفي هذا الموقف للتدليل على الكيفية التي تدار فيها قضية كبيرة وجوهرية مثل الحصار، وتحديد الموقف بشأنه، ليس انطلاقا من المصالح الأساسية لشعبنا ولكن استنادا لـ " تحريض " الآخرين !

 وقد جاء ذلك في تصريحات للدكتور عبد الرزاق الهاشمي، أحد المسؤولين الحزبيين المعروفين، ضمن مقال نشرته صحيفة «بابل»، في إشارة الى أن تلك الدول تحاول إقناع العراق بالموافقة على النظام الجديد للعقوبات، من خلال التنويه الى إمكانية خرق هذا النظام (وربما بمساعدة تلك الدول). وتساءل العديد من المتابعين للشأن العراقي عن مغزى كشف النظام العراقي لهذا " التحريض "، وما هي الدوافع الحقيقية لذلك ؟

 ومن جهته أعلن وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف، بعد انتهاء اجتماع للقيادة العراقية، أن العراق يقبل "التعامل" مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1409 القاضي بتخفيف العقوبات المفروضة على هذا البلد منذ 1990.

 ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن الوزير قوله أن "العراق سيتعامل مع القرار 1409 الذي اتخذه المجلس بشان تجديد العمل بمذكرة التفاهم لمدة ستة اشهر أخرى".

 وفي معرض تحديد الموقف العراقي من القرار المذكور وبوضوح، أكد صدام حسين خلال ترأسه جلسة لمجلس الوزراء العراقي في ساعة متأخرة من ليلة الخميس 16/5  أن العراق قرر التعامل مع قرار مجلس الأمن الجديد 1409 القاضي بتخفيف العقوبات المفروضة على هذا البلد منذ 1990 وفقا لروحية مذكرة التفاهم الموقعة بين العراق والأمم المتحدة في عام 1996.

 وفي محاولة محمومة لتبرير موقف النظام العراقي بقبول هذا القرار معتبرا إياه انتصارا للنظام أضاف صدام قائلا : "بهذه الطريقة نجعل امريكا اقل من أن تعطل فعل الرأي العام العالمي بعد أن كانت تحاول أن تلوي بعض التعاملات عندما تذهب الى لجنة (العقوبات) 661 ".

 ولكن الرئيس العراقي يقع في تناقض مع ما قاله أعلاه حين خلص الى القول  أن "امريكا مازالت في مجلس الأمن هي القوة القادرة على أن تقوم بشيء كثير من الحماقات ولا تستطيع القوى الأخرى في المجلس أن تصدها بشكل جدي "

 والخلاصة، لقد " ورط " الرئيس العراقي طائفة من المسؤولين بإطلاقهم تصريحات رنانة ضد القرار الجديد لمجلس الأمن، ولكن تصريحاته شكلت " مسك الختام " بإعطاء انطباع واضح أن لا بديل سوى القبول بهذا القرار.

هذا ومن المفيد الإشارة الى انه وبغض النظر عن التصريحات " الرنانة " لبعض المسؤولين العراقيين، إلا أن العراق وافق الخميس 16/5 على القرار بعد  48 ساعة من إقراره في مجلس الأمن . وكانت بغداد في السابق تنتظر أياما عديدة قبل أن تعلن موقفها من القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن الدولي والمؤسسات الأممية الأخرى. وتميز الموقف العراقي الرسمي من القرار 1409 بميزتين جديدتين هما : السرعة غير المعهودة ووضوح الرد، وليس كما جرى في المرات السابقة حيث امتازت مواقف النظام العراقي من القرارات الدولية بسمتين مغايرتين هما التأخر في الرد من جهة، وعدم الوضوح الذي كان يسمح بقراءات مختلفة من جهة أخرى.

 

ولعل المتابع لمواقف السلطات العراقية من القرارات الأممية، وخصوصا الصادرة من مجلس الأمن، يتساءل عن الأسباب الكامنة وراء هذا التحول في المواقف العراقية، وهل أنها تمثل تعبيرا عن نهج جديد، أم هي عبارة عن صفقة لضمان مرور عاصفة مدمرة يحضر لها الأمريكان تجاه النظام ؟  

بحسب ميس "أن السرعة غير المعهودة ووضوح الرد العراقي يشير الى أن العراق استجاب للمبادرات الدبلوماسية الروسية في محاولة لتفادي مواجهة جديدة مع مجلس الأمن قد تقود الى هجوم عسكري امريكي للإطاحة بالنظام في بغداد".

