أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 12















المزيد.....

معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 12


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2325 - 2008 / 6 / 27 - 00:21
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    



كانت الساعات وحتى الدقائق الماضية تحمل أخبارا غير سارة . الإسرائيليون يتقدمون في كل الجبهات والقوات العسكرية العربية تنكسر في كل الجبهات أيضا . لا احد من السجناء السياسيين بإمكانه أن يتجاهل المعاناة المأساوية التي تمر بها الشعوب العربية كافة ، وكذلك معاناة الأنظمة العربية التي ما فاتها يوما واحدا بدون جلد ظهور شعوبها ، ومنها النظام العراقي الحالي الذي يدّعي الوطنية والاشتراكية لكننا نحن السجناء كنا وما زلنا مثالا صارخا لجبروته النازل علينا حتى أنهم منعوا علينا هذا اليوم دخول الصحف والمجلات العراقية وهي صحفهم ومجلاتهم الناطقة باسمهم ولو كان الأمر بيدهم لمنعوا علينا سماع الراديو الذي نصغي إليه سرا داخل القواويش . لا يريدون أن نعي ما يحدث إلا من خلال تلفزيون بغداد الذي كان ينقل للسجناء أخبار " الانتصارات " في الجبهة المصرية عن طريق نقل أكاذيب البوق المهرج المدعو احمد سعيد وجماعته في إذاعتي القاهرة وصوت العرب عن خسائر الجيش الإسرائيلي وعن انتصارات الجيوش العربية ..!
السجناء في الحلة صار السجال بينهم واسعا وصار اعتمادهم على التحليل الماركسي يدفعهم إلى الاعتقاد بان نكسة الجيوش العربية لا محالة فيها وان البورجوازية القومية لا يمكن الثقة بها ، لا في مصر وحدها ، بل في كل البلدان العربية ، ومنها العراق أيضا . وسادت نتيجة هذا القلق المتنامي داخل السجن بين أعضاء فريقي التنفيذ والتخطيط حالة نفسية متوترة دفعتهم إلى ضرورة الإسراع بحفر النفق .
تزايد توتر مظفر النواب على هامش هذه الأحداث وكانت حركته اليومية المتجولة بين القواويش ومجاميع السجناء تساعده في استكشاف مواقف السجناء وأفكارهم والتي توفر له أمكانية التأمل في مصير النفق وفي برامج وخطط حفره وتهيئته .
من جهة ثانية كان حافظ رسن يحاول إزاحة كل تردد ومحاولة العثور على الموقف الصائب خاصة وان لقاءاته مع حسين سلطان خلال هذين اليومين قدمت له قناعة تامة أن التخيلات عن العفو العام مازالت قائمة في قاووش حسين سلطان ولدى المحيطين به خاصة صاحب الحميري وجميل منير .
أما لجنة التنفيذ وخاصة فاضل عباس وعقيل حبش وحسين ياسين وكمال ملكي فقد كانت الأحداث تزيد في وعيهم وخبرتهم لتزيدهم حماسا في العمل .
ظهر حسين سلطان في عدد من لقاءاته وأحاديثه أكثر تفاؤلا باحتمال صدور العفو العام تحت ضغط الواقع العسكري العربي وتحت تأثير الوضع السياسي في العراق وكان يطابق تقديراته على الحالين انتصار مصر أو هزيمتها فأنه كان يلتقط أفكاره من مؤشرات بعض الإشاعات والدعايات القادمة من بغداد حول حاجة الدولة العراقية إلى " تحشيد " قوى الجماهير .
خلال الحوار الجاري بين السجناء وجدنا أزمة فكرية حادة . اليأس يتغلغل إلى صدور الكثير منهم . ربما هذه الحالة هي انعكاس لمعاناة الناس خارج السجن على امتداد البلدان العربية كلها ابتداء من بغداد .
كل الأنظمة العربية وهي لا تملك من روح الديمقراطية شيئا مغلوبة على أمرها حتما جراء أحداث خلال الــ 48 ساعة الماضية . ولا شك أن شعوب مصر وسوريا والأردن وفلسطين تمر بساعات مأساوية . هذا هو الشعور القاسي الذي ملأ قواويش السجن وساحاته وصارت ماثلة للعيان عذابات انقلاب 8 شباط 1963 وبسطت من جانب آخر أفكار بحث السجناء عن موقف حكومة بغداد واختبار موقفها من قضية إطلاق سراح السجناء . جملة القول إن سماء السجن كانت مظلمة والساعات مرت ثقيلة على الجميع .
ثم جاءت ساعات من نوع آخر في اليوم السابع من حزيران حملت فيها برقية جوابية من مديرية الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع إلى مدير سجن الحلة تأمر إرسال الضباط الخمسة الموقعين على البرقية " مخفورين " إلى وزارة الدفاع " بأسرع ما يمكن " .
أثارت هذه البرقية كثيرا من النقاشات والتفسيرات .
كلمة " مخفورين " دفعت البعض من السجناء إلى تفسير موقف وزارة الدفاع من تطوع الضباط الشيوعيين بصورة سلبية .
أما عبارة " بأسرع ما يمكن " فقد دفعت البعض الآخر إلى تفسير الموقف الحكومي من هذا الموضوع بصورة ايجابية .
في اليوم التالي تم تسفير الضباط إلى بغداد ، مصحوبين بحب السجناء وتوديعهم وأمنياتهم بالسلامة . كانت الحراسة مشددة عليهم من قبل السجانة منذ لحظة مغادرتهم السجن . وقد تم الاتفاق بينهم وبين المنظمة السجنية على ضرورة إعلامها بنتائج اللقاءات التي ستتم في وزارة الدفاع أو غيرها من الجهات الحكومية المسئولة .
وصل الضباط الخمسة مخفورين إلى وزارة الدفاع ببغداد وحال وصولهم قابلهم معاون مدير الاستخبارات المقدم عبد الرزاق النايف لان مدير الاستخبارات العقيد الركن شفيق الدراجي كان غير موجود في الوزارة بتلك اللحظة .
استقبلهم عبد الرزاق النايف بطريقة فظة تماما ليس فيها أي شكل من أشكال الأخلاق العسكرية والزمالة ، بل كان يشوبها الحقد الواضح للضباط وللشيوعية أيضا .
