أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - هوشنك بروكا - الإيزيدية: دين برسم التشرد(1)















المزيد.....

الإيزيدية: دين برسم التشرد(1)


هوشنك بروكا

الحوار المتمدن-العدد: 2334 - 2008 / 7 / 6 - 10:47
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


لا حاجة للدخول، ههنا، في جزئيات تاريخ هذه الديانة زماناً ومكاناً، أو النبش في خفايا انوجادها حضوراً أو غياباً. فالمعروف أو المسلّم به على مستوى الخاصة من الأكاديميين والباحثين وأصحاب الشأن في هذا المجال، هو أن الإيزيدية ديانة كردية قديمة. وبحسب السير مارك سايكس الباحث عن أثنوغرافيا الكرد في كتابه "سنتان في كردستان"، ف"إن الإيزيديين أكراد أقحاح، وليس هذا من الوجهة اللغوية فقط، بل أن أجسامهم وسائر مظاهرهم الخارجية تشبه تمام الشبه أكراد جبل ديرسم. والظاهر أنهم منهم، فهاجروا منه إلى سنجار بعد ظهور تيمورلنك واغاراته المدمرة على البلدان الإسلامية. فبهذه العقيدة أدخل سير مارك سايكس اليزيدية جميعاً في الخرائط وكشوفات الطوئف الكردية، في كتابه القيم"(يُنظر: محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، الطبعة العربية، 1985، ص28).
وتنص لجنة عصبة الأمم في تقريرها(ص58)، على أن "اليزيديين يتكلمون الكردية ويتعبدون بها، بل يعتقدون بأن إلههم نفسه يتكلم الكردية"(المصدر ذاته، ص 26)، كما يقول لسان حال الإيزيديين الممثل في نصوصهم الدينية، أو ما يمكن تسميتها ب"العلم الشفوي".

كل الطرق، إذن، على طول المكان الإيزيدي وعرضه، تؤدي إلى كردستان، وذلك بدءاً ب"لالش" التي يعتقد فيها الإيزيديون على أنها أول العالم، أو "سرة الأرض"، التي منها ابتدأ أول الحياة، أو الأول من كل شيء؛ أول الماء، وأول النار، وأول التراب، وأول الهواء، وانتهاءً بآخر قبةٍ أو مزارٍ أو طوافةٍ، اعتقد أو آمَن أهلوها، بأن بعضاً من الله أو "أبنائه" أو أشباهه أو ظلاله، قد صاروا واستقروا فيها.

والحال، فإنّ كردستان هي "الوطن القدر" لإيزيدييها/ تماماً مثلما هؤلاء هم قدرها الأخير. أو باستعارة تعبير فوكوياما، فيمكن القول بإن "كردستان هو خاتم الإيزيديين".

دينياً على المستوى العبادوي، وبحسب "دفاتر إيمان" الإيزيديين، لالش هي مركز الأرض، أو "المكان الحق"، كما يرد ذكر قصة قيامها الأول، في أسطورة التكوين الإيزيدية. ونظراً لقدسية هذا "المكان الأول" في الميثولوجيا الإيزيدية، اتخذه الإيزيديون "خاتماً نهائياً" لمقامات أوليائهم، وجهةً أكيدةً، مستمرةً، لممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، التي تعاد وتتكرر على مدار فصول الطبيعة.
وعلى اعتبار أن لالش هي "الأول من الأرض" و"الأول من كل حياةٍ عليها"، كما تخبرنا النصوص الإيزيدية، نجد أن العابد الإيزيدي يحملها معه، مرموزةً في "برات"ه، أينما حلّ وارتحل.
ف"البرات" التي هي عبارة عن كرات اهليليجية أو بيضوية صغيرة(بحجم بيوض الدوري)، معجونة من "تربة لالش"(أول الأرض) وماء النبع البيضاء/كانيا سبي(أول الماء)، هي العلامة الفارقة على هوية إيزيدية من يحملها، أو عنوان إيمانه الأساس.

عليه فإن البرات هي رمز "الأرض الأولى"(لالش)، أي "الأرض الأصل" أو "الأرض الخميرة"، التي منها "ولد" المكان وامتد في جهات الله الواسعة. فالمعنى الرمزي للبرات يدل على مسقط رأس "المكان" وولادته الأولى، التي ابتدأت ب"لالش". بالتالي فإن حمل البرات، على مستوى الرمز إيزيدياً، سيعني حمل "الأرض البدئية" الدالة على "المكان البدئي" الذي سكن فيه "المقدسون الأولون"، وعليه قاموا بالأول من الأفعال، التي تُعاد بدورها على مدار السنة، في العالي من الزمان(زمان الأعياد)، وذلك عبر طقوس ومراسيم احتفالية دينية خاصة جداً.

والحاصل، فإن ل"المكان الإيزيدي" حضور دائم في قيام وقعود عابديه، الذين يقدسونه ويتعبدونه في براتهم(خميرة الأرض) التي يفرض دينياً مرافقتهم، في دنياهم كما في آخرتهم، وهو الأمر الذي يعني على المستوى الديني القدسي، ضرورة تمسك الإيزيدي ب"أرضه" الأصل، التي منها ابتدأ الأول من دينه وإيمانه.