   

المحرر الاقتصادي : إزاء تباين وجهات النظر، واختلاف المقاربات التي أشرتم إليها بصدد القرار 1409 ، نطرح السؤال التالي : ماذا تضمن هذا القرار، وما هو الجديد فيه ؟

 د.صالح ياسر : لابد من الإشارة الى أنه لا يمكن فهم جوهر القرار وما يميزه عن القرارات السابقة لمجلس الأمن الدولي بهذا الشأن إلا بعد التساؤل عن الجديد فيه ومضمون القضايا التي أكد عليها. ومن المفيد التذكير الى انه قد تطلب أعداد هذا القرار وملحقاته حوالي خمسة اشهر من العمل وهو ذو طبيعة حصرية من خلال التأكيد على : أن استيراد كل المنتجات غير الوارد ذكرها فيه –ليست عسكرية – بات من الآن فصاعدا حرا وإنما يبقى خاضعا للإعلان عنه. وإضافة لذلك يفترض أن تدخل هذه النسخة المعدلة من " العقوبات الذكية " حيز التنفيذ في 30 من مايس/آبار  الحالي مع انتهاء المرحلة الأخيرة من برنامج " النفط مقابل الغذاء " المطبق منذ العام1996.  ويعني أن القرار 1409 سيحل محل القرار 986.

  وما عدا ذلك فإن قراءة أولية للقرار 1409 تسمح بتسجيل ما يلي :

 أولا : بدا أن الهدف من هذا القرار هو إقامة نظام يحافظ على استمرارية فرض العقوبات من جهة، ولكنه يخفف الإجراءات التي تتيح للعراق توريد منتجات للاستعمال المدني من جهة ثانية. ويتعلق الأمر بالمواد غير الواردة في لائحة من 300 سلعة من التي يمكن استعمالها لأغراض عسكرية والتي تظل خاضعة للرقابة، ويتعين مراجعة هذه اللائحة كل ثلاثين يوما. ويعني ذلك أن القرار يود الإبقاء على الجوهر – نظام العقوبات – ولكن بمقابله يتم تعديل في الشكل من خلال تخفيف الإجراءات التي باتت تشكل قيودا على استمرارية هذا النظام بدون " عوائق " قد تهدد بنسفه أصلا، من خلال تزايد عدد المناهضين له والمشككين في جدواه، بما في ذلك داخل البلدان التي صادقت على قرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وطائفة من كبار موظفي الأمم المتحدة الذين كانوا على تماس مباشر مع تنفيذ قرارات مجلس الأمن بهذا الشأن.

 ثانيا : لا يلغي هذا القرار العقوبات المفروضة على العراق حاليا، ولكنه ينص على إجراءات تتيح للحكومة العراقية استيراد منتجات للاستخدام " المدني " بصورة ايسر. أي أن التغييرات في العقوبات المفروضة "ستعجل في الصادرات المدنية الى العراق من جهة، وتشدد على منع وصول أي سلع يستفاد منها للاستخدامات العسكرية من أي نوع كان ".

 ثالثا : ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من التغيرات التي ستطرأ على طريقة العمل به، فقد أبقى القرار العقوبات – وخصوصا دفع عائدات النفط العراقي في حساب تراقبه الأمم المتحدة – قائمة. وبمقابل ذلك يقضي القرار أيضا بتجديد العمل ببرنامج النفط مقابل الغذاء حتى 25 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وبموجب هذا البرنامج الذي بدأ في كانون الأول/ديسمبر عام 1996 يتم بيع النفط العراقي في الأسواق الدولية وتودع كافة العائدات في حساب مصرفي خاص تشرف عليه الأمم المتحدة وتستخدم في شراء المواد الطبية والغذائية وكافة السلع الأساسية للشعب العراقي. وبالفعل فان قرارات مجلس الأمن التي تشير الى عدم رفع العقوبات قبل أن يقوم العراق بما يرضي مطالب الأمم المتحدة، ومنها تفكيك أسلحة الدمار الشامل، تبقى سارية المفعول.

 رابعا : ومن الأجزاء الأساسية  التي تضمنها القرار 1409 "قائمة مراجعة السلع" وهي قائمة " أعيد النظر فيها " وتقع في 300 صفحة تتضمن قائمة بالسلع ذات الاستخدامات العسكرية والمدنية التي يمكن أن تستخدم عسكريا ويبقى استيرادها خاضعا لتفتيش يؤكد أنها لن تستخدم عسكريا. وهذه القائمة ينبغي مراجعتها مراجعة منفصلة كل 30 يوما. والسلع التي لم ترد في القائمة يمكن أن ترسل الى العراق بعد أن يراجعها مسؤولون من الأمم المتحدة. وتضم "قائمة مراجعة السلع" أجهزة الاتصالات المتطورة التي يمكن استخدامها في الطيران المدني والعسكري على حد سواء والألياف البصرية والمعدات الإلكترونية المتخصصة وأجهزة الاختبار مثل أجهزة استقبال واختبار الموجات القصيرة جدا. ومن بين السلع الأخرى على القائمة أجهزة الرؤية الليلة وأنظمة بحرية صوتية والأجهزة المتخصصة في تصنيع أشباه الموصلات ومعدات بيولوجية معينة، وطائفة من المواد المرتبطة بصناعة الإلكترونيات والطائرات غير المدنية وغيرها. هذا مع العلم أن " قائمة مراجعة السلع " ليست " قائمة حظر "، إذ " أن إدخال مادة في القائمة لا يعني أن هذه المادة ستحظر تلقائيا ولكن سينظر فيها بدقة وبحرص".