تسللت إلى السجن أخبار متتابعة عن لقاءات الضباط في وزارة الدفاع مع بعض كبار مسئوليها وفي مقدمتهم مسئولو الاستخبارات العسكرية .
قال عبد الرزاق النايف :
ـ لم تحصل موافقة وزير الدفاع اللواء الركن شاكر محمود شكري على طلبكم
ثم أضاف بطريقة متعالية وخشنة :
ــ أقول لكم بصراحة أن السيد الوزير لا يثق بالشيوعيين ولا يطمئن إلى الضباط الشيوعيين .
وعندما سأله احد الضباط : لماذا أرسلتم علينا وما جدوى هذا اللقاء ..؟
أجاب النايف : لقد أرسلنا لمقابلتكم بقصد تجديد سياستنا في إطلاق سراحكم والذهاب إلى بيوتكم في حالة واحدة فقط عندما توقعون ورقة " البراءة " من الحزب الشيوعي والتوقف نهائيا عن العمل السياسي .
ثم قال ملخصا كلامه : اللعنة على الاتحاد السوفييتي واللعنة على أمريكا أنصحكم بالتوقيع على صك البراءة كي تعودوا إلى بيوتكم وعائلاتكم .
التفت إلى جبار خضير ليسأله : ما رأيك يا جبار ..؟
أجاب جبار بثقة تامة وبقوة : نحن نرفض البراءة رفضا قاطعا أيها المقدم عبد الرزاق النايف .. لقد قدمنا لكم طلبا عرضنا فيه استعدادنا للتضحية بحياتنا من اجل حرية واستقلال الشعوب العربية ونحن في غاية السعادة إذا ما حصلنا على شرف مقاتلة المعتدين المفروض أن توافقوا على طلبنا فورا إن كنتم ترغبون فعلا بتحشيد القوى الوطنية في المعركة والاستفادة من خبرة ضباط وطنيين يسحقهم ظلام السجن وهم يريدون المساهمة بالنضال ضد العدوان الإسرائيلي .
بعصبية قال النايف : كف عن هذه الفلسفة كفوا جميعا عنها وعودوا إلى أطفالكم وبيوتكم عن طريق " البراءة " فقط .
قال أديب جورج : لا نريد العودة إلى بيوتنا ونحن ضعاف النفوس وضعاف في مبادئنا . نريد العودة كما كنا دائما رؤوسنا مرفوعة .
أضاف جبار خضير : لا نعطي براءة ولا نتخلى عن مبادئنا أيها السيد المقدم عبد الرزاق النايف لقد قضينا في السجون سنوات طويلة ونحن بأعلى مستوى من الصبر والإيمان وسنظل كذلك وليس لدينا أي استعداد لسب الاتحاد السوفييتي أو شتم قادته فهذا البلد يقدم للدول العربية كل أنواع المساعدات العسكرية في حربه ضد العدوان الإسرائيلي
مرة أخرى قال عبد الرزاق النايف بعصبية :
ــ إذا ما يعجبكم التوقيع على صك البراءة فعودوا إلى زنازين سجونكم المظلمة واطمروا أنفسكم فيها .
هنا انتفض الملازم الأول أديب جورج ــ حاليا موجود في كندا ــ موجها كلامه إلى النايف ( كنا نتصور أنكم دخلتم المعركة بشكل جدي وقد دفعتنا روحنا الوطنية للتطوع ورد العدوان لكن اتضح الآن أنكم لستم بمستوى العمل الجاد فأين هي الوطنية التي تدعون بها وأين هي القومية التي تتنادون بأهدافها ..) .
لم يتمالك المقدم عبد الرزاق النايف أعصابه فرد ردا قاسيا بكلمات غير مؤدبة على الملازم أديب جورج واصدر أمرا إلى الحرس العسكري بإرسال الضباط الخمسة إلى معتقل الانضباط العسكري فورا تمهيدا لإرسالهم إلى نقرة السلمان .
في اليوم التالي أعلن الضباط الخمسة إضرابهم عن الطعام مطالبين بإرسالهم إما إلى جبهة القتال وإما إعادتهم إلى سجن الحلة . إثر الإضراب قام العقيد الركن شفيق الدراجي مدير الاستخبارات العام بمقابلتهم ليخبرهم أن برقيتهم عرضت على وزير الدفاع ولم يوافق على طلبكم بل هو منزعج منها إذ أعلن صراحة بعد قراءتها انه يفضل دخول الجيش الإسرائيلي إلى بغداد ولا يفضل عودة الضباط الشيوعيين إلى الجيش كما أنه لا يقبل مشاركتكم في المعركة ضد إسرائيل .
هذا هو الواقع الذي تتحكم بموجبه السلطة الحاكمة في بغداد يمسهم حالا مس من الجنون كلما سمعوا أو واجهوا موضوعا عنوانه السجناء السياسيون في العراق تتقطع أنفاسهم حالما يسمعون مطلبا جماهيريا بإطلاق سراحهم ومخيلتهم لا تستوعبا قرارا اسمه العفو العام .
على تخوم هذه الأخبار الواردة من الخارج عن الضباط الخمسة ومقابلاتهم في وزارة الدفاع انتهت إلى الأبد ، داخل السجن ، بعض الموضوعات القائمة على الثقة بنظام عبد الرحمن محمد عارف أو على الظن بالعفو العام بعد أن قطع حاشيته العسكريون في مديرية الاستخبارات كل ظن .
أول المهتمين بهذه الأخبار كان فريقا التخطيط والتنفيذ لعملية الهروب وقد تم الانتفاع منها في تحفز أكبر في الفترة اللاحقة لتجاوز كل الصعوبات أثناء الحفر وصار بإمكان حسين ياسين وفاضل عباس وعقيل حبش وكمال ملكي أن يوقعوا عهدا بينهم وبين النفق بان لا يتوقفوا عن حفره مهما كانت الظروف ومهما كانت الصعاب وصارت آمالهم الرومانسية بنيل الحرية دافعا مثاليا وكان مظفر النواب يملك يمين الإعجاب والمودة في أي لقاء معهم أو مع أي فرد منهم كي يتم بلوغ الطريق المقدس بأقصى سرعة . لقد صار النفق لكل واحد من الحفارين مثل خطيبة او عشيقة او حبيبة لا يستطيع طوال الليل والنهار إلا التفكير بها .
كانت لقاءات الشاعر مظفر النواب أداة لسقي النبتة ورعاية الزارعين تمهيدا لرؤية السنبلة في العالم السفلي من ارض الصيدلية المحروثة بعزيمة قوية عطوفة بين أحباء بمستطاعهم تجديد طاقاتهم الإنسانية والنضالية والتدفق إلى خارج النفق ، إلى نسيج الحزب الشيوعي وسجاده ، بقوة أيضا .
*************************
يتبع