"لالش"، بحسب اعتقاد إيزيدييها، هو مكان كردي "ممتاز"، لإعادة ما قامت به الآلهة في البدء من أفعال تأسيسية، فاضت منها العالم وموجوداته.
من هنا ترد لفظة "كردستان" في بعض النصوص الإيزيدية(نص شه رفه دين & دعاء الشروق & باشنفيز أو دعاء مابعد الصلاة/ يُنظر Celadet Bedirxan: Nivêjên Êzîdiyan, Şam, 1933, R.8, 10)، بإعتبارها "وطناً نهائياً لدينهم"، مثلما هو في واقع الحال، "وطنٌ نهائي" أكيد لدنياهم وآخرتهم، أو لحياتهم وموتهم.

بالرغم من مكانة كردستان لدى الإيزيديين، بإعتبارها وطناً دينياً ودنيوياً لهم، إلا أنهم كانوا فيها على الدوام ، كدينهم، "شعباً" برسم التشرد.

تاريخياً، يعتقد الإيزيديون بإنهم تعرضوا على مرّ زمانهم الصعب وجغرافياتهم الأصعب، لما يربو إلى إثنتين وسبعين فرماناً أو حملةً دمويةً، استهدف فيها كل الوجود الإيزيدي، من أوله إلى آخره. ومثلما تقول دفاتر البعض المدوّن الباقي منها، فأن الإيزيديين أبيدوا في بعضها الوحشي عن بكرة أبيهم، وهو الأمر الذي دفعهم، فرمانئذٍ، إلى الإنزواء في جبالهم الصديقة، وانتظار تاريخٍ أرحم لمعاودة الإقامة في "مكانهم المصطفى أو الأصفى"، حسبما يذهبون إليه، والذي تلتقي فيه إقامتهم مع إقامة الله وأوليائه، وآبائهم الأولين.

فمنذ أن غضب التاريخ ومرتكبوه على الجغرافيا الإيزيدية والمقيمين فيها، والإيزيديون يتشردون في المكان، بذات المثل الذي تم تشريد المكان عن أسمائهم(والتعبير للكبير سليم بركات). هبطت لالش، كما تقول أسطورتهم، كي تستقر الأرض وكل العالمين بدءاً من ذاك الهبوط الخميرة، دون أن يمنحهم الزمان فرصة الإستقرار في لالشهم، والإقامة في طقوس مكانهم، أو عبورها، كأهلين مستقرين، من وإلى مكانهم المستقر.

ولكن السؤال المطروح ههنا، هو:
ما الذي يدفع بالإيزيديين إلى اللاإستقرار في "كردستان لالشهم" بإعتبارها أولاً للمستقر، كما تشهد نصوصهم الدينية؟
لماذا يهرب الإيزيديون من "خاتمهم"، الذي وصفته من قبل ب"وطنهم النهائي"؟
لماذا يسعى الإيزيديون كل جهدهم، الخروج من "كردستان الخاتم"، للدخول في خواتم الآخرين(الخواتم الأوروبية تحديداً) ، ومن ثم التشرد فيها؟
هل حكم التاريخ على الإيزيديين ودينهم، بالتشرد إلى الأبد في جغرافيا الله، أم أن هؤلاء أنفسهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم، ب"التشرد الطوعي" من "خاتمهم النعيم" إلى "المنفى الجحيم"، حيث المكان الآخر، والتاريخ الآخر، والإجتماع الآخر، والدين الآخر، والإنسان الآخر، واللسان الآخر ...إلخ؟
هل بات تشرد الإيزيدية ديناً ودنيا، مرضاً مزمناً، يصعب الفكاك منه، أم أنه بات ضرورةً حياتية، للخروج من "الخاتم السجن"، والدخول في حرية خواتم الآخرين، من أوسع أبوابها؟





#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلبجة تموت واقفةً
- كوبونات مستنسخة كردياً
- كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً(الأخيرة)
- كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً(9)
- -فتوى- عبدالله خلف ومأساة الإيزيدية
- كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً(8)
- مثقفون عشائريون
- كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً(6)
- البعث يقتل قامشلو مرةً أخرى
- كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً(5)
- في مطبخ القادم من الكابينة الكردية
- كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً(4)
- كردستان الحاضرة الغائبة إيزيدياً(3)
- الحرب بين -شمسَين-: مَن يطفئ مَن؟(2/2)
- الحرب بين شمسَين: مَن يطفئ مَن؟ (1)
- كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً (2)
- كردستان الحاضرة العائبة إيزيدياً 1
- جمهورية سعدالله خليل
- كردستان في مهّب الفساد
- شعب الله الشفوي


المزيد.....




- هدده بأنه سيفعل بأخته ما فعل به لإسكاته.. رجل يتهم قسيسًا با ...
- مصر تفتتح أكبر مراكز بيانات -مؤمنة- في تاريخها تحتوي على كل ...
- يوتيوبر أمريكي ينجو من الموت بأعجوبة (فيديو)
- السعودية.. جدار غباري يجتاح وادي الدواسر وزوبعة ضخمة تظهر ش ...
- بوريل: لسنا مستعدين للموت من أجل دونباس
- السيسي للمصريين: علموا أولادكم البرمجة بدلا من كليات الآداب ...
- محمد صلاح.. يلمح إلى -خطورة- الأسباب وراء المشاجرة الحادة بي ...
- الزي الوطني السعودي.. الحكومة توجه موظفي الحكومة بارتدائه اع ...
- الشرطة الليبية.. ردود فعل واسعة بعد تدافع رجال أمن خلف شاحنة ...
- حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا يستقيل قبل تصويت مقر ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - هوشنك بروكا - الإيزيدية: دين برسم التشرد(1)