 خامسا : مقابل ذلك يلاحظ ولأول مرة منذ فرض نظام العقوبات على العراق يفوض مجلس الأمن لجنة «انموفيك» (الخاصة برصد وتفتيش برامج الأسلحة العراقية) والوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات رفض أي عقد تجاري له علاقة بالبرامج العسكرية. وضم القرار الجديد 18 بندا من الإجراءات التي ينبغي مراعاتها عند تقديم أي طلب أو عقد له صلة بالمواد ذات الاستخدام المزدوج وفوض المجلس في قراره الجديد وألحق بالقرار صيغة لشكل طلبات العقود المقدمة الى مكتب الأمم المتحدة لبرنامج النفط مقابل الغذاء والتي تحال بدورها الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإلى لجنة «انموفيك». وإذا لم ترد اللجنة والوكالة الدولية في غضون فترة لا تتجاوز 10 أيام يعتبر الطلب مقبولا وإذا سجلت اللجنة أو الوكالة الدولية أي اعتراض يعتبر العقد مرفوضا. ويعني ذلك أن الخطة الجديدة لا تشدد الحظر على السلع المتصلة بالاستخدامات العسكرية بل تضع نظاما لتقويمها. وهي بهذا تنهي وضع الولايات المتحدة بصفتها المعرقل للإمدادات التي تشتبه في أن لها استخدامات عسكرية من طريق إشراك مسؤولين من الأمم المتحدة ووكالات نزع الأسلحة.

 سادسا : التأكيد على لجنة العقوبات الآن أن تسمح بشراء أي شيء غير الأغذية والأدوية، وأن تلتزم الأمم المتحدة بالموافقة على عقود المعاملات التجارية العراقية في ظرف 20 يوما. ويبدو أن الهدف من وراء هذا التأكيد هو إشعار خصوم نظام العقوبات بأنه إذا حدث أي تباطؤ في استيراد الغذاء والدواء وغير ذلك من الضروريات، الى الأسواق العراقية، فان ذلك لن يكون سوى نتيجة تعقيدات من طرف النظام العراقي. وهناك حاليا عقود تصل قيمتها الى خمسة مليارات دولار ويمكن أن تنفذ مباشرة إذا كانت حكومة بغداد راغبة في ذلك. والخلاصة أن مهندسي القرار 1409 يريدون توجيه رسالة لمنتقدي نظام العقوبات على العراق أن الكرة الآن في ملعب النظام العراقي وعليه الاستفادة من مزايا القرار الجديد. والرسالة واضحة أيضا وهي أن المشكلة لا تكمن في نظام العقوبات ذاته، وإنما في ممارسات النظام المعرقلة. وطبعا هذا هو نصف الحقيقة ولكن ليس كلها، إذ أن الطرفين مسئولان عن معاناة الشعب العراق.

 المحرر الاقتصادي : ألان، وبعد هذا العرض الضافي، ما هو تقيمك الإجمالي، لهذا القرار ؟