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معضلة الذاكرة ... وقصة الهروب من سجن الحلة 11
- هزات متبادلة بين مايوهات مجاهدي خلق وفيلق القدس .. العراق هو ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة المركزي .. 10
- كيف تصبح سفيرا عراقيا بخمسة أيام بدون معلم ..!!
- يا ليتنا كنا في الفضاء الخارجي لنفوز والله فوزا عظيما .. !! ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 9
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 8
- حول الانتخابات المحلية القادمة أقول : إن الكوز الفخّار سريع ...
- التاريخ العراقي يعيد نفسه مع بائع فلافل ..!!
- إلى المليارديرية والمليونيرية وكل المردشورية في النجف الأشرف ...
- ترياق ايراني من نوع اكسترا ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 7
- الحرب والموت هما المد والجزر في بحر الرأسمالية الأميركية ..! ...
- نصر الله .. حزب الله .. أبن الله ..!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 6
- النكتة السياسية البغدادية أصدق أنباء ًمن الصحف ِ ..!!
- أستاذة جامعية هاربة من أهوال زوجها الملتحي ..!
- يا رئيس الوزراء لا يأتي إصلاح من الجرذان ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 5
- بيان هام من مؤسسة السكارى في بصرة الناسكين الغيارى ..!!


المزيد.....




- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 12