 د.صالح ياسر : بداية، إنني أميز بين قراءتين للقرارات الدولية الخاصة بشأن الحصار. الأولى  سياسوية صرفة تتجاوز الجوهر، تنشغل بالتفاصيل الكثيرة والجوانب الشكلية للتغيرات في أي قرار، والتي لا يصح إهمالها عند التقييم ولكن ينبغي عدم المبالغة في حجمها، والآثار التي تنتجها. أما الثانية فهي قراءة اقتصادية – سياسية لهذه القرارات، والتي أتبناها لأنها، باعتقادي، تكشف لنا عن جوهر التغيرات الفعلية، بحجمها الحقيقي، ومدى اقترابها أو ابتعادها عن الهدف النهائي : الرفع الشامل لنظام العقوبات، كما إنها تكشف عن الآثار المتوقعة التي ينتجها أي قرار مقارنة بما سبقه. واستنادا الى القراءة الثانية، أزعم بأنه ورغم التغييرات التي يهدف القرار 1409 الى تحقيقها في مجال تخفيف العقوبات عن الشعب العراقي  – على الأقل نظريا – والتي أشرت إليها في معرض إجابتي على سؤالكم  السابق، إلا أن هذا القرار لا يمكن أن يشكل بأي حال من الأحوال بديلا عن الرفع الفوري والشامل واللا مشروط للحصار عن شعبنا العراقي، الذي اصبح مطلبا شعبيا عاما تتبناه معظم القوى السياسية المعارضة، وتثبته في مؤتمراتها وبرامجها السياسية. وفي الوقت الذي أشرت في معرض إجابتي حول بعض الجوانب الإيجابية لهذا القرار، ألا إنني ومن حيث الجوهر اعتقد أن أي قرار لا يقترب من هذا الهدف النبيل – الرفع الفوري والشامل والا مشروط للحصار عن شعبنا -  سيساعد بطريقة او بأخرى في إدامة الحصار وبالتالي مواصلة إيذاء شعبنا العراقي، وتفاقم محنته، وإضعاف قدراته على مقارعة النظام الديكتاتوري. ونتيجة ذلك معروفة وهي أن استمرار نظام العقوبات مفروضا على شعبنا يعني في الوقت ذاته استمرار بقاء النظام الديكتاتوري لفترة أطول. وطبيعي أن هذا الموقف المبدئي، المستند الى القراءة الثانية، لا يعني الاقتراب من الطرح القائل بكل شيء أو لا شيء، فرفع الحصار لن يتحقق برفضه على الورق بل بمواصلة النضال دون كلل، ومراكمة النجاحات الصغيرة والبسيطة وصولا الى خلق حركة شعبية جماهيرية، على الصعيدين المحلي والدولي، قادرة على إحداث فعل نضالي يجبر مهندسي هذه القرارات ليس فقط على إجراء تغيرات شكلية في نظام العقوبات، بل الوصول الى قناعة بضرورة رفع النظام ذاته. والخلاصة، أن القراءة الاقتصادية – السياسية للقرارات الدولية تتيح لنا التميز بين ما هو تكتيكي وما هو  ستراتيجي، وتوظيف أي إنجاز تكتيكي لتحقيق الهدف الاستراتيجي : رفع نظام العقوبات.

 قرار 1409 يطيل، إذن، أمد الحصار على الصعيد الاستراتيجي، ولكنه بمقابل ذلك يجري العديد من التغيرات، على الصعيد التكتيكي، لامتصاص نقمة المعارضين لهذا النظام الجائر، وتخفيف بعض المعاناة عن شعبنا، في حال التمكن من تطبيق هذا القرار، وتوظيف ذلك لخدمة بناء تحالفات تنشأ على الأرض لإنجاز مهمات أخرى، لا تتعلق بالضرورة بالمصالح الأساسية لشعبنا وأفاق نضاله راهنا ومستقبلا، وتطلعه الى الحرية والسلام والديمقراطية.

 



#الحزب_الشيوعي_العراقي (هاشتاغ)       Iraqi_Communist_Party#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب سلام عادل سيرة مناضل
- لا بديل عن الرفع الكامل للحصار عن شعبنا وتشديد الخناق على ال ...
- توحيد الجهد المعارض ضمان اكيد لخلاص شعبنا
- الشيوعيون العراقيون في بريطانيايدعون الى المشاركة في مظاهرة ...
- على ماذا يريد الطاغية ان يتفق مع امريكا؟
- سعدي يوسف بدأ أمسيته الشعرية بالعراق وختمه بالعراق
- من الامبريالية الى الامبراطورية وما بعدها , شروط العولمة وبد ...
- مظاهرة ضد الاَرهاب الأسرائيلى في مدينة اسكلستونا/السويد
- الدعوة الى توطين الفلسطينيين.. لمصلحة من؟
- مجداً للاول من ايار عيد العمال العالمي
- النظام الدموي في بغداد يضرب بتوصيات المقرر الدولي لحقوق الان ...
- تصريح
- ألمجـد لحزبنا الشيوعي العراقي في عيد ميلاده الثامنة والستين
- لنجعل من ذكرى ميلاد الحزب حافزا جديدا للنضال من اجل حرية وسع ...
- لتشل الايادي الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني البطل
- في فنلنداندوة في الأدب و تطورات الأوضاع السياسية في العراق
- البلاغ الختامي الصادر عن الكونفرس العاشر لمنظمة حزبنا الشيوع ...
- احتفال خطابي مهيب بعيد الحزب في غوتنبيرغ
- جريمة اعدام ثلاثة عسكريين يشارك في تنفيذها جلاد في قيادة حزب ...
- دوائر بريد النظام أجهزة تجسسية على المواطن ومراسلاته


المزيد.....




- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الحزب الشيوعي العراقي - قرار مجلس الأمن الدولي 1409 يبقي على جوهر نظام العقوبات ولكنه يغير أشكاله واليات تنفيذه